• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : مؤلفات الدار ونتاجاتها .
              • القسم الفرعي : مقالات المنتسبين والأعضاء .
                    • الموضوع : علي مع القرآن والقرآن مع علي .

علي مع القرآن والقرآن مع علي

السيد حكمت أسد الموسوي

ولد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في يوم الجمعة(1)  الثالث عشر من شهر رجب(2)  بعد ثلاثين سنة من عام الفيل(3)  في الكعبة المكرمة (4).

قال الآلوسي في تفسيره في قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ} الصافات:24، بعد عدّ الأقوال فيها: (وأَولى هذه الأقوال أنَّ السؤال عن العقائد والأعمال، ورأس ذلك لا إله إلا اللَّه، ومن أجلّه ولاية عليٍّ كرّم اللَّه تعالى وجهه)(5).

حينما يطالع المرء حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) الزّاخرة بالفضائل والمواهب العالية التي وهبها الله تعالى إيّاه وربّاه عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله) يرى أنّ من المتعسّر أو من المستحيل الاحاطة بها، أو يمكن القول أنّها قدوة حسنة للجميع لكن في نفس الوقت لا يمكن لأحد التسلّق والوصول إليها، كون الشخص الذي يحملها له من العظمة بمكان يسأل الباري عزّ وجلّ الناس عنه وعن طاعته وولايته يوم القيامة، كونه لا يفارق القرآن ولا يفارقه القرآن وهو بمنزلة {قل هو الله أحد}، قال النبي (ص): (عليّ مع القرآن, والقرآن مع علي)(6)، وقال (ص) أيضاً: (عليّ مثله في الناس, كمثل قل هو الله أحد في القرآن)(7)، أو كونه فاروقاً يُعرف به الحق من الباطل، ويسعى الحقّ وراءه حيث كان ويدور حوله مُلتمساً منه خلاف غيره من الناس الذين يُختبَرون بالحق ويُعطَون من الدرجة بمقدار اتباعهم وطاعتهم له، أو كونه نَفْس النبي (ص) وأخاه وأوّل من أسلم وصلّى خلفه وزوج ابنته وأبا الأئمة (عليهم السلام) من ذريته، أو كونه أعلم الناس وأفقههم وأقضاهم وأعبدهم، أو كونه عِدل القرآن؛ بل هو القرآن الناطق؛ بل لم يكمل الدين ولم تتمّ النعمة إلا بولايته المفترضة من قبل الله تعالى، وغير ذلك ممّا لا يمكن حصره والاحاطة به.

فمن عادة كُتّاب السير أنهم يعرّفون بالمُترجَم له أو يرفعون من شأنه أو يزيّنونه بكتاباتهم، أمّا بالنسبة لأمير المؤمنين (ع) فالأمر على العكس من ذلك تماماً، فالكاتب هذه المرّة هو الذي يبتغي الرفعة وزينة النفس والروح بذكر أمير المؤمنين (ع)، وبدلاً من تعريف المترجَم له، فهو في الحقيقة يكون بصدد تعريف نفسه وتشريفها بذكر فضائل أمير المؤمنين، فالعقل يمتلئ نوراً وضياءً بمجرّد التفكير به وبفضائله وإخطاره في الذهن كما يمتلئ البيت نوراً وعطراً روحانياً زكياً بذكره فيه!!

فالملائكة أصبحت تتبرّك بالإنسان هذه المرّة، فتأخذ قبضة من أثر هذا الإنسان؛ بل القبضات تلو القبضات، لا العكس، فتَلتمس بأجنحتها بقايا ذلك العبق الطاهر في ذلك البيت بمجرّد أنه ذُكر فيه فضيلة من فضائل هذا الشخص العظيم.. فتتوقّف عقارب الساعة عنده كما رُدّت له الشمس وتنقلب الموازين فتغدو ملتمِسة هذه المرّة لا ملتمَسة!!

وما لها لا تنقلب وتتغيّر أمام نَفْس رسول الله (ص) فقد أقبل إلينا وغدى ذكره عبادة؛ فهي تلتمس منه تبعاً لالتماس الحقّ منه كي يصبح حقّاً فعلاً!!

فما أوفر حظّنا حينما منّ الله تعالى علينا بمثل هذا الشخص العظيم، وما أسوأ حظّ الكفار والمنافقين والمغرّر بهم حينما ظلموه وأقصوه بل {كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}!!

والحديث عن علاقة أمير المؤمنين (ع) بالقرآن وعلاقة القرآن بعلي (ع) ليس شيئاً عادياً أو هامشياً بل إنه (ع) لا ينفك عن القرآن ولا ينفك القرآن عنه، فأمَر الإمام (عليه السلام) الأُمّة بالتمسّك بالقرآن والالتصاق به وجَعْله دستوراً شاملاً في الحياة، فإنّه دواء لأمراض الأُمّة بجميع أنواعها ، حيث يقول: (ذَلِكَ الْقُرْآنُ فَاسْتَنْطِقُوهُ، ولَنْ يَنْطِقَ، ولَكِنْ أُخْبِرُكُمْ عَنْهُ: أَلا إِنَّ فِيهِ عِلْمَ مَا يَأْتِي، والْحَدِيثَ عَنِ الْمَاضِي، ودَوَاءَ دَائِكُمْ ، ونَظْمَ مَا بَيْنَكُمْ)(8)، ويوجِّه (عليه السلام) الأُمّة إلى دور القرآن الكريم في النصح والهداية وهو الشافي من أمراض العقيدة، والشافع المشفَّع، وهو الذي تُمحّص فيه الآراء، فيقول (عليه السلام): (واعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُو النَّاصِحُ الَّذِي لا يَغُشُّ ، والْهَادِي الَّذِي لا يُضِلُّ ... فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ ... فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرِ الدَّاءِ  وهُو: الْكُفْرُ والنِّفَاقُ والْغَيُّ والضَّلالُ ... واعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ ... واسْتَدِلُّوهُ عَلَى رَبِّكُمْ ، واسْتَنْصِحُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، واتَّهِمُوا عَلَيْهِ آرَاءَكُمْ ...)(9).

أمّا علاقة القرآن الكريم بعلي (ع) والوصيّة به فلا يمكن وصفها بألسنتنا القاصرة؛ بل بلسان القرآن نفسه، وكم هي كثيرة أوصاف أمير المؤمنين علي (ع) في القرآن الكريم التي امتاز بها دون غيره، وأسبغها الله تعالى عليه وهذا من فضله تعالى يؤتيه من يشاء ويمنعه عمّن يشاء {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} النساء: 54 ! غير أنّه لا يمنع من ذكر البعض منها راجين من الله تعالى حسن القبول، ومن موارد ذكره (ع) بصريح القرآن:

1- صالح المؤمنين

عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} التحريم: 4، أنه قال: هو والله عليٌّ.(10)

2- الصادق المصدِّق

عن ابن عباس في قوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} التوبة: 119، قال: عليٌّ.(11)

وروى الضحاك أنه قال ابن عباس في قوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} الزمر: 33: (فرسول الله جاء بالصدق وعلي صدق به).(12)

3- هادي القوم

عن أمير المؤمنين (ع): {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} الرعد: 7، أنا.(13)

4- الشاهد

وعنه (ع) أيضاً أنه قال: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} هود: 17، أنا.(14)

5- الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيله

قال ابن عباس: افتخر العباس بن عبد المطلب فقال: أنا عمّ محمد، وأنا صاحب سقاية الحاجّ، فأنا أفضل من علي بن أبي طالب. وقال شيبة بن عثمان بن طلحة: أنا اُعمّر بيت الله الحرام، وصاحب حجابته، فأنا أفضل، فسمعهما عليٌّ وهما يذكران ذلك، فقال علي: أنا أفضل منكما؛ أنا اُجاهد في سبيل الله تعالى. فأنزل الله تعالى فيهم: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} التوبة: 22. (15)

6- الأذن الواعية:

قوله تعالى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} الحاقة: 12، أخرج الحافظ أبو نعيم(16) عن رسول الله صلى الله عليه وآله إنه قال: (يا علي إن الله عز وجل أمرني أن أدنيك وأعلمك لتعي وأنزلت هذه الآية: وتعيها أذن واعية. فأنت أذن واعية لعلمي). وأخرجه جمع من الحفّاظ.(17)  وقال القاضي عضد الأيجي: (وأكثر المفسرين [في قوله تعالى: {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ}] على أنه علي)(18).

7- وعن الإمام الباقر (عليه السلام) {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} محمد: 28، قال: كرهوا عليّاً، وكان أمر الله بولايته يوم بدر، ويوم حنين، وببطن النخلة، ويوم التروية، ويوم عرفة، نزلت فيه خمسة عشرة آية في الحجّة التي صُدّ فيها رسول الله (ص) عن المسجد الحرام، وبالجحيفة، ونجم.(19)

8- عن الرسول (ص): (من قرأ قل هو الله أحد مرّة فكأنّما قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرّتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاث مرّات فكأنما ختم القرآن. ألا ومن أحبّ علياً بقلبه أعطاه ثواب ثلث هذه الآية، ومن أحبه بقلبه ويده أعطاه ثواب ثلثي هذه الآية ومن أحبّه بقلبه ويده ولسانه أعطاه الله ثواب الآية كلها).(20)

9- وعن الإمام الباقر (عليه السلام): {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} النمل: 89-90، الحسنة ولاية عليّ وحبّه؛ والسيئة عداوة علي وبغضه، ولا يرفع معهما عمل. (21)

10- وعن رسول الله (ص): {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} مريم: 96، هو عليٌّ، {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا} مريم: 97، قال: بني اُمية قوماً ظلمة.(22)

ــــــــــــــ

(1)المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 175 و ج 3 / 307 ، إعلام الورى: 1 / 306 ، عمدة الطالب: 58؛ الفصول المهمة: 29

(2)المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 307 ، إعلام الورى: 1 / 306 ، عمدة الطالب: 58 ، روضة الواعظين: 87؛ كفاية الطالب: 407 ، الفصول المهمة: 29

(3)المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 307 ، عمدة الطالب: 58 ، إعلام الورى: 1 / 306 ، كشف الغمة: 1 / 59؛ الفصول المهمة: 29 ، كفاية الطالب: 407

(4)المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 175 و ج 3 / 307 ، عمدة الطالب: 58 ، كشف الغمة: 1 / 59 ، إعلام الورى: 1 / 306؛ مروج الذهب: 2 / 358 ، المناقب لابن المغازلي: 7 / 3 ، تذكرة الخواص: 10 ، الفصول المهمة: 29 ، كفاية الطالب: 407 ، مطالب السؤول: 11 .

(5)تفسير الآلوسي: 23/ 74.

(6)البخاري 5/19 - مسلم 2/360 - الترمذي 5/304 - مستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري 3/109 - ابن ماجة 1/28 - مسند أحمد 3/328.

(7)مسلم 1/48 - الترمذي 2/299 - النسائي 8/117 - الخصائص للنسائي 27 - مسند احمد 6/299 - ابن المغازلي 191

(8) نهج البلاغة ، الخطبة 156.

(9) المصدر نفسه، الخطبة 174.

(10) تاريخ دمشق: 42 / 361، المناقب للمغازلي: 269 / 316، المناقب لابن شهر آشوب.

(11) شرح الأخبار: 2 / 343 / 686.

(12) المناقب لابن شهر آشوب: 2، 288.

(13) الفضائل لابن شاذان: 105.

(14) المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 282.

(15) المناقب لابن شهر آشوب: 2 / 69.

(16) حلية الأولياء: 1 ص 62.

(17) الغدير في الكتاب والسنة والأدب للشيخ الأميني: ج3، ص394.

(18) المواقف 3 ص 627.

(19) المناقب لابن شهر آشوب: ج2 ، ص295.

(20) روضة الواعظين للفتال النيسابوري: 106.

(21) المناقب لابن شهر آشوب: 2، 296.

(22) روضة الواعظين للفتال النيسابوري: 106.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1306
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 06 / 20
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24