00989338131045
 
 
 
 
 
 

 حقيقتان مهمّتان 

القسم : علوم القرآن   ||   الكتاب : سلامة القرآن من التحريف   ||   تأليف : مركز الرسالة

حقيقتان مهمّتان

إنّ قيل: إنّ الروايات التي ظاهرها نقصان القرآن، أو وجود اللحن فيه، مخرّجةٌ في كتب الصحاح عن بعض الصحابة، وإنّ تكذيبها وإنكارها قد يوجب الطعن في صحّة تلك الكتب، أو في عدالة الصحابة. نقول:

أولاً: إنّ القول بصحّة جميع الاَحاديث المخرّجة في كتابي مسلم والبخاري ـ وهما عمدة كتب الصحاح ـ وأنّ الاَُمّة تلقّتهما بالقبول، غير مسلّم، فلقد تكلّم كثير من الحفاظ وأئمة الجرح والتعديل في أحاديث موضوعةٍ وباطلةٍ وضعيفةٍ، فتكلّم الدارقطني في أحاديث وعلّلها في (علل الحديث)، وكذلك الضياء المقدسي في (غريب الصحيحين)، والفيروز آبادي في (نقد الصحيح) وغيرهم، وتكلّموا أيضاً في رجال رُوي عنهم في الصحيحين، وهم مشهورون بالكذب والوضع والتدليس. وفيما يلي بعض الارقام والحقائق التي توضّح هذه المسألة بشكل جليّ:

1 ـ قد انتقد حفّاظ الحديث البخاري في 110 أحاديث، منها 32 حديثاً وافقه مسلم فيها، و 78 انفرد هو بها.

2 ـ الذي انفرد البخاري بالاخراج لهم دون مسلم أربعمائة وبضعة وثلاثون رجلاً، المتكلّم فيه بالضعف منهم 80 رجلاً، والذي انفرد مسلم بالاخراج لهم دون البخاري 620 رجلاً، المتكلّم فيه بالضعف منهم 160 رجلاً.

3 ـ الاَحاديث المنتقدة المخرّجة عندهما معاً بلغت 210 حديثاً، اختصّ البخاري منها بأقلّ من 80 حديثاً، والباقي يختصّ بمسلم.


الصفحة 56
4 ـ هناك رواة يروي عنهم البخاري، ومسلم لا يرتضيهم ولا يروي عنهم، ومن أشهرهم عكرمة مولى ابن عباس.

5 ـ وقع في الصحيحين أحاديث متعارضة لا يمكن الجمع بينها، فلو أفادت علماً لزم تحقّق النقيضين في الواقع، وهو محال، لذا أنكر العلماء مثل هذه الاَحاديث وقالوا ببطلانها.

وقد نصّ ببعض ما ذكرناه أو بجملته متقدّمو شيوخهم ومتأخروهم، كالنووي والرازي وكمال الدين بن الهمّام، وأبي الوفاء القرشي، وأبي الفضل الاَدفوي، والشيخ عليّ القاري، والشيح محبّ الله بن عبد الشكور، والشيخ محمّد رشيد رضا، وابن أمير الحاج، وصالح بن مهدي المقبلي، والشيخ محمود أبو ريّة، والدكتور أحمد أمين، والدكتور أحمد محمّد شاكر وغيرهم، معترفين ومذعنين بحقيقة أنّ الاَُمّة لم تتلقَّ أحاديث الصحيحين بالقبول، أو أنّه ليس من الواجب الديني الاِيمان بكلّ ما جاء فيهما، فتبيّن أنَّ جميع القول بالاجماع على صحّتهما لا نصيب له من الصحّة.

قال أبو الفضل الاَدفوي: «إنّ قول الشيخ أبي عمرو بن الصلاح: إنّ الاَُمّة تلقّت الكتابين بالقبول؛ إن أراد كلّ الاَُمّة فلا يخفى فساد ذلك. وإن أراد بالاَُمّة الذين وجدوا بعد الكتابين فهم بعض الاَُمّة. ثمّ إن أراد كلّ حديث فيهما تُلقّي بالقبول من الناس كافّة فغير مستقيم، فقد تكلّم جماعة من الحفّاظ في أحاديث فيهما، فتكلّم الدارقطني في أحاديث وعلّلها، وتكلّم ابن حزم في أحاديث كحديث شريك في الاِسراء، وقال: إنّه خلط، ووقع في الصحيحين أحاديث متعارضة لا يمكن الجمع بينها،

الصفحة 57
والقطع لا يقع التعارض فيه» (1).

وقال الشيخ محمد رشيد رضا: «ليس من أُصول الدين، ولا من أركان الاِسلام، أن يؤمن المسلم بكلّ حديث رواه البخاري مهما يكن موضوعه، بل لم يشترط أحد في صحّة الاِسلام، ولا في معرفته التفصيلية، الاطلاع على صحيح البخاري والاقرار بكلّ ما فيه» (2).

فاتّضح أن ما يروّجه البعض من دعوى أنّ أحاديث نقصان القرآن ووجود اللحن فيه، مخرجةٌ في الصحاح، ولا ينبغي الطعن فيها، ممّا لاأساس له؛ لاَنّه مخالف للاجماع والضرورة، ومحكم التنزيل، فليس كلّ حديثٍ صحيحٍ يجوز العمل به، فضلاً عن أن يكون العمل به واجباً، ورواية الاَخبار الدالّة على التحريف غير مُسلّمة عند أغلب محقّقي أهل السنة إلاّ عند القائلين بصحّة جميع ما في كتب الصحاح، ووجوب الاِيمان بكلّ ما جاء فيها، وهؤلاء هم الحشوية ممّن لا اعتداد بهم عند أئمّة المذاهب.

ثانياً: دعوى الاجماع على عدالة جميع الصحابة باطلةٌ لا أصل لها، إذ إنّ عمدة الاَدلّة القائمة على عدالتهم جميعاً ما روي أنّه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أصحابي كالنجوم، بأيّهم اقتديتم اهتديتم». وقد نصّ جمعٌ كبيرٌ من أعيان أهل السنة على أنّه حديثٌ باطلٌ موضوعٌ (3)، هذا فضلاً عن

____________

(1) التحقيق في نفي التحريف: 312.

(2) تفسير المنار 2: 104 ـ 105.

(3) أُنظر: كنز العمال 1: 198 | 1002. نظرية عدالة الصحابة: 20. الاِمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الاِمامية: 463 ـ 514 لسان الميزان 2: 117، 118، 137، 138، ميزان الاعتدال 1: 413.


الصفحة 58
معارضته للكتاب والسُنّة والواقع التاريخي، فقد نصّت كثيرٌ من الآيات القرآنية على أنّ بعض الاَصحاب ممّن هم حول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم خلال حياته، كانوا منافقين فسقة، كما في سورة التوبة وآل عمران والمنافقون، ونصّت بعض الآيات على ارتداد قسم منهم بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم كقوله تعالى: (أفَإن ماتَ أو قُتِلَ انْقَلَبْتُم على أعْقَابِكُم) (آل عممران 3: 144) ، وممّا يدلّ على ارتداد بعضهم بعده صلى الله عليه وآله وسلم حديث الحوض: «أنا فرطكم على الحوض، ولاَنازَعَنّ أقواماً ثمّ لاَُغْلَبَنّ عليهم، فأقول: يا ربِّ أصحابي. فيقال: إنّك لاتدري ما أحدثوا بعدك» (1)، وقد عدّه الزبيدي الحديث السبعين من الاَحاديث المتواترة، حيث رواه خمسون نفساً (2)، كما قامت الشواهد على جهل كثير من الاَصحاب بالقرآن الكريم والاحكام الشرعية، كما أنّ بعضهم تسابّوا وتباغضوا وتضاربوا وتقاتلوا، وحكت الآثار عن ارتكاب بعضهم الكبائر واقتراف السيئات كالزنا وشرب الخمر والربا وغير ذلك.

قال الرافعي: «لا يتوهمنّ أحدٌ أنّ نسبة بعض القول إلى الصحابة نصّ في أنّ ذلك القول صحيحٌ البتّة، فإنّ الصحابة غير معصومين، وقد جاءت روايات صحيحة بما أخطأ فيه بعضهم في فهم أشياء من القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك العهد هو ماهو» (3).

____________

(1) صحيح البخاري 9: 90 | 26 ـ 29، صحيح مسلم 1: 81 | 118 ـ 120 و 4: 1796 | 32، مسند أحمد 5: 37 و 44 و 49 و 73، سنن الترمذي 4: 486 | 2193، سنن أبي داود 4: 221 | 4686. والآية من سورة آل عمران 3: 144.

(2) التحقيق في نفي التحريف: 342.

(3) اعجاز القرآن: 44.


الصفحة 59
إذن فنسبة أحد الاَقوال الدالّة على تحريف القرآن إلى أحد الصحابة، لا تعني التعبّد به، أو التعسّف في تأويله، بل إنّ إمكانية ردّه وإنكاره قائمةٌ مادام شرط عدالة الجميع مرفوعاً.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 22381114

  • التاريخ : 13/03/2025 - 20:41

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net