• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : الثقافة .
              • القسم الفرعي : الاجتماع وعلم النفس .
                    • الموضوع : اُسس معرفة الله عند الطفل .

اُسس معرفة الله عند الطفل

إنّ تعليم أيّ علم من العلوم يتوقّف على مقدّمات وشروط يحتاج إليها كلٌّ من المعلّم والمتعلّم على السواء كي تكون عمليّتهم التعليمية منتجةً وصحيحة لا يشذّ عن ذلك أحد، وتأتي عملية التعليم الديني للطفل لتكون غايةً في الأهمية يجب على الأهل ـ تحديداً ـ تعلّم شروطها لما لهم من تواصل مباشر يجعلهم يحيطون بأفكار الطفل وشخصيّته, ومن تلك الاُمور:

1- الاعتماد على المكتسبات الفطرية

إنّ حالة التديّن قد غُرست جذورها في نفسية الطفل منذ ولادته بحيث إنّه يشعر ـ وهو في سني عمره الاُولى ـ بوجود قوّة عليا تستطيع أن تؤمّن له كل حاجاته ورغباته، وهذه الفطريات هي من أهمّ المسائل التي تساعدنا في الموضوع.

من هنا، يرى الإسلام أن الطفل يأتي إلى الدنيا مزوّداً بمجموعة من المعارف تكون هي الرصيد الأوّلي لديه الذي يشير إليه قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [سورة الروم: 30]، وهذا يفيد أنّ العلاقة بين الإنسان والدين ليست وليدة التربية أو المجتمع؛ وإنّما هي وليدة تكوين وفطرة المودعة في جوهر الوجود الإنساني لتكون هي الرأسمال الأوّل لكلّ المعارف والعلوم، فلا يكون تعليمنا له أكثر من منمٍّ لهذه التمايلات ومحافظ عليها من أن تذبُل أو تغرب.

هذه الحقيقة يجب على الأهل أن يدركوها جيّداً ويعرفوا أنّ الله تعالى موجود في نفس الطفل منذ الولادة وما وظيفتهم إلا المحافظة على هذه الفطرة وتنميتها لتملأ وجود الطفل كلّه.

2- التوجّه إلى المرحلة العمرية للمخاطب

تعتبر مراعاة أذهان الآخرين في أعمارهم من أهمّ الاُمور التي يجب الالتفات إليها في عملية التعليم ـ خصوصاً الأطفال ـ بما في ذلك مستوى النضج والوعي الذهني لديهم؛ إذ ليس من الصحيح القول أنّه يجب على الطفل أن يعرف كلّ شيء كما نريد؛ لأنّ هناك مستوى معيناً من الوعي والنضج لا بد له أن يتحقّق وإلا فلا تؤدّي العملية التربوية أهدافها، لذلك يجب التأكيد على اُمور:

أ- القدرة الفائقة للطفل على الاستيعاب

إنّ الطفل يتمتّع بقدرة مميّزة واستعداد عالٍ للتعليم والتلقي ممكن أن لا يتصوّر الأهل شدّتها ومستواها.

ب- تركيب صور المفاهيم عند الطفل

يبدأ الأطفال وهم في سنّ 4-5 سنوات بتركيب الصور الذهنية التي تحاكي المعلومات التي يدركونها، فيصوّرون الأشياء المخيفة التي يسمعون بها كصورة وحشٍ أو فزّاعة، وكذلك الأشياء الحسنة فيصوّرونها كمَلَكٍ أو حوريّة أو غير ذلك، وهذا يعني أنّه يحسن أن نستفيد من هذا الاُسلوب لننقل المفاهيم التي نريدها إليهم.

ج- تأثير مفاهيم الحسن والقبح على إيمان الطفل

إن تصوّر الأطفال للمفاهيم السيّئة وتركّزها في أذهانهم يمكن أن يؤثّر سلباً على إيمانهم ومعتقداتهم؛ خصوصاً أنّ الكثير من الأشياء التي هي بين يدي الأطفال من ألعاب وأجهزة كمبيوتر وتلفزيون و...؛ كلّها اُمور ـ إن لم يتمّ التحكّم بها ـ تساعد على الابتعاد عن الأجواء الإيمانية، لأنها تعرّف الحسن والقبح بطريقة بعيدة كلّ البعد عن التديّن والإيمان؛ فالألعاب الإلكترونية تدعو إلى القتل وسفك الدماء دون رحمة أو شفقة ستؤثّر حتماً دون شك؛ ولن يرسخ في الذهن منها إلا النصر أو الفوز دون أن يحاسب أحد على أفعاله خيراً كانت أو شراً.

د) تقليد الآخرين ومحاكاتهم

إنّ تقليد الطفل للآباء ومحاكاة الآخرين هو المعلّم الأوّل له في مراحله العمرية الاُولى، فيحاول أن يقلّدهم في الكلام والمشي واللّباس؛ لا بل حتى في كيفية الأكل والاستفادة من الأواني والأوعية، وهذا أيضاً اُسلوب جيّد يمكن الاستفادة منه في التعليم، فيقوم الأهل أمامه بتأدية واجباتهم الدينية ليقوم الطفل بعدها بمحاكاتهم وتقليدهم.

3- اغتنام الفرص

إنّ إقبال الطفل على التعليم ليس دائماً على وتيرة واحدة؛ إذ هو يختلف باختلاف المناسبات والأجواء، وعلى الأهل أن يكونوا متيقّظين لذلك فيستغلّون المناسبات كشهر رمضان وليالي الجُمَع والقدر وأيّام عاشوراء والمساجد وغيرها خير استغلال لما فيه من تنمية لمرتكزات أطفالهم. ويجب عليهم أيضاً أن يكونوا يقظين دائماً لربط الطفل بالمبدأ جلّ وعلا، فعندما يُقدّم للطفل هديةٌ ما يحسن بالأهل أن يرشدوه إلى أهمّية شكر المنعِم وإلفاته إلى أنّ المنعم الحقيقي هو الله جل وعلا، وهذا ممّا يؤمّل له أن يرسّخ وجوده تعالى في نفسه.

4- التدرّج والتروّي في التلقين

يجب على الأهل أن لا يتوقّعوا أن يتعلّم أولادهم كلّ ما يتعلّق باُمور دينهم في ليلة وضحاها، فضلاً عن أن يسعى بمفرده لتطبيقها والمشي على أساسها، لا بل إنّ من شأن ذلك أن يعود بالضرر عليهم وعلى الطفل معاً؛ وعليهم أن يدركوا أنّ وظيفتهم أن يوجدوا الأرضية ليصبح الطفل مؤهّلاً لتقبّل تلك الأفكار والعمل بها، وقد حضّت الكثير من الأحاديث على أهمّية رعاية هذا الأصل، قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا بلغ الغلام ثلاث سنين يقال له قل: لا إله إلا الله سبع مرّات ثم يترك حتى يتمّ له ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرون يوماً فيقال له قل: محمّد رسول الله سبع مرّات ويترك حتى يتمّ له أربع سنين ثمّ يقال له قل: سبع مرّات صلّى الله على محمّد وآله... » [ويتدرّج الحديث الشريف بكيفية تعليم الطفل إلى تسع سنين، راجع: من لا يحضره الفقيه: 1 / 281، وغيره].

5- إشعار الطفل بوجود الله في حياته اليومية

لقد أثبتت الدراسات أن لاستشعار حضور الله في حياة الطفل له أكبر الأثر في تركيز العلاقة بينه وبين خالقه؛ إذ عندما يدرك الطفل أنّ الطعام الذي يأكله هو هبة من الله وأنّه يعطيها لنا لأنّه رحيم شفوق، وهذا يعني أنّ العلاقة بينه وبين ربّه ستقوى وهي مرشحة للازدياد أكثر فأكثر، ونلاحظ أنّ القرآن قد حكى عن النبي إبراهيم (عليه السلام) أنّه عندما أراد أن يعرّف قومه بربّهم قال: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [سورة الشعراء: 78-82].

وعندما يدرك الطفل هذه المفاهيم ويشعر أنّ الله تعالى مع الإنسان دائماً وأبداً يلهمه ويسدّده وقد أرسل إليه رسله بالحق ليخرجه من الظلمات إلى النور فإنّ ذلك سينعكس بالإيجاب على نفسيته وعمله بحيث يصبح يحترم نفسه قبل الآخرين ويحترم الآخرين مع نفسه، إنّ طفل عالم بربّه.

6- عدم تعميق المعرفة الدينية قبل تحقّق مقدّماتها

تنتقل الحركة الذهنية للطفل في مرحلة البلوغ من الاُنس بالأعيان الخارجية إلى مرحلة التعقّل، فيصبح في فهمه للمسائل بعيداً عن الخيال الطفولي ويميل أكثر إلى التعقّل والواقعية، فيخلع عن مفهوم الله صفة المادّية ليدرك بالدليل أنّه تعالى موجود يختلف جوهرياً عن الموجودات الاُخرى، فهو مجرّد تامّ ليس كالمادّيات أو المجرّدات؛ بل هو من سنخ آخر لا يُحدّ ولا يُوصف ولا يُرى.

وهذا التغيير لجهة ارتقاء القوّة المعرفية للطفل، مع التأكيد على أنّ كل مرحلة لها خصائصها ومميّزاتها، من هنا يفضّل عدم طرح المسائل التي تحتاج إلى تعمّل عقلي أو بذل جهد فكري وتركها إلى المراحل اللاحقة (مرحلة مقاربة البلوغ) حيث يكون هو في حالة ذهنية ومعرفية أقوى تمكّنه من الإدراك بشكل صحيح.

7- توضيح حقيقة الإيمان للطفل

يعتبر مفهوم الإيمان أحد الاُسس المهمّة لتعليم الطفل المفاهيم الدينية؛ إذ يمكن للطفل عبر إدراكه لهذا المفهوم أن يدرك المفاهيم الدينية الاُخرى التي تتوافق مع عمره ومرحلته، وذلك حسب بلوغه الفكري عبر المناهج التالية:

أ- تذكير الطفل بما تمّ قبوله على أساس أنّها اُمور يقينية وصحيحة، مثلاً نحن نؤمن أنّنا عندما نمشي على الأرض لا ننفصل عنها وإنّما نمشي عليها أو إنّك تؤمن أنّ الدواء يشفي مع عدم العلم بكيفيّة صنعه وتركيباته و... .

ب- إنّ الطفل إنّما يطيع والديه لثقته التامّة بهما ممّا يعني أنّه يجبّ أن يطيعهما في ذلك أيضاً حتى لو لم يقدّما له دليلاً على ذلك.

ج- إنّ كثيراً من الاُمور الموجودة ليست خاضعة لميزان البصر الظاهري للإنسان، كالأمواج الضوئية والصوتية، والهواء وغيرها، ومع ذلك فهي موجودة، وكذلك الله تعالى فهو موجود لكنّه لا يُرى ولا يُمكن أن يُرى، إلاّ أنّه يُعرف بخلقه وآثاره، فهو ليس بجسم حتى يمكننا أن ندركه، قال تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: 103]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال حينما سُئل هل رأى ربّه: «لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان» [الكافي1/ 98].

د- ويمكن تعميق عقيدة الطفل هذه عبر قصص الأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين الذين قاموا بأعمال تعجز عنها القدرة البشرية بفضل إيمانهم واعتقادهم الراسخ بالله جلّ وعلا.

هـ - ويمكن أيضاً إيراد بعض النماذج التي تشير إلى محدودية الإدراك والذهن البشري، فالإنسان مثلاً أثناء النوم يحلم وهو لا يعلم أنّه يحلم إلا عندما يستيقظ؛ لا بل إنّه في بعض الأحيان يحلم أنّه كان يحلم أو مستيقظ وهو لا يزال يحلم.

وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على محدودية الفكر البشري على الإحاطة ببعض الموجودات والاُمور الواقعية الاُخرى.

8- المزاوجة بين التعليم والتجارب الناجحة

يجب على الأهل إذا أرادوا أن يعلّموا أولادهم المسائل الدينية أن يبذلوا جهدهم ليكون ذلك مقترناً بالعمل؛ لأنّ كلّ ما يتعلّمه الطفل ينعكس على شخصيته ونفسيّته، وقد ثبت أنّ كلّ ما يتعلّمه الطفل بشوق ورغبة يكون أكثر ثباتاً في ذهنه وأكثر تأثيراً على شخصيّته، من هنا كان على الأهل أن يسعوا جاهدين لتكون أفضل أوقات أولادهم هي تلك اللّحظات التي يرون فيها أفراد اُسرتهم تتهيّأ لإقامة الفرائض الدينية والمجالس المعنوية وقراءة القرآن وغيره.

وعندما تتكرّر حالات الوالدين المعنوية أمام أنظار أطفالهما فإنّها ستترك ـ دون شكّ ـ إحساساً مفعماً بالحيوية والنشاط والقرب الديني؛ بمعنى أنّ الطفل سيميل أكثر فأكثر إلى البرامج الدينية.

من هنا، نصّ القرآن على وجوب أن يتحلّى الإنسان بأعلى الحالات المعنوية الظاهرية والباطنية عند أدائه للتكاليف والفرائض، قال تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [سورة الأعراف: 31].

وكلّما كان الأفراد الذين يقدّر لهم أن يكونوا اُسوة أكثر محبوبية عند الطفل كلّما كانت قُدرتهم على التأثير أكثر فأكثر، لذلك فإنّ زرع المحبّة في نفوس الأطفال هي المنعطف الأساسي لجذبهم نحونا وتعلّقهم بنا، وبعدها لا نحتاج إلى كثير وعظ وإرشاد حتى نتمكّن من غرس ما نريده في نفوسهم.

عن سلسلة (طفل عالم بربّه-3) – الشؤون الثقافية والتربوية في جامعة المصطفى (ص) العالمية، بتصرّف

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1586
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 10 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24