• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : رمضان محطة لاكتشاف الأخطاء وتصحيحها .

رمضان محطة لاكتشاف الأخطاء وتصحيحها

 

الشيخ عبدالجليل أحمد المكراني

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (أيّها الناس، إنّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم، فخففوا عنها بطول سجودكم)(1).

إنّ اكتشاف الأخطاء والاشتباهات من أهمّ العوامل  في إنجاح العملية التربوية وإصلاح الذات والمجتمع، فالحلول مهما كانت قوية وحضيت بواقعية حسب ما يشخّصه النظر العقلي والفكري للإنسان، إلاّ أنّها تكون غير مجدية في نهاية المطاف إذ لم يتحدد نوع الخطأ المرتكب؛ لأنّ الإصلاح أو التصحيح لا يكون إلاّ بمعرفة الفاسد من الصحيح، والسيء من الحسن، والنافع من الضارّ.

وبعد تشخيص الأخطاء واكتشاف الخلل في حياة الإنسان أو في منهجه في التعامل مع الآخرين، أو في خطّته التي وضعها في عمله ومشاريعه، يأتي دور الإصلاح والتعمير والرجوع إلى الحالة المثلى التي يتطلبها الدين والأخلاق  التي يؤمن بها الإنسان.

قال الإمام الكاظم(عليه السلام): (جاهد نفسك لتردها عن هواها، فإنّه واجب عليك كجهاد عدوك)(2).

وهنا لابد من وقفة تأمّل؛ لأنّه قد يبدو للبعض منّا أنّ اكتشاف الأخطاء من الأمور السهلة والبسيطة، وهو صحيح إذا ما قيس بالنسبة للأهمّ منه، وهو تصحيح الخطأ ومعالجته، أي التراجع وتلافي الخسران الذي مني به الإنسان جراء ما ارتكب من أخطاء، فهو على صعيد الالتزام الديني أو الأخلاقي أو المجتمعي لابد له من السعي حثيثاً لتقليل فجوة هذه الأخطاء والسير باتجاه الصواب تماشياً مع ما يتطلبه هذا الالتزام.

والواقع أنّ عملية اكتشاف الأخطاء تواجه عقبتين:

العقبة الأولى:  جهل الإنسان وعدم تمييزه بين الخطأ والصواب، وكذا الأفعال المطلوب منه أداؤها، على الصعيد الفردي كإدارة الأسرة، أو المجتمع كإدارة العمل.

ففي مثل هذه الحالة فإنّه ليس من المستطاع للإنسان أن يقوم بدور التهذيب والتصحيح لأفعاله وأخطائه وسلوكياته، إذ هو بحاجة إلى معلّم ومرشد يفتح أمامه آفاق النور ويسلّط له الأضواء على مشاكله وإخفاقاته.

العقبة الثانية: الاعتداد بالنفس

من جملة المشاكل الأخرى التي شغلت حيزاً واسعاً في مجتمعاتنا التي واجهها الإنسان في مسيرته التربوية والأخلاقية في محيط ذاته وكذا علاقاته الاجتماعية والأسرية، هي أن يكون الإنسان معتدّاً بنفسه، ومغالياً في ذاته، بحيث يرى نفسه فوق النقد والتصحيح وملاحظة الآخرين، لبعض هناته وزلاّته.

فإنّ مثل هؤلاء لا شكّ يعيشون العقدة النفسية والروحية، وهي من أعقد الأمور السلبية وأخطرها على الإنسان، ومن نتائجها وإسقاطاتها على حياة الإنسان وتعامله مع الآخرين أن يكون نقّاداً وذمّاماً للآخرين، بحيث ينقدهم في حياتهم، وفي مواقفهم، وفي كل ما يقومون به.

فهو يعيش حالة التذمّر والتشنج من كل الذين يتعايش معهم أو يقترب منهم، ويمارس حالة النصيحة للآخرين، متعالياً على كل مَن يوجّه إليه استفساراً أو اعتراضاً أو تساؤلاً.

يقول الإمام علي(عليه السلام): (عجبت لمن ينكر عيوب الناس ونفسه أكثر شيءٍ معاباً ولا يبصرها)(3).

إنّ هذه العقبة لهي أخطر بكثير من حالة الجهل أو الغفلة أو النسيان التي كثيراً ما يبتلي بها الإنسان، فإنّها قابلة للدفع والإصلاح، أمّا أن يكون الإنسان في حالة يرى الجميع على الخطأ ويحاسبهم على ما يقومون به، وهو غير مستعد أن يقوم بمراجعة بسيطة لأفعاله وأقواله وتصرّفاته الشخصية والاجتماعية، فإنّ ذلك مرض عضال يحتاج إلى لطف إلهي لكي يتعافى الإنسان منه.

إنّ هذه الحالة النفسية والفكرية التي يتغذّى عليها هذا الإنسان المتوهّم يسمّيها علماء المنطق والفلسفة بالجهل المركّب، وهي مرض نفسي وفكري يبتلي به بعض الناس، فهو يعيش الجهل وعدم المعرفة في كثير من الأمور والأشياء، لكنّه في الوقت نفسه يجهل بعدم معرفته وجهله لتلك الأمور؛ لذا فهو لا يتقبّل النصيحة والمشورة  من الآخرين؛ لأنّه يصعد بنفسه إلى مقام الحكمة والتعقّل والفهم الذي لا يوجد عند الآخرين حسبما تمليه عليه تقديراته.

والأسوأ من هذا كله ما إذا تحكّم هذا المرض النفسي والفكري الخطير في نفوس أناس لهم شأنهم الاجتماعي أو العلمي أو الديني، فإنّ خطورة مرض مثل هؤلاء أشد من خطورة مرض غيرهم؛ لذا من جملة الأمور التي يجب التوجه إليها هو عدم سريان مثل هذه الأمراض إلى مثل هذه الشرائح في المجتمع باعتبارهم القدوة والمثل الأعلى الذي يقتدى به.

فليس المطلوب من الإنسان أن يقضي الليل والنهار في الصلاة ثم يقصّر في خدمة أبويه والقيام بواجباته. وليس المطلوب منّا أن نقضي أكثر أوقاتنا في الزيارات والمجالس الدينية ونقصّر في واجباتنا الاجتماعية والإنسانية، فإنّ من المؤسف له أنّ الكثير منّا يقوم بنشاطات اجتماعية  أو ترفيهية يعطيها صبغة دينية أحياناً، بينما تجده من أشد الناس تقصيراً وتخلّفاً لواجب شرعي وديني أهمّ ممّا يقوم به.

فعلى الإنسان قبل القيام بنقد الآخرين وتتبع إخفاقاتهم وأخطائهم أن يلتفت إلى نفسه وذاته، لأنّ وظيفته الشرعية والأخلاقية تصحيح مساره وعثراته قبل مطالبة الآخرين وانتقادهم بذلك.

يقول الإمام علي(عليه السلام): (كيف يهدي غيره من يضل نفسه؟)(4).

وقال النبي(صلى الله عليه وآله): (كان بالمدينة أقوام لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس، فأسكت الله عن عيوبهم الناس فماتوا ولا عيوب لهم عند الناس، وكان في المدينة أقوام لا عيوب لهم، فتكلّموا في عيوب الناس، فأظهر الله لهم عيوباً لم يزالوا يعرفون بها إلى أن ماتوا)(5).

نحن وشهر رمضان

ونحن الآن على أعتاب المدرسة الروحية والتربوية الكبرى، وهو شهر رمضان المبارك، ميدان الصلاح والإصلاح، وميدان التصحيح وتجاوز الأخطاء وتهذيب النفوس والقلوب والعقول.

إنّ الجملة المباركة التي افتتحنا بها الكلام هي مقطع من الخطبة المباركة التي تلاها رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ على المسلمين في أواخر شعبان وحلول الشهر الكريم، وقد أشارت إلى التهيؤ والاستعداد الروحي والنفسي قبل الاستعداد المادي والجسدي لاستقبال شهر الله، فهو فرصة للتغيير نحو الأحسن والأفضل.

فإن كنّا من الذين لا يستطيعون معرفة أخطائهم واكتشاف خللهم قبل بدء مدرسة شهر رمضان، فإنّنا في هذه المدرسة نستطيع أن نتعلّم ونتثّقف بالثقافة الروحية والمعنوية النافعة، التي تنتشلنا من واقع الجهل والانتكاسات والمآسي الروحية والمعنوية التي نعيشها، وذلك ببركة الارتباط بالله جلّ وعلا الذي هو مصدر الكمال والخير كله.

وللإنسان الذي يعاني من أزمة الثقة بذاته وبنفسه، وللإنسان الذي يتصوّر أن لا فرصة للرجوع والتوبة وتهذيب الروح، وللإنسان الذي انتقد الآخرين وشاكس المختلفين معه في الرأي أو الموقف، فإن أبواب التربية النافعة والناجحة مفتوحة لكل هؤلاء ببركة الله التي وسعت كل المذنبين والمخطئين والعاصين في مثل هذا الشهر الكريم.

قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) في خطبته في هذا الشهر: (أيّها الناس، إنّ أبواب الجنان في هذا الشهر مفتّحة، فاسألوا ربكم ألاّ يغلقها عليكم، وأبواب النيران مغلقة فاسألوا ربكم ألاّ يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فاسألوا ربكم ألاّ يسلطها عليكم)(6).

إنّ مدرسة الصوم هي مدرسة التقوى والإخلاص لله، ولا يتأتى ذلك إلاّ بمحاربة الأنانية الفاسدة التي تحيق بعمل الإنسان وتأكل كل حسناته وعطائه في ميادين الخير.

فالصوم كما هو صحة للبدن  وطهارة له من الأمراض الخبيثة والأجزاء المضرّة في البدن، كذلك هو صحة للروح وطهارة للنفس من شوائب الأمراض الروحية والعقد النفسية التي تكبّل الإنسان وتحجب عنه نور المعرفة ونور الحقيقية، فليس الصوم هو صوم العطش، وليس الصوم هو صوم الجوع، بل الصوم هو الصوم عن المعاصي، والصوم عن الذنوب، والصوم عن العجب بالنفس والتكبّر وازدراء الآخرين.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله  على محمد واله الطاهرين.

ـــــــــــــــ

(1) الأمالي (الصدوق): 154.

(2) تحف العقول: 399.

(3) مستدرك الوسائل 11: 315.

(4) عيون الحكم والمواعظ: 383.

(5) أمالي الطوسي: 44.

(6) الأمالي (الصدوق): 154.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1537
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 07 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24