• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : تفسير القرآن الكريم .
              • القسم الفرعي : تفسير السور والآيات .
                    • الموضوع : الوحدة الإسلامية .

الوحدة الإسلامية

إعداد: صادق محمد علي المسلم

(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ)

ليس من المقصود من الوحدة جعل الناس كمّاً متراكماً متجانساً أو جعل العقائد كذلك نظرية واحدة، أو جميع الاجتهادات الدينية وغيرها، أن تجعل في بوتقة واحدة وتصهر جميعها في قالب واحد، فهذا مستحيل، فالباب مُشرع للاجتهادات والآراء على كافّة الأصعدة الفقهية والسياسية والاقتصادية والعلمية، وهذا من شأنه إن ينمي الفكر ويضع الخطوات على الطريق للاقتراب من الحقائق، والأمر السلبي هو أن ترى فكرك واجتهادك هو الأوحد أو كما يقال: لا مزيد عليه، وبالمقابل  تستنتج أنّ أراء الآخرين في ضلال مبين، وأنّهم على خطأ وأنت فقط صاحب الصواب، فهذا مبعثه التعصب  والتحجيم  الذهني والقصور وهو من أشدّ الآفات فتكاً في كافّة المجتمعات، لأنّ عاقبته التناحر والصراع المرير والقتال والفتك، كما يلاحظ ذلك المسلمون وتأخّرهم؛ بل أخذ يضرب بعضهم رقاب البعض الآخر.

وإنّما المقصود من الوحدة:

أ-  النظرة الشمولية للأمور الدينية وغير الدينية.

ب- العمل على التقارب أساس إنساني ومن منطلق الحكمة والموعظة الحسنة ومن منطلق الاعتراف  أو  الاحترام للمذاهب الإسلامية وحرّية المناقشة والمداولة والتعارف.

ت-  نهوض كافّة المسلمين لردّ مذاهب الكفر والإلحاد والأفكار المتطرّفة التي تتناقض وتعاليم الدين السمحة، فالعدوّ المشترك يحفزّنا لقيام جبهة واحدة تعمل على تعزيز الغلبة والانتصار والانتباه للثغرات التي يحاول المستعمرون إيجادها في صفوفنا ومعالجتها من خلال تعاون المذاهب الإسلامية فيما بينها.

ث- يمكن أن يحصل التقارب بين المذاهب الإسلامية من خلال ندوات علمية وبعيدة عن روح النزاع والتعصّب، ويكون العمل بروح الإخلاص والإصلاح وتطوير طاولات البحث بشكل حضاري مقبول ، فيه الشفافية والوضوح والنقد البنّاء والابتعاد عن المواطن التي تثير الفرقة والمناهج الصحيحة متوافرة من خلال التعاليم  الإسلامية ، فالقرآن يعلّمنا أسلوب الحوار حتى مع ألدّ الأعداء والمخالفين ، وكذلك الروايات تفيدنا في طريقة الطرح وما هو الأنسب في لغة المحاورة والمحاضرة وهذا ما نلحظه في حوارات الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) مع أقوامهم وصبرهم وحلمهم وتسامحهم مع صلابتهم  في تثبيت الحقّ  وإحقاقه وإرساء دعائم دين التوحيد وتخلّصه من شوائب الشرك والإلحاد {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ...} آل عمران: 64 .

إنّ الذي يفتّ في عضد الوحدة هو حبّ الرئاسة والجاه والتحكّم في مصير  الشعوب بغير عدل ولا إنصاف، وهذه النزعة متأصّلة في بعض النفوس؛ بل في كثير من الناس لو وجد الفرصة السانحة. فتتحوّل السلطة الدينية إلى ملك عضوض يكتسح كلّ منازع له ولو كان أقرب الناس إليه، كما قال بعض سلاطين الجور لابنه: لو نازعتني عليه لأخذت الذي فيه عيناك.

دعائم الوحدة الإسلامية:

1- التوحيد: ويتضمّن الإيمان بالله وبرسله وكتبه واليوم الآخر،{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ...} الأنعام:153، {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } آل عمران: 103.

إطاعة النبي(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } النساء:80 .

هناك تفاصيل كثيرة لم يذكرها القرآن وذكرها النبي(صلى الله عليه وآله) فينبغي على المسلم أن يطيع الرسول (صلى الله عليه وآله) إضافة إلى طاعة الله تعالى ولا يكتفي بالقرآن وحده؛ لأنّ القرآن أمر باتّباع سنة  النبي(صلى الله عليه وآله) .

2- القيادة الدينية: لأجل  توحيد الصّف ينبغي على المسلم إطاعة قادته الحقيقيين وامتثال أوامرهم، فإن لها دور كبير في الانتصار والتقدّم.

3- التآخي الإيماني: يلازم الوحدة، رغم تعدّد المذاهب، إذا وضع في إطاعة الصحيح من خلال وعي أبناء الأمّة وإن اختلفوا في اللغة والقبائل والدماء والانتماء إلى أوطان مترامية، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} الحجرات: 10. {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} التوبة: 71. وهذا الولاء مصدره الولاء لله ولرسوله(1) .

الاتفاق والاختلاف:

قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا...} آل عمران:103.الاعتصام بحبل الله هو إتباع كتاب الله وسنّة نبيّه، حسبما عبّرت عنه الأحاديث. (جميعاً) هو أمر موجّه للمجتمع الإسلامي، ويذكرهم الله تعالى حالهم من العداوة والتفرقة في حياة الجاهلية، وكيف أخرجهم من ظلمة وضلال العداوة إلى نور وهداية الأخوّة  والألفة. وهذه من أهمّ النعم على المجتمع الإسلامي وعلى الفرد المسلم، وكيف خلّصهم من نار الحروب والصراع إلى دار السلام وكيف عاشوا حياة الوئام والكرامة.

في ظل هذه النعمة تألّفت القلوب وتحصّلت الأخوّة، بعدما كانوا {عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ} آل عمران:103. ثمّ يحذّرهم من الوقوع في فخّ الفتن وشباك التفرقة {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ...} آل عمران:105.

والتفرّق يمهّد للاختلاف  ويدعو إليه؛ لأنّ التفرّق هو التباعد بعضهم عن بعض، وهو التقاطع والتدابر، فيؤول إلى الاختلاف في مسالكهم ونحلهم ومشاربهم فتطهّر فيهم الفرق والملل والنحل لاختلاف عقائدهم وانشقاق صفّهم وعصا وحدتهم، ( وبالغ في النهي عن الاختلاف، وليس ذلك إلا لما كان يتغرس من أمر هذه الأمة أنهم سيختلفون كالذين من قبلهم بل يزيدون عليهم في ذلك ... فلم تلبث الأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) دون أن تفرقوا شذر ومذر، واختلفوا في مذاهب شتى بعضهم يكفر بعضاً من لدن عصر الصحابة إلى يومنا هذا وكلما رام أحد أن يوفق بين مختلفين منها أولد ذلك مذهباً ثالثاً)(2) .

ولكن بعض الاختلاف لا يعتبر سلبياً وإنما هو أمر طبيعي إيجابي كاختلاف استعدادات الأفراد بدنياً وروحياً؛ وذلك لاختلاف تركيباتهم وبنياتهم الجسدية والعقلية ودرجات ذكائهم إضافة إلى ظروف بيئية وتربوية تضعف  أو تقوّي ذلك الجانب. أمّا الاختلاف في أمور الدين فإنّه أمر غير سوي ولا يمثّل حالة صحية؛ لأنّ هذا النوع من  الاختلاف يتجافى والفطرة التي  فطر عليها الإنسان من قبول الدين والتفاعل معه، فالاختلاف  هنا يدلّل على انحراف الفطرة عن  مسيرها وغاياتها التي جبلت عليها، بل الدين يتماشى مع الفطرة؛ بل هو من الفطرة {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ...} الروم:30.

تحقيق الوحدة:

في الإسلام مجموعة من الرسائل أو المناهج لتحقيق الوحدة الإسلامية والمحافظة عليها، تكون بمثابة العلاج، وأسس الوحدة الإسلامية التي مرّ ذكرها فإنّها تمثّل خطّ الدفاع، والحصانة والوقاية التي تمنع ذلك النزاع والصراع وعوادي التفرقة. ومن هذه الوسائل العلاجية:

1- الدعوة بالحكمة: أي بالتعقّل وتدبّر الأمور والتفكير والبرهان.

2- الدعوة بالموعظة: الموعظة الحسنة هي الأسلوب الذي يخاطب به عقول الناس، ومخاطبة مشاعرهم وإنسانيتهم وعواطفهم النبيلة لأجل الوفاق  والإصلاح وإيجاد الحلول الناجعة والناجحة.

3- التسامح  والتساهل: إنّ الصفح وقبول العذر والحلم من المزايا الأخلاقية التي يرام منها المعايشة والانسجام، ويراد بها الابتعاد عن الأجواء المتشنّجة  والتي تعكّر صفو العلاقة الأخوية المبنية على المحبّة لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وللمؤمنين(3) .

4- الوقوف في وجه الظلم والعدوان، ومجاهدة سلاطين الجور(4) .

منهج أهل البيت(عليهم السلام):

أكدّ أهل البيت على شيعتهم ومحبّيهم أن يتعايشوا مع الناس جميعاً وخاصّة المسلمين، لأجل وحدتهم وتطوير حياتهم واستقرارهم، ونهوا عن الانعزال. وقال أحد أصحاب الإمام الصادق(عليه السلام): (قلت لأبي عبد الله الصادق(عليه السلام): كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين خلطائنا من الناس؟ فقال(عليه السلام): تؤدّون الأمانة إليهم وتقيمون الشهادة لهم وعليهم وتعودون مرضاهم وتشهدون جنائزهم)(5) .

من أقوال بعض  علماء المسلمين في التآخي والتقريب:

1- الشيخ محمد أبو زهرة (وكيل كلّية الحقوق بجامعة القاهرة):(مهما تناءت الديار مرتبطين بروابط وثيقة تمتد جذورها في أعماق أنفسنا وهي أحكام الإسلام وشعائره وعبادته وعقائده، إذ هو دين الوحدة الجامعة الشاملة كما هو دين التوحيد الخالص من كل شرك...)(6) .

2- الشيخ محمد جواد مغنية (رئيس المحكمة الشرعية الجعفرية العليا ببيروت): حدد الله سبحانه الأخوّة الدينية في الآية 11من سورة التوبة {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} قال المفسرون: إنّ التوبة هنا ترك الشرك، إذن الإخوّة في الدين لا تناط بالرجوع مذهب من المذاهب ، ولا بقول فقية عظيم، وشيخ قديم، ولا بالاتفاق على مسائل الزواج والطلاق، والإرث والهبة والبيع والإجارة وجواز المسح على الخفين أو التكتف في الصلاة، وإنما تناط بالإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة  وبهذا: بالأصول الثلاثة (الإيمان بالله وبرسوله واليوم الآخر) والعبادة تتحقق الجامعة الدينية  بين كافة المسلمين ومن دخلها كان مسلماً، سواءً كان شرقياً أم غربياً، أم عربياً ، أم أعجمياً سنيّا أم شيعياً، ومن فرق  بين أثنين من أبناء هذه الجامعة وأقام بينهما الحواجز والحدود فقد صد عن سبيل القرآن، واتبع خطوات الشيطان وبالتالي فإن معنى التقريب بين المذاهب الإسلامية هو إعلان هذه الحقيقة التي نطق بها القرآن، والدعوة إليها والتنبية إلى إن أي قول أو فعل يخالفها  فهو خطأ يضر بصالح الإسلام والمسلمين(7) .


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=1145
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 10 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 07 / 24