• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .
              • القسم الفرعي : تفسير السور والآيات .
                    • الموضوع : النصر من النبي الجد إلى الخميني الحفيد .

النصر من النبي الجد إلى الخميني الحفيد

بقلم: السيد عبد الله العلي    

نعيش هذه الأيام ذكرى ميلاد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وحفيده الإمام الصادق (عليه السلام)، وأيضاً ذكرى انتصار الثورة الإسلامية بقيادة حفيدهما الإمام روح الله الموسوي الخميني (رضوان الله عليه)؛ لذا أحببت أن أتعرّض بهذه المناسبة إلى مفهوم النصر في القرآن الكريم.

     تحدّث القرآن الكريم عن (النصر) في مواضع عدّة، وبسياقات مختلفة، فقد وردت لفظة (النصر) ومشتقاتها في القرآن الكريم في مئة وخمسة وخمسين موضعاً. ومن تلك المواضع؛ ما أخبر الله سبحانه وتعالى وبأكثر من أسلوب بأنّ النصر والتمكين في الأرض إنّما يكون لعباده المؤمنين والعاقبة لأوليائه المتقين، فقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور: 55].

     ونحن حينما نقرأ هذه الآية الكريمة ونتأمّل الواقع، يعرض لنا سؤال مهم يطرح نفسه بإلحاح، وهو: أين النصر الذي وعد الله به رسله وعباده المؤمنين في الحياة الدنيا؟ في حال أنّ وعد الله لا يتخلّف، ولا مبدّل لكلماته. ألم يقل عزّ وجلّ: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[ الروم: 47]؟! ألم يقل الله في كتابه الكريم: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}[ غافر: 51]؟!

     وللجواب عن هذا التساؤل نقول: أنه قد حصل هناك خلل كبير في التصوّر وخلط للمفاهيم لدى الكثيرين في مفهوم النصر والهزيمة، أما الخلل: فهو أنّ الناس يقصرون معنى النصر على صورة معيّنة من صور النصر، معهودة عندهم محسوسة لديهم، والحقيقة هي أنّ للنصر أنواعاً متعددة، وصوراً شتى؛ بل بعضها قد يبدو في صورة هزيمة في حس الكثيرين من قصار النظر.

     وأما الخلط: فهو أن الكثيرين يخلطون بين مفهوم انتصار الدين الذي يقصد به ظهوره وتمامه والتمكين له، وبين مفهوم انتصار الحركة الإسلامية في الساحة، وهذا الانتصار يكمن في قيام المسلمين بواجبهم في الدعوة إلى الله وثباتهم على المنهج الذي رسمه الرسول (صلى الله عليه وآله)، مهما كانت العقبات والتحدّيات، أما النتائج المحسوسة التي يتوق إليها البشر من هداية الناس والتمكين في الأرض فهذا ليس لهم؛ بل هو إلى خالقهم، يقول عزّ وجلّ: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ }[ الشورى: 48].

     إن هذا الخلل الذي وقع في التصور والخلط في المفاهيم نتجت عنه سلبيات كثيرة أثّرت على العاملين بالساحة الإسلامية وأضرّت بالدعوة كثيراً، ومن أهم تلك السلبيات:

حكم الناس على الدعوة بالفشل وعدم النجاح: وهو أمر ينبغي للمؤمن أن لا يلتفت إليه؛ لأن هدفه هو امتثال أمر ربّه ورضى خالقه عنه، أما البشر فيقول سبحانه وتعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام: 116].

اليأس والقنوط: ومن ثم الاعتزال والنكوص على الأعقاب، وهو من الأمراض الخطيرة التي تسببت في قعود كثير من العاملين في الساحة الإسلامية عن مواصلة طريقهم، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن اليأس والقنوط، كما قال الله سبحانه تعالى: {وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[ يوسف: 87]، {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}[الحجر: 56]، وأمر بالصبر والمرابطة والثبات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران: 200 {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 250].

 الاستعجال: وهو داء فتّاك لا ينجو منه إلا من رحم الله؛ لأن النفوس جُبلت على حب جني الثمار وقطفها في أقرب الأوقات، بل إنه من طبيعة الإنسان: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا}[الإسراء:11]، ولكن على العامل في الساحة الإسلامية أن يتأسى بأنبياء الله (عليهم السلام). روى قيس بن أبي حازم، عن خباب، قال: أتينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، فشكونا إليه فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟، فجلس محمرًا وجهه فقال: "قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، ثم يؤتى بالمنشار فيجعل على رأسه، فيجعل فرقتين، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الامر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء وحضر موت ما يخاف إلا الله تعالى، والذئب على غنمه، ولكنكم تعجلون" [سنن أبي داود: 1 : 596 – 597 ح 2649].

الانحراف عن المنهج: لأن الإنسان الذي لديه خلل في التصور ومفهوم النصر والهزيمة لن يستطيع تحمّل مشاق الطريق الطويل والثبات عليه، ومن ثم فإنه سيبحث عن طريق أخرى توصله، وليس ثم إلا طريق واحد يوصل هو طريق الأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، وما عداها فهو انحراف عنها، فعدم الثبات على المبادئ وعلى رأسِها الدافعُ الإلهيُّ الذي هو سرُّ الأسرارِ في تحقيق النصر، حيث يقولُ سبحانه وتعالى: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ}[محمد:7]، وهذا الثباتُ أيضاً هو سرُّ الأسرار في الحفاظ على النصر، حيث يكمل عزّ وجلّ قائلاً: {وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد: 7فلا تتزلزلُ الأقدامُ عن قِممِ النصر إلى وديانِ الهزيمةِ والفشل.

النزاع والتفرّق: فالوحدة ركن أساسي في انتصار الشعوب، كما أنّ التفرّق في المقابل يؤدّي إلى الفشل والهزيمة، يقول سبحانه وتعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]؛ ولأنّ وحدةَ القيادةِ وطاعتَها يشكّلانِ عقدة الوحدة؛ صدّر الله تعالى هذه الآية بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء: 59]، وقد أشار الإمام الخميني (قدس سرّه) إلى خطورة بثّ أجواء التفرقة بقوله: "إنّ كل ما لدينا اليوم هو في معرض الخطر من جانب الأصدقاء الجهلة الذين يبثون التفرقة".

الغرور بالنصر: يقول الإمام الخميني (قدس سرّه): "ما يقلقني هو أن يكون شعبُنا مثلَ جيشٍ فاتحٍ يصيبُهُ الغرورُ بعد الفتحِ والتشتّتُ من الداخل".

     لذا، لابد للعامل في الساحة الإسلامية أن يوفر أسباب النصر الإلهي، وإذا رجعنا إلى سيرة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) نجد أنّ هناك أسباباً وفّرها (صلى الله عليه وآله) أدّت إلى النصر العظيم الذي حقّقه في فترة زمنية قياسية، فمن تلك الأسباب:

الولاية: التي قرنها الله تعالى بالنصر في أكثر من آية، كقوله عزّ وجلّ: {وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}[النساء: 45].

الصبر: الذي ربط الله تعالى الغلبةَ به كما في قوله جلَّ شأنهُ: {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66].

الوحدة: والتي أكّد الله عليها كما في قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ }[ سورة الصف: 4].

     وهذه الأسباب نجدها في سيرة حفيده الإمام الخميني (رضوان الله عليه)، ولذا استطاع أن يحقق النصر الإلهي بهذه الثورة العظيمة، وقد أنزل الله سبحانه وتعالى نصره عليه كما أنزله على جده قبل أكثر من 1400 سنة، وحينما ينزل اللهُ تعالى نصره، يبقى على الأمة أن تحافظ على هذه النعمة من خلال المحافظة على قوَّتِها وثباتها كما يوضِّح لنا قائد مسيرتنا الراحل الإمامُ الخميني (قدس سرّه) بقوله: "ما أكثرَ الانتصارات التي تُحقِّقُها الشعوب ثمّ تفقُدها نتيجة ضعفها وعدم ثباتها على ما حقَّقته".

     ولئن كان النصر أمراً يشكل تحقيقه ميلاً بشرياً تحبُّه وتطلبه وترغبُ فيه كل المجتمعات، كما يشير إلى ذلك سبحانه وتعالى بقوله: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}[الصف: 13]، إلاّ أنّ ما يكادُ بأهميّته يفوقُ تحقيق النصر هو المحافظة عليه وتثميرُه، وهو ما نبَّه إليه الإمام الخميني (قدس سرّه) بقوله: "استيقظوا فإنَّ المحافظة على الانتصار والثورة أصعب بكثير من إحراز أصل الانتصار والثورة".

     حينما يأخذ الإنسان بأسباب النصر الإلهيِّ وعوامل بقائه، سوف يصل إلى القوة التي قال عنها الإمام الخميني (قدس سرّه): "إذا ثار شعبٌ وحافظ على قوّة إيمانِهِ عجزتْ أيّةُ قوةٍ عن مواجهته"، وهذا ما أكده القرآن الكريم على حتمية النصر حين يأخذ المؤمنون بأسبابه ويحققون شروطه، وذلك بقوله سبحانه وتعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم: 47].  


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1452
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 02 / 06
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24