• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : النبي (ص) وأهل البيت (ع) .
                    • الموضوع : وقفة مع الشيخ الوائلي وقصيدته في الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السّلام) .

وقفة مع الشيخ الوائلي وقصيدته في الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السّلام)

بقلم: الشيخ أحمد فرج الله

في الحديثِ عن مثلِ موهبةِ شيخِ الخطابةِ والأدب الوائليِّ الكبير لا ترانا مُرغَمين على تَكرار ذات التصورات والمفاهيم التي طرحها الآخرون في تحليل نصوصٍ اُخرى مشابهةٍ لنصّه الكريم سوى أنّ الوائلي (خطيباً) , والوائلي (أديباً) هُما حالةٌ متفرّدةٌ لا تُقاس بأحدٍ من الخُطباء الاُدباء ممّن استوت عندهم مَلكةُ إجادةِ الكلام الفصيح فطفِقوا يُنشئون نصوصاً شعريّة أو أدبيّة فيها الكثيرُ من سماتِ الخطابةِ والمباشرة .

إنّ الشيخ الوائلي ـ وهو استثناء واضح بين هؤلاء ـ يكاد يُعيد لنا استذكارَ شخصيّة شاعرٍ فحلٍ من فحول العربيّة في عصورِه الزاهرة وهو الشريف الرضي (رحمه الله) ؛ فبين هذا الأخير والشيخ الوائلي نسبٌ واضحٌ وصريح في الإبداع المتّصف بالتميّز على أكثر من منحىً مغاير لتجارب اشباهِهما من الاُدباء والكتّاب وفحولِ الخطابةِ والذرابة .

حين نقرأ الوائلي شاعراً نكاد ننسى أنه هو نفسُه الوائلي خطيباً ؛ فالوائلي الشاعر يمتلكُ بسلطةٍ شبِه مُطلَقة أدواتِ التفرّد الشعري في نصه ؛ من انسياق المعاني , وانسياب الألفاظ وصَهرِهما في اُسلوبٍ جميلٍ مُعجز يأخذ بالقلبِ قبل السمع , وبالمشاعر قبل الفكر . وهذا ما يتجلّى في قصيدته الرائعة التي يصف فيها سامراء وما ضمّت أرضُها من جدَثَين مُقدّسين للإمامين الهُمامين عليِّ الهادي وابنِه الحسن العسكري (عليهما السّلام) :

بحيثُ احتفالِ السَّنا الأزهـرِ ** وحيثُ أريجِ الثرى الأعفر ِ

ومن حيثُ (سامرةٍ) في التلاع ** جلالٌ ومنبعُ وحيٍ ثري

تَلفّعُ في اُفـقٍ أزرقٍ ** وتجلِسُ في مقعدٍ أخضر ِ

هناك ضريحٌ لهادي الأنـامْ ** وآخرُ للحسنِ العسكري

والوائلي في شعره بشكل عام أصرحُ مثالاً وخيرُ دليلٍ على ما وصلت إليه مدرسةُ الشعر النجفيّة من صَنعةٍ فائقة في قصيدتها المعاصرة التي يُمثّل الوائلي واحداً من فرسانها المعدودين , كما هو شأنُه في تفردِه السابق في ميدان الخطابة ورِيادتِه في تجديدِها على نحوٍ مُطلق , حتّى نكاد نَعجب ونحن نبحث عن الوائلي الشاعر في الوائلي الخطيب , أو الوائلي الخطيب في الوائلي الشاعر , هل هما شخصان مُفترِقان أو هو شخصٌ واحد ذو موهبتين تتحركانِ بصورةٍ متوازيةٍ متّسقة بدءً من منطقة اللاشعور والعقلِ الباطن , وانتهاءً إلى أدواتِ النُّطقِ والتفكير , والإشارةِ والإيماءةِ والتعبير , والصوتِ والتصوير؟

وفي أكثر شعرِه المسموع والمطبوع تزدهرُ هذه الصفةُ الآسرة , وتظهرُ جليةً طاغيةً مُذكّرةً بفحول الشعراء المتقدمين وعنفوانِ قصائدِهم , واعتدادِ شخصياتِهم وثقتِهم ـ ربما المُطلَقة ـ بذواتهم التي كوّنت رُكناً ركيناً من آليات إبداعهم المتفرّد .

أمّا قصيدتُه التي يتأسّى فيها ويتفجّع لحالِ الإمامين العسكريين (عليهما السّلام) فهي قصيدةٌ تدخلُ في حواريّة تأريخيّة يُرجِع فيها الوائلي الزمنَ إلى العصر العباسي الثاني وبداياتِه ؛ حيث تستقبل (سُرَّ مَن رأى) ركبَ الإمامةِ ليُنزلَ عندها ضيفاً , ثمَّ جدثاً مُطهَّراً في أرضها , ثمَّ صرحاً مُشيَّداً تُشدّ إليه القلوب قبل الرِّحال وتَقصدُه الأفئدةُ قبل الوُفّاد .

فيا لِضَريحينِ يجثو الرجاء ** بظلِّ سماحِهما الممطر ِ

ويا لِسميمين تبكيهما ** عُيونُ الهُدى بالدمِ الأحمرِ

غريبين عاشا وليلُ الغريب ** دموعٌ تَرقرقُ بالمحجر ِ

وماتا بعيدين يا لَشجـا ** عن الدارِ والأهلِ والمعشر ِ

وبين كُلِّ تلك المراحل يعقدُ الشيخُ الوائلي نوعاً من الأواصر المتناظرة المتقابِلة بين الحاكمِ الضعيف بباطلِه وزِبرجه وحياتِه المُترَفة , وبين المحكومِ المُهتَضم المتعالي على كلِّ هذه الدنايا , المتساميةِ نفسُهُ في مَلكوتِ الخلودِ والذات الإلهيّة المقدّسة :

أخانَ الصعاليكِ هل ضجّت الـ ** ـتواريخُ في سمعِكَ الموقَر ِ

وهل مرّت العِبرُ الحاشدات ** وما للمظاهرِ من مُخبر ِ

لتنُبيكَ أنّ ديارَ الغـرور ** من جوسقٍ ثَمّ أو جعفري

تهاوت رُكاماً وظلَّ الخلودْ ** ينامُ على رملِك الأسمر ِ

وتهتفُ أنّ بذورَ الطُغاة ** طواها الترابُ ولم تُثمر ِ

وأنّ بُذورَ التُّقى أنجبتْ ** خمائلَ رائعةَ المنظر ِ

وقد يشي جو هذه القصيدة إلى إلماحاتٍ عديدة يسقِط فيها شاعرُها الوائلي الماضي على الحاضر , أو الحاضر على الماضي , لا فرق ؛ فهما متشابهان في الأدوارِ والأزمنة والأمكنة والناس.

لقد كان الوائلي شاعراً كبيراً كغيره من فحول القولِ على كلِّ هذه المفارقات التي زخرت بها مراحلُ تأريخنا القديمِ الجديد .


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1451
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 01 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19