• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .
              • القسم الفرعي : علم التفسير .
                    • الموضوع : علاقة السنة بالقرآن .

علاقة السنة بالقرآن

إن من الأسس الإعتقادية التي أوضحها القرآن للبشرية ان كل ما صدر عن النبي(ص) هو عن اللّه سبحانه، فسنة الرسول(ص) هي متلقاة من اللّه جل ثناؤه، متلقاة بمعناها دون لفظها، فهي وحي كالقرآن. غير ان القرآن موحى بلفظه ونظمه ومعناه، وهي ‏موحاة بمعناه. السنة النبوية: «هي اسم يطلق على كل ما صدر عن النبي من قول او فعل أو تقرير»(1).

جاء هذا البيان في قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} وفي قوله تعالى: {مَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} وفي قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.

وواضح ان الرسول الكريم هو المخاطب بالقرآن، وهو العالم بما حوى من علم ‏وشريعة وهدي، والعارف بتفسيره وتأويله، والمكلف ببيان مجملاته وغوامضه، وما انطوت عليه اعماقه وايحاءاته.

نقرأ تلك الحقيقة في قوله سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ}.

ولقد قام الرسول(ص) بأداء هذه المهمة، وبين للناس ما بلغ به من خلال القول‏ والفعل والتقرير.

فقد فسر الرسول الكريم محمد(ص) القرآن بقوله وفعله وتقريره.

ولقد استقرأ العلماء موارد علاقة السنة بالكتاب وبحثوها بحثاً مفصلاً في علم اصول الفقه، كجزء من منهج الاستنباط من الكتاب، وهي:

1- ان السنة تبين مجمل الكتاب.

2- ان السنة خصصت عموم الكتاب.

3- ان السنة قيدت مطلق الكتاب.

4- ان السنة لها قوة نسخ الكتاب.

التطبيق:

1- السنة تبين مجمل الكتاب: من الامور الواضحة لدى الجميع ان الكثير مما جاء في ‏القرآن من الصلاة والزكاة والصوم والحج... الخ جاء مجملا غير مفصل.

وقد قام الرسول الكريم(ص) ببيان تلك المجملات وتفصيلها، فعلم الناس كيفية ‏الصلاة والصوم والزكاة والحج بكامل تفاصيلها من خلال البيان اللفظي والتطبيقي الذي مارسه بسيرته العملية، وبذا بين للامة تفاصيل ‏القضايا المجملة.

عرف المحقق الحلي المجمل بأنه: «ما أفاد شيئاً من جملة أشياء، هو معين في نفسه، واللفظ لا يعينه‏»(2).

ثم قال: «والضابط فيه: ان كل ما لا يستقل بنفسه في معرفة المراد به فهو مجمل»(3).

وعرفه الفقيه الراحل الشيخ محمد رضا المظفر بقوله: «عرفوا المجمل اصطلاحاً: بأنه ما لم تتضح دلالته، ويقابله المبين‏»(4).

ثم قال: «والمقصود من المجمل على كل حال، ما جهل فيه مراد المتكلم ومقصوده اذا كان لفظاً، وما جهل فيه مراد الفاعل ومقصوده اذا كان فعلاً...» ومن ثم قال: «ومن هذا البيان نعرف ان المجمل يشمل اللفظ والفعل‏» ثم استرسل في الحديث عن الامثلة ‏المجملة من الآيات فأورد قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ثم بين ‏ان لفظ اليد المقصود قطعها هنا هي من المجملات.

وللإيضاح نختصر هذا البيان بين يدي القارئ: قال: «وأما من ناحية اليد فإن الظاهر أن اللفظ لو خلي ونفسه يستفاد منه ارادة تمام العضو المخصوص، ولكنه غير مراد يقيناً في الآية فيتردد بين المراتب‏ العديدة من الاصابع إلى المرفق، لأنه يعد فرض عدم ارادة تمام العضو لم تكن ظاهرة ‏في واحدة من هذه المراتب. فتكون الآية مجملة في نفسها من هذه الناحية. وان كانت ‏مبينة بالاحاديث عن آل البيت(ع) الكاشفة عن ارادة القطع من اصول ‏الاصابع‏»(5).

وهكذا تبين السنة مجمل الكتاب، وتوضح مراد القرآن من اليد في هذه الآية.

2- ان السنة تخصص عموم الكتاب: عرف المحقق الحلي العام بقوله: «هو المستغرق لجميع ما يصلح له اذا افاد في الكل فائدة واحدة‏»(6).

ان الاحكام الشرعية والقوانين الاسلامية حسب متعلقاتها والقضايا التي تنظمها تنقسم إلى قسمين: احكام عامة، واحكام خاصة. فكثيراً ما تأتي الاحكام بصيغة عامة، ثم يأتي‏ التخصيص، وهو اخراج مساحة محدودة من تلك المساحة الكلية بتشريع احكام‏ خاصة بها دون بقية افراد ذلك العموم، ونجد ذلك واضحاً في الاحكام التي جاء بها القرآن الكريم. فقد جاء بأحكام عامة تشمل الافراد المتماثلة، ثم أخرج بعض الافراد واستثناها من الحكم العام بحكم آخر.

ووفق منطق التشريع وعرفه فإن الخاص يقدم على العام، اذا ما تعارضا. اذ يعتبر الخاص قرينة مفسرة لإرادة المشرع، ويخصص القرآن بالقرآن، كما يخصص بالسنة، ومثال ذلك عموم قوله تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} فخصص ‏بقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}.

وتخصيص الكتاب بالسنة هو مما اجمع عليه المسلمون بمختلف مذاهبهم ‏وآرائهم.

ومن الامثلة على عموم القرآن المخصص بالسنة هو قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ...}(7).

فإن هذه الآية شرعت حكماً عاماً ينص على ان الابناء يرثون الاباء بصورة عامة غير ان ‏السنة النبوية اخرجت القاتل من هذا العموم بقول الرسول الكريم(ص) «القاتل لا يرث‏»(8).

وعمم القرآن حكم تحريم الربا بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} وقام ‏الرسول بتخصيص هذا العموم بقوله(ص): «ليس بيننا وبين اهل حربنا ربا، نأخذ منهم الف الف درهم بدرهم، ونأخذ منهم ولا نعطيهم‏»(9).

وهكذا خصصت السنة عموم الكتاب، والامثلة على ذلك كثيرة، وهذا المبحث هو من ‏المباحث المهمة في علم اصول الفقه، وللعلماء المختصين دراسات تفصيلية في‏ ذلك.

كما يذهب الشيعة الامامية إلى تخصيص الكتاب بالسنة، يذهب أصحاب المذاهب ‏الأخرى إلى ذلك أيضاً، نذكر مثالاً على ذلك ما قاله الامدي الحنبلي: «يجوز تخصيص ‏عموم القرآن بالسنة»(10). ويستدل على ذلك بقوله: «وخصوا قوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} بقوله(ص) «لا يرث القاتل، ولا يرث الكافر من المسلم، ولا المسلم من ‏الكافر»(11).

التخصيص بخبر الاحاد: قسم العلماء الروايات الصادرة عن الرسول(ص) والائمة(ع) حسب سندها الى رواية آحاد، وأخرى متواترة، وانتهوا في هذا التقسيم‏ الى ان المتواتر يفيد القطع في حين خبر الاحاد يفيد الظن، ثم اثيرت مشكلة علمية، وهي: هل يمكن ان يخصص عموم القرآن بالسنة المروية عن طريق الاحاد؟ فالعام‏ يخصص تارة بدليل قطعي، واخرى يرد دليل ظني من السنة يفيد تخصيص العام. وهو خبر الاحاد فهل يخصص العام القرآني بخبر الاحاد الثقة. اختلف العلماء في امكان‏ تخصيص الكتاب بخبر الاحاد.

فذهب المشهور، كما افاد السيد ابو القاسم الخوئي، إلى جواز تخصيص عموم الكتاب ‏بخبر الاحاد.

وخالف فيه فريق من علماء اهل السنة، فذهب فريق منهم الى منعه مطلقاً، وذهب‏ فريق آخر إلى اشتراط جواز التخصيص بأن يكون العام قد خص بدليل قطعي من قبل، وذهب آخرون إلى اشتراط أن يكون العام قد خص بدليل منفصل(12).

ومن جملة ما اشكل به على عدم جواز تخصيص العام بخبر الاحاد أن خبر الاحاد ظني‏ الصدور، والقرآن قطعي الصدور، وأن الاخبار تعرض على القرآن، فما لم يوافق منها القرآن تسقط حجيته، فكيف تقبل معارضة خبر الاحاد المخصص لعموم القرآن، فيقدم عليه كقرينة مفسرة، فأجاب المجوزون ان التعارض هو بين خبر الاحاد الظني، وبين ظواهر الكتاب، والظواهر هي ظنية بحد ذاتها. وبالتالي فإن التعارض يكون بين‏ دلالة الكتاب الظنية الموحي بها ظاهر اللفظ، وبين دليل ظني ثبتت حجيته بدليل ‏قطعي ما لم يكن هناك مانع يمنع من العمل به، وان الدليل المخصص لعموم الكتاب لا يعني مخالفة الكتاب، بل هو قرينة لإيضاح المعنى المقصود من الدليل العام(13).

وذكر السيد ابو القاسم الخوئي وهو من أعاظم علماء الشيعة الامامية المعاصرين‏ وصاحب مدرسة وآراء اصولية أن ما يذهب إليه المشهور هو المختار (جواز تخصيص عموم الكتاب بخبر الاحاد)(14).

3- السنة تقيد مطلق الكتاب: عرف الفقيه الاصولي الشهيد الصدر الاطلاق والتقييد بقوله: «الاطلاق يقابل التقييد، فإن تصورت معنى ولاحظت فيه وصفاً خاصاً أو حالة‏ معينة، كان ذلك تقييداً، وان تصورته بدون ان تلحظ معه أي وصف أو حالة اخرى كان ‏ذلك اطلاقاً، فالتقييد اذن هو لحاظ خصوصية زائدة في الطبيعة، والاطلاق عدم لحاظ ‏الخصوصية الزائدة‏»(15).

وواضح ان المعاني القرآنية كما ورد بعضها مطلقاً، ورد بعضها مقيداً.. وكما تقيد الآية ‏اطلاق آية اخرى، فإن السنة تقيد اطلاق الآيات إيضاً، كما تخصص عموماتها، والرسول(ص) عندما يخصص ويقيد انما هو مبين لمحتوى الكتاب، ومبلغ عن اللّه تعالى.

ويبين العلماء المختصون ان خبر الاحاد المستجمع لشرائط الحجية، كما يخصص ‏عموم القرآن، فإنه يقيد مطلقه ايضاً، ولا يغير هذا التقييد مما يخالف الكتاب، بل هو مما يوضح المراد منه.

ذكر ذلك السيد أبو القاسم الخوئي (رحمه ‏اللّه) في كتابه البيان: «...ان الخبر المخصص للكتاب، أو المقيد له، حجة في نفسه، ويلزم العمل به إلا حين يبتلى ‏بالمعارض‏»(16).

السنة ونسخ القرآن:

قد اتضح لنا مما سبق من البحث معنى النسخ في اللغة والاصطلاح، واتضح أيضاً أن القرآن ينسخ بالقرآن. كما بحث العلماء امكانية نسخ القرآن بالسنة، ونريد هنا أن نعرف بهذا الموضوع. وقبل ‏الدخول في التعريف نوضح ان الناسخ لكي يكون حجة يجب أن يكون قطعياً، إذ لا حجة فيه ان كان ظنياً، كما يقول العلماء، والاصل كما يجمع الفقهاء من مختلف ‏المذاهب، هو عدم النسخ عند الشك في النسخ.

واختلف علماء الاسلام في جواز نسخ القرآن بالسنة، فذهب بعضهم إلى امكان نسخ ‏الكتاب بالسنة، وذهب آخرون إلى عدم جوازه، وفيما يلي ننقل بعضاً من هذه الآراء.

قال الزركشي: «واختلف في نسخ الكتاب بالسنة‏»، قال ابن عطية: مذاق الامة على ‏الجواز، وذلك موجود في قوله(ص): «لا وصية لوارث‏» وأبى الشافعي ذلك. والحجة‏ عليه من قوله في اسقاط الجلد في حد الزنا عن الثيب الذي رجم، فإنه لا مسقط لذلك ‏إلا السنة، فعل النبي(ص).

قلنا: «اما آية الوصية فقد ذكرنا ان ناسخها القرآن، واما ما نقله عن الشافعي فقد اشتهر ذلك لظاهر لفظ ذكره (الرسالة)، وانما مراد الشافعي ان الكتاب والسنة لا يوجدان ‏مختلفين الا ومع احدهما مثله ناسخ له، وهذا تعظيم لقدر الوجهين وابانة تعاضدهما وتوافقهما، وكل من تكلم على هذه المسالة لم يفهم مراده...»(17). وتذهب الشيعة الامامية الى جواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة أو الاجماع القطعي ‏الكاشف عن صدور النسخ عن المعصوم(ع) وهذا القسم من النسخ لا إشكال فيه عقلاً ونقلاً(18).

وجدير ذكره أن المعصوم المقصود هنا هو الرسول الكريم محمد(ص) فالسنة النبوية ‏هي التي لها قوة نسخ القرآن.

وقد مر بنا قول الفقيه الشهيد الصدر: «ان تغيير أحكام الشريعة عن طريق النسخ يكون ‏أيضاً أحد العوامل المستوجبة للتعارض بين الاحاديث والنصوص، ولكن التعارض ‏على أساس هذا العامل تنحصر دائرته في النصوص الصادرة عن النبي(ص) ولا تعم‏ النصوص الصادرة عن الائمة(ع)، لما ثبت في محله من انتهاء عصر التشريع بانتهاء عصر النبي(ص) وان الاحاديث الصادرة عن الائمة المعصومين(ع) ليست الا بياناً لما شرعه النبي(ص) من الاحكام وتفاصيلها»(19).

ومما ينبغي ايضاحه هنا هو ان الشيعة الامامية لم يثبت لديهم حكم قرآني منسوخ‏ بصورة فعلية بالسنة النبوية. وإنما قالوا بإمكان نسخ الكتاب بالسنة فقط، ذلك لأن ما يفعله الرسول(ص) هو بأمر اللّه تعالى وصادر عنه سبحانه.

ـــــــــــــــ

1- الشهيد الصدر، دروس في علم اصول الفقه: الحلقة الاولى ص‏82.

2- معارج الاصول، المحقق الحلي: ص‏105.

3- المصدر السابق: ص‏106.

4- اصول الفقه: 1/179.

5- اصول الفقه: 1/179 181.

6- معارج الاصول: ص‏81.

7- سورة النساء، الآية 11.

8- يراجع المحقق الحلي، معارج الاصول: ص‏95.

9- الحر العاملي، وسائل الشيعة: كتاب التجارة، ابواب الربا ، باب 7 الحديث‏2.

10- الاحكام في اصول الاحكام: 2/347، تحقيق د. سيد الجميلي.

11- المصدر نفسه: ص‏348. ذهبت الشيعة الامامية الى ان الكافر لا يرث المسلم، ويرث المسلم الكافر.

12- ذلك لان المخصص تارة يكون متصلا بالعام واخرى منفصلا عنه.

13- السيد ابو القاسم الخوئي، البيان: ص 426.

14- البيان في تفسير القرآن: ص‏424.

15- الحلقة الثانية: ص 420.

16- البيان في تفسير القرآن: ص 426.

17- البرهان في علوم القرآن: 2/37 38.

18- السيد ابو القاسم الخوئي، البيان في تفسير القرآن: ص‏305.

19- تعارض الادلة: السيد محمود الهاشمي، ص‏30.

منقول من كتاب (القرآن في مدرسة أهل البيت عليهم السلام) للسيد هاشم الموسوي

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1589
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24