00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة الجمعة من أول السورة ـ الى آخر السورة من ( ص 309 ـ 339 )  

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل (الجزء الثامن عشر   ||   تأليف : سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي

[ 309 ]

سُورَة الجُمُعَة

مَدَنيّة

وعَدَدُ آيَاتِها إحدى عشرة آية

[ 311 ]

«سورة الجمعة»

محتوى السورة:

تدور هذه السورة حول محورين أساسيين:

الأوّل: هو التوحيد وصفات الله والهدف من بعثة الرّسول ومسألة المعاد.

والمحور الثّاني: هو الأثر التربوي لصلاة الجمعة وبعض الخصوصيات المتعلّقة بهذه العبادة العظيمة.

ولكن يمكن أن نجمل الأبحاث التي وردت في هذه السورة المباركة بالنقاط التالية:

1 ـ تسبيح كافّة المخلوقات.

2 ـ الهدف التعليمي والتربوي من بعثة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

3 ـ تحذير المؤمنين وتنبيههم من مغبّة الوقوع في الإنحراف الذي وقع فيه اليهود فابتعدوا عن جادّة الصواب والحقّ.

4 ـ إشارة إلى قانون الموت العامّ والشامل الذي يمثّل المعبر إلى عالم البقاء والخلود.

5 ـ التأكيد على أداء فريضة صلاة الجمعة، وحثّ المؤمنين على تعطيل العمل والكسب من أجل المشاركة فيها.

فضيلة تلاوة سورة الجمعة:

وردت روايات كثيرة في فضيلة تلاوة هذه السورة سواء كانت هذه التلاوة مستقلّة أو ضمن الصلوات اليومية.

نقرأ في حديث عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «ومن قرأ سورة

[ 312 ]

 

الجمعة اُعطي عشر حسنات بعدد من أتى الجمعة، وبعدد من لم يأتها في أمصار المسلمين».

وورد في حديث آخر عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «الواجب على كلّ مؤمن إذا كان لنا شيعة أن يقرأ في ليلة الجمعة بالجمعة وسبّح اسم ربّك الأعلى، وفي صلاة الظهر بالجمعة والمنافقين، فإذا فعل ذلك فكإنّما يعمل بعمل رسول الله وكان جزائه وثوابه على الله الجنّة»(18).

وقد ورد في الروايات التأكيد الكثير على قراءة سورة الجمعة والمنافقون في صلاة الجمعة، وقد ورد في بعض الروايات أن لا تترك قراءتها ما أمكن(19)، ومع أنّ العدول في القراءة عن سورة «التوحيد» و «قل ياأيّها الكافرون» إلى سور اُخرى غير جائز، إلاّ أنّ هذه المسألة مستثناة في صلاة الجمعة، فيجوز العدول عنهما إلى سورة «الجمعة» و «المنافقون» بل عدّ ذلك مستحبّاً.

وكلّ ذلك دليل على الأهميّة العالية لهذه السورة القرآنية.

* * *

[ 313 ]

 

الآيات

يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَـوَتِ وَمَا فِى الاَْرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) هُو الَّذِى بَعَثَ فِى الاُْمِّيِّنَ رَسُولا مِّنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ ءَايَـتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَـبَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَـل مُّبِين (2) وَءَاخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)

التّفسير

الهدف من بعثة الرّسول:

تبدأ هذه السورة كذلك بالتسبيح لله عزّوجلّ، وتشير إلى بعض صفات الجمال والجلال والأسماء الحسنى لله. ويعتبر ذلك في الحقيقة مقدّمة للأبحاث القادمة، حيث يقول تعالى: ( يسبّح لله ما في السموات وما في الأرض) حيث يسبّحونه بلسان الحال والقال وينزّهونه عن جميع العيوب والنقائض ( الملك القدّوس العزيز الحكيم).

وبناءً على ذلك تشير الآية أوّلا إلى «المالكية والحاكمية المطلقة»، ثمّ «تنزّهه من أي نوع من الظلم والنقص» وذلك لإرتباط اسم الملوك بأنواع المظالم والمآسي، فجاءت كلمة «قدّوس» لتنفي كلّ ذلك عنه جلّ شأنه.

ومن جانب آخر فالآية تركّز على ركنين أساسيين من أركان الحكومة هما

[ 314 ]

 

 «القدرة» و «العلم» وسنرى أنّ هذه الصفات ترتبط بشكل مباشر بالأبحاث القادمة لهذه السورة.

ونشير هنا إلى أنّ ذكر صفات الحقّ تعالى في الآيات القرآنية المختلفة جاءت ضمن نظام وترتيب وحساب خاصّ.

وكنّا قد تعرّضنا سابقاً لتسبيح كافّة المخلوقات.

وبعد هذه الإشارة الخاطفة ذات المعنى العظيم لمسألة التوحيد وصفات الله، يتحدّث القرآن عن بعثة الرّسول والهدف من هذه الرسالة العظيمة المرتبطة بالعزيز الحكيم القدّوس. حيث يقول: ( هو الذي بعث في الاُمّيين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته).

وذلك من أجل أن يطهّرهم من كلّ أشكال الشرك والكفر والإنحراف والفساد ( ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين).

ومن الملفت للنظر أنّ بعثة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الخصوصيات التي لا يمكن تفسيرها إلاّ عن طريق الإعجاز، تعتبر هي الاُخرى إشارة إلى عظمته عزّوجلّ ودليل على وجوده إذ يقول: ( هو الذي بعث في الاُمّيين رسولا ...) وأبدع هذا الموجود العظيم بين اُولئك الاُمّيين ..

«الاُمّيين» جمع (اُمّي) وهو الذي لا يعرف القراءة والكتابة (ونسبته إلى الاُمّ باعتبار أنّه لم يتلقّ تعليماً في معهد أو مدرسة غير مدرسة الاُمّ).

وقال البعض: إنّ المقصود بها أهل مكّة، لأنّ مكّة كانت تسمّى (باُمّ القرى)، ولكنّه بعيد.

قال بعض المفسّرين: إنّ المقصود بها «اُمّة العرب» مقابل اليهود وغيرهم، واعتبروا الآية (75) من سورة آل عمران شاهدة على هذا المعنى حيث يقول: ( قالوا ليس علينا في الاُمّيين سبيل) وذلك باعتبار أنّ اليهود كانوا يعتبرون أنفسهم أهل الكتاب وهم أهل القراءة والكتابة، بينما كان العرب على العكس من ذلك. ولكن التّفسير الأوّل أنسب.

والجدير بالذكر أنّ الآية تؤكّد على أنّ نبي الإسلام بعث من بين هؤلاء الاُمّيين الذين لم يتلقّوا ثقافة وتعليماً وذلك لبيان عظمة الرسالة وذكر الدليل على حقّانيتها، لأنّ من المحال أن يكون هذا القرآن العظيم وبذلك المحتوى العميق وليد فكر بشري وفي ذلك المحيط الجاهلي ومن شخص اُمّي أيضاً، بل هو نور أشرق في الظلمات، ودوحة خضراء في قلب الصحراء، وهي بحدّ ذاتها معجزة باهرة وسنداً قاطعاً على حقّانيته ...

ولخّصت الآية الهدف من بعثة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في ثلاثة اُمور، جاء أحدها كمقدّمة وهو المشتمل على الآيات التي تحدث عن صفات الله جل

[ 315 ]

 شأنه, بينما شكّل الأمران الآخران أي (تهذيب وتزكية النفس) و (تعليمهم الكتاب والحكمة) الهدف النهائي الكبير.

نعم، جاء الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليعطي الإنسانية ويعلّمها العلم والأخلاق، لتستطيع بهذين الجناحين (جناح العلم وجناح الأخلاق) أن تحلّق في عالم السعادة وتطوي مسيرها إلى الله لتنال القرب منه.

والجدير بالملاحظة انّنا نجد بعض الآيات القرآنية تذكر «التزكية» قبل «التعليم» بينما تقدّم آيات اُخرى «التعليم» على «التزكية». ففي ثلاثة من الموارد الأربعة التي ذكر فيها «التزكية» و «التعليم» تقدّمت التزكية على التعليم بينما تقدّم التعليم في المورد الرابع.

وفي الوقت الذي يشار في هذا التعبير إلى التأثير المتبادل لهذين العنصرين (الأخلاق وليدة العلم، كما أنّ العلم وليد الأخلاق) تظهر أيضاً أصالة التربية ومدى الإهتمام بها. علماً أنّ المقصود بالعلم العلوم الحقيقية لا العلوم التي إصطلح عليها بأنّها علم وأُلبست ثوب العلم.

ويمكن أن يكون الفرق بين «الكتاب» و «الحكمة» هو أنّ الأوّل إشارة إلى القرآن والثاني إشارة إلى سنّة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

ويمكن أيضاً أن يكون «الكتاب» إشارة إلى أصل العقائد والأحكام الإسلامية، والثانية إشارة إلى فلسفتها وأسرارها.

ومن النقاط الجديرة بالملاحظة ـ كذلك ـ أنّ الحكمة تعني المنع بقصد الإصلاح، ولهذا يقال للجام الفرس «حكمة» لأنّه يمنعها ويجعلها تسير في مسارها الصحيح، وبناءً على ذلك فإنّ مفهوم هذه الدلائل عقلي، ومن هنا يتّضح أنّ ذكر الكتاب والحكمة بشكل مترادف يراد منه التنبيه إلى مصدرين مهمّين من مصادر المعرفة (الوحي) و (العقل).

بعبارة اُخرى: إنّ الأحكام السماوية وتعاليم الإسلام رغم أنّها نابعة من الوحي الإلهي غير أنّها يمكن تعقّلها وإدراكها بالعقل «المقصود كلّيات الأحكام».

وتعبير «الضلال المبين» إشارة مختصرة معبّرة إلى سابقة العرب وماضيهم

[ 316 ]

 

 الجاهلي في عبادة الأصنام. وأي ضلال أوضح وأسوأ من هذا الضلال الذي يعبد فيه الناس أحجاراً وأخشاباً يصنعونها بأنفسهم ويلجؤون إليها لحلّ مشاكلهم وإنقاذهم من المعضلات.

يدفنون بناتهم وهنّ أحياء ثمّ يتفاخرون بكلّ بساطة بهذا العمل قائلين: إنّنا لم ندع ناموسنا وعرضنا يقع بيد الأجانب.

كانت صلاتهم ودعاؤهم عبارة عن تصفيق وصياح إلى جانب الكعبة، وحتّى النساء كن يطفن حول الكعبة وهنّ عراة تماماً، ويحسبون ذلك عبادة.

كانت تسيطر على أفكارهم مجموعة من الخرافات والأوهام، وكانوا يتفخرون ويتباهون بالحرب ونزف الدماء والإغارة على بعضهم البعض. المرأة كانت تعدّ بضاعة لا قيمة لها عندهم، يلعبون عليها القمار، ويحرمونها من أبسط الحقوق الإنسانية. كانوا يتوارثون العداوة والبغضاء، ولهذا أصبحت الحروب وإراقة الدماء أمراً عادياً لديهم.

نعم لقد جاء الرّسول وأنقذهم ـ ببركة الكتاب والحكمة من هذا الضلال والتخبّط وزكّاهم وعلّمهم. وحقّاً إنّ تربية وتغيير مثل هذا المجتمع الضالّ يعتبر أحد الأدلّة على عظمة الإسلام ومعاجز نبيّنا العظيمة.

ولكن لم يكن الرّسول مبعوثاً لهذا المجتمع الاُمّي فقط، بل كانت دعوته عامّة لجميع الناس، فقد جاء في الآية التالية ( وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم)(20).

نعم، إنّ الأقوام الآخرين الذين جاؤوا بعد أصحاب الرّسول ليتربّوا في مدرسة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ويغترفوا من معين القرآن الصافي والسنّة المحمّدية، كانوا ـ أيضاً ـ مشمولين بهذه الدعوة العظيمة.

بناءً على ذلك تكون الآية أعلاه شاملة لجميع الأقوام الذين يأتون بعد أصحاب الرّسول من العرب والعجم. جاء في الحديث أنّ الرّسول

[ 317 ]

 

بعد أن تلا هذه الآية سئل من هؤلاء؟ فأشار الرّسول إلى سلمان وقال: «لو كان الإيمان في الثريا لنالته رجال من هؤلاء»(21).

وجاء في آخر الآية: ( وهو العزيز الحكيم).

بعد أن يشير إلى هذه النعمة الكبيرة ـ أي نعمة بعث نبي الإسلام الأكرم وبرنامجه التعليمي والتربوي ـ يضيف قائلا: ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم).

وهذه الآية في الحقيقة كالآية ـ 164 ـ في سورة آل عمران التي تقول: ( لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين).

وقد احتمل بعضهم جملة ( ذلك فضل الله) إشارة إلى أصل مقام النبوّة الذي يعطيه الله لمن يكون لائقاً به، غير أنّ التّفسير الأوّل أنسب، مع أنّه يمكن الجمع بين التّفسيرين بأن يقال: إنّ قيادة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت نعمة للاُمّة كما أنّ مقام النبوّة نعمة عظيمة لشخص الرّسول الكريم.

ولا نجد حاجة إلى القول بأنّ تعبير ( من يشاء) لا يعني أنّ الله ينزل رحمته وبركاته بدون حساب وبلا سبب، بل إنّ المشيئة هنا مرادفة للحكمة كما وصف الباري نفسه في بداية السورة بأنّه العزيز الحكيم.

يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في معنى هذا الفضل الإلهي: «فانظروا إلى مواقع نعم الله عليهم حيث بعث إليهم رسولا، فعقد بملّته طاعتهم وجمع على دعوته أُلفتهم، كيف نشرت النعمة عليهم جناح كرامتها، وأسالت لهم جداول نعيمها، والتفت الملّة بهم في عوائد بركتها، فأصبحوا في نعمتها غرقين. وفي خضرة عيشها فكهين».

وبناءً على هذا فسيكون التفسير الأول هو الأقوى.

* * *

[ 318 ]

 

ملاحظة

الفضل الإلهي له حساب:

جاء في الحديث أنّ جمعاً من الفقراء ذهبوا إلى رسول الله وقالوا: «يارسول الله، إنّ للأغنياء ما يتصدّقون وليس لنا ما نتصدّق ولهم ما يحجّون وليس لنا ما نحجّ ولهم ما يعتقون وليس لنا ما نعتق. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): من كبّر مائة مرّة كان أفضل من عتق رقبة، ومن سبّح الله مائة مرّة كان أفضل من مائة فرس في سبيل الله يسرجها ويلجمها. ومن هلّل الله مائة مرّة كان أفضل الناس عملا في ذلك اليوم إلاّ من زاد. فبلغ ذلك الأغنياء فقالوه. فرجع الفقراء إلى النبي فقالوا: يارسول الله قد بلغ الأغنياء ما قلت فصنعوه، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)، (وهذه إشارة إلى أنّ ذلك لأمثالكم فإنّكم مشتاقون إلى الإنفاق ولا تملكون ما تنفقون).

أمّا الأغنياء فسبيل بلوغهم ثواب الله هو إنفاق أموالهم في سبيله(22).

هذا الحديث شاهد على ما ذكرنا سابقاً من أنّ ثواب الله وفضله لا يعطى بدون حساب.

* * *

[ 319 ]

 

الآيات

مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارَا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِئَايَـتِ اللهِ وَاللهُ  لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّـلِمِينَ (5) قُلْ يَـأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَـدِقِينَ (6) وَلاَ يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدَا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّـلِمِينَ (7) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَـقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَـلِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَـدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(8)

التّفسير

الحمار الذي يحمل الأسفار:

جاء في بعض الرّوايات أنّ اليهود قالوا: (إذا كان محمّد قد بعث برسالة فإنّ رسالته لا تشملنا) فردّت عليهم الآية مورد البحث في أوّل بيان لها بأنّ رسالته قد اُشير إليها في كتابكم السماوي لو أنّكم قرأتموه وعملتم به.

يقول تعالى: ( مثل الذين حمّلوا التوراة ثمّ لم يحملوها) أي نزلت عليهم التوراة وكلّفوا بالعمل بها ولكنّهم لم يؤدّوا حقّها ولم يعملوا بآياتها فمثلهم ( كمثل الحمار يحمل أسفاراً).

[ 320 ]

لا يشعر هذا الحيوان بما يحمل من كتب إلاّ بثقلها، ولا يميّز بين أن يكون المحمول على ظهره خشب أو حجر أو كتب فيها أدقّ أسرار الخلق وأحسن منهج في الحياة.

لقد إقتنع هؤلاء القوم بتلاوة التوراة واكتفوا بذلك دون أن يعملوا بموجبها.

هؤلاء مثلهم كمثل الحمار الذي يضرب به المثل في الغباء والحماقة.

وذلك أوضح مثال يمكن أن يكشف عن قيمة العلم وأهميّته.

ويشمل هذا الخطاب جميع المسلمين الذين يتعاملون بألفاظ القرآن دون إدراك أبعاده وحكمه الثمينة. (وما أكثر هؤلاء بين المسلمين).

وهناك تفسير آخر هو أنّ اليهود لمّا سمعوا تلك الآيات والآيات المشابهة في السور الاُخرى التي تتحدّث عن نعمة بعث الرّسول قالوا: نحن أهل كتاب أيضاً، ونفتخر ببعثة سيّدنا موسى (عليه السلام) كليم الله، فردّ عليهم القرآن أنّكم جعلتم التوراة وراء ظهوركم ولم تعملوا بما جاء فيها.

على أي حال يعتبر ذلك تحذيراً للمسلمين كافّة من أن ينتهوا إلى ما انتهى إليه اليهود فقد شملتهم الرحمة الإلهية ونزل عليهم القرآن الكريم، لا لكي يضعوه على الرفوف يعلوه الغبار، أو يحملوه كما تحمل التعاويذ أو ما إلى ذلك. وقد لا يتعدّى إهتمام بعض المسلمين بالقرآن أكثر من تلاوته بصوت جميل في أغلب الأحيان.

ثمّ يقول تعالى: ( بئس مثل القوم الذين كذّبوا بآيات الله) إذ لم يكتفوا بمخالفة القرآن عملا، بل أنكروه بلسانهم أيضاً، حيث نصّت الآية (87) من سورة البقرة وهي تصف اليهود قائلة: ( أفكلّما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذّبتم وفريقاً تقتلون).

ويقول تعالى في آخر الآية في عبارة وجيزة: ( والله لا يهدي القوم الظالمين).

صحيح أنّ الهداية شأن إلهي، ولكن ينبغي أن تهيّأ لها الأرضية اللازمة، وهي الروح التواقة لطلب الحقّ والبحث عنه، وهي اُمور يجب أن يهيّئها الإنسان نفسه، ولا شكّ أنّ الظالمين يفتقدون مثل هذه الأرضية.

وأوضحنا سابقاً أنّ اليهود اعتبروا أنفسهم اُمّة مختارة، أو نسيجاً خاصّاً لا يشبه

[ 321 ]

 

 غيره، وذهبوا إلى أبعد من ذلك حينما ادّعوا أنّهم أبناء الله وأحبّاؤه المنتقمون، وهذا ما أشارت إليه الآية (18) من سورة المائدة: ( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحبّاؤه) (رغم أنّهم يقصدون الأبناء المجازيين).

ولكن القرآن شجب هذا التعالي مرّة اُخرى بقوله: ( قل ياأيّها الذين هادوا إن زعمتم أنّكم أولياء لله من دون الناس فتمنّوا الموت إن كنتم صادقين)(23).

فالأحبّاء يتمنون اللقاء دائماً، ولا يتمّ اللقاء المعنوي بالله يوم القيامة إلاّ عندما تزول حجب عالم الدنيا وينقشع غبار الشهوات والهوى، وحينئذ سيرى الإنسان جمال المحبوب ويجلس على بساط قربه، ويكون مصداقاً لـ ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر) فيدخل إلى حرم الحبيب.

إنّ خوفكم وفراركم من الموت دليل قاطع على أنّكم متعلّقون بهذه الدنيا وغير صادقين في إدّعائكم.

ويوضّح القرآن الكريم هذا المعنى بتعبير آخر في سورة البقرة آية (96) عندما يقول تعالى: ( ولتجدنّهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يودّ أحدهم لو يعمّر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمّر والله بصير بما يعملون).

ثمّ يشير القرآن إلى سبب خوفهم من الموت بقوله: ( ولا يتمنّونه أبداً بما قدّمت أيديهم والله عليم بالظالمين).

لأنّ خوف الإنسان من الموت ناشيء من عاملين أساسيين:

الأوّل: عدم إيمان الإنسان بالحياة بعد الموت وإعتقاده أنّ الموت زوال وفناء.

والثّاني: أعماله السيّئة التي يعتقد أنّه سيواجهها بعد مماته في عالم الآخرة عندما تقام المحكمة الإلهية.

وإنّما يخاف اليهود من الموت لسوء أعمالهم إذ أنّهم يعتقدون ـ أيضاً ـ بيوم الحساب.

وقد وصفهم القرآن الكريم بالظالمين، وذلك لأنّ الظلم يتّسع ليشمل جميع

[ 322 ]

الأعمال السيّئة والجرائم التي ارتكبوها، من قتلهم الأنبياء وقول الزور وغصب الحقوق وتلوّثهم بمختلف المفاسد الأخلاقية.

غير أنّ هذا الخوف وذلك الفرار لا يجدي شيئاً، فالموت أمر حتمي لابدّ أن يدرك الجميع، إذ يقول تعالى: ( قل إنّ الموت الذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم ثمّ تردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبّئكم بما كنتم تعملون).

الموت قانون عام يخضع له الجميع بما فيهم الأنبياء والملائكة وجميع الناس ( كلّ من عليها فان ويبقى وجه ربّك ذو الجلال والإكرام).

وكذلك المثول أمام محكمة العدل الإلهي لا يفلت منها أحد، إضافة إلى علم الله تعالى بأعمال عباده بدقّة وبتفصيل كامل.

وبهذا سوف لا يكون هناك طريق للتخلّص من هذا الخوف سوى تقوى الله وتطهير النفس والقلب من المعاصي، وبعد أن يخلص الإنسان لله تعالى فإنّه لن يخاف الموت حينئذ.

ويعبّر الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن هذه المرحلة بقوله: «هيهات بعد اللتيا والتي، والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي اُمّه»(24).

* * *

ملاحظات

1 ـ العالم بلا عمل

ممّا لا شكّ فيه أنّ لطلب العلم تبعات ومسؤوليات عديدة، ولكن مع كثرة هذه التبعات فإنّها لا تساوي شيئاً أمام بركاته. وأشدّ ما يخيف الإنسان ويقلقه أن يتحمّل مصاعب طلب العلم، ويعاني في سبيل ذلك الأمّرين دون أن يحصد بركاته، وعندها سيكون مثل هذا الإنسان كمثل الحمار الذي يحمل أسفاراً على ظهره لا يعلم منها شيئاً.

وقد شبّه العالم بلا عمل في بعض الأمثال بأنّه (كالشجر بلا ثمر) أو (كالسحاب بلا مطر) أو (كالشمعة التي تحرق نفسها لتضيء أطرافها ولكنّها تفنى وتزول) أو (كالحيوان الذي يدير الطاحونة فإنّه يمشي ساعات طويلة دون أن يقطع أيّة مسافة بل

[ 323 ]

 

 يبقى دائماً يدور حول نفسه)، وما إلى ذلك من التشبيهات التي يوضّح كلّ واحد منها جانباً من جوانب النقص حينما لا يُقرن العلم بالعمل.

وقد حملت الروايات بشدّة على مثل هؤلاء العلماء الذين لا يعملون بما يعلمون، ففي رواية عن الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «من إزداد علماً ولم يزدد هدى لم يزدد من الله إلاّ بعداً»(25).

وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه قال: «العلم مقرون بالعمل فمن علم عمل، والعلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلاّ ارتحل عنه»(26).

وفي رواية اُخرى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعتبر العالم الذي لا يعمل بموجب علمه غير جدير بهذا اللقب حيث يقول: «لا يكون المرء عالماً حتّى يكون بعلمه عاملا»(27).

وليس أفضل من العالم الذي يعمل بعلمه دون أن يستفيد من مزايا العلم ذاتياً ومادياً، فقد ورد عن أمير المؤمنين في خطبة له على المنبر «أيّها الناس إذا علمتم فاعملوا بما علمتم لعلّكم تهتدون، إنّ العالم العامل بغيره، كالجاهل الحائر الذي لا يستفيق عن جهله بل قد رأيت أنّ الحجّة عليه أعظم والحسرة أدوم»(28).

ومثل هؤلاء العلماء سيكونون بلاءً على المجتمع ووبالا عليه، وسينتهي المجتمع الذي علماؤه من هذا القبيل إلى مصير خطير.

يقول الشاعر:

وراعي الشاة يحمي الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها ذئاب!

2 ـ لماذا أخاف الموت

قلّة من الناس فقط لا يخافون الموت ويبتسمون له ويحتضنونه ويهبون تلك

[ 324 ]

 

 النفس المتعبة ليحصلوا على الخلود.

والآن لماذا تخاف الموت الأغلبية الغالبة من الناس وتخاف من أعراضه، بل حتّى من إسمه؟

إنّ السبب الأساسي وراء هذا الخوف هو عدم إيمان هؤلاء بالحياة بعد الموت، أو إذا كانوا مؤمنين بذلك فإنّهم لم يصدّقوا به تصديقاً حقيقيّاً، ولم يتمكّن من جميع أفكارهم وإحساساتهم ومشاعرهم.

إنّ خوف الإنسان من العدم شيء طبيعي، بل إنّ الإنسان يخاف من الظلمة في الليل التي هي عدم النور، وأحياناً يصل بالإنسان الخوف إلى أنّه يخاف من الميّت.

ولكن إذا صدقت النفس أنّ (الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر) وإذا أيقنت هذه النفس أنّ هذا البدن الترابي إنّما هو سجن للروح وسور يضرب الحصار عليها، إذا آمنت بذلك حقّاً وكانت نظرة الإنسان إلى الموت هكذا فإنّه سوف لن يخشى الموت أبداً، وفي نفس الوقت الذي يعتزّ بالحياة من أجل الإرتقاء في سلّم التكامل.

لهذا نجد في قصّة عاشوراء: أنّه كلّما ضاقت حلقة الأعداء وإزداد ضغطهم على الإمام الحسين وأصحابه إزدادت وجوههم إشراقاً، حتّى أنّ الشيوخ من أصحابه كانت الإبتسامة تطفو على وجوههم في صبيحة عاشوراء، وحينما كانوا يسألون يقولون: إنّنا سنستشهد بعد ساعات فنعانق الحور العين(29).

والسبب الآخر الذي يجعل الإنسان يخاف من الموت هو التعلّق بالدنيا أكثر من اللازم، الأمر الذي يجعله يرى الموت الشيء الذي سيفصله عن محبوبه ومعشوقه التي هي الدنيا.

وكثرة السيّئات وقلّة الحسنات في صحيفة الأعمال هي السبب الثالث وراء الخوف من الموت، فقد جاء أنّ رجلا أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: يارسول الله، ما بالي لا اُحبّ الموت؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لك مال؟ قال: نعم،

[ 325 ]

 

قال (صلى الله عليه وآله وسلم): قد قدّمته؟ قال: لا. قال: فمن ثمّة لا تحبّ الموت»(30) (لأنّ صحيفة أعمالك خالية من الحسنات).

وجاء رجل آخر وسأل (أبا ذرّ) نفس السؤال فأجابه أبو ذرّ قائلا: «لأنّكم عمّرتم الدنيا وخرّبتم الآخرة، فتكرهون أن تنتقلوا من عمران إلى خراب»(31).

* * *

[ 326 ]

 

الآيات

يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَوةُ فَانتَشِرُوا فِى الاَْرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)وَإِذَا رَأَوْا تِجَـرَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَـرَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّزِقِينَ (11)

سبب النّزول

نقل في سبب نزول هذه الآيات وخصوصاً الآية ( وإذا رأوا تجارة) روايات مختلفة جميعها تخبر عن معنى واحد، هو أنّه في أحد السنوات «أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر فقدم «دحيّة بن خليفة» بتجارة زيت من الشام والنبي يخطب يوم الجمعة فلمّا رأوه قاموا إليه بالبقيع خشية أن يسبقوا إليه فلم يبق مع النبي إلاّ رهط فنزلت الآية فقال: «والذي نفسي بيده لو تتابعتم حتّى لا يبقى أحد منكم لسال بكم الوادي ناراً».

وقال المقاتلان: بينا رسول الله يخطب يوم الجمعة إذ قدم دحيّة بن خليفة بن فروة الكلبي ثمّ أخذ بني الخزرج ثمّ أخذ بني زيد بن مناة من الشام بتجارة وكان إذا قدم لم يبق بالمدينة عاتق إلاّ أتته وكان يقدم إذا قدم بكلّ ما يحتاج إليه من دقيق أو برّ أو غيره فينزل عند «أحجار الزيت»، وهو مكان في سوق المدينة

[ 327 ]

 

 ثمّ يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فيخرج إليه الناس ليتبايعوا معه فقدم ذات جمعة وكان ذلك قبل أن يسلم ورسول الله قائم على المنبر يخطب فخرج الناس فلم يبق في المسجد إلاّ إثنا عشر رجلا وامرأة فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): لولا هؤلاء لسوّمت عليهم الحجارة من السماء وأنزل الله هذه الآية(32).

التّفسير

أكبر تجمّع عبادي سياسي اسبوعي:

كانت الأبحاث السابقة تدور حول مسألة التوحيد والنبوّة والمعاد، وكذلك ذمّ اليهود عبيد الدنيا، بينما انصبّ الحديث في الآيات مورد البحث على الركائز الإسلامية المهمّة التي تؤثّر كثيراً على استقرار أساس الإيمان، وتمثّل الهدف الأساس للسورة، وهي صلاة الجمعة وبعض الأحكام المتعلّقة بها.

ففي البداية يخاطب الله تعالى المسلمين جميعاً بقوله: ( ياأيّها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون).

«نودي» من مادّة (نداء) وهي هنا بمعنى الأذان إذ لا نداء للصلاة غير الأذان.

وجاء في الآية (58) من سورة المائدة ( وإذا ناديتم إلى الصلاة اتّخذوها هزواً ولعباً ذلك بأنّهم قوم لا يعقلون).

فعندما يرتفع الأذان لصلاة الجمعة يكون لزاماً على الناس أن يتركوا مكاسبهم ومعايشهم، ويذهبوا إلى الصلاة وهي أهمّ ذكر لله.

وعبارة ( ذلكم خير لكم ...) إشارة إلى أنّ إقامة صلاة الجمعة وترك المكاسب والعمل في هذا الوقت، خير وأنفع للمسلمين من حطام الدنيا وملاذها الزائلة لو كانوا يعقلون. وإلاّ فإنّ الله غني عن الجميع.

هذه نظرة عابرة إلى فلسفة صلاة الجمعة وما فيها من فضائل سنبحثها تباعاً.

من الواضح أنّ لأمر ترك البيع والشراء مفهوماً واسعاً يشمل كلّ عمل يمكن أن يزاحم الصلاة.

[ 328 ]

 

أمّا لماذا سمّي يوم الجمعة بهذا الإسم؟ فهو لإجتماع الناس في هذا اليوم للصلاة، وهذه المسألة لها تاريخ سنبحثه في النقاط القادمة.

ومن الجدير بالملاحظة أنّ بعض الروايات جاءت حول الصلاة اليومية «إذا اُقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة»(33).

وقد عبّرت الآية السابقة فيما يتعلّق بصلاة الجمعة بقولها (فاسعوا) لتعطي أهميّة بالغة لصلاة الجمعة.

المقصود من (ذكر الله) بالدرجة الاُولى هو الصلاة، ولكنّنا نعلم أنّ خطبتي صلاة الجمعة مشتملة هي الاُخرى ومتضمّنة (لذكرالله) وهي في الحقيقة جزء من صلاة الجمعة. وبناءً على ذلك ينبغي الإسراع لحضور الخطبتين أيضاً.

تضيف الآية التي تليها قائلة: ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلّكم تفلحون).

ورغم أنّ عبارة ( ابتغوا من فضل الله) أو ما يشابهها من تعابير، وردت في القرآن الكريم للحثّ على طلب الرزق والكسب والتجارة، لكن الظاهر أنّ مفهوم هذه الجملة أوسع من ذلك بكثير. لهذا فسّرها بعضهم بعيادة المريض وزيارة المؤمن وطلب العلم والمعرفة، ولم يحصروها بهذه المعاني كذلك.

من الواضح أنّ الإنتشار في الأرض وطلب الرزق ليس أمراً وجوبياً، ولكن ـ كما هو معلوم اُصوليّاً «أمر بعد الحظر والنهي» ـ دليل على الجواز والإباحة. مع أنّ البعض فهم من هذا التعبير أنّ المقصود هو إستحباب طلب الرزق والكسب بعد صلاة الجمعة، وإشارة إلى كونه مباركاً أكثر.

وجاء في الحديث أنّ الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمشي في السوق بعد صلاة الجمعة.

جملة ( واذكروا الله كثيراً) إشارة إلى ذكر الله تعالى الذي وهب كلّ تلك البركات والنعم للإنسان. وقال بعضهم: إنّ الذكر هنا يعني التفكّر كما جاء في

[ 329 ]

 

 الحديث «تفكّر ساعة خير من عبادة سنة»(34).

وفسّرها آخرون بمعنى التوجّه إلى الله تعالى في الكسب والمعاملات وعدم الإنحراف عن جادّة الحقّ والعدالة.

غير أنّه من الواضح أنّ للآية مفهوماً واسعاً يشمل كلّ تلك المعاني، كما أنّه من المسلّم أنّ روح الذكر هو التفكّر. والذكر الذي لا يكون مقروناً بالتفكّر لا يزيد عن كونه لقلقة لسان، وإنّ الذكر الممزوج بالتفكّر هو سبب الفوز في جميع الحالات.

وممّا لا شكّ فيه أنّ استمرار الذكر والمداومة عليه يرسخ الخوف من الله ويعمّقه في نفس الإنسان، ويجعله يستشعر ذلك في أعماق نفسه، ويقضي نهائياً على أسباب الغفلة والجهل اللذين يشكّلان السبب الأساس لكلّ الذنوب، ويضع الإنسان في طريق الفلاح دائماً. وهناك تتحقّق حقيقة ( لعلّكم تفلحون).

في آخر الآية ـ مورد البحث ـ ورد ذمّ عنيف للأشخاص الذين تركوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في صلاة الجمعة وأسرعوا للشراء من القافلة القادمة، إذ يقول تعالى: ( وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضّوا إليها وتركوك قائماً).

ولكن ( قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين).

فمن المؤكّد، أنّ الثواب والجزاء الإلهي والبركات التي يحظى بها الإنسان عند حضوره صلاة الجمعة والإستماع إلى المواعظ والحكم التي يلقيها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وما ينتج عن ذلك من تربية روحية ومعنوية، لا يمكن مقارنتها بأي شيء آخر. فإذا كنتم تظنّون إنقطاع الرزق فإنّكم على خطأ كبير لأنّ ( الله خير الرازقين).

التعبير بـ «اللهو» إشارة إلى الطبل وسائر آلات اللهو التي كانت تستعمل عند دخول قافلة جديدة إلى المدينة. فقد كانت تستعمل كإعلان وإخبار عن دخول القافلة، إضافةً إلى كونها وسيلة للترفيه والدعاية واللهو، كما نشاهد ما يشابه ذلك في الغرب هذه الأيّام.

التعبير بـ «انفضّوا» بمعنى الإنتشار والإنصراف عن صلاة الجمعة والذهاب إلى

[ 330 ]

 

 القافلة. فقد ورد في سبب النزول أنّ المسلمين تركوا الرّسول في خطبة الجمعة وتجمّعوا مع باقي الناس حول قافلة (دحيّة) ـ الذي لم يكن قد أسلم بعد ـ ولم يبق في المسجد إلاّ ثلاثة عشر شخصاً أو أقل، كما جاء في رواية اُخرى.

والضمير في «إليها» يرجع إلى التجارة التي أسرعوا إليها، ولم يكن «اللهو» هو الهدف المقصود بل كان مجرّد مقدّمة للإعلان عن وصول القافلة إلى المدينة، وكذلك للترفيه والدعاية للبضاعة.

التعبير بـ «قائماً» يكشف عن أنّ الرّسول كان واقفاً يلقي خطبة الجمعة، كما جاء في حديث عن جابر أنّه قال: (لم أر رسول الله قطّ يخطب وهو جالس، وكلّ من قال يخطب وهو جالس فكذّبوه)(35).

وجاء في رواية اُخرى أنّه سئل عبدالله بن مسعود يوماً: هل كان الرّسول يخطب واقفاً؟ قال: ألم تسمعوا قوله تعالى: ( وتركوك قائماً)(36).

وجاء في «الدرّ المنثور» أنّ معاوية كان أوّل شخص ألقى خطبة الجمعة وهو «قاعد».

* * *

بحوث

1 ـ أوّل صلاة جمعة في الإسلام

جاء في بعض الرّوايات أنّ مسلمي المدينة كانوا يتحدّثون مع بعضهم ـ قبل هجرة الرّسول إليهم ـ أنّ لليهود يوماً يجتمعون فيه هو (السبت) وللنصارى يوماً يجتمعون فيه هو (الأحد) فلماذا لا نتّخذ نحن يوماً معيّناً نذكر الله فيه كثيراً ونشكره؟ وانتخبوا يوماً قبل السبت وكان يسمّى (يوم العروبة) وذهبوا إلى (أسعد بن زرارة) ـ أحد وجهاء المدينة وقد صلّى بهم جماعة ووعظهم وسمّي ذلك اليوم بيوم الجمعة لإجتماع المسلمين به. ثمّ أمر (أسعد) أن يذبحوا كبشاً ليصنعوا منه غداءً وعشاءً لجميع المسلمين الذين كان عددهم من القلّة بحيث كفاهم الكبش لهاتين الوجبتين. وكانت هذه أوّل جمعة تقام في الإسلام.

أمّا أوّل جمعة أقامها الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أصحابه فكانت بعد

[ 331 ]

 

وصوله إلى المدينة بأربعة أيّام، وكان وصوله يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأوّل، بقي بعدها أربعة أيّام في قبا فبنوا (مسجد قبا) وتحرّكوا بعدها إلى المدينة، وكان ذلك يوم الجمعة، ولم تكن المسافة بين قبا والمدينة طويلة (وتعتبر قبا اليوم من ضواحي المدينة). وكان الرّسول قد وصل ضاحية (بني سالم) عند أذان الجمعة فاُقيمت صلاة الجمعة هناك. وهذه هي أوّل جمعة أقامها الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الإسلام، وقد ألقى فيها خطبة كانت هي بدورها أوّل خطبة لرسول الله في المدينة المنوّرة)(37).

نقل أحد المحدّثين عن عبدالله بن كعب قوله: (إنّ أبي كان يترحّم على أسعد بن زرارة كلّما سمع أذان صلاة الجمعة، وعندما سألته عن سبب ذلك أجابني: (لأنّه كان أوّل رجل أقام صلاة الجمعة)، فقلت: كم كان عددكم ذلك اليوم؟ قال: أربعون رجلا فقط)(38).

2 ـ أهميّة صلاة الجمعة

إنّ أفضل دليل على أهميّة هذه الفريضة العظيمة هو الآيات الأخيرة في هذه السورة المباركة، التي أمرت جميع المسلمين وأهل الإيمان بمجرّد سماعهم لأذان الجمعة أن يسرعوا إليها ويتركوا الكسب والعمل، وكلّ ما من شأنه أن يزاحم هذه الفريضة، إلى الحدّ الذي نهتهم عن الذهاب إلى تلك القافلة رغم حاجتهم الماسّة إلى ما فيها من طعام إذ كانوا يعيشون القحط والمجاعة. ودعتهم إلى الإستمرار في صلاة الجمعة حتّى النهاية.

ورد في أحاديث اُخرى في هذا المجال ـ أيضاً ـ منها الخطبة التي نقلتها جميع مصادر المسلمين عن الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد جاء فيها قوله: «إنّ الله تعالى فرض عليكم الجمعة، فمن تركها في حياتي أو بعد موتي إستخفافاً بها أو جحوداً لها، فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره، ألا ولا صلاة له، ألا ولا زكاة له، ألا ولا حجّ له، ألا ولا صوم له، ألا ولا برّ له، حتّى يتوب»(39).

[ 332 ]

 

وجاء في حديث آخر عن الإمام الباقر (عليه السلام): «صلاة الجمعة فريضة والإجتماع إليها فريضة مع الإمام، فإن ترك رجل من غير علّة ثلاث جمع فقد ترك ثلاث فرائض ولا يدع ثلاث فرائض من غير علّة إلاّ منافق»(40).

وفي حديث آخر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من أتى الجمعة إيماناً واحتساباً استأنف العمل»(41). أي استغفر ذنوبه ويبدأ العمل من جديد.

والرّوايات كثيرة في هذا المجال ولا يتّسع المجال لذكرها جميعاً، لذا نحاول أن ننهي هذا البحث بحديث آخر، حيث جاء رجل إلى الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يارسول الله، إنّي تهيّأت عدّة مرّات للحجّ ولكنّي لم اُوفّق. قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «عليك بالجمعة فإنّها حجّ المساكين»(42). وفي ذلك إشارة إلى أنّ ما يتضمّنه هذا المؤتمر الإسلامي الكبير (أي الحجّ) من بركات، موجودة في إجتماع صلاة الجمعة.

ومن الملفت للنظر أنّه قد ورد ذمّ شديد لتارك صلاة الجمعة، حتّى عدّ التاركون للجمعة في صفّ المنافقين عندما تكون صلاة الجمعة واجباً عينيّاً (أي في زمن حضور الإمام المعصوم (عليه السلام)) وأمّا في زمن الغيبة ـ وبناءاً على أنّه واجب مخيّر بين صلاة الجمعة وصلاة الظهر ـ فإنّه لا يكون مشمولا بهذا الذمّ والتقريع رغم عظمة صلاة الجمعة وأهميّتها في هذا الوقت أيضاً (للتوسّع في ذلك يجب الرجوع إلى الكتب الفقهيّة).

3 ـ فلسفة صلاة الجمعة العبادية والسياسيّة

إنّ صلاة الجمعة ـ قبل كلّ شيء ـ عبادة جماعية ولها أثر العبادات عموماً، حيث تطهّر الروح والقلب من الذنوب، وتزيل صدأ المعاصي عن القلوب، خاصّة وأنّها تكون دائماً مسبوقة بخطبتين تشتملان على أنواع المواعظ والحكم، والحثّ على التقوى وخوف الله.

أمّا من الناحية السياسيّة والإجتماعية فهي أكبر مؤتمر اسبوعي عظيم بعد مؤتمر

[ 333 ]

 

 الحجّ السنوي، لهذا نجد الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في الرواية التي نقلناها سابقاً من أنّ الجمعة حجّ من لا يملك القدرة على المشاركة في الحجّ.

ويعطي الإسلام في الحقيقة أهميّة خاصّة لثلاثة مؤتمرات كبيرة:

التجمّعات التي تتمّ يومياً لصلاة الجماعة.

التجمّع الأسبوعي الأوسع في صلاة الجمعة.

ومؤتمر الحجّ الذي يعقد في كلّ سنة مرّة.

ودور صلاة الجمعة مهمّ جدّاً خاصّة وأنّ من واجبات الخطيب هو التحدّث في الخطبتين عن المسائل السياسية والإجتماعية والإقتصادية وبذلك سيكون هذا التجمّع العظيم والمهيب منشأً للبركات والنعم التالية:

أ ـ توعية الناس على المعارف الإسلامية والأحداث السياسية والإجتماعية المهمّة.

ب ـ توثيق الإتّحاد والإنسجام بين المسلمين أكثر لإخافة الأعداء.

ج ـ تجديد الروح الدينية وتصعيد معنويات المسلمين.

د ـ إيجاد التعاون لحلّ المشكلات العامّة التي تواجه المسلمين.

ولهذا فإنّ أعداء الإسلام يخافون دائماً من صلاة الجمعة الجامعة للشرائط.

ولهذا أيضاً ـ كانت صلاة الجمعة مصدر قوّة سياسية في أيدي حكومات العدل كحكومة الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي إستثمرها أحسن إستثمار لخدمة الإسلام، وكذلك كانت مصدر قوّة أيضاً لحكومات الجور كدولة بني اُميّة الذين استغلّوها لتحكيم قدرتهم وسيطرتهم وإضلال الناس.

وعلى مدى التأريخ نلاحظ أنّ أي محاولة للتمرّد على النظام تبدأ أوّلا بالإمتناع عن صلاة الجمعة خلف الإمام المنصوب من قبل الحاكم، فقد جاء في قصّة عاشوراء أنّ بعض الشيعة اجتمعوا في دار (سليمان بن صرد الخزاعي) ثمّ بعثوا رسالة إلى الإمام الحسين من الكوفة جاء فيها (.. والنعمان بن بشير في قصر الإمارة، لسنا نجتمع معه في جمعة، ولا نخرج معه إلى عيد، ولو قد بلغنا أنّك قد أقبلت إلينا

[ 334 ]

 

 أخرجناه حتّى نلحقه بالشام إن شاء الله»(43).

وفي الصحيفة السجادية عن الإمام السجّاد (عليه السلام): «اللهمّ إنّ هذا المقام لخلفائك وأصفيائك ومواضع اُمنائك، في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزّوها»(44).

وفي خطبة الجمعة يتمّ تبديد جميع الإشاعات التي كان الأعداء قد بثّوها خلال الاُسبوع، وتدبّ بعد ذلك الحياة في جموع المسلمين ويبدأ دم جديد بالتدفّق.

ومن الجدير بالإشارة إليه أنّ فقه أهل البيت (عليهم السلام) ينصّ على عدم جواز إقامة أكثر من جمعة واحدة في منطقة نصف قطرها فرسخ، كما يمكن أن يشارك في صلاة الجمعة من كان يبعد عنها بمسافة فرسخين (أي ما يعادل أحد عشر كم).

كلّ هذا يعني أنّه لا يمكن إقامة أكثر من صلاة جمعة في مدينة واحدة صغيرة أو كبيرة، مع أطرافها وضواحيها، وبناءً على هذا فسيكون هذا التجمّع هو أوسع تجمّع يقام في تلك المنطقة.

ولكنّنا نجد مع الأسف أنّ هذه المراسم العبادية السياسية التي تستطيع أن تكون مصدر حركة عظيمة في المجتمعات الإسلامية، نجدها بسبب سيطرة الحكومات الفاسدة على بعض الدول الإسلامية قد فقدت روحها ومعناها، إلى الحدّ الذي لا تترك أي أثر إيجابي، وأصبحت تقام بإعتبارها مراسم حكومية رسمية لا أكثر، وذلك ممّا يحزّ بالنفس ويؤلم كثيراً.

إنّ أهمّ صلاة جمعة تقام على طول العام هي الصلاة التي تقام قبل الذهاب إلى عرفات في مكّة، حيث يشارك فيها عدد غفير من الحجّاج الذين تجمّعوا من مختلف أنحاء العالم. ويكون هناك تمثيل حقيقي لكلّ فئات المسلمين في الكرة الأرضية، ومن اللائق أن يهيّأ لمثل هذه الصلاة الحسّاسة خطبة عظيمة يشارك في إعدادها أئمّة الجمع ليعرضوا فيها اُمور المسلمين المختلفة.

ومن الطبيعي أن تعطي مثل هذه الخطبة اُكلها، وتفيض بالبركات والوعي بين المسلمين وتحلّ مشاكلهم الخطيرة.

[ 335 ]

 

ولكن مع شديد الأسف نرى أنّ خطبة الجمعة في هذه الأيّام لا تتناول سوى الاُمور الهامشية، أو يتمّ التحدّث عن اُمور معروفة للجميع، ولا يتمّ التحدّث عن الاُمور الأساسية التي تهمّ المسلمين!!

ألا ينبغي البكاء على ذهاب هذه الفرص الذهبية وضياع هذه الثروة المعنوية؟! ألا يدعو ذلك إلى الأسف ويتطلّب الإسراع في الإصلاح؟!

4 ـ آداب صلاة الجمعة ومضمون الخطبتين

تجب صلاة الجمعة ـ مع توافر الشروط اللازمة ـ على الرجال البالغين والأصحاء الذين لهم القدرة على حضورها والمشاركة فيها، ولا تجب على المسافرين والمسنّين رغم جواز الحضور فيها للمسافر. وكذلك يمكن للنساء المشاركة في صلاة الجمعة رغم أنّها غير واجبة عليهنّ.

أقلّ عدد يمكن إنعقاد الجمعة به هو خمسة رجال.

صلاة الجمعة ركعيتن وتقام بدلا عن صلاة الظهر، وتحسب الخطبتان اللتان يتمّ إلقاؤهما قبل صلاة الجمعة بدل الركعتين الأخيرتين.

وصلاة الجمعة كصلاة الصبح يستحبّ أن يقرأ فيها الحمد والسورة جهراً، ويستحبّ كذلك أن تقرأ سورة الجمعة في الركعة الاُولى والمنافقون في الركعة الثانية.

وهناك قنوتان في صلاة الجمعة: أحدهما قبل ركوع الركعة الاُولى، والثاني بعد ركوع الركعة الثانية.

يجب إلقاء الخطبتين قبل الصلاة، كما يجب أن يقوم الخطيب واقفاً لإلقاء الخطبة، ومن يلقي الخطبة يجب أن يكون إمام صلاة الجمعة. ويجب أن يرفع الخطيب صوته ليسمعه جميع من يحضر الصلاة ويطّلع على مضمون الخطبة. وينبغي السكوت والإنصات إلى الخطيب والجلوس في مقابله.

ومن اللائق أن يكون الخطيب فصيحاً وبليغاً ومطّلعاً على أحوال المسلمين وعارفاً بشؤون المجتمع الإسلامي، وشجاعاً وصريح اللهجة ولا يتردّد في إظهار الحقّ، ويجب أن تكون سيرته مدعاة للتأثير على الناس، وكذلك حديثه ينبغي أن يربط الناس أكثر بالله جلّ شأنه.

[ 336 ]

 

ومن اللائق أن يرتدي الإمام أنظف الملابس، ويستخدم العطر، ويمشي بوقار وسكينة. وعندما يرتقي المنبر يبدأ بالسلام على الناس ويقف مقابلهم ويتكىء على سيف أو عصى. ويجلس على المنبر متى ينتهي الأذان. ويبدأ بخطبته بعد تمام الأذان.

ويحمد الله ويثني عليه ويصلّي على رسوله في بداية الخطبة الاُولى (ويقرأ هذا القسم باللغة العربية احتياطاً، وما تبقّى بلسان الحاضرين).

وعليه أن يوصي الناس بتقوى الله، ويقرأ سورة من السور القصيرة، ويراعي هذا الأمر في الخطبتين. وفي الخطبة الثانية، بعد الصلاة على النبي وأئمّة المسلمين، يدعو ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات.

ومن المناسب أن يناقش الخطيب في خطبته شؤون المسلمين وما يتعلّق بدينهم ودنياهم مع التركيز على الأولويات. وينبغي أن ينبّههم إلى مؤامرات الأعداء ويحثّهم ضمن برنامج طويل أو قصير المدّة.

خلاصة القول يجب أن تتوفّر في الخطيب عناصر الوعي والتفكير الصحيح والمتابعة لشؤون المسلمين، ليستثمر الخطبة في تحقيق الأهداف الإسلامية العليا، ويدفع المسلمين نحوها(45).

جاء في حديث عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: «إنّما جعلت الخطبة يوم الجمعة لأنّ الجمعة مشهد عام، فأراد أن يكون للأمير سبب إلى موعظتهم وترغيبهم في الطاعة وترهيبهم من المعصية، وتوقيفهم على ما أراد من مصلحة دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما ورد عليهم من الآفاق، من الأهوال التي لهم فيها المضرّة والمنفعة ... وإنّما جعلت خطبتين لتكون واحدة للثناء على الله والتمجيد والتقديس لله عزّوجلّ، والاُخرى للحوائج والأعذار والإنذار والدعاء ولما يريد أن يعلّمهم من أمره ونهيه ما فيه الصلاح والفساد»(46).

[ 337 ]

 

5 ـ شرائط وجوب صلاة الجمعة

لا شكّ في وجوب أن يكون إمام الجمعة ـ ككل إمام جماعة ـ عادلا إضافة إلى شروط إضافية وقع خلاف فيها وفي وجوب توفّرها.

وقد ذهب البعض أنّ هذه الصلاة من وظائف الإمام المعصوم ونائبه الخاصّ، أو بتعبير آخر أنّها ـ أي صلاة الجمعة ـ من شؤون عصر حضور الإمام المعصوم.

هذا في وقت يرى عدد كبير من المحقّقين أنّ حضور الإمام المعصوم شرط للوجوب التعييني لصلاة الجمعة، وليس شرطاً في الوجوب التخييري، حيث يمكن إقامة صلاة الجمعة في زمان الغيبة بدلا عن صلاة الظهر، وهذا هو الحقّ، بل إنّه إذا قامت الحكومة الإسلامية بشرائطها من قبل النائب العامّ للإمام المعصوم (عليه السلام). فالإحتياط هو أن يُنصَب إمام الجمعة من قبل نائب الإمام ويشارك المسلمون في هذه الصلاة.

ثمّة كلام كثير في هذا الصدد وفي باقي الاُمور المرتبطة بصلاة الجمعة، غير أنّ بعضها خارج عن موضوع التّفسير ويدخل في إطار البحوث الفقهية والحديث(47).

اللهمّ، وفّقنا لأن ننتفع كأحسن ما يكون الإنتفاع لتزكية النفوس بهذه الشعائر الإسلامية العظيمة. وإنقاذ المسلمين من قبضة الأعداء.

ربّنا، اجعلنا من المشتاقين للقائك، الذين لا يخافون من الموت، اللهمّ لا تسلبنا نعمة الإيمان بأنبيائك والتعلّم منهم والإقتداء بهم أبداً.

آمين ربّ العالمين.

نهاية سورة الجمعة

* * *

[ 339 ]

 




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21336464

  • التاريخ : 28/03/2024 - 22:46

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net