00989338131045
 
 
 
 
 
 

 القسم الخامس 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التفسير البنائي للقرآن الكريم ـ الجزء الاول   ||   تأليف : الدكتور محمود البستاني

                                             القسم الخامس

 

لقد خُتِم القسم السابق من السورة بالآية التي تقول: (فاذكروني

 

______________________________________________________

الصفحة 86

 

أذكركم، واشكروا لي ولا تكفرون). وقد جاء هذا الختام تعقيباً على رسالة محمد ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فيما خاطب الله تعالى المؤمنين بأنه قد بعث فيهم رسولاً يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة، وطالب في سياق ذلك بأن (يذكر) المؤمنون (الله تعالى) ليذكرهم أيضاً، وطالبهم بالشكر له تعالى وبعدم الكفران. هذه المطالبة ستجد أصداءها في القسم الجديد من السورة الكريمة، حيث يقدّم لهم النص نماذج من السلوك الذي ينبغي أن يختطه المؤمنون، بحيث تجسّد هذه النماذج من السلوك مصداقاً للذكر والشكر وعدم الكفران. ولنقرأ:

 

المقطع الأول

 

(يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة، إن الله مع الصابرين * ولا تقولوا لمن يُقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون * ولنبلُونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص في الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) [البقرة: 153 ـ 157].

وقد انتخب النص في هذا المقطع جملةً من الممارسات العبادية التي تنطوي على أهمية كبيرة، وفي مقدمتها: (الصبر)، ومن الواضح أن الصبر أحد جوهر السلوك البشري الذي يقوم على (تأجيل الشهوات)، ما دام الإنسان أساساً يتحرك وفق صراع بين الخير والشر أو بين العقل والشهوة، بحيث يعتبر (الصبر) هو الفعل الذي يكبح جماح الشر أو الشهوة، لذلك ركّز المقطع على (الصبر) من خلال تقديمه على سائر الممارسات، ثم من خلال تكرار الحديث عنه ثلاث مرات (استعينوا بالصبر) (إن الله مع الصابرين) (وبشّر الصابرين). أما (الصلاة) فلا نحتاج إلى التعقيب على أهميتها ما دامت عموداً

 

______________________________________________________

الصفحة 87

 

لكل الممارسات العبادية (وقد مهّد لها النص في مواقع سابقة: من خلال القبلة كما لحظنا). فضلاً عن أنها (طاعة) تتطلب الصبر أيضاً، لأن الصبر على نمطين: صبر على مصارعة الشهوة وصبر على ممارسة الطاعة. ويُلاحَظ أن النص قد انتخب بعد ذلك مفردات من السلوك الذي يجسّد قمة الصبر، مثل: الاستشهاد في سبيل الله تعالى، ومثل النقص في الأنفس والأموال والثمرات، فهذه حاجات أو دوافع تعدّ في القمة من سلّم الحاجات مثل: الحاجة إلى الحياة، الحاجة إلى الأمن، الحاجة إلى الطعام، الحاجة إلى المال. وحينئذٍ يكون الصبر حيالها ـ أي في حالة عدم إشباعها ـ تجسيداً للسلوك المطلوب عبادياً.

ويلاحظ أن النص قد ألحق بهذه الممارسات المصحوبة بالصبر، ممارسة عبادية تتصل بأحد مناسك الحج ألا وهو السعي بين الصفا والمروة، (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما، ومن تطوّع خيراً فإن الله شاكراً عليم) [البقرة: 158]. ترى: ما هو الموقع العضوي لهذه الممارسة الفرعية لأحد مناسك الحج؟ ينبغي ألا نغفل أولاً أن القسم الرابع من السورة قد تكفل ببيان بعض مناسك الحج مثل الطواف وصلاة الطواف. وعندما يطرح النص ـ في القسم الخامس من السورة ـ منسكاً آخر هو: (السعي)، حينئذ يكون قد استكمل أهم عناصر الحج المشتركة بينه وبين العمرة، حيث يظل الطواف وصلاته والسعي عناصر مشتركة بين العمرة والحج. طبيعياً، إن طرح الموضوعات بنحو متناثر يتوزّع بين أجزاء النص، يظل واحداً من أبرز معالم البناء الفني، وهو ظاهرة فنية توفّر عليها النص القرآني ـ كما كررنا، مثلما اهتدى إلى أهميتها أدباء الأرض المعاصرون في أعمالهم الروائية والمسرحية والشعرية. بيد أن المهم هو ملاحظة السياق العضوي لمثل هذا الطرح، ونحن حين نتأمل ظاهرة (السعي) في هذا المقطع نجدها قد وردت في سياق التأكيد على مفهوم (الصبر) حيث يجيء (السعي)

 

______________________________________________________

الصفحة 88

 

بالقياس إلى الطواف وركعتيه عملاً أشدّ جهداً منهما كما هو واضح، بخاصّة أن النص قد أردف المطالبة بالسعي الواجب، المطالبة بالسعي المندوب مما يتطلب مزيداً من الجهد، ومن ثم مزيداً من الصبر على الطاعة.

ويُلاحظ أن النص عقّب على هذه المطالبة بالسعي قائلاً (ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم)، بمعنى أنه تعالى يثمّن هذا العمل المصحوب بالجهد وبالصبر، وهذا التثمين الذي هو (شكر) من الله تعالى يظل ربطاً عضوياً بين نهاية القسم الرابع من السورة القائل (أذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون) وبين هذا القسم من السورة حيث يجيء الشكر (مقابلاً) لعبارة (اذكروني أذكركم)، وها هو تعالى (يذكر) عبده من خلال التثمين، من خلال الشكر له مقابل ذكر العبد وشكره لله تعالى.

 

المقطع الثاني

 

بعد عرض النص لجانب من الممارسات العبادية، يتّجه إلى عرض جوانب أخرى: لكن من خلال العرض للسلوك السلبي المضادّ لمفهومات (الذكر) و(الشكر) و(عدم الكفران) وهي المفهومات التي تكفّل القسم الخامس من السورة ببيانها، حيث قلنا أن الآية التي ختم بها القسم الرابع من السورة تشكّل (تمهيداً) عضوياً لما يطرح لاحقاً، مضافاً إلى كونها (ختاماً) للقسم المشار إليه بالنحو الذي أوضحناه في حينه ونعني بها آية (اذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون)... إذن: لنستعرض الموضوعات المطروحة في المقطع الجديد:

(إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلاّ الذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم * إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين * خالدين فيها لا يخفف عنهم

 

______________________________________________________

الصفحة 89

 

العذاب ولا هم يُنظرون) [البقرة: 159 ـ 162].

 

المُلاحظ أن هذا المقطع ركّز على ظاهرة (كتمان الحق) ـ وهي ظاهرة سبق أن طرحها النص في أكثر من موقع، منها: عند حديثه عن الإسرائيليين في القسم الثالث من السورة، ومنها: عند حديثه عن الكتابيين وموقفهم من إبراهيم ـ عليه السلام ـ فيما طالب ببعث رسول يتلو على الناس آيات الله تعالى ويعلّمهم الكتاب والحكمة مطلقاً في القسم الرابع من السورة، وها هو يطرحها في القسم الخامس: تأكيداً منه تعالى على خطورة كتمان الحقائق التي بشّرت بها الكتب السابقة أو الأنبياء السابقون: إبراهيم، موسى، عيسى... ومن الطبيعي أن يجيء التكرار لهذه الظاهرة ـ في كل موقع ـ متناسباً مع سياق الموضوعات المطروحة فيه، حيث لحظنا أن كتمان الحق جاء مرة في سياق عرض سلسلة السلوك الإسرائيلي، وأخرى في سياق الحديث عن إبراهيم عليه السلام، وها هو يجيء الآن في سياق الذكر والشكر وعدم الكفران (اذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون) حيث تكفّل المقطع الذي نتحدث عنه ببيان موارد عدم الذكر والشكر والكفران، وحيث شدّد النص من خلاله على فئة المشركين، بعد أن كانت الأقسام السابقة تركز على فئتي الإسرائيليين والمسيحيين... وبهذا يكون النص قد ربط من جانب بين أقسام السورة التي تتحدث عن ظاهرة خاصة هي (كتمان الحق)، ويربط من جانب آخر بين فئات الكفار إسرائيليين ونصارى ومشركين، فيما يبدأ هذا المقطع الذي نتحدث عنه بعرض جانب جديد من سلوكهم، بعد أن يمهّد له بالحديث عن التوحيد وقدرات الله تعالى الإبداعية:

(وإلهكم إله واحد لا إله إلاّ هو الرحمن الرحيم * إنّ في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماءٍ فأحيا به الأرض بعد موتها وبثّ فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخّر بين السماء والأرض لآيات

 

______________________________________________________

الصفحة 90

 

لقوم يعقلون * ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحبّ الله والذين آمنوا أشدّ حبّاً لله، ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أنّ القوة لله جميعاً وأن الله شديد العذاب * إذ تبرأ الذين اتبِعوا من الذين اتّبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب * وقال الذين اتّبعوا لو أن لنا كرَّة فنتبرّأ منهم كما تبرّأوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار * يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيّباً ولا تتّبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوّ مبين * إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون * وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل الله قالوا: بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا أوَلو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون * ومَثَلُ الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون * يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله إن كنتم إيّاه تعبدون * إنما حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهِلّ به لغير الله فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم * إنّ الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلاّ النار ولا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم * أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار * ذلك بأن الله نزّل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد * ليس البر أن تولوا وجوهكم قِبَل المشرق والمغرب ولكنّ البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) [البقرة: 163 ـ 177].

إن هذا المقطع ينطوي على أسرار بنائية مدهشة وممتعة كل الدهشة والإمتاع، إنّه يُحكم بين أقسام السورة وموضوعاتها بنحو معجز، ويصوغ

 

______________________________________________________

الصفحة 91

 

خطوطاً هندسية تتقابل فيما بينها بنحو يثير الدهشة والإمتاع كما قلنا، مضافاً إلى أنه قد اعتمد عنصر (الصورة الفنية) في بلورة الموضوعات، مما أضفى جماليةً جديدة على النص، فيما نبدأ الآن بتفصيل الحديث عن هذه المستويات من الصياغة الفنية للمقطع.

1 ـ جاء هذا القسم من السورة خاصاً بمخاطبة المؤمنين.

2 ـ جاء هذا القسم مركزاً على المفهومات (الذكر والشكر وعدم الكفران).

3 ـ جاء المقطع الذي نتحدث عنه رابطاً بين موضوعات القسم الخامس وبين الأقسام السابقة واللاحقة أيضاً.

4 ـ جاء الطرح الجديد للموضوعات وفق نسق هندسي يجمع بين مخاطبة المؤمنين (بصفتهم موضوعاً لهذا المقطع) وبين قطع سلسلة هذا الموضوع بعرض شرائح من سلوك الكافرين: كتابيين ومشركين، بحيث جاء هذا الجمع بين المخاطبة للمؤمنين وبين عرض السلوك للكافرين، وفق نسق هندسي ممتع على النحو التالي:

ـ التناوب بينهما: أي تجيء آية أو آيتان تخاطب المؤمنين، ثم تجيء مثلها في عرض السلوك المنحرف، وهكذا يتكرر هذا النسق عدة مرات بحيث يشكل بناءً عمارياً تتقابل خطوطه على النسق المذكور.

ـ التناوب بين الضمائر: وقد واكب هذا التقابل أو التوازي بين الخطوط تقابل بين ضميري (المخاطبة) و(الغائب)، بحيث جاء كل حديث عن المؤمنين بصيغة (المخاطب)، وكل حديث عن المنحرفين بصيغة الغائب، على هذا النحو:

ـ مخاطبة المؤمنين: وإلهكم إله واحد...الخ. ـ ضمير المخاطب

يا أيها الناس: كلوا حلالاً....الخ. ـ ضمير المخاطب

 

______________________________________________________

الصفحة 92

 

يا أيها الذين آمنوا: كلوا مما...الخ. ـ ضمير المخاطب

 

ـ عرض سلوك المنحرفين

 

ومن الناس من يتخذ من دون الله...الخ. ـ ضمير الغائب

وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله...الخ. ـ ضمير الغائب

إن الذين يكتمون ما أنزل الله...الخ. ـ ضمير الغائب

ولعل المسوّغ الفني لهذا التنوع في الضمائر، فضلاً عن كونه مائزاً بين فئتين: مؤمنة ومنحرفة. يتمثل في أن هذا المقطع أو هذا القسم مخصص أساساً للتركيز على المؤمنين مقابل ما لحظناه في القسم الخاص بالإسرائيليين مثلاً حيث جاءت صيغ الحديث عنهم يغلب عليها طابع (المخاطبة) أيضاً، مضافاً إلى أن الحديث عن المنحرفين ما دام ثانوياً من جانب وما دام حديثاً عن غائبين لا يوجه الخطاب إليهم من جانب آخر، يتطلب صيغة (الغائب)، وبملاحظة أمثلة هذه المسوغات يمكننا أن نتبيّن جملة من أسرار البناء المذكور.

لكن، يُلاحظ أيضاً أن الآية الأخيرة في المقطع قد جاءت بضمير المخاطب مع أنها تتحدث عن الكتابيين وتحدثت عن الطاعات بضمير الغائب، أي على عكس ما سبق: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيّين...الخ)، فما هو السرّ الفنّي في ذلك؟ الذي نحتمله فنياً، إن موضوع القبلة الذي احتلّ مساحة كبيرة في القسم الرابع من السورة (ما ولاّهم عن قبلتهم) (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها) (فلنولينك قبلة ترضاها) (ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم) (فولّ وجهك شطر المسجد الحرام) (وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره) الخ، هذه الآيات التي تكرر فيها موضوع القبلة عشر مرات في مقطع واحد، تحمل سرّاً فنيّاً دون أدنى شك. إنها تؤكد أهمية القبلة من جانب، ولكنها

 

______________________________________________________

الصفحة 93

 

تناقش الكتابيين في مجادلاتهم التي هي إلى الشكل أقرب منها إلى المضمون حيث وصفهم النص بكونهم (سفهاء) لا يفقهون الجوهر بقدر ما يتمسكون بالقشر حيث تساءلوا عن المسلمين قائلين: (ما ولاّهم عن قبلتهم) أي أن عملية (التحويل) من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام هي التي استأثرت باهتمام السفهاء وليس القبلة بما هي توجّه إلى الله تعالى، وهذا هو عين السفاهة التي وصَفهم بها النص. وبما أن النص (في عملية إحكام البناء الهندسي) يصل بين أقسام السورة في كل قسم جديد منها، حينئذٍ وصَل بين موضوع القبلة في القسم الرابع وبين موضوعها في القسم الخامس الذي خُتِم بها، ليكون خيط وصلٍ أيضاً بين الأجزاء اللاحقة من النص مضافاً إلى الأجزاء السابقة، لذلك (أي لأهمية هذا الموضوع: القبلة التي أثار الكتابيون لغطاً كثيراً حيال تحويلها) توجّه النص بمخاطبتهم قائلاً (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البرّ من آمن بالله واليوم الآخر...الخ).

وهذا يعني أن النص يستهدف لفت نظر الكتابيين إلى جوهر مبادئ الله تعالى وليس إلى شكلها مثل (الإيمان بالله واليوم الآخر) (إيتاء المال على حبه تعالى) (إقامة الصلاة) (إيتاء الزكاة) (الوفاء بالعهد) (الصبر في البأساء والضرّاء وحين البأس)، هنا ينبغي أن نلحظ الموقع الهندسي لهذا الختام الذي تمثله آية (ليس البر...الخ) فهو من جانب سيشكّل (تمهيداً) للقسم السادس من السورة، حيث يتكفل هذا القسم ببيان جملة من الأحكام الشرعية (القصاص) (الوصية) (الصوم) (الحج) (الجهاد) الخ كما سنرى، وهو من جانب آخر يشكل (نهاية) للقسم الخامس الذي استُهل بظاهرة (الصبر) (يا أيها الذين آمنوا: استعينوا بالصبر...) وختم بظاهرة الصبر أيضاً (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البرّ من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيّين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا،

 

______________________________________________________

الصفحة 94

 

والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون)... فهذا (الختام) عن (الصبر) في حالات ثلاث البأساء، الضراء، حين البأساء، يتناسب مع (البداية) التي استُهل بها القسم، ومع (الوسط) الذي كرّر أهمية الصبر في فقرات من نحو: (وبشّر الصابرين) (إن الله مع الصابرين)...الخ. حيث يكشف مثل هذا التلاحم بين (أوّل) القسم و(وسطه) و(نهايته) عن قمة الإحكام الهندسي للنص من حيث علاقة أجزائه بعضها مع الآخر بالنحو الذي لحظناه. هذا إلى أنه ينبغي التذكير بأن هذا الترابط بين أجزاء القسم قد واكبه ترابط بين الأقسام السابقة (مثل القسم الرابع والثالث في علاقتهما بالحديث عن الكتابيين) وبالقسمين الأول والثاني أيضاً من حيث كون ظاهرة (التقوى أو الاتقاء) والظاهرة (إحياء الموتى) تشكّلان محوراً فكرياً تتخلل السورة في معظم أجزائها ـ كما لحظنا، وحيث خُتم القسم الخامس بعبارة (أولئك هم المتقون) فيما يشكل هذا الختام (أي: الاتقاء) عنصراً رابطاً بينه وبين الأقسام السابقة من السورة من جانب، وبينه وبين القسم الأخير من السورة بحيث يصبح (تمهيداً) لما سيطرحه هذا القسم من ظاهرة (الاتقاء) التي تتكرر عند كل موقف من مواقفه التي تتمحّض لموضوع خاص هو (الأحكام الشرعية) بالنحو الذي نبدأ بدراسته الآن، عند حديثنا عن:

 




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 22215771

  • التاريخ : 3/02/2025 - 22:03

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net