00989338131045
 
 
 
 
 
 

 تحرير المسألة 

القسم : علوم القرآن   ||   الكتاب : تدوين القرآن   ||   تأليف : الشيخ علي الكوراني

تحرير المسألة

يقول علماء أصول الفقه : لا بد قبل البحث في المسألة من تحرير محل النزاع فيها .. وهو كلام علمي تماماً ، لأن خلط الموضوعات يوجب خلط الأحكام ، فلا بد من إعراب المسألة الخلافية وفك الإرتباط بين مفرداتها قبل طرحها للبحث ..

هذه هي المشكلة الأولى في مسألتنا ..

والمشكلة الثانية .. هي التهويل والكلام الفارغ عن المحتوى ..

فإذا استطعنا في هذه الدراسة أن نبتعد عن هاتين المشكلتين ، نكون توفقنا بعون الله تعالى الى تقديم بحث علمي نافع للمسلمين حول القرآن الكريم ، الركن الأهم والثقل الأكبر في الإسلام ، والى نفي تلك التهمة الكاذبة عن مذهب أهل بيت النبي(ع) الذين أوصى بهم النبي(ص) جنباً الى جنب القرآن .

إن البحث في موضوع مقدس كالقرآن، وفي مسألة قرآنية خطيرة كمسألتنا .. يوجب على الباحث الذي يحترم نفسه وقلمه ، أن يراعي الأصول التالية :

أولاً: معرفة نوع المسألة ، وهل هي مسألة علمية محضة أم مسألة عملية ؟ هل المشكلة أنه توجد في مصادر المسلمين وبطون الكتب روايات تتنافى مع صيانة القرآن وسلامته ؟ أم المشكلة أن أناساً منهم يعتقدون بتحريف القرآن ، لكي نثبت لهم سلامته وندعوهم الى الإيمان به ؟

ثانياً : العدالة في النظر الى الروايات الواردة في مصادر الشيعة والسنة معاً . أما أن يرى الكاتب الروايات التي في مصادر الشيعة ويغمض عينيه عما في مصادر السنة ، كما فعل الكتَّاب الجُدُد الذين وجهوا التهمة الى الشيعة في عصرنا .. فهذا عَمَلٌ لا ينسجم مع العدالة والموضوعية .

ثالثاً : التتبع الواسع للروايات وتحري الدقة في نقلها وتحليلها والإستنتاج منها .

وإذا راعينا هذه الأصول في مسألتنا ، نجد أن واقعها ليس أكثر من وجود روايات في مصادر الشيعة تقول بنقص القرآن .. وفي مقابلها توجد روايات في مصادر السنة تقول بنقص القرآن، وروايات أخرى تقول بزيادته ، وروايات أخرى تجوِّز التصرف في نص القرآن.

وإذا نظرنا الى واقع المسلمين الشيعة والسنة نجدهم مجمعين والحمد لله على صحة نسخة القرآن الموجودة في طول بلاد الشيعة وعرضها ، وطول بلاد السنة وعرضها ، لا يعرفون قرآناً غيرها .

فكيف يصح لكاتب والحال هذه أن يصدر حكمه ويقول : إن الطائفة الفلانية يعتقدون بالأمر الفلاني أو لا يعتقدون به ، فإن كلمة ( يعتقدون ) تعني أن ذلك الأمر موجود في مصادرهم ويقبله علماؤهم ويعتقدون به ويُدَرِّسُونه لعوامهم ، فهو من عقائدهم المعاشة في مجتمعاتهم ، كعقيدة الإمامة، وانتظار الإمام المهدي(ع) ، عند الشيعة .

إن الفرق كبير بين وجودمطلب في مصادرطائفة من المسلمين، وبين أن يكون مقبولاً عند بعض علمائها أو كلهم .. وحتى لو كان مقبولاً عند بعض العلماء فلا يعني ذلك أنه صار من عقائد طائفتهم، إلا إذا كان أولئك العلماء باعتراف الطائفة ممثلين لمذهبها .

فطبيعة المشكلة إذن نظرية محضة لا عملية ، لأن العلماء المعاصرين من السنة والشيعة لا يأخذون بهذه الروايات ، بل يردونها أو يؤولونها .. فلا معنى لإصرار الكاتب على تحويلها إلىمشكلة عملية إلا أنه صاحب جدلٍ وهدف غير نزيه.. وهذا ما ارتكبته الكتابات التي اتهمت الشيعة بأنهم لايؤمنون بالقرآن !

فلو عكسنا القضية وقلنا إن السنة يعتقدون بتحريف القرآن ، لأن روايات التحريف موجودة في مصادرهم ، فهل يقبل ذلك منا أمثال هذا الكاتب ؟!

وإذا استخرجنا له روايات التحريف من مصادرهم وَقَبِلَهَا منا بسبب ضعفه أو جهله، فهل نكون موضوعيين في حكمنا على السنة بأنهم يعتقدون بتحريف القرآن ؟

كلا ، إن غاية ما نستطيع قوله : إنه توجد في مصادرهم روايات تدل على تحريف القرآن ، ولا ندري موقف علمائهم المعاصرين منها ، فقد يقبلونها وقد لا يقبلونها ..

ثم إذا قبلوها وأولوها بتأويلات لا تتنافى باعتقادهم مع صيانة القرآن ، فهل يصح التهريج عليهم بأنكم اعتقدتم بتحريف القرآن وخرجتم بذلك عن الإسلام .. الى آخر الأحكام التي أصدرها على الشيعة خصومهم ؟!

مثلاً ، يعتقد الشيعة بأن القرآن نزل من عند الواحد ، على حرف واحد ، على نبي واحد .. على حد تعبير أئمتنا من أهل بيت النبي(ص) ، ويعتقد إخواننا السنة أنه نزل على سبعة أحرف ، يعني بسبعة أشكال ، والأشكال السبعة كلها قرآنٌ منزل . أو نزل بأحرف على عدد لغات العرب .. وكلها قرآنٌ منزل !

وعندما تسألهم : هل القرآن واحد أو متعدد ؟ يجيبون : هو واحد .

تسألهم : كيف قلتم إنه نزل سبعة ؟!

يقولون : نعم ، هو واحد ، ولكن سبعة !

فهل يصح أن نُهَوِّل عليهم ونقول إنكم لا تعتقدون بالقرآن الواحد ، وتعتقدون بأنه سبعة قرائين ؟

كلا ، إنها شبهة عرضت لهم بسبب تبني الخليفة عمر لهذا الرأي وتفسيره الأحرف السبعة التي وردت في حديث النبي(ص) بأن معاني القرآن سبعة أقسام ، ففسرها الخليفة عمر بألفاظ القرآن وأنه نزل من عند الله تعالى سبعة أشكال ، ويجوز للمسلم أن يقرأه بأي شكل منها.. فوقعوا في مشكلة أن الواحد سبعة والسبعة واحد !

إن مسألة القرآن أكثر دقة وتفصيلات ، وعلى الباحثين في العقائد أن يلتفتوا جيداً إلى أنه لا يصح التبسيط في الأمر المركب ، ولا الحكم على صوره وحالاته بالجملة، بل يجب تشخيص الحالة بدقة ، ثم إصدار الحكم على قدرها .

ومثال آخر أكثر وضوحاً :

هل يقبل هؤلاء الكتاب الذين أصدروا حكمهم علىالشيعة بأنهم يعتقدون بتحريف القرآن ، أن يؤلف باحث شيعي كتاباً يقول فيه إن السنيين يؤمنون بنبوة عمر بن الخطاب ولا يؤمنون بنبوة نبينا محمد(ص) ؟! ثم يسوق لذلك روايات من صحاحهم المعتمدة تذكر أن النبي كان يرى رأياً وعمر يرى رأياً ، ثم ينزل القرآن مخطئاً رأي النبي ومؤيداً رأي عمر ! أو أن النبي كان يخطئ الخطأ الفاحش فيستنكر ذلك عمر وينهاه عنه ، فيتدارك النبي أخطاءه ويصحح مواقفه بتسديد عمر ! ثم يسرد لذلك مجموعة شواهد .. مثل مسألة أسرى بدر ، ومسألة حجاب نساء النبي، ومسألة أمر النبي المزعوم للمسلمين أن يذبحوا جمالهم في مؤتة ، ومسألة أمر النبي المزعوم بقطع نخيل خيبر وكروم الطائف فنهاه عمر .. الخ !

حتى أن بعض محبي الخليفة ألفوا كتباً ونظموا قصائد في موافقات الله تعالى لعمر ، يعنون بذلك نزول القرآن أو الوحي بتخطئة رأي النبي(ص) وتأييد رأي عمر !!

والأعظم من ذلك أنه عندما تقع مواجهة بين عمر والنبي(ص) كما حدث في طلب النبي من الحاضرين في مرض وفاته أن يأتوه بدواة وقرطاس ليكتب لهم وصيته لتأمينهم مدى الأجيال من الضلال ، فعارض ذلك عمر وأيده أكثر الحاضرين حتى غلبوا النبي ومنعوه من كتابة وصيته !!

وإلى يومنا هذا يقف إخواننا السنة الى جانب عمر ويبررون عمله ، ولعلهم يخطئون النبي كيف طلب الورق والدواة لكتابة وصيته ، وأراد أن يؤمن أمته من الضلال !!

هل يصح أن نجعل من ذلك مشكلة عملية مع إخواننا السنيين وندعوهم الى الإيمان بنبوة نبينا محمد(ص) ، وترك القول بنبوة عمر ؟!

وإذا قال لنا علماء السنة : إنا نشهد أن لا إله الا الله وأن محمداً رسول الله، ولا نقول بنبوة عمر ، بل نرى أن عمر فرد من المسلمين ، يجب عليه أن يكون مطيعاً للنبي إطاعة كاملة !

فهل يصح منا أن نصر عليهم ونقول لهم : كلا لا نقبل منكم ؟!

تلك هي مشكلتنا مع هؤلاء الباحثين الجدد الذين رفعوا في هذه السنوات راية عدم إيمان الشيعة بالقرآن ، بسبب أنه توجد في مصادرهم روايات تقول بحذف آيات منه نزلت في حق أهل البيت(ع) !




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21336108

  • التاريخ : 28/03/2024 - 20:15

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net