00989338131045
 
 
 
 
 
 

 كلمة الناسر والمقدمة 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التفسير البنائي للقرآن الكريم ـ الجزء الاول   ||   تأليف : الدكتور محمود البستاني

 

التفسير البنائي للقرآن الكريم

الدكتور محمود البستاني

الجزء الاول

 

كلمة الناشر

 

نشأت حول القرآن الكريم حركة تأليفيّة واسعة وضخمة، ابتدأت منذ قرون الإسلام الأولى، وما زالت تمضي قُدُماً في الأزمنة حتّى عصرنا الحاضر. وهي حركة تتّسم بما تتّسم به الحركات في البيئات البشريّة عادةً من تقدّم وانكفاء، ومن إبداع وتقليد، ومن تعمّق، وتسطّح، ومن اتّساع وضيق.

ولم تنحصر حركة التأليف حول القرآن في نطاق محدود من نطاقات المعرفة البشريّة، فهي متعدّدة متنوّعة تعدُّدَ هذه النطاقات وتنوُّعها. وهي حركة كثيرة النتاج كثرة ظاهرة يستغرق إحصاء أسماء المعروف من نتاجاتها عدّة مجلّدات.

ومن أبرز تيّارات الحركة التأليفيّة حول القرآن الكريم: تيّار التفسير الذي ابتدأ منذ الأيام الأولى لنزول آيات القرآن على رسول الله محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وما يزال متدفّقاً إلى الآن.

ولا ريب أنّ مناهج المفسّرين ومشاربهم ـ في قراءة المعنى والأسلوب واللفظة ـ قد تنوّعت وتعددّت؛ انطلاقاً من واقع البيئة الفكرية والتاريخية التي يعيش فيها المفسّر، وانطلاقاً من لون ثقافته ونمط اهتماماته وأبعاد أهدافه. من هنا لا تكاد تعثر على تفسيرٍ جامعٍ وافٍ يمكن الاستغناء به كلّ الاستغناء في التعرّف على كلام الله عزّ وجلّ، وفي التوصّل إلى أغواره البعيدة وآفاقه الفسيحة. بَيْد أنّك لا تَعدِم أن تجد في التفسير الصالح مساحةً مُضاءة، تقدر أن ترى من خلالها شيئاً ظاهراً أو باطناً

 

______________________________________________________

الصفحة 6

 

من أغوار هذا الكتاب الإلهيّ المقدس المُنزل للهداية وكشف الطريق والغاية.

وهذا الكتاب الذي نقدّمه الآن ـ بأجزائه الخمسة ـ هو قراءة في سور القرآن الكريم من أوّلها إلى آخرها، عُني مؤلفه بالتعرّف على بناء هيكل السورة الواحدة، من خلال ما بين أجزاء السورة من ترابط ظاهر أو خفيّ، وما بين مقاطعها من تواشج وانسجام تشكّل معه السورة وحدة متكاملة من الوجهة الفنيّة والمعنويّة. وهذا سرّ تسمية الكتاب باسم (التفسير البنائيّ).

والواقع أنّ هذا النمط من التأليف قائم على رؤية تستلهم الفن والدلالة معاً، من أجل رسم هندسة السورة وعمارتها بنائياً.. ممّا يضفي على الكتاب سمة تركيبيّة تستند إلى رؤية الوحدة من خلال الكثرة، والتوصّل إلى التوحّد عبر حالات التنوّع في المضامين.

والمؤلّف ـ بعد هذا وذاك ـ يستثمر الظواهر التعبيريّة والسياقيّة المتنوّعة التي يمرّ بها في القرآن الكريم ليصل بالقارئ إلى الإحساس بالهدف القرآنيّ في الإقبال على الحقّ والاستمساك بالصراط، وفي الحذر من مسالك الباطل ودروبه الملتوية العوجاء. من هنا يغدو (التفسير البنائيّ) مزيجاً واعياً من الهندسة البنائيّة ومن الفنّ والمعنى وإرادة التبصير، وهذه مزيّة خاصّة لهذا الكتاب.

وبعد هذا.. فإنّ (التفسير البنائيّ) واحد من المؤلّفات العديدة التي كتبها الدكتور محمود البستانيّ فيما يتّصل بالقرآن والمعارف الإسلامية. وهو يشهد له ـ فيما يشهد ـ بالجِدّة والطرافة، والالتزام بالينابيع الإسلاميّة الأصيلة. وهذا ما حدا بمجمع البحوث الإسلامية أن يتولّى نشر هذا الكتاب، في سبيل إشاعة المعارف الإسلاميّة وتوسيع نطاقها في حياة المسلمين، والله سبحانه الهادي إلى سواء الصراط.

 

مجمع البحوث الإسلاميّة

 

______________________________________________________

الصفحة 7

 

المقدمة

 

يُلاحظ أنّ الدراسات التي تناولت القرآن الكريم لم تتوفر على دراسة سُوَره من حيث العمارة التي تنتظم السورة الكريمة، أي لم تتناول السورة بصفتها مجموعة من الآيات التي ترتبط إحداها مع الأخرى. مع أن المسوّغ لمثل هذه الدراسة يفرض ضرورته على المعنيين بشؤون القرآن الكريم نظراً لكون القرآن قد انتظم في (سور) ولم يكن مجرد آيات أملتها مناسبات خاصة، وعندما تنتظم مجموعة من الآيات في سورة خاصة فلابدّ حينئذٍ من أن تكون لهذه الآيات المجتمعة في سورة دون غيرها من الآيات، لابدّ أن تكون لهذه الآيات خصوصية من حيث تناسب بعضها مع الآخر، وإلاّ لم تكن هناك ضرورة بأن يأمر النبيّ ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ كتّاب الوحي بأن يضعوا هذه الآية أو تلك في السورة الفلانية أو بجانب الآية الفلانية، كل ذلك يعني أن وضع الآيات في سورة خاصة وتحديد مكان الآية من السورة أو الآيات الأخرى، كل ذلك يعني أن السورة هي هيكل أو بناء قد خُطِطَ له بدقةٍ وإتقان، وإن لهذا التخطيط فلسفته أو نكاته الفكرية. والسرّ في ذلك هو: أن قراءة النص (أو مواجهة أية تجربة) لا تنحصر آثارها على المتلقي في جزئياتها فحسب بل أن الانطباع العام أو الأثر العام الذي تتركه القراءة لنص له أهميته أيضاً، فكما أن البحث العلمي مثلاً أو الخطبة الجماهيرية أو التحليل النفسي يراعي طبيعة الشخص وطريقة إدراكه للأمور ويخضع لقوانين خاصة في الاستجابة للأشياء مثل إدراكه للمجمل أولاً ثم للمفصل أو العكس، ومثل التدرج بمشاعره وأفكاره من

 

______________________________________________________

الصفحة 8

 

البسيط إلى المعقّد... الخ كل أولئك لها أهميتها من حيث الهدف الذي يرسمه النص، فإذا كان هدف هذه السورة القرآنية أو تلك هو: تعديل سلوك الإنسان بالنسبة إلى علاقته مع الآخرين مثلاً حينئذٍ فإن قراءة سورة (كالحجرات مثلاً) سوف تترك أثراً عاماً بعد الانتهاء من قراءتها بنحو قد لا يتحسّسه القارئ، ولكن النص نظراً لمعرفته بطرائق التأثير، حينئذ فإنه يسلك أساليب خاصة من حيث التقديم والتأخير لهذه الآية أو تلك أو لهذا الموضوع أو ذاك، ومن حيث طرحه وفق أسلوب الرغبة أو الرهبة أو...الخ، ليتحقق من خلال ذلك هدفه الفكري في النص.

إن هذه الأسباب وغيرها تجعل لمعرفة أو لدراسة السورة القرآنية من حيث كونها عمارة خاصة ترتبط آياتها وأفكارها وموضوعاتها بعضها مع الآخر، أهمية خاصة ومن ثم فإن هذه الأسباب دفعتنا إلى محاولة دراسة القرآن الكريم من خلال العمارات التي تنتظم سوره. طبيعياً، إن تناول السورة القرآنية الكريمة من حيث عمارتها يتمّ وفق أسلوبين أحدهما: الوقوف عند السمات الفكرية أو الموضوعية التي تربط الآيات بعضها مع الآخر، والثاني: الوقوف عند السمات (الفنية) أيضاً، أي ملاحظة مجموع السورة من حيث بدايتها ووسطها ونهايتها من جانب، ثم علاقة كل آية بما سبقها ولحقها من جانب ثانٍ، ثم (وهذا هو المائز الملحوظ بين الدراسة الفنية وغيرها) ملاحظة العناصر القصصية واللفظية والصورية والإيقاعية وغيرها من العناصر التي تنتظم النصوص الأدبية وتميّزها عن النص العلمي الصرف، ملاحظة هذه العناصر ومدى إسهامها في عملية الربط بين أجزاء السورة، ثم كيفية توظيفها من أجل إنارة الفكرة التي يتضمنها النص.

إن الدراسة التي توفّرنا عليها تُعنى بالسمات (الفنية) إلى جانب السمات الفكرية، حيث لا ينفصل أحدها عن الآخر، وقد حاولنا ـ ما أمكن ـ أن نبرز

 

______________________________________________________

الصفحة 9

 

(الوحدة العامة) التي تحكم السورة، حيث يُنظر إليها من زوايا متنوعة، منها:

1 ـ من حيث الموضوعات والأهداف: فالسورة الكريمة تتخذ أحد الأبنية الآتية من حيث علاقة موضوعاتها بالأفكار المطروحة فيها:

ـ وحدة الفكرة ووحدة الموضوع ـ وحدة الفكرة وتعدد الموضوع ـ وحدة الموضوع وتعدد الفكرة ـ تعدد الفكرة وتعدد الموضوع، ومنها:

2 ـ من حيث الأشكال: تتخذ السورة واحداً من الأبنية التالية:

ـ البناء الأفقي، وهو أن تبدأ السورة بموضوع وتختم بالموضوع ذاته عبر سلسلة من الموضوعات المتنوعة.

ـ البناء الطولي، وهو أن تبدأ السورة بموضوع تتدرج في عرضه، بحيث يُختم الموضوع مع نهاية السورة.

ـ البناء المقطعي، وهو أن تطرح السورة جملة من الموضوعات. تنهي كل واحدٍ منها بآية أو أكثر تتكرّر في المقاطع جميعاً، مثل: (فبأي آلاء ربكما تكذبان).

ومنها:

3 ـ من حيث العلاقات: تتخذ السورة واحدة من العلاقات الآتية:

ـ السببية: ويُقصد بها أنّ الموضوعات في السورة يترتب أحدها على الآخر على نحو (السببية) بحيث يكون الموضوع (سبباً) للاحقه، و(مسبّباً) عن سابقه.

ـ النموّ: ويقصد به أن الموضوع ينتقل أو يتحول أو يتطور من مرحلة إلى أخرى كما يتنامى النبات ويقطع مراحل متنوعة حتى يصل إلى نهاية نموّه.

ـ التجانس: ويُقصد به مجانسة كل عنصر من عناصر النص مع الآخر، أي مجانسة الموضوعات مع الأفكار بالنسبة إلى الأدوات الفنية المستخدمة

 

______________________________________________________

الصفحة 10

 

كعنصر القصة والصورة والإيقاع، و...الخ.

هذه المستويات من (الوحدة) التي تنتظم عمارة السورة الكريمة، حاولنا أن نقف عندها مفصّلاً حسب ما تقتضيه السورة ذاتها، حيث أن كل سورة تتخذ لها شكلاً خاصّاً من العمارة التي تتناسب خطوطها مع طبيعة الأفكار التي يستهدفها النص.

وهناك مستويات أخرى من الأبنية التي لا نجد ضرورة في الإشارة إليها في هذه المقدّمة، بقدر ما يلحظها القارئ في حينه ويكتشف ما تنطوي عليه من جمالية وإحكام وإمتاع فنيّ بخاصة ملاحظة تلك الأساليب التي سلكها النص القرآني الكريم في الانتقال من آية إلى أخرى أو موضوع إلى آخر، أو الأساليب التي سلكها في جعل القارئ يكتشف بنفسه كثيراً من الخطوط التي انتظمت عمارة السورة القرآنية الكريمة.

أخيراً، نبتهل إلى الله تعالى أن يوفقنا جميعاً إلى خدمة كتابه الكريم.

 

 




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 22215641

  • التاريخ : 3/02/2025 - 21:50

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net