سورة البقرة
______________________________________________________
الصفحة 21
هذه السورة تُعدّ ـ كما هو واضح ـ أكبر السور القرآنية حجماً، ومن ثمَّ أكثرها تنوعاً في الموضوعات، إلاّ أنّها صيغت وفق عمارة محكمة، تترابط فيها الموضوعات وتتنامى على نحو ممتع ومدهش، فضلاً عن بنائها العضوي المتمثّل في توظيف عناصرها القصصية والصورية لإنارة الأفكار التي تنتظمها.
وهذا من حيث الهيكل الخارجي للسورة.
أما الهيكل الداخلي لها، فيمكن تقسيم ذلك إلى أقسام (رئيسة)، كل واحد منها يتضمن (مقاطع) ثانوية، وكل من الخطوط الرئيسة والثانوية تتلاقى من خلال شبكة تنتظمها جميعاً مع ملاحظة أن هناك عشرات من الظواهر أو الموضوعات أو الأفكار تجد لها مكاناً تدلف إليه ضمن هذه الخطوط وفق منحىً فني غير مباشر، مما يضفي مزيداً من الجمالية والإمتاع على عمارة السورة.
ويمكن على نحو الإجمال أن نشير إلى الخطوط (الرئيسة) من السورة وفقاً لما يلي:
1 ـ القسم الأوّل: يركّز على سلوك المنافقين، مع (تمهيد) يتناول سمات (المتّقين) حيث تظلّ السمة المشار إليها (الاتقاء ـ التقوى) أهمّ الأعصبة أو المحاور الفكرية للسورة، بحيث تُلقي بإنارتها على أقسام السورة جميعاً: بخاصّة القسم الأخير منها:
2 ـ القسم الثاني: يركّز على المولد البشري (تجربة آدم عليه السلام).
3 ـ القسم الثالث: يركّز على السلوك الإسرائيلي.
4 ـ القسم الرابع: يركّز على شخصية إبراهيم عليه السلام.
______________________________________________________
الصفحة 22
5 ـ القسم الخامس: يركّز على سمات المؤمنين.
6 ـ القسم السادس: يركّز على (الأحكام الشرعية).
طبيعياً ـ كما سبقت الإشارة ـ إنّ هذه الأقسام تتضمن موضوعات ثانوية، كما تقتحمها موضوعات طارئة تتسلل إليها بنحوٍ فني مدهش، وهي جميعاً تتلاقى فيما بينها من خلال (التمهيد) لها بموضوعات (مجانسة)، أو (التنامي) لهذه الموضوعات بحيث تنتقل من مرحلة إلى أخرى خلال المقطع أو القسم أو السورة جميعاً، أو (توزيع) هذه الموضوعات بحيث يتناول كلّ مقطع أو قسم جانباً منها يُستكمل طرحه في الأجزاء الأخرى. والأهمّ من ذلك، أن الشبكة العامة لخطوط السورة، تتواصل فيما بينها بنحو مدهش بحيث نجد أن ظاهرة (الاتقاء) مثلاً، أو ظاهرة (الإماتة والإحياء) أو غيرهما من المحاور الرئيسة للسورة لا تكاد تختفي من هذا القسم أو المقطع حتّى تبرز في موقع آخر في سياق خاص يستدعيها، والأمر كذلك بالنسبة إلى عشرات الظواهر أو الموضوعات أو الأفكار الجزئية التي تتخلل السورة، لترتبط بالخطوط الأخرى التي تنتظم شبكتها.
ولا يمكننا أن نتبيّن هذه المستويات من الإحكام الهندسي للسورة إلاّ من خلال وقوفنا عند أقسامها ومقاطعها مفصّلاً، حيث نبدأ ذلك بدراسة:
|