• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : العقائد في القرآن .
                    • الموضوع : الإمامة في القرآن الكريم .

الإمامة في القرآن الكريم

الشيخ محمد السماعيل

 قال تعالى في محكم كتابه: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً}(1)

هذه الآية الكريمة تتحدّث عن مآل الناس ونتائج أعمالهم؛ إذ تقرّر عاقبة كل إنسان وفق المعايير والموازين الإلهية، التي منها دعوة كل إنسان بحسب إمامه الذي اقتدى به، حقّاً كان أم باطلاً، فإمام كل إنسان ما اقتدى به وسار خلفه، فإمّا أن يدخله الجنّة، وإمّا أن يقوده إلى جهنّم والخسران المبين. 

ولقد كرّر القرآن الكريم كلمة (إمام) في اثنا عشر موضعاً مختلفاً من الكتاب العظيم  بمعاني مختلفة، ولكن المتأمّل في هذه المعاني يجد أنّها تتحدّث عن نوعين مختلفين ومتباينين من معاني الإمامة، وهما: الإمامة الحقّة، والإمامة الباطلة؛

أولاً: الإمامة الحقّة: ويقصد بها إمامة الهداية والنجاة

وقد ذكر لها مصاديق في القرآن الكريم وهي:

أ‌)        أن يكون الإمام من البشر

قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}(4)

ب‌)      أن يكون الإمام من الكتب السماوية

قال تعالى: {أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَامًا وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ}(5)، وقال تعالى أيضاً: {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ}(6)

ج) أن يكون الإمام طريقاً واضحاً ومبيناً 

قال تعالى: {فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ} (7)

ثانياً: الإمامة الباطلة: ويقصد بها إمامة الكفر والضلال

قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ} (8) .

وقال تعالى: {وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} (9).

مكانة الإمامة في رواية أهل البيت (عليهم السلام)

قال الامام الباقر (عليه السلام): «بُني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية» (2) 

فالولاية والامامة تحدّد المسار الديني والدنيوي للإنسان، والذي سيسلك بالإنسان في الآخرة مسلك القائد الذي انتخبه لنفسه في الدنيا واتخذه إماماً وقائداً له، كما تبيّن الآية الآنفة الذكر ذلك، ومن هنا نادى رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «من مات بغير إمام مات ميتة الجاهلية»(3) .

الحد الفاصل بين الإمامتين الحقّة والباطلة

بعدما تبيّن لنا أنّه هناك إمامة حق وإمامة باطل، بقي علينا أن نبيّن الحد الفاصل بين الإمامتين الحقّة والباطلة، وإن كان التفريق بين الإمامتين في الواقع الخارجي أمر وجداني، فلا يحتاج إلى زيادة مؤنة إلا أنّه لابدّ من وضع ضابطة علمية لكي لا يكون لضال حجة يحتج بها، بحيث يمكنه استشفاف تلك الضوابط من خلال القرآن الكريم والسنة المطهرة واستقصاء أهل العلم، منها ما يلي :

1.      إنّ الإمام الحق لا يمكن أن يكون ظالماً وانتفاء الظلم عنه لابد أن تكون بدرجة عالية بحيث تساوق درجة العصمة الكبرى، والتي تؤهله لهداية الآخرين، وإلا لم يستحق الامامة  لقوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (10)

بخلاف الإمامة الباطلة فإنّها قد تكون للظالم والجائر والفاسق .

2.      إنّ الامام الحق لا يكون إلا بجعل من الله تعالى واصطفاء  واجتباء  واختيار لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ} (11)  ولقوله تعالى:  {.....إني جاعلك للناس إماماً .....}.

وأمّا الامامة الباطلة فهي تكون باعتبار معتبر واختيار الناس، والاعتبار سهل المؤنة فتزول بموت صاحبها أو تنتقل بالإرث إلى غيره على أبعد التقادير، بعكس الإمامة الحقة فهي باقية في عنق المأمومين حتى بموت صاحبها، ولا تزول ولا تنتقل بإرث؛ لأنّها عهد إلهي، قال تعالى:  {قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}

3.      إنّ دور الامامة الحقيقية هو هداية الناس إلى الله تعالى من خلال تقدمهم في المسيرة الربانية عملياً، كما جاء ذلك في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}(12) ؛ لأنّ إمامتهم إمامة تكوينية ثابتة على مرّ التاريخ وفي قلوب الناس قال تعالى: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِم}(13) 

بخلاف الامامة الاعتبارية والتي هي بالثقافة السائدة  عبارة عن ولاية الحكم والسلطة وإن كانت على ضلال، ولا علاقة لها بالهداية البشرية إلى الحقّ الحقيق.

4.      إنّ الامامة الحقة هي إمامة عالمية للناس جميعاً، وليست على قطر معين من أقطار الارض، قال تعالى : {..... إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا.....} وهي شمولية أيضاً لجميع مناحي الحياة الدينية والدينوية، ولذا كان الامام الحق محصياً لكل ما يقدمه بنو البشر وآثارهم، قال عز من قال : {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ}(14) وأما الامامة الاعتبارية فهي محدودة فلا تكون إلا على قطر معين ووقت معين وعلى سلطة دينوية وحكم مآئله إلى الزوال.

5.      عهد إلهي وراثة الارض ومن عليها إلى الامامة الحقة الحقيقة؛ لقولة تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} (15)

6.      تبيّن مما سبق أن الامامة الحقة تكون بجعل إلهي واصطفاء لقولة تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ}(16) .وهذا الجعل لا يكون إلا بنص من الامام السابق على اللاحق حتى يكون حجة على الناس، ومن هنا وقف وأخذ بيد علي (عليه السلام) – في غدير خم – فرفعها حتى رؤي بياض إبطيهما وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيها الناس من أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا الله ورسوله أعلم. فقال: إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعلي مولاه – يقولها ثلاث مرّات – اللّهمّ والي من والاه، وعاد من عاده، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، وأخذل من خذله، وادر الحق معه حيث دار، ألا فليبلّغ الشاهد الغائب – ثم لم يتفرّقوا حتى نزل أمين وحي الله بقولة تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (17) ) (18)

الحمد لله الذي جعل كمال دينه وتمام نعمته بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، مباركين بعيد الولاية .

مصادر البحث

ــــــــــــــ

1.      القرآن الكريم

2.      التفسير الأمثل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي.

3.      أصول الكافي

4.      تفسير نور الثقلين

5.      الإمامة وأهل البيت – النظرية والاستدلال، السيّد محمد باقر الحكيم

6.      الغدير، الشيخ الأميني.

7.      مفاتيح الجنان

 

الهوامش:

ــــــــــــــ

1.      سورة الإسراء (71).

2.      أصول الكافي ج2 ص18.

3.      تفسير نور الثقلين ج3 ص194.

4.      سورة الفرقان (74).

5.      سورة هود (17).

6.      سورة الأحقاف (12).

7.      سورة الحجر (79).

8.      سورة القصص (41).

9.      سورة التوبة (12).

10.    سورة البقرة (124).

11.    سورة الأنبياء  (73).

12.    سورة السجدة (24).

13.    سورة إبراهيم آية 37.

14.    سورة يس (12).

15.    سورة القصص (5).

16.    آل عمران 33-34.

17.    سورة المائدة: 3.

18.    الغدير.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1598
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 11 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24