القنوت في فقه الشيعة
القنوت في فقهنا جزء مستحب مؤكد من صلاة الفريضة والنافلة ، ويدعو المصلي فيه بالمأثور أو بما جرى على لسانه ، لنفسه أو للمؤمنين ولو بأسمائهم ، ولا يجوز الدعاء على المؤمنين ولا لعنهم . ويجوز أن يدعو على أئمة الكفر والنفاق ولو بأسمائهم ، ويجوز أن يلعنهم ..
قال المحقق الحلي المتوفي سنة 624 في المعتبر ج 2 ص 238 :
( اتفق الأصحاب على استحباب القنوت في كل صلاة فرضاً كانت أو نفلاً مرةً ، وهو مذهب علمائنا كافة ، وقال الشافعي : يستحب في الصبح خاصة بعد الركوع ، ولو نسيه سجد للسهو لأنه سنة كالتشهد الأول ، وفي سائر الصلاة إن نزلت نازلة قولاً واحداً ، وإن لم تنزل فعلى قولين . وبقوله قال أكثر الصحابة ، ومن الفقهاء مالك قال: وفي الوتر في النصف الأخير من رمضان لا غير . وقال أبوحنيفة : ليس القنوت بمسنون بل هو مكروه إلا في الوتر خاصة فإنه مسنون . وقال أحمد : إن قنت في الصبح فلا بأس ، وقال : يقنت أمراء الجيوش .
لنا : أن القنوت دعاء فيكون مأموراً به لقوله تعالى أدعوني أستجب لكم وقوله وقوموا لله قانتين ، ولأن الدعاء أفضل العبادات فلا يكون منافياً للصلاة ،وما رواه أحمد بن حنبل عن الفضل بن عباس قال ( قال رسول الله(ص) : الصلاة مثنى مثنى ، وتشهد في كل ركعتين ، وتضرع ، وتخشع ، ثم تضع يديك ترفعهما الى ربك مستقبلاً ببطونهما وجهك وتقول يا رب . . ) وعن البراء بن عازب قال ( كان رسول الله(ص) لا يصلي صلاة مكتوبة إلا قنت فيها ) ورووا عن علي(ع) ( أنه قنت في الصلاة المغرب على أناس وأشياعهم ) وقنت النبي(ص) في صلاة الصبح فقال ( اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين بمكة واشدد وطأتك على مضر ورعل وذكوان وأرسل عليهم سنين كسني يوسف ) .
ومن طريق أهل البيت(ع) روايات ، منها رواية زرارة عن أبي جعفر الباقر(ع) قال ( القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية قبل الركوع ) وروى محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر(ع) أيضاً قال ( القنوت في كل ركعتين في التطوع والفريضة ) وروى صفوان الجمال قال ( صليت مع أبي عبدالله أياماً فكان يقنت في كل صلاة يجهر فيها ولا يجهر فيها ) انتهى .
وهكذا تمسك الفقه الشيعي بسنة النبي(ص) في القنوت باعتبار أنه تشريع ثابت مفتوح الى يوم القيامة ، يدعو فيه الفرد المسلم أو الحاكم المسلم إن شاء لنفسه وإخوانه ، ويدعو فيه إن شاء على المنافقين والكافرين ..
وهكذا .. أدان الأئمة من عترة النبي(ص) اتهام رسول الله من أجل تبرئة الملعونين على لسانه ! وتمسكوا بشهادة الله سبحانه بحق نبيه وما ينطق عن الهوى .. إن هو إلا وحي يوحى واعتقدوا بأن النبي لا يمكن أن يلعن غير المستحق ..بل تدل الروايات عن الأئمة من أهل البيت(ع) على أن لعنة الأنبياء أو بعض أنواعها تجري في ذرية الملعون ..! لأن اللعن لا يصدر منهم إلا بعد علمهم بنضوب الخير من الملعون ومن صلبه ! فقد روى الكليني في الكافي ج 5 ص 569 ( عن سدير قال : قال لي أبو جعفر ـ الإمام محمد الباقر (ع) ـ : يا سدير بلغني عن نساء أهل الكوفة جمال وحسن تبعل ، فابتغ لي امرأة ذات جمال في موضع ، فقلت : قد أصبتها جعلت فداك ، فلانة بنت فلان ابن محمد بن الأشعث بن قيس . فقال لي : يا سدير إن رسول الله(ص) لعن قوماً فجرت اللعنة في أعقابهم الى يوم القيامة ! وأنا أكره أن يصيب جسدي جسد أحد من أهل النار ! ) انتهى .
وفي مجمع البيان في تفسير قوله تعالى لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم وقال أبوجعفر(ع) أما داود(ع) فإنه لعن أهل أيلة لما اعتدوا في سبتهم ، وكان اعتداؤهم في زمانه ، فقال اللهم ألبسهم اللعنة مثل الرداء ومثل المنطقة على الحقوين فمسخهم الله قردة ، وأما عيسى فإنه لعن الذين أنزلت عليهم المائدة ، ثم كفروا بعد ذلك ! ) انتهى .
|