• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : علوم القرآن الكريم .
                    • الموضوع : حوار بين سروش والشيخ السّبحاني .

حوار بين سروش والشيخ السّبحاني

يعدّ سروش  رائد التيار الإصلاحي الإمريكي في ايران وقد أثارت أفكاره المتطرّفة جدلاًواسعاً في الشارع الايراني ولعلّ من أكثر الأقوال تطرّفاً وإنحرافاً إعتقاده بأنّ "محمّد خالق القرآن" كما هو في كتابه "بسط تجربه ديني" وقد جرى حوارهام بين سروش والشيخ السبحاني حول الوحي والقرآن وهذا ملخّصه:

سروش: إنّ الوحي "إلهام" وهو التجربة التي يخوضها الشعراء والعرفاءوإن كان النبيّ يخوضها بدرجة أرفع وأسمى وقد كان للنبي دورٌمحوري في خلق القرآن فالنبيّ يحسّ – مثل الشاعر تماماً - أنّ قوة خارجية تستحوذ عليه ولكنّه في الواقع يقوم بكل شيئ ولو قرأتم القرآن تشعرون أنّ النبيّ أحياناً يكون في قمّة الجذل والفصاحة بينما في أحيان أخرى مفعماً بالملل وتجده عاديّا في كلامه  وجميع ذلك قد ترك تأثيره على النصّ القرآني  وهذه هي الناحية البشريّة التامّة من الوحي .

الشيخ السبحاني: أوّلاً:إنّ هذه النظرية ليست نظرية جديدة فهي نفس ما كان يقوله المشركون في مكة بشأن تفسيرهم لظاهرة القرآن حيث كانوا يقولون:كما يخلق إمرؤالقيس المعاني والألفاظ في ضوء الإلهام كذالك يصنع محمّد حيث يصوغ الألفاظ والمعاني والقرآن ينقل هذه النظرية عنهم وينتقدهاقال تعالى: (وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) [الصافات:36] وقال أيضاً :(أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ)[الطور:30 ]  وأحياناً يفسّرون القرآن بأحد طرق ثلاثة تنتهي بأجمعها إلى غاية واحدة وهي أنّ القرآن من بنات أفكار النبيّ فيقولون حيناً :إنّها أحلام ومنامات وتارة: إنه متقوّل على الله وتارة أخرى:إنّه شاعرصاغ تصوراته في قالب القرآن قال تعالى :(بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ)[الأنبياء:5] وقال تعالى في نقده هذه الأقوال :(وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ) [الحاقة:41] وفي آية أخرى :(وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ) [يس:69] إذاً فقد صنف المشركون النبيّ في عداد الشعراء  وإنّ النظرية التي نناقشها هنا ليست سوى صدىً لما كان يردده المشركون وإن كان قد عبّرعنها بكلمات أسمى إلا أنّ منشأ القولين واحد.

وإذا أعرضنا عن ذلك نتسائل عن دليل هذه النظريّة ؟ هل هناك شاهد عليها؟ للأسف فإنّ هذا الحوار بأجمعه عبارة عن سلسلة من التصوّرات والمفاهيم غير المدعومة بدليل يثبتهافلو كان القرآن في حقيقته مجرّد خيال شعري وإنّ كان على مستوى أعلى فما معنى تحدّيه ولو بالإتيان بسورة واحدة مثله؟فأيّ شاعر تحدّى الآخرين طوال حياته الشعرية وأعجزهم أن يأتوابمثل قصائده إلى يوم القيامة؟

ثانياً: صاحب هذه النظرية يرى أنّ القرآن تجلًّ لما يكمن في شخصية النّبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وهومايصطلح عليه بالوحي النّفسي وإنّ أوّل من فسّر الوحي بشأن الأنبياء من خلال تجليّات الشخصيّة الباطنيّة هم القساوسة والمستشرقون في بعثاتهم التبشيريّة وأكثرمن أثار الغبار حول هذه المسألة مستشرق يدعى (درمنغهام) حيث سعى من خلال محاولاته الصبيانية الى التعريف بمصادر القرآن وأنّ منها تجليات الشخصية الباطنية.

إنّ الذي يميّزإحساس الشعراء عن إحساس الأنبياء عليهم السلام هوذلك الأمر الذي لم يعترف الدكتور سروش بموضوعيّته  فإنّ مصدر إلهام الشعراء ينبع من داخلهم في حين أنّ مصدر إلهام الأنبياء ينزل عليهم من الخارج وإنّ الذين لايمتلكون باعاً في المسائل الفلسفيّة والعرفانيّة لايستطيعون التفريق بين هذين النوعين من الإلهام والإحساس ولذلك كان المشركون يتسائلون عن كيفية إمكان أن يلهم شخصٌ من خارجه ويؤمر بهداية الناس؟ وقد عكس القرآن تفكيرهم هذا في قوله تعالى  :(أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ) [يونس:2] لقد كانت للمناوئين في مواجهة الوحي المحمدي عبر التاريخ توجيهات وتصورات إلا أنّ ماهيّتها واحدة في جميع العصورفالذي نشهده حاليّا هونفس التهم والشتائم والسفاسف التي كان يطلقها أبوجهل وابو سفيانولكن بأسلوب علمي بعد إلباسها ثوب التحقيق العلمي.

ثالثاً: إنّه يحاول من خلال هذا الكلام تعريف القرآن على أنّه كتاب بشري مئة بالمئة وأنّ النّبي صلى الله عليه وآله  شأنه شأن سائر المؤلفين الذين يتأثرون في كتاباتهم بالظروف التي تسود حياتهم وإذاكان ذلك صحيحاً فلماذا يؤكّد الله تعالى على نفي ذلك ولايرى تاثيراً لغير عامل الوحي في صنع القرآن حيث قال تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم:3-5]

سروش: إنّ النّبي محمّدصلى الله عليه وآله  وهو الفاعل والقابل للوحي بشرٌمؤيد ومطهّر وكل إناء بالذي فيه ينضحولاتثمر الشجرة الطيبة إلا ثمراً طيّباًوهذا الوحي قدّر أن يتقدّر بأقدارالطبيعة وهوأمر متعالي قدّر له التنزل وهو نفسٌ قدّر له أن يخرج من مزماروهو إلهي قدّرله أن ينبثق من لسان بشر وهو صادر عن إنسان مفعم بوجودالله.

أسأل الشيخ السبحاني أن يمنحني الحق في أن أصف ميتافيزيقيته بميتافيزيقية البعد والفرق وأن أصف ميتافيزيقيتي بميتافيزيقية القرب والوصال فإنّ التصوّر الذي يحمله عن الله تعالى ومحمّدصلى الله عليه وآله  بمثابة الخطيب واللاقطة فالخطيب يتكلّم واللاقطة تعمل على نقل صوتهأي إنّ النّبي مثل اللاقطة ليس سوى أداة وعدّةوأين هذا من نزول القرآن على قلب محمّدصلى الله عليه وآله ؟أمّا التصوير الذي أحمله عن تلك الرابطة فهو رابطة النفس والجسدأو بعبارة أوضح :رابطة المزارع والشجرة فالمزارع يدفن البذرة في رحم الثرى والشجرة تعطي الثمرةوهذه الثمرة مدينة في كل ماتشتمل عليه من اللون والنكهة والطعم الى الشجرة التي أثمرتهاوهذا كله يكون بإذن الله ولذلك فإنّ للنبي دوراً موضوعياًّ وليس طريقيّاًوهو بشرٌ نزل عليه القرآن وصدر عنهوهكذا يكون المعنى غير المصوّرمن اللهوالصورة من محمّدوالنفخ من الله والمزمارمن محمّد والماءمن الله والوعاء من محمّد.

والخلاصة إنّ حادثة الوحي المحمّدي إنّما حدثت في ظروف تاريخيّة وماديّة خاصّةوقد كان لتلك الظروف مدخليّة تامّة في تكوين الوحيولعبت دور العلة الصورية والمادية للوحي وبالتالي  فإنّ مايأتي به محمّد صلى الله عليه وآله هي محدوديّته العلميّة والوجوديّة والتاريخيّة وما إلى ذلك ممّا لا مفرّ لمخلوق منها.

الشيخ السبحاني: لابدّ من أن نذعن لتحكيم الوحي المحمّدي (القرآن) ليقضي بصحة هذا التفسير المقول عقلاً:

أوّلاً: إنّ القرآن يرفض هذه النظريّة بشدّة فهولم يرَ موضوعيّة للنبي أبداً ولم يعتبركلامه ثمرة لشجرة النبوة بل إنّ الوحي القرآني يقول:إنّ كل ما نزل من القرآن هومن زلال الوحي لم تؤثّر فيه أفكار النبيّ البشريّة: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا)[الشورى 7] (قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي)[الأعراف 203] فها هو القرآن يؤكد على أنّ الوحي الإلهي مصونٌ من كل شائبة تشوبه حتى لو كانت من قبيل الروحيّات الطاهرة والمتعالية للنّبي الأكرم صلى الله عليه وآله في حين أنّكم تصرّون على عكس ذلك  قال تعالى : (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)[النساء:82]

دققوا في عبارة (غَيْرِ اللَّهِ) فلوكان القرآن ثمرة شجرة طيبة فإنّ الثمرة ستتأثربالشجرة لامحالةوعندها ستخرج من حالة الصفاءويمتزج الوحي الإلهي بصبغة بشريّة.

وإذا كان الوحي الإلهي ثمرة الشجرة الطيّبة للوجود المحمدي وكانت لشخصيّته حالة الفاعل والقابل فما معنى التأكيد على عدم الإستعجال في حفظ الوحي في قوله تعالى: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) [القيامة:16-19] فإذا كانت المعاني من الله والكلمات من النّبي فما معنى هذا النّهي عن العجلة في القرائة والأمر باتّباع جبرائيل في التلاوة؟ إنّ إمعان النظر في هذه الآيات يثبت أنّ الوحي –  بما يشتمل عليه من المفاهيم والألفاظ- الذي يراه الحكماء الإلهيون نوعاً من التنزل إلى الشهود قد نزل على قلب رسول الله وجرى على لسانه ولم يكن لأيّ شخص تأثير في فاعليّة القرآن  وعليه هل يصح القول بأنّ النبي كان له دور فاعلي في الوحي وأنّ له موضوعية؟

ومن الأدلة الواضحة على أنّ مسألة الوحي لم تكن ثمرة وجود النبي صلى الله عليه وآله أنّه كان يترقّب الوحي  وقد استهزأ اليهود بالمسلمين  وسخروا منهم بسبب توجّههم إلى بيت المقدس  وهي قبلة اليهود في صلاتهم  ومع ذلك مكث النبيّ مدّة ينتظر أمر السماء في ذلك وأخذ لفترة طويلة يرمق الأفق الأعلى ويقلّب طرفه إلى السّماء قال تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) [البقرة:144]

وفي العام الهجري الثامن حصل لقاء بين مشركي مكّة ويهود خيبر ولمّا كان اليهود على علم بالشرائع السابقة فقد سألهم المشركون عن صدق النّبي محمّد في دعوته فقال اليهود: اسألوه عن ثلاثة أمور فإن أجاب عنها فهو نبيّ  وكانت الأسئلة الثلاثة تتعلق بأمر أصحاب الكهف وذي القرنين والرّوح فلمّا سأل النّبي صلّى الله عليه وآله  عن ذلك إستمهلهم وأخذ ينتظر الوحي ليطلعه على الحقائق  ولم يعد من فوره الى قطع ثمرة من شجرة وجوده وقد نزل الوحي الإلهي في هذا الشأن على النحو التاّلي : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا) [الكهف:83] وقال بشأن السؤال الثالث: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء:85].

ثانياً: لقد شبّهتم إعتقاد المسلمين بالوحي الذي يرونه صافياً غير مشوب بروحيّات البشر بالخطيب واللاقطة حيث قلتم : إنّ الصّورة التي تحملونها عن محمّد تشبه الخطيب واللاقطة فالخطيب يتكلم واللاقطة تنقل كلامه  أي أنّ النّبي كاللاقطة فهومحض أداة.

فنقول: حاشا أن نعتبر المقام الربوبي والرّسالي بمنزلة الخطيب واللاقطة  بل نعتقد أنّ الله تعالى مرْسِلٌ وأنّ النبي صلى الله عليه وآله رسول  إنّ بين هذه الرسالة واللاقطة بونٌ شاسع لايمكن معه تشبيه أحدهما بالآخرحيث إنّ هذا الرّسول ينبغي أن يطوي مدارج كماليّة ومعنويّة وروحيّة يحظى معها مضافاً إلى شعوره المادي بأذن برزخية تمكّنه من سماع صوت جبرائيل  وعين برزخيّة يستطيع من خلالها النظر الى صورة الملك وأن يبلغ من الناحية الروحيّة مرتبة يشهد معها- رغم ارتباطه بعالم المادّة- عالم الغيب دون خوف أو وجل  ويتلقّى الوحي كاملاً دون أن يضيف عليه مقدار خردلة ويبلّغه الى أصحابه  فهل هذا المنصب الرفيع والحسّاس مشابه لمهمة اللاقطة؟

منقول من مجلة رضوان


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1255
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 03 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24