• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : الثقافة .
              • القسم الفرعي : الاجتماع وعلم النفس .
                    • الموضوع : النفس عند صدر الدين الشيرازي .

النفس عند صدر الدين الشيرازي

دار السيدة رقية ( للقرآن الكريم

إعداد: صادق محمد علي المسلم

(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً)

إن علم النفس من الموضوعات الهامّة في البحوث الفلسفية.

وقد اهتمّ الفلاسفة ببحث النفس منذ أقدم العصور، والحكمة المعروفة: (من عرف نفسه فقد عرف ربّه) رواها حكماء اليونان كما رواها الأئمة(عليهم السلام).

وقال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) سورة الإسراء:58

ونقل عن أرسطو:(من عرف ذاته قوي على معرفة الله)(1) .

كانت الفلسفة القديمة منذ عصر اليونان تبحث عن عدّة حقول معرفية كالطبيعيات وغير ذلك. ثم انفصلت العلوم تدريجياً وتفرّعت الفلسفة،ومن تلك العلوم دراسة النفس وتقسيمها إلى نفس نباتية  وحيوانية وإنسانية، وتوسّع أرسطو طاليس في دراسة النفس وتقسيمها وتعريفها وهل هي مجرّدة أم مادّية؟ قديمة أم حديثة؟ خالدة أم زائلة؟ إلى غير ذلك. ولمّا تُرجمت  الفلسفة اليونانية في العصر الإسلامي، أطلع العلماء المسلمين وفلاسفتهم على الأفكار اليونانية ومزجوا ثقافتهم بما درسوه وترجموه فأبدعوا في هذا المجال، فبزغ منهم علماء وفلاسفة كبار كالفارابي وجابر بن حيان والكندي وابن سينا الذي توسّع في بحوثه الفسلفية  ومن ضمنها بحث في النفس من كتاب (الشفاء) المشهور.

وقد نقلوا نفس تعريف(أرسطو) للنفس بأنّها: (إنطلاشيا (كمال) وهو أول تمام جرم طبيعي ذي حياة بالقوة)(2) .

وجاء تعريف ابن سينا وصدر الدين الشيرازي بما هذا نصّه: (كمال أول لجسم طبيعي آلي ذي حياة بالقوة)(3) .

ولا يعني أن نظرية ابن سينا في النفس لا تختلف عن نظرية الملا صدرا. إنّ نظرية النفس تعتمد على أسس فلسفية أعمّ منها، وبما أنّ هناك بعض الاختلاف بين نظرية المشّائين بصورة عامّة ونظرية صدر المتألّهين في المرتكزات الفلسفية لكلٍّ منهما، مع وجود منطلقات متشابهة، فقد بحث جميع الفلاسفة موضوع النفس من حيثية علاقتها وتدبيرها للجسم، يقول ابن سينا: (واسم النفس ليس يقع عليها من حيث جوهرها بل من حيث هي مدبرة  للأبدان ومقيسة إليها ، فلذلك يؤخذ البدن في حدها)(4) .إذن فالبحث في جوهر النفس وكنهها خارج عن نطاق الدراسات الفلسفية.وقال محي الدين بن عربي:(ولهذا ما عثر أحدٌ من الحكماء والعلماء على معرفة النفس وحقيقتها إلا الإلهيون من الرسل والأكابر من الصوفية)(5) .ومن الجدير بالذكر أن بحث النفس يتّجه ويتأثّر بنظرية الحركة، ومن المعروف إنّ الحركة عند المشّائين يقتصر على المقولات العرضية فحسب، أما عند الملا صدرا فإنه يشمل أيضاً حركة  الجوهر، وهذا هو الخط الفاصل والمفترق الأهمّ بين الفلسفة المشّائية وفلسفة صدرا الدين الشيرازي في دراسة النفس.وهذه من مبتكرات الملا صدرا، فأدّى إلى توصيله بأنّ النفس(جرمانية الحدوث، روحانية البقاء) وهذه العبارة ذكرها كثيراً في فلسفته حول النفس، وإنّ الحركة الجوهرية في المادّة أصحبت العمدة في بحث النفس وخلودها ومعادها، والمرتكز الأساس في إبداعاته.

إنّ المدرسة المشّائية تذكر أنّ النفس ككيان متكامل وفعلي أضيف إلى البدن، فأصبح هذا المركّب إنساناً، فكما تضع الماء في القدح أو يركب الراكب دابته، تكون هذه الإضافة بين النفس والبدن.

أما مدرسة الحكمة المتعالية المتمثّلة بصدر الدين فإّنها رفضت هذه الإضافة الضعيفة وتلك العلاقة الغريبة  والواهية بينهما، وقالت: إنّ النفس لم تحصل على تجرّدها وفعليّتها خارج  الجسم ثمّ أضيفت بهذا الشكل القائم بينهما، وإنّما النفس قامت بمسيرة تصاعدية نحو التجرّد في داخل البدن والمادّة لا في خارجها، بحركة جوهرية سارت من القوة إلى الفعل بشكل تدريجي تكاملي نحو الوجود والتحقّق. وبهذا يمكن القول: إنّ هناك نقلة نوعية حصلت عليها المادة فأصبحت مجرّدة ناقصة التجرّد ماد امت في إطار البدن، بعدها يمكن أن ترتقي إلى مستوى العقول في دار غير دار الدنيا، والعقول المجرّدة تحظى  بالخلود والسعادة. إنّ النفس عند ابن سينا مجرّدة عن المادّة من أوّل فطرتها (وليست كذلك... بل أنها في أوائل الأمر خيال  بالفعل (قبل التجرد التام) عقل بالقوة...) (6) ، ويقول الشيرازي:(...إن الإنسان له هوية واحدة ذات نشأة ومقامات ويبتدئ وجوده أولاً من أدنى المنازل، ويرتفع قليلاً إلى درجه العقل والمعقول...) (7)  .

ويعزو الملا صدرا هذا الاختلاف بينه وبين المدرسة المشائية إلى اختلافهم في مسألة الوجود. يقول:(وأكثر المتأخرين من الفلاسفة كالشيخ وأتباعه لمّا لم يحكموا أساس علم النفس  لذهولهم عن مسألة الوجود وكماله ونقصه ومبادئه وغاياته أنكروا هذا المعنى)(8) . إنّ القوى الحيوية لدى الكائن البشري- كما يعتقد صدر المتألهين- لها وجهتان، الأولى مادّية والثانية مجرّدة عن المادة، وهذه القوى المادّية لا تفارق تلك القوى المجرّدة، وبعد الموت ينتقل الإنسان إلى عالم أكثر تجريداً وأقل تعلّقاً بالمادّة.

وبالحركة الجوهرية التي آمن بها ملا صدرا تتطوّر المادة وترتقي نحو وجودّية أشدّ من وجودّيتها السابقة. يقول الشيخ مرتضى المطهري: (فهذا الفكر المجرد الذي في ذهنك الآن، كان يوم من الأيام لحماً، ثم تبدل لفكر مجرد. إن المادة في حركتها الجوهرية ترتقي نحو الأعلى، وكلما تحركت كذلك اتجهت نحو التركز الوجودي وكلما اتجهت كذلك، سارت تلقاء التجرد، حتى تبلغ الوعي والشعور الإرادي)(9) .

إنّ هذه المراتب التي ترتقي إليها النفس الإنسانية نحو الأكثر تدرّجاً والأشدّ وجودّية ليست هي عبارة عن محطّات تمرّ بها النفس مروراً متصاعداً فحسب، ليس الأمر انها تمرّ بالنقطة(ب) ثم تغادرها إلى النقطة(ج)ثم إلى(د) ... الخ، وإنّما تأخذ معها تلك النقاط التي مرّت بها، لهذا قال الملا صدرا أن للنفس الإنسانية شخصية جمعية تحوي جميع مراتبها من أدناها إلى أعلاها مرتبة، أو كما يقول  الفلاسفة، إنها عندما تلبس درجة من الوجود لا تنزع الدرجة السابقة، أي ليست في حالة نزع ولبس، وإنما هي في لبس بعد لبس، فالنفس في ذاتها سمع وبصر وشمّ وذوق ولمس وإدراك وخيال... (10) .

وهذا الرأي  وافق فيه بعض العرفاء كابن عربي.

وقد يرد السؤال: هل النفس في خروجها من القوّة إلى الفعل تفعل ذلك بذاتها؟ أو بأمر خارج عنها؟ وإذا عرفنا أن فاقد الشيء لا يعطيه كما يقال، نعرف أنّ النفس في حالة كونها (بالقوة)، لا تمتلك (الفعلية)، وكل ما لا يمتلك الفعلية، لا يمكن أن يصل إليه إلا بأمر خارج عن ذاته، فالنفس تخرج من الفعل إلى القوة بأمر خارج عن ذاتها.

يقول الشيرازي: (إن مخرج النفس من القوة إلى الفعل في كمالها العقلي ليست بذاتها إذ الشيء لا يخرج ذاته من النقص إلى الكمال... فمخرجها إلى الكمال ملك كريم)(11) .

إنّ دراسة النفس عند صدر المتألّهين يحتاج إلى مجال أوسع بحيث يتمّ استعراض الجوانب من فلسفته التي لها علاقة بحثه في علم النفس، كذلك في بحث الجوانب الأخرى كقدم النفس أو حدوثها، مادّيتها، خلودها تجرّدها وغير ذلك(12)

ــــــــــــــــــــ

1  - حسن زاده الآملي: سرح العيون ص60

2  - أرسطو في النفس: ترجمة إسحاق  حنين، تقديم وشرح د. عبد الرحمن بدوي ط، دار العلم- بيروت ص30.

  3- الشيرازي: الشواهد الربوبية ج1ط2 إيران جامعة مشهد ص 187.

4  - ابن سينا : النفس في كتاب الشفاء، تحقيق حسن زاده، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي ط1 عام 1417هـ، إيران- قم،ص21 راجع الشيرازي: الأسفار،ج1 ص 442.

5- ابن عربي: فصوص الحكم، شرح عبد الرزاق القاشاني، النص الشعيبي.

6  - راجع: الشيرازي، الأسفار ج9ص112.

7- الشيرازي،الأسفار: ج8ص133. 

8 - الشيرازي، الأسفار:ج8ص135.

9  - مطهري: المعاد، بيروت ط2ص170.

10- راجع الشيرازي: العرشته – مؤسسة التاريخ العربي، بيروت ص35. 

11- الشيرازي: تفسير القرآن الكريم،ج7ط2قم 1415هـ ص329. 

12  - للتوسّع راجع صادق محمد علي، المسلم: إبداعات الشيرازي الفلسفية النفس نموذجاً رسالة ماجستير/ جامعة آزادي الإسلامية عام2004م.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1174
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 11 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24