• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : الفقه وآيات الأحكام .
                    • الموضوع : الطفل والمسجد .

الطفل والمسجد

ولا يختلف حال المشاهد المشرَّفة عن المساجد كثيراً، خصوصاً مشاهد الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) والأولياء الصالحين؛ إذ يشعر الإنسان أنّه أقرب إلى الله تعالى في هذه الأماكن منها في غيرها؛ لأنّها تذكّره بالله {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ} [النور: 36]. لا يخفى أنّ الحضور في المساجد وما في حكمها يؤثّر تأثيراً كبيراً في الرقي الروحي والمعنوي للإنسان؛ لذا نجد تعاليم الإسلام قد أولت ذلك عناية خاصة وحثّت المؤمنين على الحضور والتواجد فيها وعمارتها، وجعلت لذلك آداباً ورسوماً خاصّة من قبيل: أحكام الدخول والخروج، التنظّف، كراهة البيع والشراء فيها، وغيرها.

وهذا الحضور وهذا الشهود لا يميّز فيه أفراد الإنسان بين كبير وصغير؛ بل إنّ الطفل أكثر تأثّراً وأقوى إشعاعاً في التجاوب مع الأجواء الروحية من الكبير البالغ الذي ربّما تكدّرت معنوّياته ببعض المكدّرات؛ فهو يكون أكثر تأثّراً من غيره من الأطفال عندما يشارك والديه في المراسم الدينية التي عادةً ما تقام في المساجد والحسينيات كليالي القدر ومجالس العزاء وبعض مجالس الأفراح التي تقام على اسم المعصومين والأنبياء (عليهم السلام)، ولكنّ اكتساباته المعنوية فيها تبقى مرهونةً بمراعاة بعض الشروط والوظائف التي تأخذ بعين الاعتبار الفكر المحدود للطفل ونسبة إدراكه وحدود فهمه لتكون أكثر حركية وتأثيراً فيه على نفسه ومعنوّياته، وما هذه النقاط التي سنذكرها إلا إشارات نضعها بين يدي الأهل والمختصّين، يؤمَّل لها أن تكون مساعداً في التوجّه على هذه الشروط والوظائف في هذا المجال.

الطفل والمسجد

تختلف القابلية والاستعداد النفسي للحضور في المساجد من طفل لآخر حسب المستويات العمرية والنضج العقلي الخاص به، فالأطفال في عمر العاشرة فما دون لا يستأنسون كثيراً إذا ما قيسوا بالأطفال الذين هم فوق ذلك؛ خصوصاً الأطفال في عمر الثامنة حيث قد تنعدم الرغبة عندهم بتاتاً؛ بينما الذين هم في الثالثة عشر فإنّهم يشعرون أنّ للمساجد تأثيراً خاصّاً في نموّهم المعنوي الروحي والأخلاقي، وهم يأنسون أكثر بالقصص الدينية والمراسم المختلفة بما قد يساعدهم في ربط أواصرهم الاُسرية والاجتماعية إذا ما قاموا بالعمل مع أقاربهم وأرحامهم.

 

ويرى الأطفال في هذا السنّ أنّ الإيمان والتديّن هو العامل الوحيد الباعث لهم ولكلّ هذه الجموع أن تتواجد في هذه الأماكن المقدّسة، دون أيّ التفات إلى أيّ عامل آخر، ممّا يعمّق في أنفسهم روحية الإيمان والقيم؛ إذ إنّهم يدركون أنّ هذه الجموع إنما ارتبطت بهذه الأمكنة لا لغاية دنيوية أو اتفاقية، بل إن الذي جمعهم هو هذا الإحساس القدسي الذي يجدونه في أنفسهم نتيجة قيامهم بالوظائف والأعمال المقرّرة لهم فيها.

المسجد والتربية الروحية للطفل

لأجل الاستفادة من الأماكن المقدَّسة ـ وخاصة المساجد ـ في التربية الروحية للطفل، يحسن التوجه إلى اُمور يمكن لها أن تساعد في رقيّه المعنوي نتيجة التواجد فيها باستمرار:

1- الاستعداد الدائم لكلّ ما يمكن أن يطرحه الطفل من أسئلة تحتاج للإجابة.

2- إعداد خطّة مسبقة لأجل إشراك الطفل في إحياء الشعائر الدينية.

3- تشجيع الطفل على المشاركة في المراسم الدينية ولو بالقيام بوظيفة الخدمات بما يسمح له سنّه.

4- تعريفه على المجموعات الناشطة في هذا المجال، كما لا بأس بالسماح له في أن يشارك في الجلسات التحضيرية لها، بشرط أن يراعي بذلك انضباطه واستمراره في الحضور.

5- يجب أن لا يترك الطفل وحده؛ إذ إنّ ذلك من شأنه أن يضعف في نفسه الاحترام والتقديس لتلك المجالس، كما ينبغي تعليمه الآداب الخاصّة التي يجب عليه أن يراعيها أثناء مشاركته فيها، من هنا تحسن مرافقته من قبل الأهل (الأب أو الاُم)؛ إذ لذلك أثر مهم في إلفات الطفل إلى مدى أهمية هذه الجلسات وما للمشاركة فيها من أهمية وفائدة يحسن به أن يستفيد أيّما استفادة.

6- ضرورة تعريف الطفل بحقيقة تلك المجالس بلغة واضحة وسهلة.

7- يجب على قدر المستطاع تبيين الاُمور كاملة للطفل بما في ذلك أدقّ الجزئيات.

8- يجب تعليم الطفل آداب الصلاة والدعاء بما فيها الخشوع الظاهري للجوارح وكيفية الإتيان ببعض مستحباتها؛ من قبيل: رفع اليدين للدعاء، وسجدة الشكر بعد الصلاة، والتأني وعدم العجلة وغيرها...

9- يُبيّن للطفل ما يجب عليه القيام به قبل أن يبدأ، وأفضل وسيلة هي أن يتمّ اصطحابه إلى تلك الأماكن قبل البدء وتعريفه بوظائفه كاملة؛ طبعاً هذا في حالة الإمكان والقدرة وإلا فيكتفى بالتوضيح اللفظي له والاستفادة من وسائل الإيضاح التي تساعد كثيراً في المقام.

10- يجب أن يؤدب الطفل بالخُلُق الحسن ويُعوَّد على احترام الآخرين دائماً، ولا يجوز للأهل أن يتسامحوا في هذا المجال؛ لأنّ هذا يمثّل نقطة البداية مع الطفل في بقية تعاليمه، فإذا تمّ إهمال هذا الجانب في حياة الطفل فإنّه سيؤدي إلى كثير من المشاكل التي ستظهر تباعاً بالتزامن مع نضوج الطفل، وستضيع الكثير من الجهود التي تهدف إلى تعويد الطفل على احترام حقوق الآخرين في أي مكان تواجد فيه.

11- قد يحصل أن لا تؤدّي التنبيهات والإرشادات دورها في ترويض الطفل أثناء المشاركة في المراسم الدينية والاجتماعية، من هنا يستحسن ـ إذا كان عمر الطفل صغيراً ـ أن يصطحب معه بعض الألعاب التي لا تزعج الحضور والقصص والتسالي لتكون سلوة له حين الضجر.

12- اختيار مكان مناسب لجلوس الطفل؛ بحيث يساعد على الخروج عند الاضطرار دون أيّ ازعاج يذكر.

13- توجيه الطفل إلى أنّه لا يمكنه الخروج أثناء إقامة المراسم لِما في ذلك من الإخلال بالجو العام أو تشتيت انتباه الخطيب أو القارئ، اللّهم إلى في حال الضرورة فإنّه يمكن له ذلك مع سعيه قدر المستطاع للمحافظة على الأجواء كما هي.

14- على الجهات المعنيّة أن تكون مساعداً للأهل في تهدئة أطفالهم بدل إظهار علامات الاعتراض والانزعاج من حضورهم وضجيجهم.

15- يمكن للمعنيِّين أن يستوعبوا الأطفال عبر إبراز المحبة والتودد لهم، كالذهاب بهم خارجاً لبرهة قصيرة أو إعطائهم بعض الحلوى وما إلى ذلك.

16- يجب أن يدرك أولياء الاُمور ما يحدثه أطفالهم من ضوضاء وكثرة حركة ممّا يسبّب أذية الحاضرين وتشتّت انتباههم، وعلى الآخرين تقديم العون لهم لإيجاد أرضية صالحة تتفاعل فيها الجهود وتتوحّد في سبيل استفادة الجميع من أجواء المسجد الروحية، ولا يعقل أن نبقي الأهل وأطفالهم محرومين من هذه الاستفادة بذريعة حركة هؤلاء الأطفال وضوضائهم.

17- يجب إعداد خطّة مسبقة لمعالجة الأطفال كثيري الحركة كي لا تكون كثرة حركتهم ونشاطهم المتزايد سبباً لحرمانهم من الحضور في المسجد خصوصاً إذا ما علمنا أن تواجدهم فيه يعزّز ما بداخلهم من شعور الانتماء للمجتمع والمذهب فضلاً ممّا لذلك من آثار معنوية عديدة.

18- يستحسن تخصيص فقرة بسيطة للأطفال كأن يُطلب منهم تلاوة آيات من القرآن الكريم أو توزيع المناديل على الحضور أو إلصاق بعض الإعلانات التوجيهية على لوحة الإعلانات وما شابه ذلك.

19- يجب تخصيص دورات تعليمية وتدريبية خاصة للأطفال تحت إشراف ذوي الخبرة والاختصاص دون أن يعني ذلك عدم تشكّلها في حال عدم تواجدهم، بل إن الهدف الأصلي هو تشكيلها مع السعي قدر المستطاع إلى الرقي بها إلى الشكل الأفضل والأتمّ.

20- محاولة استنطاق مشاعر الطفل عبر مساعدته في اختيار الاُمور المعنوية؛ كأن تطلب منه أن يغمض عينيه وليسرح في بحر أفكاره، وعن المكان الذي يحبّ أن يكون فيه حينما ينشغل بالدعاء والصلاة والمناجاة.

21- بيّن للطفل فلسفة بناء الأماكن المقدَّسة وما ترمز إليه، واشرح له طريقة بنائها وما لتركيبها من معنى وما يمثله المحراب والقبب، وما إلى ذلك.

22- عوّد الطفل على احترام تلك الأماكن فلا يتحدّث بداخلها بصوتٍ عالٍ ولا يكثر من التحديق في وجوه الناس، وليكن مشاركاً قدر المستطاع في البرامج التي تُقام فيها.

23- عوّد الطفل على احترام الأماكن المقدَّسة للآخرين وعدم الاستهزاء بأصحابها أو روّادها؛ لأنّها تعني أمراً مقدّساً ومتعالياً لهم.

24- يجب عدم إطالة البرامج المُقامة خصوصاً الدعاء والصلاة بالقدر الذي ينزعج معه الطفل أو يصاب بالملل.

25- عدم اجبار الطفل على المشاركة في حال انعدام الرغبة عنده في ذلك.

26- يستحسن تهيئة طعام خفيفٍ للطفل بما تسمح به الظروف، مع التأكيد على استبيان مشاعره قبل وبعد المشاركة في إحياء الشعائر؛ لأنّ ذلك ممّا يحفّز الطفل على أن يكون أكثر استجابة وانسجاماً.

وفي الختام...

يجب الانتباه إلى فضاء المسجد أو الحسينية؛ إذ أنّ الحرارة المرتفعة والضوضاء وعدم تنظيم البرامج وإقامتها بشكل مطوّل، فضلاً عن بعد المسير وتشدّد الوالدين في الإتيان بالمستحبّات، وعدم التوجّه إلى محدودية الطفل وتوجيهه، والتصرّف الانفعالي من المشرفين على الاُمور، كلّ هذا من شأنه أن يُبعد الطفل عن المسجد والأماكن المقدَّسة.

كما أنّ التجربة الفاشلة التي يشهدها الطفل في بداية تكامله ستترك في نفسه آثاراً سلبية يصعب تفاديها مستقبلاً؛ حين يصبح شابّاً طموحاً يُؤمَّل له أن يكون فرداً صالحاً مثقّفاً بثقافة المسجد.

فحريّ بنا نحن الأهل والمهتمّون أن نحسن فهمنا لهذه الاُمور؛ لنكون مصداقاً لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم : 6].

عن سلسلة (طفل عالم بربّه ـ10) ـ الشؤون الثقافية والتربوية في جامعة المصطفى (ص) العالمية، بتصرّف.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1599
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 11 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24