00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة التين من أول السورة ـ آخر السورة من ( ص 303 ـ 312 )  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء العشرون)   ||   تأليف : سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي

[303]

سُورَة التِّين

مَكيَّة

وَعَدَدُ آيَآتِهَا ثمانِي آيات

[305]

«سورة الّتين»

محتوى السّورة وفضيلتها:

هذه السّورة تدور آياتها حول حسن خلقة الإنسان ومراحل تكامله ونموّه وانحطاطه. وتبدأ بقسم عميق المعنى، تذكر عوامل انتصار الإنسان ونجاته وتنتهي بالتأكيد على مسألة المعاد وحاكمية اللّه المطلقة.

وعن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «من قرأها أعطاه اللّه خصلتين: العافية واليقين ما دام في دار الدنيا، فإذا مات أعطاه اللّه من الأجر بعدد من قرأ هذه السّورة صيام يوم»(1).

هذه السّورة نزلت مكّة، والآية: (وهذا البلد الأمين) قسم بمكّة ودليل على مكّية السّورة لإستعمال اسم الإشارة للقريب.

* * *

_______________________________________

1 ـ مجمع البيان، ج10، ص510.

[306]

الآيات

وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ(1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَـذا الْبَلَدِ الاَْمِينِ(3) لَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنَسَانَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيم(4) ثُمَّ رَدَدْنَــاهُ أَسْفَلَ سَـفِلِينَ(5) إِلاَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـلِحَـاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون(6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ(7) أَلَيسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الحَـكِمِينَ(8)

التّفسير

تبدأ السّورة بالقسم أربع مرّات لبيان أمر مهم:

(والتّين، والزيتون).

(وطور سينين).(1)

(وهذا البلد الأمين).

_______________________________________

1 ـ قيل إنّ «سينين» جمع «سينه» وهي شجرة: ولما كان «طور» اسم جبل، فيكون القسم بالجبل المغطى بالأشجار، وقيل إن سينين اسم الأرض التي يرسو عليها ذلك الجبل. وقيل إنّه يعني كثير الخير والبركة، وجميل، بلسان أهل الحبشة (روح المعاني، ج30، ص173).

[307]

(التين) و(الزيتون) ثمرتان معروفتان، واختلف المفسّرون في المقصود بالتين وبالزيتون، هل هما الفاكهتان المعروفتان أم شيء آخر.

بعضهم ذهب إلى أنّهما الفاكهتان بما لهما من خواص عذائية وعلاجية كبيرة. وبعض آخر قال: المقصود منهما جبلان واقعان في مدينتي «دمشق» و«بيت المقدس» لأنّ المكانين منبَثَق كثير من الرسل والأنبياء.. وبذلك ينسجم هذان القَسمان مع ما يليهما من قَسمين بأراض مقدّسة.

وقال آخرون: إنّ تسمية الجبلين بالتين والزيتون يعود إلى وجود أشجار التين على أحدهما والزيتون على الآخر.

وقال بعضهم: إنّ التين إشارة إلى عهد آدم، إذ أنّ آدم وحواء طفقا يضعان على عوراتهما من ورق التين في الجنّة، والزيتون إشارة إلى عهد نوح لأنّه اطلق في آخر مراحل الطوفان حمامة فعادت وهي تحمل غصن الزيتون، ففهم نوح(عليه السلام)أن الأرض بدأت تبتلع ماءها وظهرت اليابسة. (لذلك اتخذ غصن الزيتون رمزاً للسلام).

وقيل: إنّ التين إشارة إلى مسجد نوح الذي بني فوق جبل الجودي. والزيتون إشارة إلى بيت المقدّس.

ظاهر الآية يدلّ على أنّ المقصود هو الفاكهتان المعروفتان، ولكن القَسمين التاليين يجعلان تفسير التين والزيتون بالجبلين أو المركزين المقدسين أنسب.

(طور سينين) قيل هو: طور سيناء، وهو الجبل المعروف في صحراء سيناء حيث أشجار الزيتون المثمرة، وحيث ذهب موسى لمناجاة ربّه، و«سيناء» تعني المبارك، أو كثير الأشجار، أو الجميل.

وقيل: إنّه جبل قرب الكوفة في أرض النجف.

وقيل: إنّ سينين وسيناء بمعنى واحد وهو كثير البركة.

[308]

(وهذا البلد الأمين)(1)، والبلد الأمين مكّة، الأرض التي كانت في عصر الجاهلية أيضاً بلداً آمناً وحرماً إلهياً، ولا يحق لأحد فيها أن يتعرض لأحد، المجرمون والقتلة كانوا في أمان إن وصلوا إليها أيضاً.

هذه الأرض لها في الإسلام أهمية عظمى، الحيوانات والنباتات والطيور فيها آمنة فما بالك بالإنسان.

ويذكر أنّ كلمة «التين» وردت في هذا الموضع من القرآن فقط، بينما كلمة الزيتون تكررت في ستة مواضع باللفظ وفي موضع بالإشارة حيث يقول سبحانه: (وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للأكلين)(2) وهي شجرة الزيتون.

إذا حملنا كلمتي «التين» و«الزيتون» على معناهما الظاهر الإبتدائي، فالقسم بها ذو دلالة عميقة أيضاً.

«التين» فاكهة ذات مواد غذائية ثرّة، ولقمة مغذية ومقوية لمختلف الأعمار، وخالية من القشر والنواة والزوائد.

علماء الأغذية يقولون:

يمكن الإستفادة من التين كسكّر طبيعي للأطفال ويمكن للرياضيين ولمن يعانون ضعف الشيخوخة أن يستفيدوا من التين للتغذية.

يقال إنّ أفلاطون كان يحبّ التين إلى درجة اطلق بعضهم على هذه الفاكهة اسم محبوب الفلاسفة، وسقراط كان يرى في التين عاملاً على جذب المواد النافعة ورفع المواد الضارة.

جالينوس كان قد وضع نظام تغذية خاص للأبطال من التين، وكان الرومان واليونان القدماء يغذون أبطالهم بالتين.

_______________________________________

1 ـ «الأمين» على وزن فعيل بمعنى فاعل أي «ذو الأمانة» أو بمعنى مفعول أي الأرض المأمونة لسكنتها.

2 ـ المؤمنون، الآية 20.

[309]

علماء التغذية يقولون: التين مليء بالفيتامينات المختلفة والسكر، ويمكن الإستفادة منه لعلاج كثير من الأمراض، وحين تخلط نسب متساوية من التين والعسل يكون الخليط مفيداً لقرحة المعدة، وتناول التين اليابس يقوي الفكر، وبإيجاز التين، لما فيه من عناصر معدنية تؤدي إلى تعادل قوى البدن والدم، يعتبر غذاء لمختلف الأعمار والظروف.

وروي عن الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) قال: «التين يذهب بالبخر ويشدّ الفم والعظم، وينبت الشعر، ويذهب بالداء، ولا يحتاج معه إلى دواء».

وقال(عليه السلام): «التين أشبه شيء بنبات الجنّة».(1)

وحول الزيتون، فإنّ العلماء الذين قضوا عمرهم في دراسة خواص النباتات يعيرون أهمية بالغة للزيتون وزيته. ويعتقدون أنّ الفرد إن أراد أن يعيش في سلامة دائمة فلابدّ له أن يستفيد من هذا الأكسير الحياتي.

زيت الزيتون صديق حميم لكبد الإنسان، وله تأثير فعّال في معالجة عوارض الكلى، وحصى الصفراء، والتشنجات الكليوية والكبدية، وإزالة الإمساك.

ولذلك ورد ذكر شجرة الزيتون في القرآن الكريم بعبارة: (شجرة مباركة).

وزيت الزيتون مفعم أيضاً بأنواع الفيتامينات وفيه الفوسفور والكبريت والكلسيوم والحديد والبوتاسيوم والمنغنيز

الضمادات التي تحضّر من زيت الزيتون والثوم مفيدة لأنواع الآلام الروماتيسمية، وحصى كيس الصفراء تزول بتناول زيت الزيتون.(2)

وروي عن أمير المؤمنين علي(عليه السلام) قال: «ما أفقر بيت يأتدمون بالخل والزيت

_______________________________________

1 ـ الكافي، ج6، ص358. وأورده العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار، ج66، ص184 روايات متعددة في حقل خواص التين، والمعلومات العلمية عن هذه الفاكهة منقولة عن كتاب «أوّل جامعة وآخر رسول» (فارسي)، ج9، ص90 وما بعدها.

2 ـ أول جامعة وآخر رسول، ج9، ص130 وما بعدها.

[310]

وذلك أدام الأنبياء»(1)، والزيت هو زيت الزيتون.

وعن الإمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام) قال: «نِعم الطعام الزيت، يطيب النكهة، ويذهب بالبلغم، ويصفي اللون، ويشدّ العصب، ويذهب بالوصب (المرض والألم والضعف) ويطفيء الغضب».(2)

ومسك الختام حديث عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا المجال قال: «كلوا الزيت وادهنوا به فإنّه من شجرة مباركة»(3).

ثمّ يأتي جواب القسم.

(لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم).

«تقويم» يعني تسوية الشيء بصورة مناسبة، ونظام معتدل وكيفية لائقة، وسعة مفهوم الآية يشير إلى أنّ اللّه سبحانه خلق الإنسان بشكل متوازن لائق من كلّ الجهات، الجسمية والروحية والعقلية، إذ جعل فيه ألوان الكفاءات، وأعدّه لتسلق سلّم السموّ، وهو ـ وإن كان جرماً صغيراً ـ وضع فيه العالم الأكبر، ومنحه من الكفاءات والطاقات ما جعله لائقاً لوسام: (ولقد كرمنا بني آدم)(4)، وهذا الإنسان هو الذي يقول فيه اللّه سبحانه بعد ذكر انتهاء خلقته: (فتبارك اللّه أحسن الخالقين)

وهذا الإنسان بكل مافيه من امتيازات، يهبط حين ينحرف عن مسيرة اللّه إلى «أسفل سافلين».

لذلك تقول الآية التالية:

(ثمّ رددناه أسفل سافلين).

_______________________________________

1 ـ بحار الانوار، ج66، ص180، حديث 6.

2 ـ المصدر السابق، ص183، حديث 22.

3 ـ المصدر السابق، ج182، حديث 16.

4 ـ الإسراء، الآية 70.

[311]

يقال إن قمم الجبال الشماء إلى جانبها دائماً وديان عميقة. وإزاء منحنيات الصعود في التكامل الإنساني توجد منحنيات نزول فظيعة، ولِمَ لا يكون كذلك وهو الموجود المليء بالكفاءات الثرّة التي إن سخرها على طريق الصلاح يبلغ أسمى قمم الفخر وإن استعملها على طريق الفساد يخلق أكبر مفسدة، وينزلق طبعاً إلى «أسفل سافلين».

ولكن الآية التالية تقول:

(إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون).

«ممنون»: من «المن» وتعني هنا القطع أو النقص، من هنا فالأجر غير مقطوع ولا منقوص، وقيل: إنّه خال من المنّة، لكن المعنى الأوّل أنسب.

قيل: إنّ قوله: (ثمّ رددناه أسفل سافلين) تعني ضعف الجسم والذاكرة في شيخوخة الإنسان، ولكن هذا التّفسير لا ينسجم مع الإستثناء المذكور في الآية التالية، ولذلك نختار التّفسير الأوّل.

الآية التالية تخاطب هذا الإنسان الكافر بأنعم ربّه والمعرض عن دلائل المعاد وتقول له: (فما يكذّبك بعد بالدين).

تركيب وجودك من جهة، وبنيان هذا العالم الواسع من جهة آُخرى يؤكّدان أن هذه الحياة الخاطفة لا يمكن أن تكون الهدف النهائي من خلقتك وخلقة هذا العالم الكبير.

هذه كلّها مقدمات لعالم أوسع وأكمل، وبالتعبير القرآني، هذه «النشأة» الاُولى» تنبيء عن «النشأة الاُخرى»، فلِمَ لا يتذكر الإنسان؟! (ولقد علمتم النشأة الاُولى فلولا تذكرون).(1)

عالم النبات كلّ عام يجسّد مشهد الموت والبعث أمام عين الإنسان، وتطور

_______________________________________

1 ـ راجع أدلة المعاد في تفسير سورة الواقعة.

[312]

الجنين خلقاً بعد خلق، إنّما هو في كلّ خلق معاد وحياة جديدة، فكيف ـ مع كلّ هذا ـ ينكر يوم الجزاء؟!

ممّا تقدم يتّضح أنّ المخاطب في الآية هذا النوع من الأفراد.

وقيل: إنّ المخاطب شخص النّبي، والمقصود من الآية هو: مع وجود أدلة المعاد، أي شخص أو أي شيء يستطيع تكذيبك، وهذا التّفسير يبدو بعيداً.

واتضح أيضاً أنّ المقصود من «الدين» ليس هو الشريعة بل هو يوم الجزاء، الآية التالية تؤيد ذلك.

(أليس اللّه بأحكم الحاكمين).

هذا سؤال يستهدف حثّ الإنسان على الإعتراف بأنّه سبحانه أحكم الحاكمين في صنائعه وأفعاله، فكيف يترك هذه الخلائق فلا يجازيهم.

وروي عن الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه حين كان يقرأ سورة التين، ويتلو قوله سبحانه: (أليس اللّه بأحكم الحاكمين) يقول: «بلى وأنا على ذلك من الشاهدين».(1)

يا ربّ! نشهد نحن أيضاً أنّك أحكم الحاكمين.

ربّنا! لقد خلقتنا في أحسن تقويم، فوفقنا لأن تكون أعمالنا وأخلاقنا في أحسن وجه.

إلهنا! يسّر لنا طريق الإيمان والصالح بلطفك ورحمتك.

أمين يا ربّ العالمين

نهاية سورة التين

* * *

_______________________________________

1 ـ مجمع البيان، ج10، ص512.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21400729

  • التاريخ : 19/04/2024 - 01:19

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net