00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة العنكبوت 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الاصفى في تفسير القران (الجزء الثاني)   ||   تأليف : المولى محمد حسين الفيض الكاشاني

[ 940 ]

سورة العنكبوت [ مكية، وهى تسع وستون آية ] (1)

 الله الرحمن الرحيم * (الم) *. * (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا) *: لقولهم * (آمنا وهم لا يفتنون) *: لا يختبرون. قال: (معنى يفتنون: يبتلون في أنفسهم وأموالهم) (2). وفي رواية: (الفتنة في الدين) (3). وورد: لما نزلت هذه الاية قال النبي صلى الله عليه وآله: (لابد من فتنة تبتلى بها الامة بعد نبيها، ليتبين الصادق من الكاذب، لان الوحي قد انقطع، وبقي السيف وافتراق الكلمة إلى يوم القيامة) (4). * (ولقد فتنا الذين من قبلهم) *: اختبرناهم * (فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) *: فليعلمنهم في الوجود ممتحنين بعد علمه السابق بأنهم سيوجدون كذلك، وفي

__________________________

(1) - ما بين المعقوفتين من(ب).

(2) - مجمع البيان 7 - 8: 272، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(3) - الكافي 1: 370، الحديث: 4، عن الكاظم عليه السلام.

(4) - مجمع البيان 3 - 4: 315، ذيل الاية: 65 من سورة الانعام.(*)

[ 941 ]

قراءتهم عليهم السلام: (ليعلمن) (1) في الموضعين، من الاعلام. * (أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا) *: أن يفوتونا فلا نقدر أن نجازيهم على مساويهم * (ساء ما يحكمون) *. * (من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لات) * قال: (يعني من كان يؤمن بأنه مبعوث، فإن وعد الله لات من الثواب والعقاب. قال: فاللقاء هاهنا ليس بالرؤية، واللقاء هو البعث) (2). والقمي: من أحب لقاء الله جاءه الاجل (3). * (وهو السميع) * لاقوال العباد * (العليم) * بعقائدهم وأعمالهم. * (ومن جاهد) * نفسه بالصبر على مضض الطاعة والكف عن الشهوات * (فإنما يجاهد لنفسه) * لان منفعته لها * (إن الله لغنى عن العالمين) * فلا حاجة به إلى طاعتهم. * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون) *: أحسن جزاء أعمالهم. * (ووصينا الانسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم) * بإلاهيته. عبر عن نفيها بنفى العلم بها، اشعارا بأن مالا يعلم صحته لا يجوز اتباعه وان لم يعلم بطلانه، فضلا عما علم بطلانه. * (فلا تطعهما) * في ذلك، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق * (إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) *. * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لندخلنهم في الصالحين) *. * (ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذى في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله) * القمى: إذا آذاه انسان، أو أصابه ضر أو فاقة أو خوف من الظالمين، دخل (4) معهم في دينهم، فرأى أن ما يفعلونه هو مثل عذاب الله الذي لا ينقطع (5). * (ولئن جاء نصر من ربك) *: فتح

__________________________

(1) - المصدر 7 - 8: 271، عن أمير المؤمنين، عن أبى عبد الله عليهما السلام.

(2) - التوحيد: 267، الباب: 36، ذيل الحديث الطويل: 5، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

(3) - القمى 2: 148.

(4) - في المصدر:(ليدخل).

(5) - القمى 2: 149.(*)

[ 942 ]

وغنيمة * (ليقولن إنا كنا معكم) * في الدين فأشركونا فيه * (أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين) * من الاخلاص والنفاق. * (وليعلمن الله الذين آمنوا) * بقلوبهم * (وليعلمن المنافقين) *. * (وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم) *. القمي: كان الكفار يقولون للمؤمنين: كونوا معنا، فإن الذي تخافون أنتم ليس بشئ، فإن كان حقا نتحمل نحن ذنوبكم، فيعذبهم الله مرتين، مرة بذنوبهم ومرة بذنوب غيرهم (1). * (وما هم بحاملين من خطاياهم من شئ إنهم لكاذبون) *. * (وليحملن أثقالهم) *: أثقال ما اقترفته أنفسهم * (وأثقالا مع أثقالهم) *: وأثقالا آخر معها، لما تسببوا له بالاضلال والحمل على المعصية، من غير أن ينقص من أثقال من تبعهم شئ * (وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون) *. * (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما) * قال: (لم يشاركه في نبوته أحد) (2). وقال: (يدعوهم سرا وعلانية، فلما أبوا وعتوا قال: رب إني مغلوب فانتصر) (3). * (فأخذهم الطوفان وهم ظالمون) *. * (فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين) * يتعظون ويستدلون بها. * (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم) * مما أنتم عليه * (إن كنتم تعلمون) *. * (إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا) *: وتكذبون كذبا في تسميتها آلهة وادعاء شفاعتها عند الله * (إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون) *.

__________________________

(1) - القمي 2: 149.

(2) - كمال الدين 1: 215، الباب: 22، ذيل الحديث الطويل: 2، عن أبي جعفر عليه السلام.

(3) - الكافي 8: 283، ذيل الحديث: 424، عن أبي جعفر عليه السلام.(*)

[ 943 ]

* (وإن تكذبوا) * قيل: هي من جملة قصة إبراهيم (1). والقمي: خطاب لهذه الامة معترض في قصة إبراهيم، وهو من المنقطع المعطوف (2). أقول: الوجه فيه أن مساق قصة إبراهيم لتسلية الرسول، والتنفيس عنه، بأن أباه خليل الله كان ممنوا (3) بنحو ما منى به من شرك القوم وتكذيبهم، وتشبيه حاله فيهم بتشبيه حال إبراهيم في قومه، ولذلك توسط مخاطبتهم بين طرفي قصته * (فقد كذب أمم من قبلكم) * الرسل * (وما على الرسول إلا البلاغ المبين) *. * (أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير) *. * (قل سيروا في الارض) *. خطاب لابراهيم على الاول، ولنبينا على الثاني. * (فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الاخرة إن الله على كل شئ قدير) *. * (يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون) *: تردون. * (وما أنتم بمعجزين) * ربكم عن إدراككم * (في الارض ولا في السماء) * إن فررتم من قضائه بالتواري في إحداهما * (وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير) *. * (والذين كفروا بآيات الله ولقائه) * بالبعث * (أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم) * بكفرهم. * (فما كان جواب قومه) *: قوم إبراهيم له * (إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه) *. كان ذلك قول بعضهم، لكن لما رضي به الباقون أسند إلى كلهم. * (فأنجاه الله من النار) * بأن جعلها عليه بردا وسلاما * (إن في ذلك لايات) * هي حفظه من أذى النار، وإخمادها مع عظمها في زمان يسير، وإنشاء روض مكانها * (لقوم يؤمنون) *. * (وقال انما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم) * أي: لتتوادوا بينكم،

__________________________

(1) - الكشاف 3: 201، البيضاوي 4: 136.

(2) - القمي 2: 149، مع تفاوت يسير.

(3) - مناه، يمنوه: ابتلاه واختبره. القاموس المحيط 4: 394(منو).(*)

[ 944 ]

وتتواصلوا لاجتماعكم على عبادتها * (في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم) * ببعض) * قال: يعني يتبرأ بعضكم من بعض) (1). وقال: (الكفر في هذه الاية البراءة) (2). * (ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين) *. * (فآمن له لوط وقال) * إبراهيم * (إني مهاجر إلى ربي) * قيل: مهاجر من قومي إلى حيث أمرني ربي (3). * (إنه هو العزيز) * الذي يمنعني من أعدائي * (الحكيم) * الذي لا يأمرني إلا بما فيه صلاحي. * (ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا) * بإعطاء الولد في غير أوانه، والذرية الطيبة التي من جملتهم خاتم الانبياء وسيد المرسلين وأمير المؤمنين وعترتهما الطيبين، واستمرار النبوة فيهم، وانتماء (4) الملل إليه، والصلاة والثناء عليه إلى آخر الدهر * (وإنه في الاخرة لمن الصالحين) *. * (ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين) *. * (أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل) *: تتعرضون للسابلة (5) بالفاحشة والفضيحة، حتى انقطعت الطرق * (وتأتون في ناديكم) *: في مجالسكم الغاصة، ولا يقال النادي إلا لما فيه أهله * (المنكر) *. قال: (كانوا يتضارطون في مجالسهم في غير حشمة ولا حياء) (6). وفي رواية: (هو الخذف) (7) أي: الرمي بالحصا. * (فما كان جواب قومه إلا أن

__________________________

(1) - الكافي 2: 391، ذيل الحديث: 1، عن أبى عبد الله عليه السلام.

(2) - التوحيد: 260، الباب: 36، ذيل الحديث: 5، عن أمير المؤمنين عليه السلام.

(3) - البيضاوى 4: 137.

(4) - الانتماء: الانتساب. مجمع البحرين 1: 421.

(5) - السابلة: الطريق المسلوك، والجمع: السوابل. أقرب الموارد 1: 492(سبل).

(6) - مجمع البيان 7 - 8: 280، عن أبى الحسن الرضا عليه السلام، وفيه:(من غير حشمة ولا حياء).

(7) - التهذيب 3: 263، الحديث: 741، عن أبى عبد الله، عن آبائه، عن النبي صلوات الله عليهم، عوالي اللئالى(*)

[ 945 ]

قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين) *. * (قال رب انصرني على القوم المفسدين) * * (ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى) *: بالبشارة بالولد والنافلة (1) * (قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية) *: قرية سدوم (2) * (إن أهلها كانوا ظالمين) *. * (قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين) *: الباقين في العذاب. * (ولما أن جاءت رسلنا لوطا سئ بهم) *: جاءته المساءة والغم بسببهم * (وضاق بهم ذرعا) *: وضاق بشأنهم وتدبير أمرهم ذرعه، أي: طاقته * (وقالوا) * لما رأوا فيه من أثر الضجرة * (لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين) *. * (إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء) *: عذابا منها * (بما كانوا يفسقون) *. * (ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون) * هي منزل لوط، بقي عبرة للسيارة. * (وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الاخر) * قيل: أي افعلوا ما ترجون به ثوابه (3). وقيل: إنه من الرجاء، بمعنى الخوف (4). * (ولا تعثوا في الارض مفسدين) *.

__________________________

1: 327، الحديث: 72، عن النبي صلى الله عليه وآله.

(1) - ويقال لولد الولد: نافلة، لانه زيادة على الولد. ومنه قوله تعالى في سورة الانبياء(21): 72:(ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة)، فانه دعى بإسحاق، فاستجيب له، وزيد يعقوب نافلة، تفضل من الله وإن كان الكل بتفضله. مجمع البحرين 5: 485(نفل).

(2) - سدوم - فعول من السدم، وهو الندم مع غم -: بلدة من أعمال حلب معروفة عامرة عندهم، وهي من مدائن قوم لوط، وقاضيها يضرب به المثل فيقال: أجور من قاضى سدوم. معجم البلدان 3: 300.

(3) - البيضاوي 4: 138.

(4) - المصدر، الكشاف 3: 205.(*)

[ 946 ]

* (فكذبوه فأخذتهم الرجفة) *: الزلزلة الشديدة التي فيها الصيحة * (فأصبحوا في دارهم جاثمين) *: باركين على الركب ميتين. * (وعادا وثمودا) * أي: واذكرهما، أو وأهلكنا * (وقد تبين لكم من مساكنهم) *: بعض مساكنهم إذا نظرتم إليها عند مروركم بها * (وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين) *: متمكنين من النظر والاستبصار، ولكنهم لم يفعلوا. * (وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الارض وما كانوا سابقين) *: فائتين، بل أدركهم أمر الله. * (فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا) * كقوم لوط * (ومنهم من أخذته الصيحة) * كمدين وثمود * (ومنهم من خسفنا به الارض) * كقارون * (ومنهم من أغرقنا) * كفرعون وقومه، وقوم نوح * (وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) * بالتعريض للعذاب. * (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء) * فيما اتخذوه معتمدا ومتكلا * (كمثل العنكبوت اتخذت بيتا) * فيما نسجه، في الوهن والخور (1) * (وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون) *: يرجعون إلى علم، لعلموا أن هذا مثلهم. * (إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شئ وهو العزيز الحكيم) *. * (وتلك الامثال) * يعني هذا المثل ونظائره * (نضربها للناس) * تقريبا لما بعد من أفهامهم * (وما يعقلها إلا العالمون) * الذين يتدبرون الاشياء على ما ينبغي. ورد: إن النبي صلى الله عليه وآله تلا هذه الاية فقال: (العالم الذي عقل عن الله (2)، فعمل بطاعته،

__________________________

(1) - الخور: الضعف. الصحاح 2: 651(خور).

(2) - عقل عن الله، أي: عرف عنه، كأن أخذ العلم من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله. وأيضا عقل عن الله، أي: اعتزل عن أهل الدنيا. مجمع البحرين 5: 426 - 427(عقل).(*)

[ 947 ]

واجتنب سخطه) (1). * (خلق الله السموات والارض بالحق إن في ذلك لاية للمؤمنين) *. * (أتل ما أوحى إليك من الكتاب) * تقربا إلى الله بقراءته، وتحفظا لالفاظه، واستكشافا لمعانيه * (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) *. قال: (الصلاة حجزة (2) الله، وذلك أنها تحجز المصلي عن المعاصي مادام في صلاته، ثم تلا هذه الاية) (3). وروي: إن فتى من الانصار كان يصلي الصلوات (4) مع رسول الله صلى الله عليه وآله ويرتكب الفواحش، فوصف ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله فقال: (ان صلاته تنهاه يوما (5)) (6) فلم يلبث أن تاب. * (ولذكر الله أكبر) *. قال: (يقول: ذكر الله لاهل الصلاة أكبر من ذكرهم إياه، ألا ترى أن يقول: (أذكروني أذكركم)) (7). وفي رواية قال: (ذكر الله عند ما أحل وحرم) (8). وورد في التأويل: (الصلاة تتكلم ولها صورة وخلق، تأمر وتنهى، والنهي كلام، والفحشاء والمنكر رجال، ونحن ذكر الله ونحن أكبر) (9).

__________________________

(1) - مجمع البيان 7 - 8: 248.

(2) - حجز يحجزه حجزا، أي: منعه. والحجزة: استعير للتمسك والاعتصام أو الهداية. مجمع البحرين 4: 14 - 15(حجز).

(3) - التوحيد: 166، الباب: 23، الحديث: 4، عن أبى عبد الله عليه السلام.

(4) - في(ب):(الصلاة).

(5) - في مجمع البيان والصافى 4: 118:(ان صلاته تنهاه يوما ما).

(6) - مجمع البيان 7 - 8: 285، الكشاف 3: 207، البيضاوى 4: 139.

(7) - القمى 2: 150. والاية في سورة البقرة(2): 152، ونص الاية هكذا:(فاذكروني أذكركم).

(8) - الكافي 2: 80، الحديث: 4، عن أبى عبد الله عليه السلام.

(9) - الكافي 2: 598، ذيل الحديث الطويل: 1، عن أبى جعفر عليه السلام. وراجع في تفسير الحديث: مرآة العقول 12:(*)

[ 948 ]

* (والله يعلم ما تصنعون) *. * (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) *. قد مضى تفسيره في سورة النحل (1). * (إلا الذين ظلموا منهم) * بالافراط في الاعتداء * (وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) *. هو من المجادلة بالتي هي أحسن. روي أنه صلى الله عليه وآله قال: (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وبكتبه ورسله، فإن قالوا باطلا لم تصدقوهم، وإن قالوا حقا لم تكذبوهم) (2). * (وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء) * يعنى أهل الايمان من أهل القبلة * (من يؤمن به) *: بالقرآن * (وما يجحد بآياتنا الا الكافرون) *. * (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك) * ذكر اليمين زيادة تصوير للمنفي، ونفي للتجوز في الاسناد * (إذا لارتاب المبطلون) * أي: لو كنت ممن يخط ويقرأ لقالوا: لعله أو التقطه من كتب الاقدمين. القمي: هذه الاية معطوفة على قوله في سورة الفرقان (3): (اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا) (4). * (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم) * قال: (هم الائمة) (5). * (وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون) *.

__________________________

(1) - ذيل الاية: 125.

(2) - الكشاف 3: 208، البيضاوي 4: 140، الدر المنثور 6: 469، عن النبي صلى الله عليه وآله.

(3) - الفرقان(25): 5.

(4) - القمي 2: 151.

(5) - الكافي 1: 214، الحديث: 2، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)

[ 949 ]

* (وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه) * مثل ناقة صالح، وعصا موسى، ومائدة عيسى * (قل إنما الايات عند الله) * ينزلها كما يشاء، لست أملكها فأتيكم بما تقترحونه. * (وإنما أنا نذير مبين) *. * (أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) *: يدوم تلاوته عليهم * (إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون) *: وتذكرة لمن همه الايمان دون التعنت. روي (إن أناسا من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله بكتف كتب فيها بعض ما يقوله اليهود، فقال: كفى بها ضلالة قوم أن يرغبوا عما جاء به نبيهم، إلى ما جاء به غير نبيهم، فنزلت) (1). * (قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا) * بصدقي وقد صدقني بالمعجزات. * (يعلم ما في السموات والارض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون. * (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى) * لكل عذاب وقوم * (لجاءهم العذاب) * عاجلا * (وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون) *. * (يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) * لاحاطة أسبابها بهم. * (يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون) *. * (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياى فاعبدون) * أي: إذا لم يتيسر لكم العبادة في بلدة، فهاجروا إلى حيث يتمشى لكم ذلك. قال: (يقول: لا تطيعوا أهل الفسق من الملوك، فإن خفتموهم أن يفتنوكم عن دينكم، فإن أرضي واسعة، هو يقول: (فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض) فقال: (ألم تكن

__________________________

(1) - البيضاوي 4: 140.(*)

[ 950 ]

أرض الله واسعة فتهاجروا فيها (1)) (2). وورد: (إذا عصي الله في أرض أنت بها (3) فاخرج منها إلى غيرها) (4). وقال: (من فر بدينه من أرض إلى أرض، وإن كان شبرا، استوجب بها الجنة، وكان رفيق إبراهيم ومحمد عليهما السلام) (5). * (كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون) *. * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم) *: لننزلنهم * (من الجنة غرفا تجري من تحتها الانهار خالدين فيها نعم أجر العاملين) *. * (الذين صبروا) * على المحن والمشاق * (وعلى ربهم يتوكلون) *. * (وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم) *. القمي: كانت العرب يقتلون أولادهم مخافة الجوع، فقال الله تعالى: (الله يرزقها وإياكم) (6). وقيل: لما أمروا بالهجرة قال بعضهم: كيف نقدم بلدة ليس لنا فيها معيشة ؟ ! فنزلت (7). * (وهو السميع العليم) * لقولكم وبضميركم. * (ولئن سألتهم من خلق السموات والارض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون) * عن توحيده بعد إقرارهم بذلك بالفطرة. * (الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له) * على التعاقب، أو لمن يشاء

__________________________

(1) - النساء(4): 97.

(2) - القمي 2: 151، عن أبي جعفر عليه السلام.

(3) - في المصدر:(أنت فيها).

(4) - مجمع البيان 7 - 8: 291، عن أبي عبد الله عليه السلام.

(5) - جوامع الجامع: 355، عن النبي صلى الله عليه وآله.

(6) - القمي 2: 151.

(7) - الكشاف 3: 211، البيضاوي 4: 141.(*)

[ 951 ]

لابهامه (1) * (إن الله بكل شئ عليم) *. * (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الارض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمدلله بل أكثرهم لا يعقلون) * فيتناقضون حيث يقرون بأنه خالق كل شئ، ثم إنهم يشركون به الاصنام. * (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب) *: إلا كما يلهو ويلعب به الصبيان، يجتمعون عليه ويتبهجون به ساعة، ثم يتفرقون متعبين * (وإن الدار الاخرة لهى الحيوان) * لهي دار الحياة الحقيقية، لامتناع طريان الموت عليها. وفي لفظة (الحيوان) من المبالغة ما ليس في لفظة (الحياة)، لبناء فعلان على الحركة، والاضطراب اللازم للحياة. * (لو كانوا يعلمون) * * (فإذا ركبوا في الفلك) * على ما هم من الشرك * (دعوا الله مخلصين له الدين) *: في صورة من أخلص دينه من المؤمنين، حيث لا يذكرون إلا الله ولا يدعون سواه، لعلمهم بأنه لا يكشف الشدائد إلا هو. * (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) *: فاجأوا المعاودة إلى الشرك. * (ليكفروا بما آتيناهم) *: لكي يكونوا كافرين بشركهم نعمة النجاة * (وليتمتعوا) * باجتماعهم على عادة الاصنام وتوادهم عليها * (فسوف يعلمون) * عاقبة ذلك حين يعاقبون. * (أو لم يروا) * يعني أهل مكة * (أنا جعلنا) * لهم * (حرما آمنا) * أي: جعلنا بلدهم مصونا عن النهب والتعدي، آمنا أهله عن القتل والسبي * (ويتخطف الناس من حولهم) *: يختلسون قتلا وسبيا إذ كانت (2) العرب حوله في تغاور وتناهب * (أفبا لباطل) *: أبعد هذه

__________________________

(1) - يعنى يحتمل أن الموسع له والمضيق عليه واحدا، على أن البسط والقبض على التعاقب، وأن لا يكون على وضع الضمير موضع(من يشاء) وابهامه، لان(من يشاء) مبهم. البيضاوى 4: 141.

(2) - في(ألف) و(ب):(إذا كانت).(*)

[ 952 ]

النعمة الظاهرة وغيرها مما لا يقدر عليه إلا الله، بالصنم أو الشيطان * (يؤمنون وبنعمة الله يكفرون) * حيث أشركوا به غيره. * (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) * بأن زعم أن له شريكا * (أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين) *. * (والذين جاهدوا فينا) *: في حقنا، يشمل جهاد الاعداء الظاهرة والباطنة * (لنهدينهم سبلنا) *: سبل السير إلينا والوصول إلى جنابنا. ورد: (من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم) (1). * (وإن الله لمع المحسنين) * بالنصر والاعانة. ورد: (هذه الاية لال محمد عليهم السلام وأشياعهم) (2).

__________________________

(1) - محجة البيضاء 1: 148، و 5: 43، عن النبي صلى الله عليه وآله، البيضاوي 4: 142.

(2) - القمي 2: 151، عن أبي جعفر عليه السلام، وفيه:(ولاشياعهم).(*)




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21335577

  • التاريخ : 28/03/2024 - 16:10

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net