• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : مؤلفات الدار ونتاجاتها .
              • القسم الفرعي : مقالات المنتسبين والأعضاء .
                    • الموضوع : الإمامة جعل إلهي .

الإمامة جعل إلهي

الشيخ: أحمد الخليفة

إنّ مسألة الإمامة من المسائل المهمّة جداً، وفي مذهبنا أنّها أصل من اُصول الدين التي يجب الاعتقاد به. والاعتقاد لا بدّ وأن يكون له دليل وبرهان؛ ولذا يرد هذا السؤال المهمّ وهو: هل إنّ الإمامة مجعولةٌ من قِبل الله (عزّ وجلّ) أو من قِبل الاُمّة؟ وهل إنّها فُرضت على الناس بأمر من قِبل الله تعالى والنبيُّ (صلّى الله عليه وآله) بلّغ ذلك، أو إنّها مسألة فرضها رحيلُ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) وغيابه؛ لأنَّ الاُمّة ارتأت من الضروري بمكان تعيينَ مَن ينوب عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في إدارة شؤونها، والرجوع إليه في أخذ الأحكام وغيرها من القضايا التي يحتاجها المسلمون؟

والجواب عن ذلك تارةً ورد بشكل صريح وتارة اُخرى ورد بشكل ضمني في جملة من آيات الذكر الحكيم، ونحن هنا نكتفي بذكر دليل واحد على ذلك روماً للاختصار، وبه نحاول أن نثبت أنّ هذا المنصب الخطير لا بدّ وأن يكون من قِبل الله تعالى.

لقد أشار القرآن الكريم صراحةً إلى أنّ الإمامة جعلٌ من الله (عزّ وجلّ)، حيث قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}. وواضح أنّ هذا الجعل جعلٌ تشريعي وتعييني لا تكويني؛ لأنّ الجعل التشريعي والتعييني في اُمور الدين أمرٌ عظيمٌ وخطيرٌ لا يتأتّى إلاّ لمَن جعله الله تعالى واختاره لذلك، وسدّده وعلّمه ما يرفع به الاختلاف حينما يقع الناسُ فيه، وإلاّ اختلّ أمر الدين وذهب كلٌّ إلى ما يهواه ويميل إليه. (توضيح المراد في شرح تجريد الاعتقاد / 672).

والجعل في الآية المشار إليها هو من هذا القبيل وليس كالذي جاء في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ}؛ إذ اختار هؤلاء لأنفسهم الضلال لا أنّ الله تعالى أجبرهم على ذلك، فإنَّ الجعلَ المراد في هذه الآية هو جعلٌ تكويني، بمعنى تخليته تعالى الناسَ في سبيل اختيار مَن يرغبون فيه للإمامة؛ كتخليته سبحانه عبادَه في جميع أفعالهم، فكأنّه تعالى يقول: وجعلناهم مختارين في الإمامة الداعية إلى النار، فادّعوا ذلك، فأتمَّ بهم أقوامٌ؛ لأنّه من المستقبح أن يعيّن الله تعالى غاوياً مضلاً ليطيعه العباد ويتبعوه وقد قال: {وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ}، {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا} [توضيح المراد في شرح تجريد الاعتقاد / 673].

وهذا المقام ـ وهو مقام الإمامة ـ لا بدّ وأن يكون المُنتَخبُ له غيرَ ظالمٍ لنفسه أو غيرِه؛ لقوله تعالى عندما سأله إبراهيم (عليه السّلام) أن يجعل الإمامة في ذرّيّته، قال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}. فالإمامة إذاً لا تكون إلاّ لمَن نأى عن ظلم نفسه أو غيره، فإن كان مشركاً قبل الإسلام فإنّه يكون ظالماً لنفسه، و {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}.

وعليه فالإمامة بنص القرآن الكريم عهدٌ إلهي، وهذا العهد محرّمٌ على الظالمين، وقد أمر الله تعالى نبيَّه (صلّى الله عليه وآله) بإبلاغها للمسلمين كفريضة من الفرائض الإلهيّة. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة/ 67].

فالكثير من علماء التفسير والحديث والتاريخ من مدرسة الصحابة فضلاً عن علماء مدرسة أهل البيت (عليهم السّلام) قد أوردوا رواياتٍ عديدةً تصرّح بأنّ الآية المذكورة نزلت في أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السّلام) يوم غدير خم. [راجع تفسير الأمثل 3 / 578].

ففي السنة الأخيرة من حياة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) أدى المسلمون مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حجة الوداع، والتحق بركبه عددٌ منهم توافدوا إليه من سائر أنحاء الجزيرة العربية، حيث قُدّر عددهم بـ (120) ألف حاج، كلّ ذلك لينالوا شرف الصحبة معه (صلوات الله وسلامه عليه) في هذه الحجة.

وبعد الانتهاء من أداء فرضهم رافق هؤلاء المسلمون قافلةَ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله) إلى أن ظهرت لهم أرضُ (غدير خم) التي تقع على مفترق الطريق، فطريق يتّجه إلى المدينة نحو الشمال، وطريق يوصل إلى العراق شرقاً، وآخر إلى اليمن جنوباً، وطريق إلى مصر غرباً.

وقد كان وصولهم يوم الخميس في السنة العاشرة للهجرة بعد مضي ثمانية أيام على عيد الأضحى المبارك، وإذا برسول الله (صلّى الله عليه وآله) يصدر أمراً للحجيج بالتوقّف، وأن يرجعَ المتقدمُ عليهم بالسير ويحثّ الخطى مَن تأخر عنهم؛ ليلتحقوا بهم، ثمَّ صلّى بهم الظهر هناك، وكان الجو شديدَ الحرارة والرياحُ لافحة ومُحرقة، الأمر الذي اضطر معه البعض إلى أن يضع طرفاً من عباءته تحت قدميه وطرفاً آخر منها فوق رأسه؛ لكي يتّقي أشعة الشمس وحرارة الحصى.

بعد ذلك قام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيهم خطيباً بعدما صنعوا له منبراً من أهداج الإبل؛ ليُسمعهم الرسالة الإلهيّة الجديدة ويخبرهم بما اُمر أن يُبلِّغ في تلك الساعة، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: (أيها الناس ... إنّي اُوشك أن اُدعى فاُجيب، وإنّي مسؤول وأنتم مسؤولون فماذا أنتم قائلون؟).

قالوا: نشهد أنّك بلّغت ونصحت وجاهدت فجزاك الله خيراً ... إلى أن قال (صلّى الله عليه وآله): (فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين).

فنادى منادٍ: وما الثقلان يا رسول الله؟

قال: (الثقل الأكبر كتاب الله طرفٌ بيد الله (عزَّ وجلّ) وطرفٌ بأيديكم، فتمسّكوا به لا تضلّوا، والآخر الأصغر عترتي، وإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليَّ الحوض، فسألتُ ذلك لهما ربِّي، فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تُقصّروا عنهما فتهلكوا).

 

ثمَّ أخذ بيد علي (عليه السّلام) فرفعها حتّى رؤي بياض إبطيهما، وعرفه القوم أجمعون، فقال: (أيُّها الناس، مَن أولى بالمؤمنين من أنفسِهم؟). قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (إنّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ـ يقولها ثلاث مرات ـ اللهمَّ وآلِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وأحبَّ مَن أحبَّه، وأبغض مَن أبغضه، وانصُر مَن نصره، واخذُل مَن خذله، وأدر الحقَّ معه حيث دار، ألا فليبلّغ الشاهد الغائب). ثمَّ لم يتفرقوا حتّى نزل أمين وحي الله بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} [الغدير 1 / 11].

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1593
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 11 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24