• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : مع الطالب .
              • القسم الفرعي : مقالات الأشبال .
                    • الموضوع : القناعة والشكر وآثارها والجشع والغرور وآثارها .

القناعة والشكر وآثارها والجشع والغرور وآثارها

 مصطفى العوازم

 
{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} (سورة سبأ: 15ـ19.
 
الشرح:
كلّما عظمت نعمة على عبد، عظم حق المنعم بها عليه بالشكر، ولكن كثير من الناس يتلقون النعم ولا يعفون قيمتها، بل لا يرون فيها إلا نقصاناً عن حقهم، حتى يصلوا الى حد جحود النعمة، ولايعرف الانسان قيمة الشيء الا اذا فقده، وعندها لاينفع الندم.
 
ويحدثنا الباري في هذه الآيات عن قوم سبأ، وهم قوم سكنوا في بلاد الملكة بلقيس في اليمن. وكانت المملكة تتميز بالجبال والادوية ذات تربة خصبة الا ان المياه العذبة كانت تتوفر في بعض آيام السنة فتسقي الاراضي والمواشي، ثم لاتلبث ان تنحدر من بين الجبلين الى البحر جنوباً او تغور في رمال الصحراء وتنقطع المياه هذا مما جعل الحياة حياة بسيطة تستند الى‌الزراعة وحياة صعبة بسبب‌قلة المياه فكانوا يشكرون الله على كل حال.
 
بداية المشروع الفريد:
وفي هذه المعاناة ياتي قضاء الله الرحيم فتأتي في إذهان البعض فكرة رائدة... لماذا لايبنون سداً يمنع المياه عن تجوز الجبلين... و هكذا شرعوا ببناء السد من الصخور والطين وجعلوا في جوانبه منافذ لفتحها عند الحاجة، فحفظوا المياه من الهدر.
 
التحول الكبير:
وبعد فترة من الزمن تبدلت الارض القاحلة الى ارض دائمة الخضرة غنية بالاشجار والثمار من كل صنف واصبحت اجمل من باقي المدن والقرى... فغدت منية الناظرين... بل قيل ان كثافة الاشجار تحجب اشعة الشمس عن السائر فيها مدة عشرة ايام...بل وقيل ان المرأة تحمل الوعاء على‌رأسها وتسير بين الاشجار في موسم القطاف فيمتلئ الوعاء بدون ان تلمس شيء‌ واصبحت مقصد كل الناس وكبرت القرية وانتشر العمران فأمن المسافرون وسهلت الطرق {سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ} لقد لقد حول الله قوم سبأ كل هذه النعم في وقت قصير بسبب قناعتهم وشكرهم.
 
جزاء الاحسان:
ولكن ماذا يريد الله مقابل هذه النعم {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُور}.
 
طعام...ماء...أمن...جمال...كل ذلك ثمنه عرفان حق النعمة وأداء حق المنعم بالشكر والقناعة، وهو أن يتذكروا أن النعمة من عند الله {من رزق ربكم} واذا عرفوا ذلك أن يشكروا {واشكروا له}
 
وأن يقدروا النعمة ويعرفوا قيمتها ولايجحدوا حق المنعم فذكرهم بذلك قوله {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُور}
 
كيف قابل القوم هذه النعم:
لكن القوم للأسف كفروا بنعمة الله وأصابهم الجشع والغرور وأغرقوا في حب الاستئثار حتى تمنوا أن بينهم وبين باقي البلاد مسافات شاسعة لكي لا يشاركهم في نعم الله {فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا}
 
ونسوا أن هذا الامر يجل الطرق الى بلادهم آمنة فلم يقدروا نعمة الامن بسبب الجشع ولم يقدروا نعمة احتياج الآخرين اليهم، إنهم يغبطونهم على تلك الخيرات. لقد أعماهم الطمع فأدى بهم الى‌ نكران النعمة بل ازدادوا عتواً و كفراً.
 
عاقبة هذا الجشع والطمع ونكران النعمة:
ولكن يد الرحمن تأبى أن تأخذ الناس بظلمهم قبل أن تعمل إليهم بآيات الإشارة والهداية والنصح، فأرسل الله اليهم من رحمته ثلاثة عشر نبيا بعدد قراهم يحذرونهم وينذرونهم ويدعونهم الى مقابلة نعم الله بالشكر ولكن هيهات أن يسمعوا... واذا سمعوا هيهات أن يعوا... وإذا وعوا هيهات ان يتوبوا، وتمت الحجة الالهية، وبلغ الناهي عذره.
 
وجاء العقاب الالهي...فكلما جاءت هذه النعم شاملة قدر الله ان تذهب شاملة، فسلط الجرذان على‌ السد، فأخذت تنقب ثم انهار وهجم السيل عارماً هادراً يجرف ما يواجهه من البيوت والاشجار وتشتت الجمع وعلا الصياح وكل يبتغي النجاة لنفسه. فكما جاء السد بالخيرات كذلك تركهم انهياره في العراء مشتتين، ديارهم خربة، ثم غدت تلك الارض الغناء برية ذات شجر بري مرير الطعم كثير الاشواك كالاثل الذي هو شجرة لا ثمر له او هي ذات قيمة زهيدة كالسد:
 
{فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ وبعد ان كانوا مقصد الطامعين لم يحتملوا الحياة‌ في ارضهم فسعوا في الارض وتشتت قبائلهم في كل اتجاه وصاروا مضرباً للمثل فقيل (تفرقوا أيادي سبأ)
 
حكمة للحفظ
قال تعالى: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}.

  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1254
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 03 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20