[ 835 ]
سورة النور [ مدنية وهي اربع وستون آية ] (1)
بسم الله الرحمن الرحيم سورة أنزلناها وفرضناها: وفرضنا ما فيها من الأحكام وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون فتتقون المحارم. الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة. القمي: هي ناسخة لقوله: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) (2). وورد: (سورة النور أنزلت بعد سورة النساء، وتصديق ذلك أن الله عزوجل أنزل في سورة النساء (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم) إلى قوله (لهن سبيلا) والسبيل الذي قال الله: (سورة أنزلناها) إلى قوله (من المؤمنين) (3). وقال: (الحر والحرة إذا زنيا جلد كل واحد منهما مائة جلدة، فأما المحصن والمحصنة فعليهما الرجم) (4).
__________________________
(1) - مابين المعقوفتين من(ب).
(2) - القمي 2: 95. والاية في سورة النساء(4): 15.
(3) - الكافي 2: 32 و 33، ذيل الحديث الطويل: 1، عن أبي جعفر عليه السلام.
(4) - الكافي 7: 177، الحديث: 2، التهذيب 10: 3، الحديث: 6، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)
[ 836 ]
وقال: (من كان له فرج يغدو عليه ويروح فهو محصن) (1). وورد: (الرجم في القرآن قوله تعالى: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة، فإنهما قضيا الشهوة) (2). وورد: (لا يرجم الرجل والمرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهداء على الجماع والأيلاج والأدخال كالميل في المكحلة) (3). ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله قال: (في إقامة الحدود) (4). إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر وليشهد عذابهما قال: (يقول ضربهما) (5). طائفة من المؤمنين قال: (يجمع لهما الناس إذا جلدا) (6). وفي رواية: (إن أقلها رجل واحد) (7). الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين. قال: (هم رجال ونساء كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله مشهورين بالزنا فنهى الله عن اولئك الرجال والنساء والناس اليوم على تلك المنزلة، من شهر شيئا من ذلك أو أقيم عليه الحد، فلا تزوجوه حتى تعرف توبته) (8). والذين يرمون المحصنات: يقذفونهن بالزنا ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة وفي حكمهن المحصنين، فقد ورد في الرجل يقذف الرجل بالزنا، قال: (يجلد، هو في كتاب الله وسنة نبيه) (9). وفي امرأة قذفت رجلا، قال: (تجلد
__________________________
(1) - الكافي 7: 179، الحديث: 10، التهذيب 10: 12، الحديث: 28، عن أبي جعفر عليه السلام.
(2) - الكافي 7: 177، الحديث: 3، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(3) - المصدر: 184، الحديث: 4، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(4) - التهذيب 10: 150، الحديث: 602، عن أمير المؤمنين عليه السلام.
(5) - القمي 2: 95، عن أبي جعفر عليه السلام.
(6) - المصدر، عن أبي جعفر عليه السلام، وفيه:(إذا جلدوا).
(7) - جوامع الجامع: 312، عن أبي جعفر عليه السلام.
(8) - الكافي 5: 355، الحديث: 3، عن أبي جعفر عليه السلام.
(9) - الكافي 7: 205، الحديث: 3، التهذيب 10: 65، الحديث: 238، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)
[ 837 ]
ثمانين جلدة) (1). ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون. إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم. سئل كيف تعرف توبته ؟ فقال: (يكذب نفسه على رؤوس الخلائق حين يضرب، ويستغفر ربه، فإذا فعل ذلك فقد ظهرت توبته) (2). والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين أي: فيما رماها به من الزنا. والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين في الرمي. ويدرؤا عنها العذاب: ويدفع عنها الرجم أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به. والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين. سئل عن هذه الايات، فقال: (هو القاذف الذي يقذف امرأته، فإذا قذفها ثم أقر أنه كذب عليها، جلد الحد وردت إليه امرأته. وإن أبى إلا أن يمضي، فليشهد عليها أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة يلعن فيها نفسه إن كان من الكاذبين، وإن أرادت أن تدرأ عن نفسها العذاب - والعذاب هو الرجم - شهدت (أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين)، فإن لم تفعل رجمت، وإن فعلت درأت عن نفسها الحد، ثم لا تحل له إلى يوم القيامة) (3). ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم لفضحكم، وعاجلكم
__________________________
(1) - الكافي 7: 205، الحديث: 4، التهذيب 10: 66، الحديث: 239، عن أبي جعفر عليه السلام، من لا يحضره الفقيه 4: 38، الحديث: 121، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(2) - الكافي 7: 241، الحديث: 7، التهذيب 6: 263، الحديث: 699، مضمرا، من لا يحضره الفقيه 3: 36، الحديث: 121، عن أبي عبد الله عليه السلام، مع تفاوت يسير.
(3) - الكافي 6: 162، الحديث: 3، التهذيب 8: 184، الحديث: 642، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)
[ 838 ]
بالعقوبة. حذف الجواب لتعظيمه. إن الذين جاءوا بالأفك بأبلغ ما يكون من الكذب عصبة منكم: جماعة منكم لا تحسبوه شرا لكم. استئناف والهاء للأفك. بل هو خير لكم لاكتسابكم به الثواب العظيم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الأثم بقدر ما خاض فيه والذي تولى كبره: معظمه منهم له عذاب عظيم. روي في سبب الأفك: (إن عائشة ضاع عقدها في غزوة بني المصطلق، وكانت قد خرجت لقضاء حاجة فرجعت طالبة له، وحمل هودجها على بعيرها ظنا منهم أنها فيها، فلما عادت إلى الموضع وجدتهم قد رحلوا، وكان صفوان من وراء الجيش، فلما وصل إلى ذلك الموضع وعرفها، أناخ بعيره حتى ركبته وهو يسوقه، حتى أتى الجيش وقد نزلوا في قائم الظهيرة) (1). والقمي: روت العامة: أنها نزلت في عائشة. وما رميت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة، وأما الخاصة فإنهم رووا: أنها نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عائشة. ثم ذكر القصة، وفيها ما فيها (2). لولا: هلا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين كما يقول المستيقن المطلع على الحال. وإنما عدل فيه من الخطاب إلى الغيبة مبالغة في التوبيخ، وإشعارا بأن الأيمان يقتضي ظن الخير بالمؤمنين، والكف عن الطعن فيهم، وذب الطاعنين عنهم كما يذبون عن أنفسهم. لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون. استئناف، أو هو من جملة المقول، تقريرا لكونه كذبا، فإن ما لا حجة عليه مكذب عند الله، أي في حكمه. ولذلك رتب عليه الحد.
__________________________
(1) - جوامع الجامع: 313.
(2) - القمي 2: 99.(*)
[ 839 ]
ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والاخرة: لولا هذه لامتناع الشئ لوجود غيره، يعني لولا فضل الله عليكم في الدنيا بأنواع النعم التي من جملتها الأمهال للتوبة، ورحمته في الاخرة بالعفو والمغفرة المقدرين لكم لمسكم عاجلا فيما أفضتم فيه: خضتم فيه عذاب عظيم يستحقر دونه اللؤم والجلد. إذ تلقونه بألسنتكم يأخذه بعضكم عن بعض بالسؤال عنه وتقولون بأفواهكم بلا مساعدة من القلوب (ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا) سهلا (وهو عند الله عظيم في الوزر واستجرار العذاب. ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك. تعجب ممن يقول ذلك، فإن الله ينزه عند كل متعجب من أن يصعب عليه، أو تنزيه لله من أن يكون حرمة نبيه فاجرة، فإن فجورها تنفير عنه، بخلاف كفرها. هذا بهتان عظيم لعظمة المبهوت عليه. يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين. ويبين الله لكم الايات الدالة على الشرائع ومحاسن الاداب، كي تتعظوا وتتأدبوا والله عليم حكيم. إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والاخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون. قال: (من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه، فهو من الذين قال الله عزوجل: (ان الذين يحبون) الاية) (1). وورد: إنه قيل له: الرجل من إخواني بلغني عنه الشئ الذي أكرهه، فأسأله عنه فينكر ذلك، وقد أخبرني عنه قوم ثقات. فقال: (كذب سمعك وبصرك عن أخيك، وإن شهد عندك خمسون قسامة. وقال لك قولا فصدقه وكذبهم، ولا تذيعن عليه شيئا تشينه به وتهدم به
__________________________
(1) - الكافي 2: 357، الحديث: 2، الأمالي(للصدوق): 276، المجلس: 54، الحديث: 16، القمي 2: 100، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)
[ 840 ]
مروته، فتكون من الذين قال الله عزوجل: (إن الذين يحبون) الاية) (1). وورد: (من أذاع فاحشة كان كمبتديها) (2). ولولا فضل الله عليكم ورحمته. كرر المنة بترك المعاجلة بالعقاب، للدلالة على عظم الجريمة، وحذف الجواب للاستغناء عنه بذكره مرة. وأن الله رؤوف رحيم حيث لم يعاجلكم بالعقوبة. يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان بإشاعة الفاحشة ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر. الفحشاء ما أفرط في قبحه، والمنكر ما أنكره الشرع أو (3) العقل. ولولا فضل الله عليكم ورحمته بتوفيق التوبة الماحية للذنوب، وشرع الحدود المكفرة لها ما زكى: ما طهر من دنسها منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء بحمله على التوبة وقبولها والله سميع لمقالتهم عليم بنياتهم. ولا يأتل: ولا يحلف، من الألية، أو ولا يقصر، من الألو. أولوا الفضل الغني منكم والسعة في المال أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله. قيل: نزلت في جماعة من الصحابة، حلفوا أن لا يتصدقوا على من تكلم بشئ من الأفك، ولا يواسوهم (4). وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم. قال: (أولي القربى) هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله. يقول يعفو بعضكم عن بعض ويصفح
__________________________
(1) - الكافي 8: 147، الحديث: 125، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 295، الحديث: 1، عن الكاظم عليه السلام.
(2) - الكافي 2: 356، الحديث: 2، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 295، الحديث: 2، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله.
(3) - في(ألف):(والعقل).
(4) - مجمع البيان 7 - 8: 133، تفسير البغوي 3: 334، عن ابن عباس.(*)
[ 841 ]
بعضكم بعضا (1)، فإذا فعلتم كانت رحمة من الله لكم، يقول الله: (ألا تحبون) الاية) (2). إن الذين يرمون المحصنات الغافلات مما قذفن به المؤمنات بالله ورسوله لعنوا في الدنيا والاخرة كما طعنوا فيهن ولهم عذاب عظيم لعظم ذنوبهم. يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون بإنطاق الله إياها بغير اختيارهم. قال: (وليست تشهد الجوارح على مؤمن، إنما تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب. قال: فبرأه الله ما كان مقيما على الفرية، من أن يسمى بالأيمان) (3). يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق: جزاءهم المستحق ويعلمون لمعاينتهم الأمر أن الله هو الحق المبين: العادل الظاهر العدل، الذي لا جور في حكمه. الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات. قال: (الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال، والطيبون من الرجال للطيبات من النساء. قال: هي مثل قوله: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة) (4) إلا أن ناسا هموا أن يتزوجوا منهن فنهاهم الله عن ذلك، وكره ذلك لهم) (5). والقمي يقول: الخبيثات من الكلام والعمل للخبيثين من الرجال والنساء، يسلمونهم ويصدق عليهم من قال: والطيبون من الرجال والنساء للطيبات من الكلام والعمل (6).
(1) - في(ب):(يقول يعفو بعضكم بعضا، فإذا فعلتم).
(2) - القمي 2: 100، عن أبي جعفر عليه السلام.
(3) - الكافي 2: 32، ذيل الحديث الطويل: 1، عن أبي جعفر عليه السلام، مع تفاوت يسير.
(4) - نفس السورة، الاية: 3.
(5) - مجمع البيان 7 - 8: 135، عن الباقر والصادق عليهما السلام.
(6) - القمي 2: 101.(*)
__________________________
[ 842 أولئك يعني الطيبين والطيبات أو الطيبين مبرءون مما يقولون فيهم، أو من أن يقولوا مثل قولهم لهم مغفرة ورزق كريم. يا أيها الذين امنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم التي تسكنونها حتى تستأنسوا: تستأذنوا، من الاستئناس، بمعنى الاستعلام، فإن المستأذن مستعلم هل يراد دخوله، أو ما يقابل الاستيحاش، فإنه خائف أن لا يؤذن له. وتسلموا على أهلهابأن تقولوا: السلام عليكم، ءأدخل ؟ قال: (الاستئناس وقع النعل والتسليم) (1). وفي رواية: (يتكلم بالتسبيحة والتحميدة والتكبيرة، يتنحنح على أهل البيت) (2). وورد: (إنما الأذن على البيوت، ليس على الدار إذن) (3). ذلكم خير لكم من أن تدخلوا بغتة لعلكم تذكرون: قيل لكم هذا إرادة أن تذكروا وتعملوا (4) بما هو أصلح لكم. فإن لم تجدوا فيها أحدا يأذن لكم فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا ولا تلحوا. هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم. ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم استمتاع كالاستكنان من الحر والبرد، وإيواء الرجال، والجلوس للمعاملة. قال: (هي الحمامات والخانات والأرحية (5)، تدخلها بغير إذن) (6). والله يعلم ما تبدون وما تكتمون. وعيد لمن دخل مدخلا لفساد، أو تطلع على عورة.
__________________________
(1) - المصدر، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(2) - مجمع البيان 7 - 8: 135، عن النبي صلى الله عليه وآله.
(3) - من لا يحضره الفقيه 3: 154، الحديث: 677، التهذيب 7: 154، الحديث: 682، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(4) - في(ب) و(ج):(تعلموا).
(5) - الأرحية، جمع الرحى: معروفة التي يطحن فيها. لسان العرب 5: 176(رحا).
(6) - القمي 2: 101، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)
[ 843 ]
قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم أي: ما يكون نحو محرم ويحفظوا فروجهم أي: من النظر المحرم ذلك أزكى لهم: أطهر لما فيه من البعد عن الريبة إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن. قال: (كل آية في القرآن في ذكر الفروج فهي من الزنا إلا هذه الاية، فإنها من النظر، فلا يحل لرجل مؤمن أن ينظر إلى فرج أخيه، ولا يحل للمرأة أن تنظر إلى فرج أختها) (1). وزاد في رواية: (ويحفظ فرجه أن ينظر إليه، وتحفظ فرجها من أن ينظر إليه (2) (3). ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها. قال: (الزينة الظاهرة: الكحل والخاتم) (4). وفي رواية: (هي الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكف والسوار) (5). وسئل: ما يحل للرجل أن يرى من المرأة، إذا لم تكن محرما ؟ قال: (الوجه والكفان والقدمان) (6). وليضربن بخمرهن على جيوبهن سترا لأعناقهن ولا يبدين زينتهن. كرره لبيان من يحل له الأبداء ومن لا يحل. إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن. قال: (الزينة ثلاث: زينة للناس، وزينة للمحرم، وزينة للزوج. فأما زينة الناس فقد ذكرناها - أقول: يعني ما مر في الرواية الثانية - قال: وأما زينة المحرم: فموضع القلادة فما فوقها، والدملج (7) وما دونه، والخلخال وما أسفل منه. وأما زينة الزوج: فالجسد
__________________________
(1) - القمي 2: 110، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(2) - في المصدر:(أن ينظر إليها).
(3) - الكافي 2: 35، ذيل الحديث الطويل: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(4) - الكافي 5: 521، الحديث: 3، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(5) - القمي 2: 101، عن أبي جعفر عليه السلام.
(6) - الكافي 5: 521، الحديث: 2، عن أبي عبد الله عليه السلام، وفيه:(إذا لم يكن محرما).
(7) - الدملج: المعضد، الصحاح 1: 316(دملج).(*)
[ 844 ]
كله) (1). وورد: (إن للزوج ما تحت الدرع، وللأبن والأخ ما فوق الدرع، ولغير ذي محرم أربعة أثواب: درع وخمار وجلباب وإزار) (2). أو نسائهن أي: النساء المؤمنات. ورد: (لا ينبغي للمرأة أن تنكشف بين (3) اليهودية (4) والنصرانية، فإنهن يصفن ذلك لأزواجهن) (5). أو ما ملكت أيمانهن قال: (يعني العبيد والأماء) (6). وورد: (لا بأس أن يرى المملوك شعر مولاته وساقها) (7). وفي رواية: (لا بأس أن ينظر إلى شعرها إذا كان مأمونا) (8). وفي أخرى: (لا يحل للمرأة أن ينظر عبدها إلى شئ من جسدها، إلا إلى شعرها، غير متعمد لذلك) (9). أو التابعين غير أولي الأربة أي: أولي الحاجة إلى النساء. قال: (التابع: الذي يتبعك وينال من طعامك ولا حاجة له في النساء، وهو الأبله المولى عليه) (10). من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء لعدم تمييزهم (11). من الظهور، بمعنى الاطلاع، أو لعدم بلوغهم حد الشهوة. من الظهور، بمعنى الغلبة.
__________________________
(1) - القمي 2: 101، عن أبي جعفر عليه السلام.
(2) - مجمع البيان 7 - 8: 155، عن النبي صلى الله عليه وآله.
(3) - في(ألف):(ما بين).
(4) - في المصدر:(ما بين يدي اليهودية).
(5) - الكافي 5: 519، الحديث: 5، من لا يحضره الفقيه 3: 366، الحديث: 1742، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(6) - مجمع البيان 7 - 8: 138، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(7) - الكافي 5: 531، الحديث: 3، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(8) - المصدر، ذيل الحديث: 4.
(9) - المصدر، الحديث: 4، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(10) - مجمع البيان 7 - 8: 138، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(11) - في(ألف):(تميزهم).(*)
[ 845 ]
ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن: ليتقعقع خلخالها، فيعلم أنها ذات خلخال، فإن ذلك يورث ميلا في الرجال. وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون إذ لا يكاد يخلو أحد منكم من تفريط، سيما في الكف عن الشهوات لعلكم تفلحون بسعادة الدارين. وأنكحوا الأيامى منكم. هي مقلوب أيايم جمع أيم، وهو العزب، ذكرا كان أو أنثى، بكرا كان أو ثيبا. والصالحين من عبادكم وإمائكم للنكاح، أو خص الصالحين، لأن إحصان دينهم أهم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم. ورد: (من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء ظنه بالله، إن الله يقول (إن يكونوا فقراء) الاية) (1). وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا أسبابه حتى يغنيهم الله من فضله قيل: اي: ليجتهدوا في قمع الشهوة بالرياضة (2) كما ورد (يا معشر الشبان من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء) (3). أقول: الباءة: الجماع. والوجاء: أن ترض أنثيا الفحل رضا شديدا يذهب بشهوة الجماع. أراد: أن الصوم يقطع النكاح كما يقطعه الوجاء. وورد: (يتزوجون حتى يغنيهم الله من فضله) (3). ولعل معناه: يطلبون العفة بالتزويج والأحصان، ليصيروا أغنياء، فيكون بمعنى الاية الأولى. إلا أن هذا التفسير لا يلائم عدم الوجدان إلا بتكلف، ولعل لفظة (لا) سقطت من صدر الحديث.
__________________________
(1) - الكافي 5: 331، الحديث: 5، عن أبي عبد الله، عن آبائه، عن النبي صلوات الله عليهم.
(2) - البيضاوي 4: 71.
(3) - الكافي 4: 180، الحديث: 3، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جده، عن أمير المؤمنين عليهم السلام، مجمع البيان 7 - 8: 140، عن النبي صلى الله عليه وآله.
(4) - الكافي 5: 331، الحديث: 6، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)
__________________________
[ 846 ]
والذين يبتغون الكتاب: المكاتبة، وهي أن يقول الرجل لمملوكه: كاتبتك على كذا، أي: كتبت على نفسي عتقك، إذا أديت كذا من المال. مما ملكت أيمانكم عبدا كان أو أمة فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا قال: (إن علمتم لهم مالا) (1). وفي رواية: (دينا ومالا) (2). وفي أخرى: (الخير أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويكون بيده عمل يكتسب به، أو يكون له حرفة) (3). وآتوهم من مال الله الذي آتاكم قال: (أعطوهم مما كاتبتموهم به شيئا) (4). ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء: على الزنا إن أردن تحصنا: تعففا، شرط للأكراه، فإنه لا يوجد بدونه، وإن جعل شرطا للنهي لم يلزم من عدمه جواز الأكراه لجواز أن يكون ارتفاع النهي بارتفاع المنهي عنه. لتبتغوا عرض الحياة الدنيا القمي: كانت العرب وقريش يشترون الأماء، ويضعون عليهم الضريبة الثقيلة، ويقولون: اذهبوا وأزنوا واكتسبوا، فنهاهم الله عن ذلك (5). ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم أي: لهن. وفي قراءة الصادق عليه السلام: (لهن غفور رحيم) (6). والقمي: أي: لا يؤاخذهن الله بذلك إذا أكرهن عليه (7). وورد: (هذه الاية منسوخة، نسختها (فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) (8) (9).
__________________________
(1) - الكافي 6: 187، الحديث: 9، التهذيب 8: 268، الحديث: 975، من لا يحضره الفقيه 3: 73، الحديث: 256، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(2) - الكافي 6: 187، الحديث: 10، التهذيب 8: 270، الحديث: 984، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(3) من لا يحضره الفقيه 3: 78 الحديث 278 عن ابي عبد الله عليه السلام.
(4) - لم نعثر على نصه في الروايات، وفي القمي 2: 102 بالمضمون.
(5) - القمي 2: 102.
(6) - مجمع البيان 7 - 8: 139.
(7) - القمي 2: 102.
(8) - النساء(4): 25.
(9) - القمي 2: 102، عن أبي جعفر عليه السلام.(*)
__________________________
[ 847 ]
ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وقصة عجيبة من قصصهم وموعظة للمتقين. الله نور السموات والأرض: الظاهر بذاته المظهر لهما بما فيهما. قال: (هدى من في السموات، وهدى من في الأرض) (1). وفي رواية: (هاد لأهل السموات، وهاد لأهل الأرض) (2). مثل نوره قال: (مثل هداه في قلب المؤمن) (3). كمشكوة: كمثل مشكاة، وهي الكوة غير النافذة فيها مصباح: سراج ضخم ثاقب المصباح في زجاجة: في قنديل من الزجاج الزجاجة كأنها كوكب درى): مضئ متلألئ. قال: (المشكاة: جوف المؤمن، والقنديل: قلبه، والمصباح: النور الذي جعله الله فيه (4) (5). يوقد من شجرة مباركة زيتونة بأن رويت ذبالتها (6) بزيتها. قال: (الشجرة: المؤمن) (7). لاشرقية ولا غربية قال: (على سواء الجبل، إذا طلعت الشمس طلعت عليها، وإذا غربت غربت عليها) (8). أقول: وذلك لأنها إذا وقع عليها الشمس طول النهار، تكون ثمرتها أنضج وزيتها أصفى. يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار أي: يكاد يضئ بنفسه من غير نار،
__________________________
(1) - التوحيد: 155، الباب: 15، الحديث: 1، في رواية البرقي.
(2) - المصدر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام.
(3) - القمي 2: 103، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام.
(4) - في المصدر:(في قلبه).
(5) - القمي 2: 103، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام.
(6) - الذبالة: الفتيلة التي تسرج، والجمع: ذبال. لسان العرب 5: 26(ذبل).
(7 و 8) - القمي 2: 103، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام.(*)
[ 848 ]
لتلألؤه. قال: (يعني يكاد النور الذي جعله الله في قلبه يضئ وإن لم يتكلم) (1). نور على نور: نور متضاعف (2)، فإن نور المصباح زاد في إنارته صفاء الزيت، وزهرة القنديل، وضبط المشكاة لأشعته. قال: (فريضة على فريضة، وسنة على سنة) (3). أقول: يعني يستمد نور قلبه من نور الفرائض والسنن متدرجا. يهدي الله لنوره من يشاء قال: (يهدي الله لفرائضه وسننه من يشاء) (4). ويضرب الله الأمثال للناس تقريبا للمعقول إلى المحسوس والله بكل شئ عليم معقولا كان أو محسوسا. قال: (فهذا مثل ضربه الله للمؤمن. قال: فالمؤمن يتقلب في خمسة من النور: مدخله نور، ومخرجه نور، وعلمه نور، وكلامه نور، ومصيره يوم القيامة إلى الجنة نور) (5). وفي رواية: (هو مثل ضربه الله لنا) (6). وفي أخرى: (مثل نوره)، قال: محمد صلى الله عليه وآله (كمشكوة)، قال: صدر محمد صلى الله عليه وآله (فيها مصباح)، قال: فيه نور العلم، يعني النبوة. (المصباح في زجاجة)، قال: علم رسول الله صلى الله عليه وآله صدر إلى قلب علي عليه السلام. (الزجاجة كأنها)، قال: كأنه كوكب. إلى قوله: (ولا غربية)، قال: ذاك أمير المؤمنين عليه السلام، لا يهودي ولا نصراني. (يكاد زيتها يضئ)، قال: يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمد من قبل أن ينطق به. (نور على نور)، قال: الأمام في أثر الأمام) (7).
__________________________
(1) - القمي 2: 103، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام.
(2) - في(ألف):(مضاعف).
(3) - القمي 2: 103، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام.
(4) - القمي 2: 103، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام.
(5) - القمي 2: 103، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام.
(6) - التوحيد: 157، الباب: 15، الحديث: 2، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(7) - المصدر، الحديث: 3، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)
[ 849 ]
وفي رواية: (يكاد زيتها يضئ)، يقول: مثل أولادكم الذين يولدون منكم، مثل الزيت الذي يعصر من الزيتون، يكادون أن يتكلموا بالنبوة، ولو لم ينزل عليهم ملك) (1). في بيوت أي: كمشكاة في بعض بيوت، أو توقد في بيوت. قال: (هي بيوت النبي) (2). وفي رواية: (هي بيوتات الأنبياء والرسل والحكماء وأئمة الهدى) (3) أن ترفع بالتعظيم ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والاصال. رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة قال: (كانوا أصحاب تجارة، فإذا حضرت الصلاة تركوا التجارة وانطلقوا إلى الصلاة، وهم أعظم أجرا ممن لا يتجر) (4). يخافون يوما مع ما هم عليه من الذكر والطاعة تتقلب فيه القلوب والأبصار: تضطرب وتتغير من الهول. ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله مالا يخطر ببالهم والله يرزق من يشاء بغير حساب. تقرير للزيادة. والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة: بأرض مستوية يحسبه الظمان ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا مما ظنه ووجد الله عنده محاسبا إياه فوفاه حسابه والله سريع الحساب. روي: (إنها نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية (5)، تعبد في الجاهلية والتمس الدين، فلما
__________________________
(1) - الكافي 8: 381، ذيل الحديث: 574، عن أبي جعفر عليه السلام.
(2) - الكافي 8: 331، الحديث: 510، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(3) - المصدر عن أبي عبد الله عليه السلام، كمال الدين 1: 218، الباب: 22، ذيل الحديث الطويل: 2، عن أبي جعفر عليه السلام.
(4) - من لا يحضره الفقيه 3: 119، الحديث: 508، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(5) - عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، أبو الوليد: كبير قريش وأحد ساداتها في الجاهلية، نشأ يتيما في حجر حرب بن أمية. أدرك الأسلام، وطغى فشهد بدرا مع المشركين. وكان ضخم الجثة، عظيم الهامة، وقاتل قتالا شديدا، فأحاط به علي بن أبي طالب والحمزة وعبيدة بن الحارث، فقتلوه. الأعلام(للزركلي) 4: 200.(*)
[ 850 ]
جاء الاسلام كفر) (1). أو كظلمات (أو) للتخيير، فإن أعمالهم لكونها لاغية لا منفعة لها كالسراب، ولكونها خالية عن نور الحق كالظلمات المتراكمة من لج البحر والأمواج والسحاب، أو للتنويع، فإن أعمالهم إن كانت حسنة فكالسراب، وإن كانت قبيحة فكالظلمات. في بحر لجي: عميق منسوب إلى اللج، وهو معظم الماء يغشاه موج من فوقه موج أي: امواج مترادفة متراكمة (من فوقه سحاب) غطى النجوم وحجب الانوار (ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده) يعني من كان هناك لم يكد يراها فضلا أن يراها ومن لم يجعل الله له نورا: لم يقدر له الهداية، ولم يوفقه لأسبابها فما له من نور خلاف الموفق الذي له نور على نور. ورد في تأويله: (أو كظلمات): الأول والثاني، (يغشيه موج): الثالث، (من فوقه موج): طلحة والزبير، (ظلمات بعضها فوق بعض): معاوية ويزيد وفتن بني أمية، (إذا أخرج يده): في ظلمة فتنتهم (لم يكد يراها)، (ومن لم يجعل الله له نورا): يعني إماما من ولد فاطمة عليها السلام، (فما له من نور): من إمام يوم القيامة يمشي بنوره، كما في قوله تعالى: (يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم) (2) قال: إنما المؤمنون يوم القيامة (نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم) (3)، حتى ينزلوا منازلهم من الجنان) (4). ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات: واقفات (5) في الجو، مصطفات الأجنحة في الهواء كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما،
__________________________
(1) - البيضاوي 4: 82.
(2) - الحديد(57): 12.
(3) - التحريم(66): 8.
(4) - القمي 2: 106، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(5) - في(ألف):(واقعات).(*)
[ 851 ]
يفعلون. ورد: (ما من طير يصاد في بر ولا بحر (1)، ولا يصاد شئ من الوحش، إلا بتضييعه التسبيح) (2). وقد سبق (3) معنى تسبيح الحيوان والجماد. ولله ملك السموات والأرض وإلى الله المصير: مرجع الجميع. ألم تر أن الله يزجي: يسوق سحابا ثم يؤلف بينه بأن يكون قطعا، فيضم بعضه إلى بعض ثم يجعله ركاما: متراكما بعضه فوق بعض فترى الودق: المطر يخرج من خلاله: من فتوقه وينزل من السماء: من الغمام، فإن كل ما علاك فهو سماء من جبال: من قطع عظام تشبه الجبال في عظمها وجمودها فيها من برد. بيان للجبال. فيصيب به: بالبرد من يشاء ويصرفه عن من يشاء. ورد: (إن الله جعل السحاب غرابيل للمطر، هي تذيب البرد ماء لكيلا يضر شيئا يصيبه، والذي ترون فيه من البرد والسواعق نقمة من الله عزوجل، يصيب بها من يشاء من عباده) (4). يكاد سنابرقه: ضوء برقه يذهب بالأبصار: بأبصار الناظرين إليه لفرط الأضاءة. يقلب الله الليل والنهار بالمعاقبة بينهما، ونقص أحدهما وزيادة الاخر، وتغيير أحوالهما بالحر والبرد، والظلمة والنور إن في ذلك: فيما تقدم ذكره لعبرة لاولي الأبصار. والله خلق كل دابة: كل ما يدب على الأرض من ماء القمي: من منى (5)، وقيل: من الماء الذي جزء مادته، إذ من الحيوان ما يتولد لا من نطفة (6). فمنهم من يمشي
__________________________
(1) - في المصدر:(في البر ولا في البحر).
(2) - القمي 2: 107، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(3) - ذيل الاية: 44 من سورة الأسراء، وذيل الايات: 48 إلى 50 من سورة النحل.
(4) - الكافي 8: 240، ذيل الحديث: 326، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن أمير المؤمنين، عن النبي صلى الله عليه وآله.
(5) - القمي 2: 107.
(6) - البيضاوي 4: 84.(*)
[ 852 ]
على بطنه كالحية ومنهم من يمشي على رجلين كالأنس والطير ومنهم من يمشي على أربع كالنعم والوحش. قال: (ومنهم من يمشي على أكثر من ذلك) (1). يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شئ قدير. لقد أنزلنا آيات مبينات للحقائق بأنواع الدلائل والله يهدي من يشاء بالتوفيق للنظر فيها والتدبر لمعانيها (الى صراط مستقيم). ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم بالامتناع عن قبول حكمه من بعد ذلك: بعد قولهم هذا وما أولئك بالمؤمنين الذين عرفتهم، وهم المخلصون في الأيمان الثابتون عليه. وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أي: ليحكم النبي إذا فريق منهم معرضون فاجأ فريق منهم الأعراض إذا كان الحق عليهم، لعلمهم بأنه لا يحكم لهم، وهو شرح للتولي ومبالغة فيه. وإن يكن لهم الحق لا عليهم يأتوا إليه مذعنين: منقادين لعلمهم بأنه يحكم لهم. أفي قلوبهم مرض: كفر وميل إلى الظلم أم ارتابوا بأن رأوا منك تهمة، فزالت ثقتهم بك أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله في الحكومة. بل أولئك هم الظالمون. إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه (2) فأولئك هم الفائزون.
__________________________
(1) - القمي 2: 107، عن أبي عبد الله عليه السلام، مجمع البيان 7 - 8: 148، عن أبي جعفر عليه السلام.
(2) - و(يتقه) عطف على الشرط المجزوم، أي: ومن يطع الله، لأن كلمة(من) تتضمن معني الشرط فحذف الياء =(*)
[ 853 ]
قال: (نزلت هذه الايات في أمير المؤمنين عليه السلام وعثمان، وذلك أنه كان بينهما منازعة في حديقة، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: نرضى برسول الله صلى الله عليه وآله. فقال عبد الرحمن بن عوف (1) لعثمان: لا تحاكم إلى رسول الله، فإنه يحكم له عليك، ولكن حاكمه إلى ابن شيبة اليهودي ! ! فقال ابن شيبة لعثمان: تأتمنون رسول الله على وحي السماء وتتهمونه في الأحكام ! ! فأنزل الله على رسوله (وإذا دعوا إلى الله ورسوله) الايات) (2). وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم بالخروج عن ديارهم وأموالهم ليخرجن قل لا تقسموا على الكذب طاعة معروفة: المطلوب منكم طاعة معروفة، لا اليمين على الطاعة النفاقية المنكرة إن الله خبير بما تعملون. قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه: على محمد ما حمل من التبليغ وعليكم ما حملتم من الامتثال وإن تطيعوه تهتدوا إلى الحق وما على الرسول إلا البلاغ المبين. وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض: ليجعلنهم خلفاء بعد نبيكم كما استخلف الذين من قبلهم يعني وصاة الأنبياء بعدهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وهو الأسلام وليبدلنهم من بعد خوفهم من الاعداء (امنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر) ارتد أو كفر هذه النعمة
__________________________
= منها لان المعطوف بالشرط المجزوم مجزوم ايضا فصار(يتق) فاتصل به هاء الساكن فصار(يتقه) فحسب اللام المحذوف كان لم يكن فصار اللام حينئذ حرف القاف فصار القاف مجزوما فصار(يتقه) فالتقى الساكنان اعني القاف والهاء فكسرت الهاء لدفع التقاء الساكنين فصار(يتقه) كذا اعلاله في الصرف. منه في نسخة(ب).
(1) - عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث، أبو محمد، الزهري القرشي، وهو أحد الستة من أصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة فيهم، ولد بعد الفيل بعشر سنين، وتوفى سنة: 32 ه - في المدينة. الأعلام(للزركلي) 3: 321.
(2) - القمي 2: 107، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)
[ 854 ]
بعد ذلك: بعد حصوله فأولئك هم الفاسقون: الكاملون في الفسق. ورد: (إنها نزلت في المهدي من آل محمد عليهم السلام) (1). وقال: (هم والله شيعتنا أهل البيت، يفعل ذلك بهم على يدي رجل منا، وهو مهدي هذه الأمة، و هو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم، حتى يلي رجل من عترتي اسمه اسمي، يملأ الأرض عدلا وقسطا، كما ملئت ظلما وجورا) (2). وفي معناه أخبار أخر (3). وفي رواية: (هم الأئمة) (4). قال: (ولقد قال الله في كتابه لولاة الأمر من بعد محمد صلى الله عليه وآله خاصة: (وعد الله الذين آمنوا منكم) إلى قوله: (فأولئك هم الفاسقون) يقول: أستخلفكم لعلمي وديني وعبادتي بعد نبيكم، كما استخلف وصاة آدم من بعده، حتى يبعث النبي الذي يليه. قال: فقد مكن ولاة الأمر بعد محمد بالعلم، ونحن هم، فاسألونا، فإن صدقناكم فأقروا، وما أنتم بفاعلين) (5). أقول: لا تنافي بين الروايتين، لأن استخلافهم وتمكينهم بالعلم قد حصل، وأما تبديل خوفهم بالأمن، فإنما يكون بالمهدي عليه السلام. وأقيموا الصلاة واتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون. لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض: معجزين الله عن إدراكهم وإهلاكهم ومأواهم النار ولبئس المصير. يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم. قال: (هي خاصة في
__________________________
(1) - مجمع البيان 7 - 8: 152، عن أهل البيت عليهم السلام.
(2) - المصدر، عن علي بن الحسين عليهما السلام، جوامع الجامع: 318، عن السجاد والباقر والصادق عليهم السلام.
(3) - كمال الدين 2: 356، الباب: 33، ذيل الحديث: 50، عن أبي عبد الله عليه السلام، الاحتجاج 1: 382، عن أمير المؤمنين عليه السلام.
(4) الكافي 1: 194 ذيل الحديث: 3 عن ابي عبد الله عليه السلام(5) - المصدر: 250، الحديث: 7، عن أبي جعفر عليه السلام.(*)
[ 855 ]
الرجال دون النساء) (1). وفي رواية: (هم المملوكون من الرجال والنساء والصبيان) (والذين لم يبلغوا الحلم منكم: الصبيان من الأحرار. قال: (من أنفسكم) (3). ثلاث مرات يعني في اليوم والليلة من قبل صلاة الفجر لأنه وقت القيام من المضاجع، وطرح ثياب النوم ولبس ثياب اليقظة وحين تضعون ثيابكم يعني للقيلولة من الظهيرة. بيان للحين، أي وقت الظهر ومن بعد صلاة العشاء لأنه وقت التجرد عن اللباس والالتحاف باللحاف ثلاث عورات لكم أي: ثلاث أوقات يختل فيها تستركم، وأصل العورة الخلل. ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن: بعد هذه الأوقات في ترك الاستئذان. قال: (ويدخل مملوككم وغلمانكم من بعد هذه الثلاث عورات بغير إذن إن شاؤوا) (4). طوافون عليكم أي: هم طوافون، استئناف لبيان العذر المرخص في ترك الاستئذان، وهو المخالطة وكثرة المداخلة بعضكم: طائف على بعض هؤلاء للخدمة وهؤلاء للاستخدام، فإن الخادم إذا غاب احتيج إلى الطلب، وكذا الأطفال للتربية. كذلك يبين الله لكم الايات أي: الأحكام والله عليم بأحوالكم حكيم فيما شرع لكم. وإذا بلغ الأطفال منكم أيها الأحرار الحلم فليستأذنوا يعني في جميع الأوقات كما استأذن الذين من قبلهم: الذين بلغوا من قبلهم من الأحرار المستأذنين في الأوقات كلها كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم. كرره تأكيدا ومبالغة في الأمر بالاستئذان. قال: (ومن بلغ الحلم منكم فلا يلج على أمه، ولا على أخته، ولا على خالته، ولا
__________________________
(1) - الكافي 5: 529، الحديث: 2، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(2) - المصدر: 530، الحديث: 4، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(3) - المصدر: 530، ذيل الحديث: 2، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(4) - المصدر: 530، الحديث: 4، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)
[ 856 ]
على من سوى ذلك إلا بإذن، ولا تأذنوا حتى يسلم، فإن السلام طاعة لله عزوجل) (1). والقواعد من النساء: العجائز اللاتي قعدن من الحيض والتزويج اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن أي: الثياب الظاهرة. وفي قراءتهم عليهم السلام (من ثيابهن) (2). قال: (الخمار والجلباب. قيل: بين يدي من كان ؟ قال: بين يدي من كان) (3). وفي رواية: (الجلباب وحده (4)، إلا أن تكون أمة ليس عليها جناح أن تضع خمارها) (5). غير متبرجات بزينة: غير مظهرات زينة مما أمرن بإخفائه، وهو ما عدا الوجه والكفين والقدمين، وأصل التبرج التكلف في إظهار ما يخفي. وأن يستعففن خير لهن من الوضع. قال: (فإن لم تفعل فهو خير لها) (6). والله سميع لمقالهن للرجال عليم بمقصودهن. ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا: مجتمعين أو متفرقين، نفي لما كانوا يتحرجون منه. قال: (وذلك أن أهل المدينة قبل أن يسلموا، كانوا يعتزلون الأعمى والأعرج
__________________________
(1) - الكافي 5: 529، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(2) - مجمع البيان 7 - 8: 153، عن الباقر والصادق عليهما السلام.
(3) - الكافي 5: 522، الحديث: 1، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(4) - في المصدر:(تضع الجلباب وحده).
(5) - الكافي 5: 522، الحديث: 2، عن أبي عبد الله عليه السلام، وانظر ذيل الحديث في التهذيب 7: 480، الحديث:(6) الكافي 5: 522 الحديث: 1 عن ابي عبد الله عليه السلام.(*)
[ 857 ]
والمريض، وكانوا لا يأكلون معهم، وكان الأنصار فيهم تيه (1) وتكرم، فقالوا: إن الأعمى لا يبصر الطعام، والأعرج لا يستطيع الزحام على الطعام، والمريض لا يأكل كما يأكل الصحيح، فعزلوا لهم طعامهم على ناحية، وكانوا يرون عليهم في مواكلتهم جناح، وكان الأعمى والأعرج والمريض يقولون: لعلنا نؤذيهم إذا أكلنا معهم، فاعتزلوا من مواكلتهم، فلما قدم النبي صلى الله عليه وآله سألوه عن ذلك، فأنزل الله عز وجل (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا) (2). والقمي: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وآخى بين المسلمين من المهاجرين والأنصار، قال: فكان بعد ذلك إذا بعث أحدا من أصحابه في غزاة أو سرية، يدفع الرجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدين ويقول له: خذ ما شئت، وكل ما شئت، فكانوا يمتنعون من ذلك، حتى ربما فسد الطعام في البيت، فأنزل الله (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا) يعني إن حضر صاحبه أو لم يحضر إذا ملكتم مفاتحه (3). قيل: (بيوتكم) تشمل بيت الولد (4). وقد ورد: (إن أطيب ما يأكل المرء من كسبه، وإن ولده من كسبه) (5). وورد: (أنت ومالك لأبيك) (6). قال: (هؤلاء الذين سمى الله عزوجل في هذه الاية، يأكل بغير إذنهم من التمر والمأدوم، وكذلك تطعم المرأة من منزل زوجها بغير إذنه، فأما ما خلا ذلك من الطعام فلا) (7).
__________________________
(1) - التيه: الصلف والكبر، لسان العرب 2: 72(تيه).
(2) - القمي 2: 108، عن أبي جعفر عليه السلام.
(3) - المصدر: 109.
(4) - البيضاوي 4: 87، تفسير أبي السعود 6: 196 بالمضمون.
(5) - مجمع البيان 7 - 8: 156، الكشاف 3: 77، عن النبي صلى الله عليه وآله.
(6) - الكافي 5: 135، الحديث: 3، عن أبي جعفر عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله، مجمع البيان 7 - 8: 156، عن النبي صلى الله عليه وآله.
(7) - الكافي 6: 277، الحديث: 2، عن أبي عبد الله عليه السلام، وفيه:(تأكل بغير إذنهم).(*)
[ 858 ]
وقال: (للمرأة أن تأكل وأن تتصدق، وللصديق أن يأكل من منزل أخيه ويتصدق) (1). وقال: (الرجل له وكيل يقوم في ماله، فيأكل بغير إذنه) (2). وقال: (ليس عليك جناح فيما أطعمت أو أكلت مما ملكت مفاتحه ما لم تفسده) (3). فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة قال: (هو تسليم الرجل على أهل البيت حين يدخل، ثم يردون عليه، فهو سلامكم على أنفسكم) (4). وقال: (إذا دخل الرجل منكم بيته فإن كان فيه أحد يسلم عليهم، وإن لم يكن فيه أحد فليقل: السلام علينا من عند ربنا، يقول الله: (تحية من عند الله مباركة طيبة) (5). وورد: (سلم على أهل بيتك يكثر خير بيتك) (6). كذلك يبين الله لكم الايات لعلكم تعقلون الخير في الأمور. إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله من صميم قلوبهم وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه. القمي: نزلت في قوم كانوا إذا جمعهم رسول الله صلى الله عليه وآله لأمر من الأمور، في بعث يبعثه أو في حرب قد حضرت، يتفرقون بغير إذنه، فنهاهم الله عن ذلك (7). إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله. إنما أعاده مؤكدا على أسلوب أبلغ، ليفيد أن المستأذن مؤمن لا محالة، وأن الذاهب بغير إذن ليس كذلك. تنبيها على كونه مصداقا لصحة الأيمان، ومميزا للمخلص عن المنافق، وتعظيما للجرم.
__________________________
(1) - الكافي 6: 277، الحديث: 3، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(2) - المصدر، الحديث: 5، عن أبي عبد الله عليه السلام، وفيه:(الرجل يكون له وكيل...).
(3) - المصدر، الحديث: 4، عن أحدهما عليهما السلام، وفيه:(فيما طعمت...).
(4) - معاني الأخبار: 163، ذيل الحديث: 1، عن أبي جعفر عليه السلام، مجمع البيان 7 - 8: 158، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(5) - القمي 2: 109، عن أبي جعفر عليه السلام.
(6) - جوامع الجامع: 319.
(7) - القمي 2: 110.(*)
[ 859 ]
فإذا استأذنوك لبعض شأنهم: ما يعرض لهم من المهام فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله بعد الأذن، فإن الاستيذان ولو لعذر قصور، لأنه تقديم لأمر الدنيا على أمر الدين إن الله غفور رحيم. القمي: نزلت في حنظلة بن أبي عياش (1)، وذلك أنه تزوج في الليلة التي كانت في صبيحتها حرب أحد، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقيم على أهله، فأنزل الله عزوجل هذه الاية: (فأذن لمن شئت منهم) فأقام عند أهله، ثم أصبح وهو جنب، فحضر القتال واستشهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: رأيت الملائكة تغسل حنظلة بماء المزن (2) في صحائف فضة بين السماء والأرض، فكان سمى غسيل الملائكة (3). لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قال: (يقول: لا تقولوا: يا محمد، ولا يا أبا القاسم، لكن قولوا: يا نبي الله، ويا رسول الله) (4). وورد: (قالت فاطمة عليها السلام: لما نزلت هذه الاية هبت رسول الله صلى الله عليه وآله أن أقول له: يا أبه، فكنت أقول: يا رسول الله، فأعرض عني مرة أو ثنتين (5) أو ثلاثا، ثم أقبل علي فقال: يا فاطمة إنها لم تنزل فيك، ولا في أهلك، ولا في نسلك، أنت مني وأنا منك، إنما نزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش، أصحاب البذخ (6) والكبر، قولي: يا أبه، فإنها أحيل للقلب،
__________________________
(1) - هو حنظلة بن أبي عامر بن صيفي بن مالك بن أمية المعروف بغسيل الملائكة، وكان أبوه في الجاهلية يعرف بالراهب، وكان يذكر البعث ودين الحنيفة فلما بعث النبي صلى الله عليه وآله عانده وحسده وخرج عن المدينة وشهد مع قريش وقعة أحد ثم رجع مع قريش إلى مكة ثم خرج إلى الروم فمات بها سنة تسع. وأسلم ابنه حنظلة فحسن إسلامه واستشهد بأحد، لا يختلف أصحاب المغازي في ذلك. الأصابة 2: 44.
(2) - المزن: السحاب عامة، وقيل: السحاب ذو الماء. لسان العرب 13: 96(مزن).
(3) - القمي 2: 110.
(4) - المصدر، عن أبي جعفر عليه السلام.
(5) - في(ألف):(اثنين).
(6) - البذخ: الكبر وتطاول الرجل بكلامه وافتخاره. لسان العرب 1: 350(بذخ).(*)
[ 860 ]
وأرضى للرب) (1). قد يعلم الله الذين يتسللون منكم: يخرجون قليلا قليلا من الجماعة لواذا ملاوذة، بأن يستتر بعضهم ببعض حتى يخرج، أو يلوذ بمن يؤذن، فينطلق معه كأنه تابعه فليحذر الذين يخالفون عن أمره: يعصون أمره أن تصيبهم فتنة: محنة في الدنيا أو يصيبهم عذاب أليم. قال: (يسلط عليهم سلطان جائر أو عذاب أليم في الاخرة) (2). وفي رواية: (فتنة في دينه أو جراحة لا يأجره الله عليها) (3). ألا إن لله ما في السموات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه من المخالفة والموافقة والنفاق والأخلاص ويوم يرجعون إليه يرجع المنافقون إليه أو الكل، فيكون التفاتا في الكلام فينبئهم بما عملوا والله بكل شئ عليم.
__________________________
(1) - المناقب(لابن شهرآشوب) 3: 320، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(2) - جوامع الجامع: 320، عن أبي عبد الله عليه السلام.
(3) - الكافي 8: 223، الحديث: 281، عن أبي عبد الله عليه السلام.(*)