• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المشرف العام .
              • القسم الفرعي : مقالاته .
                    • الموضوع : دور الإسلام في تهذيب الأخلاق .

دور الإسلام في تهذيب الأخلاق

 الشيخ عبد الجليل المكراني

قال الله تعالى في كتابه الكريم: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164].

لقد أُخذ في حكمة الإسلام منذ الوهلة الأولى للتشريع الإسلامي نشر الفضيلة وتربية الناس، وقد مهّد لذلك الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في حكمته البالغة: (إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق) [بحار الأنوار: 16: 21]، وفي هذا دلالة واضحة على منهجية الإسلام الإصلاحية في تهذيب الأخلاق وخاصة في الجزيرة العربية منذ بداية انطلاقته ومركز دعوته؛ لأنّ الكثير من مفاسد الأخلاق قد استشرت في بنية المجتمع الجاهلي؛ من قبيل: وأد البنات والقتل والغارات، حتى أصبحت الجزيرة العربية مكاناً للتناحر والتقاطع وسفك الدماء وسبي النساء وهتك الحرمات.

فلابد من وضع حدّ لهذه الرذائل؛ إما بعلاجها جذرياً أو بإصلاح ما فسد منها، فبدأ النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في علاج هذه الآفات التي نخرت مجتمع الجزيرة العربية وسلب كل ما هو حسن فيه؛ ولذلك وضع الإسلام خططاً حكيمة لمتبعيه؛ حيث أوجد لهم الكثير من الفضائل التي يتمكنون منها في مجانبة الرذائل وحبائل وشرائك الشيطان ـ أعاذنا الله منه ـ حيث حثهم إلى العبادات وفرضها، وسنّ لهم المستحبات وندبهم إليها؛ ولذلك نجد المسلم الحقيقي هو الذي يتبع طريق الخير ويتجنب طريق الشر وطريق الشهوات، وهذا ما صرّح به أمير المؤمنين وسيّد الأوصياء حيث قال: (المتقون فيها هم أهل الفضائل؛ منطقهم الصواب، وملبسهم، ومشيهم التواضع. غضوا أبصارهم عما حرّم الله عليهم ووقفوا أسماعهم على العلم النافع له. نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء، ولولا الأجل الذي كتب لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب) [نهج البلاغة: 2 160/ الخطبة 193]. 

فهذا هو الذي ندب إليه الله تبارك وتعالى، وشرّعه الدين الحنيف بلسان سيد الأوصياء.

إذن، لابد من إدراك حقيقة الإسلام وكيف مهّد جادة الأخلاق وسيّرها على نهج قويم يتراءى للناظر من أوّل وهلة أن الإسلام هو مهّد حضارات الأخلاق بالعلم، لا بالطقوس الكهنونية ولا بالشعبذات البوذية؛ بل هو ناظر إلى الإيمان بالقلب والعقل معاً، حتى ينتج من خلالها الرسوخ في الدين والمعتقد.

وكذلك يختلف الإسلام مع الفلاسفة الأرسطيين، وذلك لاختلافهم في نظراتهم إلى الدين وإلى طبيعة الإنسان من حيث الخير والشرّ معاً، فبعضهم يدّعي أن الناس كلّهم يخلقون أخياراً، ثم بعد ذلك وخاصة بعد تعلقهم بمادة الأهواء والشهوات يصيرون أشراراً.

وقال آخرون منهم: إن الناس خلقوا من الطينة السفلى؛ وهي كدورات العالم، فلأجل ذلك أصبحوا أشراراً بالطبع بسبب تلك الطينة، ثم يصيرون أخياراً بالتعليم والآداب.

ولكن نظرياتهم ـ هذه ـ تذهب أدراج الرياح بقول الإمام الصادق (عليه السلام): (ما من مولود يولد إلا على الفطرة وأبواه اللذان يهودانه وينصرانه ويمجسانه) [من لا يحضره الفقيه 2: 49/1668]. وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) أيضاً: (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) [مسند أحمد 2: 315. صحيح البخاري 2: 97، و 104. صحيح مسلم 8: 52].

وعلى هذه الفطرة النقية التي أودعها الله ـ جلّت قدرته ـ في هذا البدن الترابي، فأقام الإسلام قواعده الخلقية وأسسه النقية في تهذيب هذا الإنسان، فاعتبر الفضيلة وسطاً بين رذيلتين، ومن هذه النظرة الواقعية أخذ الفلاسفة فكرتهم عن الفضائل والرذائل.

وقد ورد ما يعزّز ذلك من طريق أهل البيت (عليهم السلام)؛ فعن الحسين بن نعيم الصّحاف قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أيكون الرجل مؤمناً قد ثبت له الإيمان ينقله الله بعد الإيمان إلى الكفر؟!

قال: (إن الله هو العدل، وإنما بعث الرسل ليدعوا الناس إلى الايمان بالله، ولايدعوا أحداً إلى الكفر) قلت: فيكون الرجل كافراً قد ثبت له الكفر عند الله، فينقله الله بعد ذلك من الكفر إلى الإيمان؟!

قال: (إن الله عزّ وجل خلق الناس على الفطرة التي فطرهم الله عليها لا يعرفون إيماناً بشريعة، ولا كفراً بجحود، ثم ابتعث الله الرسل إليهم يدعونهم إلى الإيمان بالله ـ حجة الله عليهم ـ فمنهم من هداه الله، ومنهم من لم يهده) [علل الشرائع: 121/5].

ويتبيّن لنا من ذلك أنّ الأصل الذي قامت على وسطية الأخلاق والفضائل كان نتاجه الإسلام وأصالته، وإنّما جاء الفلاسفة بعده شارحين بإسهاب حكمه وكيفيته.

ولو نظرنا بأدنى تأمل لوجدنا أنّ الوسطية منبعها الإسلام، ولو قارنّا في ذلك ببعض الأمثلة والشواهد؛ لعرفنا جليّاً المنبع الصافي للإسلام الحقيقي العظيم وأخلاقه الراقية، على امتداد العصور وكرّ الدهور.

فمن الأمثلة على ذلك أن الحكمة هي الوسط بين السفه والبله؛ إذ السفه هو تجاوز الحدود، والبله هو الغفلة والشرود الذهني، وكلاهما معيبان في جادة الشريعة.

وكذلك الذكاء؛ فإنه وسط بين الخبث والبلاوة؛ إذ الخبث والدهاء والحيل الرديئة كلّها إلى جانب الزيادة الفاحشة عن حدّ الشرع، وأما البلاوة والخمول والعجز كلّها تقصير ونقصان؛ ولذلك تجد الشارع المقدس يحثّ على الوسطية ويأمر بها، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].

وهذا ما نوّه إليه إمامنا أبو جعفر الباقر (عليه السلام) حيث قال: (نحن نمط الحجاز) فقيل له: وما نمط الحجاز؟ قال: (أوسط الأنماط) إن الله تعالى يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، .. ثم قال: (إلينا يرجع الغالي، وبنا يلحق المقصر) [تفسير العياشي 1: 63].

وقد تمثّل الإمام الباقر (عليه السلام) بالحجاز، وهو أروع تمثيل؛ لأنّ الحجاز تقع وسطاً بين نجد وتهامة، أو بين الغور والشام والبادية [لسان العرب 5: 33. القاموس المحيط 2: 172].

فهي حينئذ تقع وسطاً بين طرفين، وهو ما نوّه إليه الإمام (عليه السلام) وفسّره برجوع الغالي ولحوق المقصر إلى النمط الأوسط؛ وهم الأئمة (عليهم السلام) الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً [الأحزاب: 33].


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1528
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 06 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24