00989338131045
 
 
 
 
 
 

 من ص 901 الى ص 1000 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : الميزان في تفسير القرآن (الجزء التاسع)   ||   تأليف : العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (قده)

 

لِيُرْضُوكُمْ وَ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ٦٢ أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اَللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ اَلْخِزْيُ اَلْعَظِيمُ ٦٣﴾

بيان

الآيات تعقب القول في المنافقين وبيان حالهم و فيها ذكر أشياء من أقوالهم و أفعالهم، و البحث عما يكشف عنه من خبائث أوصافهم الباطنة و اعتقاداتهم المبنية على الضلال.

قوله تعالى: ﴿وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ اِئْذَنْ لِي وَ لاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي اَلْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ الآية الفتنة هاهنا على ما يهدي إليه السياق إما الإلقاء إلى ما يفتتن و يغر به، و إما الإلقاء في الفتنة و البلية الشاملة.

و المراد على الأول: ائذن لي في القعود و عدم الخروج إلى الجهاد، و لا تلقني في الفتنة بتوصيف ما في هذه الغزوة من نفائس الغنائم و مشتهيات الأنفس فافتتن بها و اضطر إلى الخروج، و على الثاني ائذن لي و لا تلقني إلى ما في هذه الغزوة من المحنة و المصيبة و البلية.

فأجاب الله عن قولهم بقولهم: ﴿أَلاَ فِي اَلْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ و معناه أنهم يحترزون بحسب زعمهم عن فتنة مترقبة من قبل الخروج، و قد أخطئوا فإن الذي هم عليه من الكفر و النفاق و سوء السريرة، و من آثاره هذا القول الذي تفوهوا به هو بعينه فتنة سقطوا فيها فقد فتنهم الشيطان بالغرور، و وقعوا في مهلكة الكفر و الضلال و فتنته.

هذا حالهم في هذه النشأة الدنيوية و أما في الآخرة فإن جهنم لمحيطة بالكافرين على حذو إحاطة الفتنة بهم في الدنيا و سقوطهم فيها فقوله: ﴿أَلاَ فِي اَلْفِتْنَةِ سَقَطُوا﴾ و قوله: ﴿وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ كأنهما معا يفيدان معنى واحدا و هو أن هؤلاء واقعون في الفتنة و التهلكة أبدا في الدنيا و الآخرة.

 

 

 

 

 

 

 و يمكن أن يفهم من قوله: ﴿وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ الإحاطة بالفعل دون الإحاطة الاستقبالية كما تهدي إليه الآيات الدالة على تجسم الأعمال.

قوله تعالى: ﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ﴾ المراد بالحسنة و السيئة بقرينة السياق ما تتعقبه الحروب و المغازي لأهلها من حسنة الفتح و الظفر و الغنيمة و السبي، و من سيئة القتل و الجرح و الهزيمة.

و قوله: ﴿يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ﴾ كناية عن الاحتراز عن الشر قبل وقوعه كأن أمرهم كان خارجا من أيديهم فأخذوه و قبضوا و تسلطوا عليه فلم يدعوه يفسد و يضيع.

فمعنى الآية إن هؤلاء المنافقين هواهم عليك: إن غنمت و ظفرت في وجهك هذا ساءهم ذلك، و إن قتلت أو جرحت أو أصبت بأي مصيبة أخرى قالوا قد احترزنا عن الشر من قبل و تولوا و هم فرحون.

و قد أجاب الله سبحانه عن ذلك بجوابين اثنين في آيتين: قوله: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا﴾ إلخ و قوله: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ﴾ إلخ.

قوله تعالى: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اَللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَ عَلَى اَللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ اَلْمُؤْمِنُونَ﴾ محصله أن ولاية أمرنا إنما هي لله سبحانه فحسب - على ما يدل عليه قوله: ﴿هُوَ مَوْلاَنَا﴾ من الحصر لا إلى أنفسنا و لا إلى شي‏ء من هذه الأسباب الظاهرة، بل حقيقة الأمر لله وحده و قد كتب كتابة حتم ما سيصيبنا من خير أو شر أو حسنة أو سيئة، و إذا كان كذلك فعلينا امتثال أمره و السعي لإحياء أمره و الجهاد في سبيله و لله المشية فيما يصيبنا في ذلك من حسنة أو سيئة فما على العبيد إلا ترك التدبير و امتثال الأمر و هو التوكل.

و بذلك يظهر: أن المراد بقوله: ﴿وَ عَلَى اَللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ اَلْمُؤْمِنُونَ﴾ ليس كلاما مستأنفا بل معطوف على ما قبله متمم له، و المعنى أن ولاية أمرنا لله و نحن مؤمنون به، و لازمه أن نتوكل عليه و نرجع الأمر إليه من غير أن نختار لأنفسنا شيئا من الحسنة و السيئة فلو أصابتنا حسنة كان المن له و إن أصابتنا سيئة كانت المشية و الخيرة له، و لا لوم علينا و لا شماتة تتعلق بنا، و لا حزن و لا مساءة يطرأ على قلوبنا.

 

 

 

 

 

 

 و قد قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي اَلْأَرْضِ وَ لاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اَللَّهِ يَسِيرٌ. لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلى‏ مَا فَاتَكُمْ وَ لاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ الحديد: ٢٣، و قال: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اَللَّهِ وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ التغابن: ١١ و قال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اَللَّهَ مَوْلَى اَلَّذِينَ آمَنُوا﴾ سورة محمد: ١١، و قال: ﴿وَ اَللَّهُ وَلِيُّ اَلْمُؤْمِنِينَ﴾ آل عمران: ٦٨، و قال: ﴿فَاللَّهُ هُوَ اَلْوَلِيُّ﴾ الشورى: ٩.

و الآيات كما ترى تتضمن أصول هذه الحقيقة التي تنبئ عنه الآية التي نتكلم فيها جوابا عن وهم المنافقين، و هي أن حقيقة الولاية لله سبحانه ليس إلى أحد من دونه من الأمر شي‏ء فإذا آمن الإنسان به و عرف مقام ربه علم ذلك و كان عليه أن يتوكل على ربه و يرجع إليه حقيقة المشية و الخيرة فلا يفرح بحسنة أصابته، و لا يحزن لسيئة أصابته.

و من الجهل أن يسوء الإنسان ما أصابت عدوه من حسنة أو يسره ما أصابته من سيئة فليس له من الأمر شي‏ء، و هذا هو الجواب الأول عن مساءتهم بما أصاب المؤمنين من الحسنة و فرحهم بما أصابتهم من السيئة.

و ظاهر كلام بعض المفسرين أن المولى في الآية بمعنى الناصر، و كذا ظاهر كلام بعضهم: أن قوله: ﴿وَ عَلَى اَللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ اَلْمُؤْمِنُونَ﴾ جملة مستأنفة أمر الله فيها المؤمنين بالتوكل عليه، و السياق المشهود من الآيتين لا يساعد عليه.

قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى اَلْحُسْنَيَيْنِ وَ نَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ﴾ الآية الحسنيان هما الحسنة و السيئة على ما يدل عليه الآية الأولى الحاكية أنهم يسوؤهم ما أصاب النبي صلى الله عليه وآله و سلم من حسنة، و تسرهم ما أصابه من سيئة فيقولون قد أخذنا أمرنا من قبل فهم على حال تربص ينتظرون ما يقع به و بالمؤمنين من الحسنة أو السيئة.

و الحسنة و السيئة كلتاهما حسنيان بحسب النظر الديني فإن في الحسنة حسنة الدنيا و عظيم الأجر عند الله، و في السيئة التي هي الشهادة أو أي تعب و عناء أصابهم مرضاة الله و ثواب خالد دائم.

و معنى الآية أنا نحن و أنتم كل يتربص بصاحبه غير أنكم تتربصون بنا إحدى خصلتين كل واحدة منهما خصلة حسنى و هما: الغلبة على العدو مع الغنيمة، و الشهادة

 

 

 

 

 

 

 في سبيل الله، و نحن نتربص بكم أن يعذبكم الله بعذاب من عنده كالعذاب السماوي أو بعذاب يجري بأيدينا كأن يأمرنا بقتالكم و تطهير الأرض من قذارة وجودكم فنحن فائزون على أي حال، إن وقع شي‏ء مما تربصتم سعدنا، و إن وقع ما تربصنا سعدنا فتربصوا إنا معكم متربصون، و هذا جواب ثان عن المنافقين.

و قد ذكر في الآية الأولى إصابة الحسنة و السيئة النبي صلى الله عليه وآله و سلم ، و في مقام الجواب في الآيتين الثانية و الثالثة إصابتهما النبي و المؤمنين جميعا لملازمتهم إياه و مشاركتهم إياه فيما أصابه من حسنة أو سيئة.

قوله تعالى: ﴿قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾ لفظ أمر في معنى الشرط. و الترديد للتعميم و لفظ الأمر في هذه الموارد كناية عن عدم النهي و سد السبيل إيماء إلى أن الفعل لغو لا يترتب عليه أثر، و قوله: ﴿لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ﴾ تعليل للأمر كما أن قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾ تعليل لعدم القبول.

و معنى الآية: لا نمنعكم عن الإنفاق في حال من طوع أو كره فإنه لغو غير مقبول لأنكم فاسقون، و لا يقبل عمل الفاسقين، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اَللَّهُ مِنَ اَلْمُتَّقِينَ:﴾ المائدة: ٢٧ و التقبل أبلغ من القبول.

قوله تعالى: ﴿وَ مَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ﴾ إلخ الآية تعليل تفصيلي لعدم تقبل نفقاتهم، و بعبارة أخرى بمنزلة الشرح لفسقهم، و قد عدت الكفر بالله تعالى و رسوله و الكسل في إقامة الصلاة و الكره في الإنفاق أركانا لنفاقهم.

قوله تعالى: ﴿فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَ لاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اَللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا﴾ إلى آخر الآية،الإعجاب‏ بالشي‏ء السرور بما يشاهد فيه من جمال أو كمال أو نحوهما، و الزهوق‏ خروج الشي‏ء بصعوبة و أصله الهلاك على ما قيل.

و قد نهى الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله و سلم عن الإعجاب بأموال المنافقين و أولادهم أي بكثرتها على ما يعطيه السياق، و علل ذلك بأن هذه الأموال و الأولاد و هي شاغلة للإنسان لا محالة ليست من النعمة التي تهتف لهم بالسعادة بل من النقمة التي تجرهم إلى الشقاء فإن الله و هو الذي خولهم إياها إنما أراد بها تعذيبهم في الحياة الدنيا، و توفيهم و هم كافرون.

 

 

 

 

 

 

فإن الحياة التي يعدها الموجود الحي سعادة لنفسه و راحة لذاته إنما تكون سعادة فيها الراحة و البهجة إذا جرت على حقيقة مجراها و هو أن يتلبس الإنسان بواقع آثارها من العلم النافع و العمل الصالح من غير أن يشتغل بغير ما فيه خيره و نفعه، فهذه هي الحياة التي لا موت فيها، و الراحة التي لا تعب معها، و اللذة التي لا ألم دونها، و هي الحياة في ولاية الله، قال تعالى: ﴿أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اَللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ يونس: - ٦٢.

و أما من اشتغل بالدنيا و جذبته زيناتها من مال و بنين إلى نفسها و غرته الآمال و الأماني الكاذبة التي تتراءى له منها و استهوته الشياطين فقد وقع في تناقضات القوى البدنية و تزاحمات اللذائذ المادية، و عذب أشد العذاب بنفس ما يرى فيه سعادته و لذته فمن المشاهد المعاين أن الدنيا كلما زادت إقبالا على الإنسان، و متعته بكثرة الأموال و الأولاد أبعدته عن موقف العبودية و قربته إلى الهلاكة و عذاب الروح فلا يزال يتقلب بين هذه الأسباب الموافقة و المخالفة، و الأوضاع و الأحوال الملائمة و المزاحمة، فالذي يسميه هؤلاء المغفلون سعة العيش هو بالحقيقة ضنك كما قال تعالى: ﴿وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ أَعْمى‏. قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى‏ وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً. قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَ كَذَلِكَ اَلْيَوْمَ تُنْسى‏﴾ طه: - ١٢٦.

فغاية إعراض الإنسان عن ذكر ربه، و انكبابه على الدنيا يبتغي به سعادة الحياة و راحة النفس و لذة الروح أن يعذب بين أطباق هذه الفتن التي يراها نعما، و يكفر بربه بالخروج عن زي العبودية كما قال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اَللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي اَلْحَيَاةِ اَلدُّنْيَا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ كَافِرُونَ﴾ و هو الإملاء و الاستدراج الذين يذكرهما في قوله: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَ أُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ الأعراف: - ١٨٣.

قوله تعالى: ﴿وَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَ مَا هُمْ مِنْكُمْ﴾ إلى آخر الآيتين، الفرق انزعاج النفس من ضرر متوقع، و الملجأ الموضع الذي يلتجأ إليه و يتحصن فيه، و المغار المحل الذي يغور فيه الإنسان فيستره عن الأنظار، و يطلق على الغار و هو الثقب الذي يكون في الجبال، و المدخل‏ من الافتعال الطريق الذي يتدسس بالدخول فيه، و الجماح‏ مضي المار مسرعا على وجهه لا يصرفه عنه شي‏ء، و المعنى ظاهر.

قوله تعالى: ﴿وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي اَلصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَ إِنْ لَمْ

 يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾ اللمز العيب، و إنما كانوا يعيبونه فيها إذا لم يعطهم منها لعدم استحقاقهم ذلك أو لأسباب أخر كما يدل عليه ذيل الآية.

 

 

 

 

 

 

قوله تعالى: ﴿وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ﴾ إلى آخر الآية، ﴿لَوْ﴾ للتمني و قوله: ﴿رَضُوا مَا آتَاهُمُ اَللَّهُ﴾ كأن الرضى ضمن معنى الأخذ و لذا عدي بنفسه أي أخذوا ذلك راضين به أو رضوا آخذين ذلك، و الإيتاء الإعطاء، و حسبنا الله أي كفانا فيما نرغب إليه و نأمله.

و قوله: ﴿سَيُؤْتِينَا اَللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ﴾بيان لما يرغب إليه و يطمع فيه و ليس إخبارا عما سيكون، و قوله: ﴿إِنَّا إلَى اَللَّهِ رَاغِبُونَ﴾ كالتعليل لقوله: ﴿سَيُؤْتِينَا اَللَّهُ﴾ إلى آخر الآية.

و المعنى و كان مما يتمنى لهم أن يكونوا أخذوا ما أعطاهم الله و رسوله بأمر منه من مال الصدقات أو غيره، و قالوا كفانا الله سبحانه من سائر الأسباب و نحن راغبون في فضله و نطمع أن يؤتينا من فضله و يؤتينا رسوله.

و في الآية ما لا يخفى من لطيف البيان حيث نسب الإيتاء إلى الله و إلى رسوله و خص الكفاية و الفضل و الرغبة بالله على ما هو لازم دين التوحيد.

قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا اَلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَ اَلْمَسَاكِينِ وَ اَلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَ اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي اَلرِّقَابِ وَ اَلْغَارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ﴾ الآية،بيان لموارد تصرف إليها الصدقات الواجبة و هي الزكوات بدليل قوله في آخر الآية: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اَللَّهِ﴾ و هي ثمانية. وارد على ظاهر ما يعطيه سياق الآية و لازمه أن يكون الفقير و المسكين موردين أحدهما غير الآخر.

و قد اختلفوا في الفقير و المسكين أنهما صنف واحد أو صنفان، ثم على الثاني في معناهما على أقوال كثيرة لا ينتهي أكثرها إلى حجة بينة، و الذي يعطيه ظاهر لفظهما أن الفقير هو الذي اتصف بالعدم و فقدان ما يرفع حوائجه الحيوية من المال قبال الغني الذي اتصف بالغنى و هو الجدة و اليسار.

و أما المسكين فهو الذي حلت به المسكنة و الذلة مضافة إلى فقدان المال و ذلك إنما يكون بأن يصل فقره إلى حد يستذله بذلك كمن لا يجد بدا من أن يبذل ماء

 

 

 

 

 

 

 وجهه و يسأل كل كريم و لئيم من شدة الفقر و كالأعمى و الأعرج فالمسكين أسوأ حالا من الفقير.

و الفقير و المسكين و إن كانا بحسب النسبة أعم و أخص فكل مسكين من جهة الحاجة المالية فقير و لا عكس غير أن العرف يراهما صنفين متقابلين لمكان مغايرة الوصفين في نفسهما فلا يرد أن ذكر الفقير على هذا المعنى مغن عن ذكر المسكين لمكان أعميته و ذلك أن المسكنة هي وصف الذلة كالزمانة و العرج و العمى و إن كان بعض مصاديقه نهاية الذلة من جهة فقد المال.

و أما العاملون عليها أي على الصدقات فهم الساعون لجمع الزكوات و جباتها.

و أما المؤلفة قلوبهم فهم الذين يؤلف قلوبهم بإعطاء سهم من الزكاة ليسلموا أو يدفع بهم العدو أو يستعان بهم على حوائج الدين.

و أما قوله: ﴿وَ فِي اَلرِّقَابِ﴾ فهو متعلق بمقدر و التقدير: و المصرف في الرقاب أي في فكها كما في المكاتب الذي لا يقدر على تأدية ما شرطه لمولاه على نفسه لعتقه أو الرق الذي كان في شدة.

و قوله: ﴿وَ اَلْغَارِمِينَ﴾ أي و للصرف في الغارمين الذين ركبتهم الديون فيقضى ديونهم بسهم من الزكاة.

و قوله: ﴿وَ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ﴾ أي و للصرف في سبيل الله، و هو كل عمل عام يعود عائدته إلى الإسلام و المسلمين و تحفظ به مصلحة الدين و من أظهر مصاديقه الجهاد في سبيل الله، و يلحق به سائر الأعمال التي تعم نفعه و تشمل فائدته كإصلاح الطرق و بناء القناطر و نظائر ذلك.

و قوله: ﴿وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ﴾ أي و للصرف في ابن السبيل و هو المنقطع عن وطنه الفاقد لما يعيش به و إن كان غنيا ذا يسار في بلده فيرفع حاجته بسهم من الزكاة.

و قد اختلف سياق العد فيما ذكر في الآية من الأصناف الثمانية فذكرت الأربعة الأول باللام: ﴿لِلْفُقَرَاءِ وَ اَلْمَسَاكِينِ وَ اَلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَ اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ ثم غير السياق في الأربعة الباقية فقيل: ﴿وَ فِي اَلرِّقَابِ وَ اَلْغَارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ﴾ فإن ظاهر السياق الخاص بهذه الأربعة أن التقدير: و في الرقاب و في الغارمين و في سبيل الله و في ابن السبيل.

أما الأربعة الأول: ﴿لِلْفُقَرَاءِ وَ اَلْمَسَاكِينِ وَ اَلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَ اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ فاللام

 

 

 

 

 

 

فيها للملك بمعنى الاختصاص في التصرف فإن الآية بحسب السياق كالجواب عن المنافقين الذين كانوا يطمعون في الصدقات و هم غير مستحقين لها و كانوا يلمزون النبي صلى الله عليه وآله و سلم في حرمانهم منها فأجيبوا بالآية أن للصدقات مواضع خاصة تصرف فيها و لا تتعداها، و الآية ليست بظاهرة في أزيد من هذا المقدار من الاختصاص.

و أما كون ملكهم للصدقات هو الملك بمعناه المعروف فقها؟ و كذا حقيقة هذا الملك مع كون المالكين أصنافا بعناوينهم الصنفية لا ذوات شخصية؟ و نسبة سهم كل صنف إلى بقية السهام؟ فإنما هي مسائل فقهية خارجة عن غرضنا، و قد اختلفت أقوال الفقهاء فيها اختلافا شديدا فليرجع إلى الفقه.

و أما الأربعة الباقية: ﴿وَ فِي اَلرِّقَابِ وَ اَلْغَارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ﴾ فقد قيل في تغيير السياق فيها و في تأخيرها عن الأربعة الأول وجوه: منها: أن الترتيب لبيان الأحق فالأحق من الأصناف، فأحق الأصناف بها الفقراء ثم المساكين و هكذا على الترتيب، و لكون الأربعة الأخيرة بحسب ترتيب الأحقية واقعة في المراتب الأربع الأخيرة وضع كل في موضعه الخاص، و لو لا هذا الترتيب لكان الأنسب أن يذكر الأصناف ثم تذكر موارد المصالح فيقال: للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلفة قلوبهم و الغارمين و ابن السبيل ثم يقال: و في الرقاب و سبيل الله.

و الحق أن دلالة الترتيب بما فيه من التقديم و التأخير على أهمية الملاك و قوة المصلحة في أجزاء الترتيب لا ريب فيه فإن كان مراده بالأحق فالأحق الأهم ملاكا فالأهم فهو، و لو كان المراد التقدم و التأخر من حيث الإعطاء و الصرف و ما يشبه ذلك فلا دلالة من جهة اللفظ عليه البتة كما لا يخفى و الذي أيده به من الوجه لا جدوى فيه.

و منها: أن العدول عن اللام في الأربعة الأخيرة إلى ﴿فِي﴾ للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره لأن ﴿فِي﴾ للوعاء فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات و يجعلوا مظنة لها و مصبا، و ذلك لما في فك الرقاب من الكتابة أو الرق و الأسر، و في فك الغارمين من الغرم و التخليص و الإنقاذ، و لجمع الغازي الفقير أو المنقطع في الحج بين الفقر و العبادة، و كذلك ابن السبيل جامع بين الفقر و الغربة عن الأهل و المال.

و تكرير ﴿فِي﴾ في قوله: ﴿وَ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ﴾ فيه فضل ترجيح

 

 

 

 

 

 

 لهذين على الرقاب و الغارمين. كذا ذكره في الكشاف.

و فيه: أنه معارض بكون الأربعة الأول مدخولة للام الملك فإن المملوك أشد لزوما و اتصالا بالنسبة إلى مالكه من المظروف بالنسبة إلى ظرفه، و هو ظاهر.

و منها: أن الأصناف الأربعة الأوائل ملاك لما عساه يدفع إليهم، و إنما يأخذونه ملكا فكان دخول اللام لائقا بهم، و أما الأربعة الأواخر فلا يملكون ما يصرف نحوهم بل و لا يصرف إليهم و لكن في مصالح تتعلق بهم.

فالمال الذي يصرف في الرقاب إنما يتناوله السادة المكاتبون و البائعون فليس نصيبهم مصروفا إلى أيديهم حتى يعبر عن ذلك باللام المشعرة بتملكهم لما يصرف نحوهم، و إنما هم محال لهذا الصرف و المصلحة المتعلقة به، و كذلك الغارمون إنما يصرف نصيبهم لأرباب ديونهم تخليصا لذممهم لا لهم، و أما سبيل الله فواضح ذلك فيه، و أما ابن السبيل فكأنه كان مندرجا في سبيل‏[1] الله، و إنما أفرد بالذكر تنبيها على خصوصيته مع أنه مجرد من الحرفين جميعا و عطفه على المجرور باللام ممكن و لكنه على القريب منه أقرب.

و هذا الوجه لا يخلو عن وجه غير أن إجراءه في ابن السبيل لا يخلو عن تكلف، و ما ذكر من دخوله في سبيل الله هو وجه مشترك بينه و بين غيره.

و لو قال قائل بكون الغارمين و ابن السبيل معطوفين على المجرور باللام ثم ذكر الوجه الأول بالمعنى الذي ذكرناه وجها للترتيب و الوجه الأخير وجها لاختصاص الرقاب و سبيل الله بدخول ﴿فِي﴾ لم يكن بعيدا عن الصواب.

و قوله في ذيل الآية: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اَللَّهِ وَ اَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ إشارة إلى كون الزكاة فريضة واجبة مشرعة على العلم و الحكمة لا تقبل تغيير المغير، و لا يبعد أن يتعلق الفرض بتقسمها إلى الأصناف الثمانية كما ربما يؤيده السياق فإن الغرض في الآية إنما تعلق ببيان مصارف الصدقات لا بفرض أصلها فالأنسب أن يكون قوله: ﴿فَرِيضَةً مِنَ اَللَّهِ﴾ إشارة إلى أن تقسمها إلى الأصناف الثمانية أمر مفروض من الله لا يتعدى عنه على خلاف ما كان يطمع فيه المنافقون في لمزهم النبي صلى الله عليه وآله و سلم.

 

 

 

 

 

 

 

 و من هنا يظهر أن الآية لا تخلو عن إشعار بكون الأصناف الثمانية على سهمها من غير اختصاص بزمان دون زمان خلافا لما ذكره بعضهم: أن المؤلفة قلوبهم كانوا جماعة من الأشراف في زمن النبي صلى الله عليه وآله و سلم ألف قلوبهم بإعطاء سهم من الصدقات إياهم، و أما بعده ص فقد ظهر الإسلام على غيره، و ارتفعت الحاجة إلى هذا النوع من التأليفات، و هو وجه فاسد و ارتفاع الحاجة ممنوع.

قوله تعالى: ﴿وَ مِنْهُمُ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَلنَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ﴾ الأذن‏ جارحة السمع المعروفة، و قد أطلقوا عليه ص الأذن و سموه بها إشارة إلى أنه يصغي لكل ما قيل له و يستمع إلى كل ما يذكر له فهو أذن.

و قوله: ﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ﴾ من الإضافة الحقيقية أي سماع يسمع ما فيه خيركم حيث يسمع من الله سبحانه الوحي و فيه خير لكم، و يسمع من المؤمنين النصيحة و فيها خير لكم و يمكن أن يكون من إضافة الموصوف إلى الصفة أي أذن هي خير لكم لأنه لا يسمع إلا ما ينفعكم و لا يضركم.

و الفرق بين الوجهين أن اللازم على الأول أن يكون مسموعه خيرا لهم كالوحي من الله و النصيحة من المؤمنين، و اللازم على الثاني أن يكون استماعه استماع خير و إن لم يكن مسموعه خيرا كأن يستمع إلى بعض ما ليس خيرا لهم لكنه يستمع إليه فيحترم بذلك قائله ثم يحمل ذلك القول منه على الصحة فلا يهتك حرمته و لا يسي‏ء الظن به ثم لا يرتب أثر الخبر الصادق المطابق للواقع عليه فلا يؤاخذ من قيل فيه بما قيل فيه فيكون قد احترم إيمانه كما احترم إيمان القائل الذي جاءه بالخبر.

و من هنا يظهر أن الأنسب بسياق الآية هو الوجه الثاني لما عقبه بقوله: ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ الآية.

و ذلك أن الإيمان هو التصديق، و قد ذكر متعلق الإيمان في قوله: ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ﴾ و أما قوله: ﴿وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ فلم يذكر متعلقه و إنما ذكر أن هذا التصديق لنفع المؤمنين لمكان اللام، و التصديق الذي يكون فيه نفع المؤمنين حتى في الخبر الذي يتضمن ما يضرهم إنما هو التصديق بمعنى إعطاء الصدق المخبري دون الخبري أي فرض أن المخبر

 

 

 

 

 

 

 صادق بمعنى أنه معتقد بصدق خبره و إن كان كاذبا لا يطابق الواقع.

و هذا كما في قوله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ اَلْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اَللَّهِ وَ اَللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اَللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ اَلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ المنافقون: - ١ فالله سبحانه يكذب المنافقين لا من حيث خبرهم برسالة النبي صلى الله عليه وآله و سلم بل من حيث إخبارهم بخلاف ما يعتقدونه و هذا بخلاف قول المؤمنين فيما حكى الله سبحانه: ﴿وَ لَمَّا رَأَ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ﴾ الأحزاب: - ٢٢ فهم يصدقون الله و رسوله في الخبر لا في الاعتقاد.

و بالجملة ظاهر قوله: ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ إنه يصدق الله فيما أخبره به من الوحي، و يصدق لنفع المؤمنين كل من ألقى إليه منهم خبرا بحمل فعله على الصحة و عدم رميه بالكذب و سوء النية من غير أن يرتب أثرا على كل ما يسمعه و يستمع إليه و إلا لم يكن تصديقه لنفع المؤمنين و اختل الأمر، و هذا المعنى كما ترى يؤيد الوجه الثاني المذكور.

و كأن المراد بالمؤمنين المجتمع المنسوب إليهم و إن اشتمل على أفراد من غيرهم كالمنافقين و على هذا كان المراد بالذين آمنوا منهم المؤمنون من قومهم حقا فمعنى الكلام أنه يصدق ربه و يصدق كل فرد من أفراد مجتمعكم احتراما لظاهر حاله من الانتساب إلى المؤمنين و هو رحمة للذين آمنوا منكم حقا لأنه يهديهم إلى مستقيم الصراط.

و إن كان المراد من الذين آمنوا هم الذين آمنوا في أول البعثة قبل الفتح كما تقدم سابقا أن ﴿اَلَّذِينَ آمَنُوا﴾ اسم تشريفي في القرآن للمؤمنين الأولين في الإسلام كان المراد بالمؤمنين في قوله: ﴿وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ المؤمنون منهم حقا كما أطلق بهذا المعنى في قوله: ﴿وَ لَمَّا رَأَ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ﴾ الأحزاب: ٢٢.

و ربما قيل: إن اللام في قوله: ﴿وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ للتعدية كما في قوله: ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ﴾ فالإيمان يتعدى بالحرفين جميعا كما في قوله: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ:﴾ العنكبوت: ٢٦ و قوله: ﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسى‏ إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ﴾ يونس: ٨٣ و قوله: ﴿أَ نُؤْمِنُ لَكَ وَ اِتَّبَعَكَ اَلْأَرْذَلُونَ﴾: الشعراء: ١١١.

و ربما قيل: إن اللفظ جار على طريقة التضمين بتضمين الإيمان معنى الجنوح المتعدي باللام و المعنى يجنح للمؤمنين مؤمنا بهم أو يؤمن جانحا لهم.

 

 

 

 

 

 

و الوجهان و إن كانا لا بأس بهما في نفسهما لكن يبعد ذلك لزوم التفكيك في قوله: ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ بين ﴿يُؤْمِنُ﴾ الأول و الثاني من غير نكتة ظاهرة إلا أن يحمل على التفنن في التعبير و مع ذلك فالنتيجة هي النتيجة السابقة فإن إيمانه بالمؤمنين لا يختص بالمخبرين خاصة حتى يصدق خبرهم و يؤاخذ آخرين إذا أخبر بما يضرهم بل إيمان يعم جميع المؤمنين فيصدق المخبر في خبره بمعنى إعطاء الصدق المخبري و يصدق المخبر عنه بحمل فعله على الصحة فافهم ذلك.

و عده تعالى نبيه في قوله: ﴿وَ رَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ﴾ رحمة لقوم خاص في هذه الآية مع عده رحمة للناس كلهم في قوله عز و جل: ﴿وَ مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ الأنبياء: ١٠٧ إنما هو لاختلاف المراد بالرحمة في الآيتين فالمراد بها هاهنا الرحمة الفعلية و هناك الرحمة الشأنية.

و بعبارة أخرى هو ص رحمة لمن آمن به حقا بمعنى أن الله سبحانه أنقذه به من الضلالة و ختم له بالسعادة و الكرامة، و رحمة للناس كلهم مؤمنهم و كافرهم، من معاصريه و ممن يأتي بعده بمعنى أن الله بعثه ص بملة بيضاء و سنة طيبة فحول المجتمع البشري و صرفه عن مسيره المنحرف عن الاستقامة إلى طريق الشقاوة و الهلاك، و أنار بمشعلته صراط الفطرة الإلهية فمن راكب على السبيل فائز بالغاية المطلوبة، و من خارج عن مسير الردى و الهلكة و لما يركب متن الصراط الفطري، و من قاصد للخروج و الورود و لما يخرج و هذا حال المجتمع العام البشري بعد طلوع الإسلام و بسطة معارفه بين الناس و إيصاله إلى سمع كل سامع و تأثيره في كل من السنن الاجتماعية بما في وسعه أن يتأثر به، و هذا مما لا يرتاب فيه باحث عن طبيعة المجتمع الإنساني، و هذا الوجه قريب المأخذ من الوجه السابق أو راجع إليه بالحقيقة.

قوله تعالى: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ قال في المجمع:، «الفرق بين الأحق و الأصلح أن الأحق قد يكون من غير صفات الفعل كقولك: زيد أحق بالمال، و الأصلح لا يقع هذا الموقع لأنه من صفات الفعل و تقول: الله أحق بأن يطاع و لا تقول أصلح». انتهى.

و السبب الأصلي فيه أن الصلاحية و الصلوح يحمل معنى الاستعداد و التهيؤ، و الحق يحمل معنى الثبوت و اللزوم، و الله سبحانه لا يتصف بشي‏ء من معنى الاستعداد

 

 

 

 

 

 

 و القبول المستلزم لتأثير الغير فيه و تأثره عنه.

و قد حول الله الخطاب في الآية عن نبيه صلى الله عليه وآله و سلم إلى المؤمنين التفاتا و كأن الوجه فيه التلويح لهم بما يشتمل عليه قوله: ﴿وَ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ من الحكم و هو أن من الواجب على كل مؤمن أن يرضي الله و رسوله، و لا يحاد الله و رسوله فإن فيه خزيا عظيما نار جهنم خالدا فيها.

و من أدب التوحيد في الآية ما في قوله: ﴿أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾ من إفراد الضمير و لم يقل: أحق أن يرضوهما صونا لمقامه تعالى من أن يعدل به أحد فإن أمثال هذه الحقوق و كذا الأوصاف التي يشاركه تعالى غيره من حيث الإطلاق و الإجراء، له تعالى بالذات و لنفسه و لغيره بالتبع أو بالعرض و من جهته كوجوب الإرضاء و التعظيم و الطاعة و غيرها، و كالاتصاف بالعلم و الحياة و الإحياء و الإماتة و غيرها.

و قد روعي نظير هذا الأدب في القرآن في موارد كثيرة فيما يشارك النبي صلى الله عليه وآله و سلم غيره من الأمة من الشئون فأخرج النبي صلى الله عليه وآله و سلم من بينهم و أفرد بالذكر كما في قوله: ﴿يَوْمَ لاَ يُخْزِي اَللَّهُ اَلنَّبِيَّ وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا﴾ التحريم: ٨ و قوله: ﴿فَأَنْزَلَ اَللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى‏َ رَسُولِهِ وَ عَلَى اَلْمُؤْمِنِينَ﴾ الفتح: ٢٦ و قوله: ﴿آمَنَ اَلرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ اَلْمُؤْمِنُونَ﴾: البقرة: ٢٨٥ و غير ذلك.

قوله تعالى: ﴿أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اَللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ إلى آخر الآية قال في المجمع،: المحادة مجاوزة الحد بالمشاقة، و هي و المخالفة و المجانبة و المعاداة نظائر، و أصله المنع و المحادة ما يلحق الإنسان من النزق لأنه يمنعه من الواجب و قال: و الخزي‏ الهوان و ما يستحيي منه. انتهى.

و الاستفهام في الآية للتعجيب، و الكلام مسوق لبيان كونه تعالى و كون رسوله أحق بالإرضاء و محصله أنهم يعلمون أن محادة الله و رسوله و المشاقة و المعاداة مع الله و رسوله و الإسخاط يوجب خلود النار، و إذا حرم إسخاط الله و رسوله وجب إرضاؤه و إرضاء رسوله على من كان مؤمنا بالله و رسوله.

 

 

 

 

 

 

بحث روائي

 في تفسير القمي، عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام: في قوله تعالى: ﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ﴾ الآية أما الحسنة فهي الغنيمة و العافية، و أما المصيبة فالبلاء و الشدة.

 و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي حاتم عن جابر بن عبد الله قال :جعل المنافقون الذين تخلفوا بالمدينة يخبرون عن النبي صلى الله عليه وآله و سلم أخبار السوء، و يقولون: إن محمدا و أصحابه قد جهدوا في سفرهم و هلكوا فبلغهم تكذيب حديثهم و عافية النبي صلى الله عليه وآله و سلم و أصحابه فساءهم ذلك فأنزل الله تعالى: ﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾ الآية.

 و في الكافي، بإسناده عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: قول الله عز و جل ﴿هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى اَلْحُسْنَيَيْنِ﴾ قال: إما موت في طاعة الإمام أو إدراك ظهور إمام ﴿وَ نَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ﴾ مع ما نحن فيه من المشقة ﴿أَنْ يُصِيبَكُمُ اَللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ﴾ قال: هو المسخ ﴿أَوْ بِأَيْدِينَا﴾ و هو القتل، قال الله عز و جل لنبيه: ﴿فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ﴾.

 أقول: و هو من الجري دون التفسير.

 في المحاسن، بإسناده عن يوسف بن ثابت عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يضر مع الإيمان عمل، و لا ينفع مع الكفر عمل .

ثم قال: أ لا ترى أن الله تبارك و تعالى قال: ﴿وَ مَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ﴾.

أقول: و رواه العياشي و القمي عنه و كذا الكليني في الكافي، عنه في حديث مفصل و الرواية تبينها آيات و روايات أخرى فالإيمان ما دام باقيا لا يضره معصية بإيجاب خلود النار، و الكفر ما دام كفرا لا ينفع معه حسنة.

 و في المجمع،: في قوله تعالى: ﴿مُدَّخَلاً﴾ الآية قال: سربا: عن أبي جعفر عليه السلام.

 و في الكافي، بإسناده عن إسحاق بن غالب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا إسحاق كم ترى أهل هذه الآية: ﴿فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ

 

 

 

 

 

 

 يَسْخَطُونَ﴾ قال: هم أكثر من ثلثي الناس: أقول: و رواه العياشي في تفسيره و الحسين بن سعيد في كتاب الزهد عن إسحاق عنه عليه السلام. و في الدر المنثور، أخرج البخاري و النسائي و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و أبو الشيخ و ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: بينما النبي صلى الله عليه وآله و سلم يقسم قسما إذ جاءه ذو الخويصرة التميمي فقال: اعدل. يا رسول الله فقال: ويلك و من يعدل إذا لم أعدل .

فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ائذن لي فأضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم و صيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فينظر في قذذه فلا يوجد فيه شي‏ء، ثم ينظر في نضيه فلا يرى فيه شي‏ء، ثم ينظر في رصافه فلا يرى فيه شي‏ء، ثم ينظر في نصله فلا يوجد فيه شي‏ء، قد سبق الفرث و الدم آيتهم رجل أسود إحدى ثديه أو قال: ثدييه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدر در يخرجون على حين فرقة من الناس قال: فنزلت فيهم: ﴿وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي اَلصَّدَقَاتِ﴾ الآية.

قال أبو سعيد: أشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم ، و أشهد أن عليا حين قتلهم و أنا معه جي‏ء بالرجل على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم .

 و في تفسير القمي، :في الآية: أنها نزلت لما جاءت الصدقات و جاء الأغنياء و ظنوا أن الرسول يقسمها بينهم فلما وضعها رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم في الفقراء تغامزوا رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم و لمزوه، و قالوا: نحن الذين نقوم في الحرب و نغزو معه و نقوي أمره ثم يدفع الصدقات إلى هؤلاء الذين لا يعينونه و لا يغنون عنه شيئا فأنزل الله: ﴿وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ قَالُوا حَسْبُنَا اَللَّهُ سَيُؤْتِينَا اَللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اَللَّهِ رَاغِبُونَ﴾.

ثم فسر الله عز و جل الصدقات لمن هي و على من يجب؟ فقال: ﴿إِنَّمَا اَلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَ اَلْمَسَاكِينِ وَ اَلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَ اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي اَلرِّقَابِ وَ اَلْغَارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ وَ اِبْنِ اَلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اَللَّهِ وَ اَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ فأخرج الله من

 

 

 

 

 

 

 الصدقات جميع الناس إلا هذه الثمانية الأصناف الذين سماهم .

و بين الصادق عليه السلام من هم؟ فقال: الفقراء هم الذين لا يسألون و عليهم مئونات من عيالهم، و الدليل على أنهم لا يسألون قول الله تعالى في سورة البقرة: ﴿لِلْفُقَرَاءِ اَلَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اَللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي اَلْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ اَلْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ اَلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْئَلُونَ اَلنَّاسَ إِلْحَافاً ﴾.

و المساكين هم أهل الزمانة من العميان و العرجان و المجذومين و جميع أصناف الزمنى من الرجال و النساء و الصبيان .

و العاملين عليها هم السعاة و الجباة في أخذها و جمعها و حفظها حتى يؤديها إلى من يقسمها .

و المؤلفة قلوبهم قوم وحدوا الله و لم يدخل المعرفة قلوبهم أن محمدا رسول الله فكان رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم يتألفهم و يعلمهم كيما يعرفوا فجعل الله لهم نصيبا في الصدقات كي يعرفوا و يرغبوا.

 أقول: و قد وردت في تأييد هذا الذي أرسله من الرواية روايات كثيرة مسندة من طرق أهل البيت عليه السلام. و في بعض الروايات تعارض ما، و ليرجع في تفصيل الروايات على كثرتها و تنقيح المطلب إلى جوامع الحديث و كتب الفقه.

 و في الدر المنثور، أخرج البخاري و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال ":بعث علي بن أبي طالب من اليمن إلى النبي صلى الله عليه وآله و سلم بذهبية فيها تربتها فقسمها بين أربعة من المؤلفة: الأقرع بن حابس الحنظلي و علقمة بن علاثة العامري و عيينة بن بدر الفزاري و زيد الخيل الطائي، فقالت قريش و الأنصار: أ تقسم بين صناديد أهل نجد و تدعنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله و سلم : إنما أتألفهم. و في الدر المنثور، أخرج عبد الرزاق و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن يحيى بن أبي كثير قال :المؤلفة قلوبهم من بني هاشم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، و من بني أمية أبو سفيان بن حرب، و من بني مخزوم الحارث بن هشام و عبد الرحمن بن يربوع و من بني أسد حكيم بن حزام، و من بني عامر سهيل بن عمرو و حويطب بن عبد العزى، و من بني جمح صفوان بن أمية، و من بني سهم عدي بن

 

 

 

 

 

 

 قيس، و من ثقيف العلاء بن جارية أو حارثة، و من بني فزارة عيينة بن حصن، و من بني تميم الأقرع بن حابس، و من بني نصر مالك بن عوف، و من بني سليم العباس بن مرداس .

أعطى النبي صلى الله عليه وآله و سلم كل رجل منهم مائة ناقة إلا عبد الرحمن بن يربوع و حويطب بن عبد العزى فإنه أعطى كل واحد منهما خمسين. و في تفسير القمي، في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: المؤلفة قلوبهم: أبو سفيان بن حرب بن أمية، و سهيل بن عمرو و هو من بني عامر بن لؤي و هشام ابن عمرو أخوه: أخو بني عامر بن لؤي و صفوان بن أمية بن خلف القرشي ثم الجمحي، و الأقرع بن حابس التميمي أحد بني حازم و عيينة بن حصن الفزاري و مالك بن عوف و علقمة بن علاثة .

بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم كان يعطي الرجل منهم مائة من الإبل و رعاتها و أكثر من ذلك و أقل. أقول: و هؤلاء هم المؤلفة قلوبهم الذين أعطاهم النبي صلى الله عليه وآله و سلم تأليفا لقلوبهم، و ليس المراد حصر المؤلفة قلوبهم و هم صنف من الأصناف الثمانية المذكور في الآية في هؤلاء الأشخاص بأعيانهم.

 و في تفسير العياشي، عن ابن إسحاق عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه السلام قال: سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته و قد أدى بعضها، قال: يؤدى من مال الصدقة إن الله يقول في كتابه: ﴿وَ فِي اَلرِّقَابِ﴾

 و فيه، عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: عبد زنى؟ قال: يجلد نصف الحد، قال: قلت: فإن هو عاد؟ قال: يضرب مثل ذلك، قال: قلت: فإن هو عاد؟ قال: لا يزاد على نصف الحد. قال: قلت: فهل يجب عليه الرجم في شي‏ء من فعله؟ قال: نعم يقتل في الثامنة إن فعل ذلك ثمان مرات .

قال: قلت: فما الفرق بينه و بين الحر و إنما فعلهما واحد؟ فقال له: إن الله

 

 

 

 

 

 

رحمه أن يجمع عليه ربق الرق و حد الحر. قال: ثم قال: و على إمام المسلمين أن يدفع ثمنه إلى مولاه من سهم الرقاب.

 و فيه، عن الصباح بن سيابة قال :أيما مسلم مات و ترك دينا لم يكن في فساد و على إسراف فعلى الإمام أن يقضيه فإن لم يقض فعليه إثم ذلك إن الله يقول: ﴿إِنَّمَا اَلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَ اَلْمَسَاكِينِ وَ اَلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَ اَلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي اَلرِّقَابِ وَ اَلْغَارِمِينَ﴾ فهو من الغارمين و له سهم عند الإمام فإن حبسه فإثمه عليه.

 و فيه، عن محمد بن القسري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الصدقة فقال: اقسمها فيمن قال الله و لا يعطي من سهم الغارمين الذين يغرمون في مهور النساء و لا الذين ينادون نداء الجاهلية قال: قلت: و ما نداء الجاهلية؟ قال: الرجل يقول: يا آل بني فلان فيقع بينهم القتل و لا يؤدى ذلك من سهم الغارمين، و لا الذين لا يبالون ما صنعوا بأموال الناس.

 و فيه، عن الحسن بن محمد قال: قلت: لأبي عبد الله عليه السلام إن رجلا أوصى لي في السبيل قال: فقال لي: اصرف في الحج قال: قلت: إنه أوصى في السبيل! قال: اصرفه في الحج فإني لا أعلم سبيلا من سبله أفضل من الحج.

 أقول: و الروايات في الباب أكثر من أن تحصى، و إنما أوردنا منها ما يجري مجرى الأنموذج.

 و في الدر المنثور :في قوله تعالى: ﴿وَ مِنْهُمُ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَلنَّبِيَّ﴾ الآية :أخرج ابن إسحاق و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال :كان نبتل بن الحارث يأتي رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فيجلس إليه فيسمع ثم ينقل حديثه إلى المنافقين، و هو الذي قال لهم: إنما محمد أذن من حدثه شيئا صدقه، فأنزل الله فيه: ﴿وَ مِنْهُمُ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَلنَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ﴾ الآية. و في تفسير القمي، :في الآية قال: سبب نزولها أن عبد الله بن نبتل كان منافقا و كان يقعد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فيسمع كلامه و ينقله إلى المنافقين فينم عليه فنزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فقال: يا محمد إن رجلا من المنافقين ينم و ينقل حديثك إلى المنافقين، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم : من هو؟ قال: الرجل الأسود الوجه الكثير

 

 

 

 

 

 

 شعر الرأس ينظر بعينين كأنهما قدران، و ينطق بلسان شيطان .

فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فأخبره فحلف أنه لم يفعل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم: قد قبلت منك فلا تفعل فرجع إلى أصحابه فقال: إن محمدا أذن. أخبره الله أني أنم عليه و أنقل أخباره فقبله، و أخبرته أني لم أقل و لم أفعل فقبله!.

فأنزل الله على نبيه: ﴿وَ مِنْهُمُ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَلنَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي يصدق الله فيما يقول له، و يصدقكم فيما تعتذرون إليه و لا يصدقكم في الباطن، و يؤمن للمؤمنين يعني المقرين بالإيمان من غير اعتقاد.

 أقول: و روي ما يقرب منه في نهج البيان، عن الصادق عليه السلام.

 و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال :اجتمع ناس من المنافقين فيهم جلاس بن سويد بن صامت و جحش بن حمير و وديعة بن ثابت فأرادوا أن يقعوا في النبي صلى الله عليه وآله و سلم فنهى بعضهم بعضا، و قالوا: إنا نخاف أن يبلغ محمدا فيقع بكم، و قال بعضهم: إن محمدا أذن نحلف له فيصدقنا فنزل: ﴿وَ مِنْهُمُ اَلَّذِينَ يُؤْذُونَ اَلنَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ﴾ الآية.

 و في تفسير العياشي، عن حماد بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إني أردت أن أستبضع فلانا بضاعة إلى اليمن فأتيت إلى أبي جعفر عليه السلام فقلت: إني أريد أن أستبضع فلانا فقال لي. أ ما علمت أنه يشرب الخمر؟ فقلت: قد بلغني من المؤمنين إنهم يقولون ذلك، فقال: صدقهم إن الله عز و جل يقول: ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ فقال: يعني يصدق الله و يصدق للمؤمنين لأنه كان رءوفا رحيما بالمؤمنين.

[سورة التوبة ٩: الآیات ٦٤ الی ٧٤]

﴿يَحْذَرُ اَلْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اِسْتَهْزِؤُا إِنَّ اَللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آيَاتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ ٦٥

 

 

 

 

 

 

لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ٦٦ اَلْمُنَافِقُونَ وَ اَلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمَعْرُوفِ وَ يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اَللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ اَلْمُنَافِقِينَ هُمُ اَلْفَاسِقُونَ ٦٧ وَعَدَ اَللَّهُ اَلْمُنَافِقِينَ وَ اَلْمُنَافِقَاتِ وَ اَلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَ لَعَنَهُمُ اَللَّهُ وَ لَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ٦٨ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَ أَكْثَرَ أَمْوَالاً وَ أَوْلاَداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاَقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اِسْتَمْتَعَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَ خُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي اَلدُّنْيَا وَ اَلْآخِرَةِ وَ أُولَئِكَ هُمُ اَلْخَاسِرُونَ ٦٩ أَ لَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عَادٍ وَ ثَمُودَ وَ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَ أَصْحَابِ مَدْيَنَ وَ اَلْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اَللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ٧٠ وَ اَلْمُؤْمِنُونَ وَ اَلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ وَ يُقِيمُونَ اَلصَّلاَةَ وَ يُؤْتُونَ اَلزَّكَاةَ وَ يُطِيعُونَ اَللَّهَ وَ رَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اَللَّهُ إِنَّ اَللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٧١ وَعَدَ اَللَّهُ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَ مَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَ رِضْوَانٌ مِنَ اَللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ اَلْفَوْزُ اَلْعَظِيمُ ٧٢ يَا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ جَاهِدِ اَلْكُفَّارَ 

 

 

 

 

 

 

وَ اَلْمُنَافِقِينَ وَ اُغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ اَلْمَصِيرُ ٧٣ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَ لَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ اَلْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَ هَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَ مَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اَللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَ إِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اَللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي اَلدُّنْيَا وَ اَلْآخِرَةِ وَ مَا لَهُمْ فِي اَلْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لاَ نَصِيرٍ ٧٤﴾

بيان

تذكر الآيات شأنا آخر من شئون المنافقين، و تكشف عن سوأة أخرى من سوءاتهم ستروا عليها بالنفاق، و كانوا يحذرون أن تظهر عليهم و تنزل فيها سورة تقص ما هموا به منها.

و الآيات تنبئ عن أنهم كانوا جماعة ذوي عدد كما يدل عليه قوله: ﴿إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً﴾ و أنه كان لهم بعض الاتصال و التوافق مع جماعة آخرين من المنافقين كما في قوله: ﴿اَلْمُنَافِقُونَ وَ اَلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ الآية و أنهم كانوا على ظاهر الإسلام و الإيمان حتى اليوم و إنما نافقوا يومئذ أي تفوهوا بكلمة الكفر فيما بينهم و أسروا بها يومئذ كما في قوله: ﴿قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾.

و أنهم تواطئوا على أمر دبروه فيما بينهم فأظهروا عند ذلك كلمة الكفر و هموا على أمر عظيم فحال الله بينهم و بينه فخاب سعيهم و لم يؤثر كيدهم كما في قوله: ﴿وَ لَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ اَلْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَ هَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا﴾.

و أنه ظهر مما هموا به بعض ما يستدل عليه من الآثار و القرائن فسألوا عن ذلك فاعتذروا بما هو مثله قبحا و شناعة كما في قوله: ﴿وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ﴾ و الآيات التالية لهذه الآيات في سياق متصل منسجم تدل على أن هذه الوقعة أيا ما كانت وقعت بعد خروج النبي صلى الله عليه وآله و سلم إلى غزوة تبوك و لما يرجع إلى المدينة كما يدل عليه قوله: ﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اَللَّهُ إِلى‏َ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ﴾ الآية: توبة ٨٣ و قوله:

 

 

 

 

 

 

﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا اِنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ﴾ الآية: - ٩٥ من السورة.

فيتلخص من الآيات أن جماعة ممن خرج مع النبي صلى الله عليه وآله و سلم تواطئوا على أن يمكروا بالنبي صلى الله عليه وآله و سلم، و أسروا عند ذلك فيما بينهم بكلمات كفروا بها بعد إسلامهم ثم هموا أن يفعلوا ما اتفقوا عليه بفتك أو نحوه فأبطل الله كيدهم و فضحهم و كشف عنهم فلما سئلوا عن ذلك قالوا: إنما كنا نخوض و نلعب فعاتبهم الله بلسان رسوله صلى الله عليه وآله و سلم بأنه استهزاء بالله و آياته و رسوله، و هددهم بالعذاب إن لم يتوبوا، و أمر نبيه صلى الله عليه وآله و سلم أن يجاهدهم و يجاهد الكافرين.

فالآيات كما ترى أوضح انطباقا على حديث العقبة منها على غيره من القصص التي تتضمنها الروايات الآخر الواردة فيبيان سبب نزول الآيات، و سنورد جلها في البحث الروائي الآتي إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: ﴿يَحْذَرُ اَلْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ إلى آخر الآية. كان المنافقون يشاهدون أن جل ما يستسرون به من شئون النفاق؛ و يناجي به بعضهم بعضا من كلمة الكفر و وجوه الهمز و اللمز و الاستهزاء أو جميع ذلك لا يخفى على الرسول، و يتلى على الناس في آيات من القرآن يذكر النبي صلى الله عليه وآله و سلم أنه من وحي الله، و لا محالة كانوا لا يؤمنون بأنه وحي نزل به الروح الأمين على رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم ، و يقدرون أن ذلك مما يتجسسه المؤمنون فيخبرون به النبي صلى الله عليه وآله و سلم فيخرجه لهم في صورة كتاب سماوي نازل عليهم و هم مع ذلك كانوا يخافون ظهور نفاقهم و خروج ما خبوه في سرائرهم الخبيثة لأن السلطنة و الظهور كانت للنبي صلى الله عليه وآله و سلم عليهم يجري فيهم ما يأمر به و يحكم عليه.

فهم كانوا يحذرون نزول سورة يظهر بها ما أضمروه من الكفر و هموا به من تقليب الأمور على النبي صلى الله عليه وآله و سلم و قصده بما يبطل به نجاح دعوته و تمام كلمته فأمر الله نبيه صلى الله عليه وآله و سلم أن يبلغهم أن الله عالم بما في صدورهم مخرج ما يحذرون خروجه و ظهوره بنزول سورة من عنده أي يخبرهم بأن الله منزل سورة هذا نعتها.

و بهذا يستنير معنى الآية فقوله: ﴿يَحْذَرُ اَلْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله و سلم و وجه الكلام إليه، و هو يعلم بتعليم الله أن هذا الكلام الذي

 

 

 

 

 

 

يتلوه على الناس كلام إلهي و قرآن منزل من عنده فيصف سبحانه الكلام الذي يخاف منه المنافقون بما له من الوصف عند النبي صلى الله عليه وآله و سلم و هو أنه سورة منزلة من الله على الناس و منهم المنافقون لا على ما يراه المنافقون أنه كلام بشري يدعى كونه كلام الله.

فهم كانوا يحذرون أن يتلو النبي صلى الله عليه وآله و سلم عليهم و على الناس كلاما هذا نعته الواقعي و هو أنه سورة منزلة عليهم بما أنها متوجهة بمضمونها إليهم قاصدة نحوهم ينبئهم هذه السورة النازلة بما في قلوبهم فيظهر على الناس و يفشو بينهم ما كانوا يسرونه من كفرهم و سوء نياتهم، و هذا الظهور في الحقيقة هو الذي كانوا يحذرونه من نزول السورة.

و قوله: ﴿قُلِ اِسْتَهْزِؤُا إِنَّ اَللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ﴾ كأن المراد بالاستهزاء هو نفاقهم و ما يلحق به من الآثار فإن الله سمى نفاقهم استهزاء حاكيا في ذلك قولهم حيث قال: ﴿وَ إِذَا لَقُوا اَلَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَ إِذَا خَلَوْا إِلى‏َ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ﴾ البقرة: - ١٤ فالمراد بالاستهزاء هو ستر ما يحذرون ظهوره، و الأمر تعجيزي أي دوموا على نفاقكم و ستركم ما تحذرون خروجه من عندكم إلى مرأى الناس و مسمعهم فإن الله مخرج ذلك و كاشف عن وجهه الغطاء، و مظهر ما أخفيتموه في صدوركم.

فصدر الآية و إن كان يذكر أنهم يحذرون تنزيل سورة كذا و كذا لكنهم إنما كانوا يحذرونها لما فيها من الأنباء التي يحذرون أن يطلع عليها النبي صلى الله عليه وآله و سلم و تنجلي للناس، و هذا هو الذي يذكر ذيلها أنهم يحذرونه فالكلام بمنزلة أن يقال: يحذر المنافقون تنزيل سورة قل إن الله منزلها، أو يقال: يحذر المنافقون انكشاف باطن أمرهم و ما في قلوبهم قل استهزءوا إن الله سيكشف ذلك و ينبئ عما في قلوبكم.

و بما تقدم يظهر سقوط ما أشكل على الآية أولا: بأن المنافقين لكفرهم في الحقيقة لم يكونوا يرون أن القرآن كلام منزل من عند الله فكيف يصح القول أ يحذرون أن تنزل عليهم سورة؟.

و ثانيا: أنهم لما لم يكونوا مؤمنين في الواقع فكيف يصح أن يطلق أن سورة قرآنية نزلت عليهم و لا تنزل السورة إلا على النبي صلى الله عليه وآله و سلم أو على المؤمنين؟.

و ثالثا: أن حذرهم نزول السورة و هو حال داخلي جدي فيهم لا يجامع كونه استهزاء.

 

 

 

 

 

 

 و رابعا: أن صدر الآية يذكر أنهم يحذرون أن تنزل سورة و ذيلها يقول: إن الله مخرج ما تحذرون فهو في معنى أن يقال: إن الله مخرج سورة أو مخرج تنزيل سورة.

و قد يجاب عن الإشكال الأول بأن قوله: ﴿يَحْذَرُ اَلْمُنَافِقُونَ ﴾«إلخ» إنشاء في صورة خبر أي ليحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة «إلخ».

و هو ضعيف إذ لا دليل عليه أصلا على أن ذيل الآية لا يلائم ذلك إذ لا معنى لقولنا: ليحذر المنافقون كذا قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون أي ما يجب عليكم حذره. و هو ظاهر.

و قد يجاب عنه بأنهم إنما كانوا يظهرون الحذر استهزاء لا جدا و حقيقة. و فيه أن لازمه أنهم كانوا على ثقة بأن ما في قلوبهم من الأنباء و ما أبطنوه من الكفر و الفسوق لا سبيل للظهور و الانجلاء إليه، و لا طريق لأحد إلى الاطلاع عليه، و يكذبه آيات كثيرة في القرآن الكريم تقص ما عقدوا عليه القلوب من الكفر و الفسوق و هموا به من الخدعة و المكيدة كالآيات من سورة البقرة و سورة المنافقين و غيرهما، و إذ كانوا شاهدوا ظهور أنبائهم و مطويات قلوبهم عيانا مرة بعد مرة فلا معنى لثقتهم بأنها لا تنكشف أصلا و إظهارهم الحذر استهزاء لا جدا، و قد قال تعالى: ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾ المنافقون: ٤.

و قد يجاب عنه بأن أكثر المنافقين كانوا على شك من صدق الدعوة النبوية من غير أن يستيقنوا كذبه، و هؤلاء كانوا يجوزون تنزيل سورة تنبئهم بما في قلوبهم احتمالا عقليا، و هذا الحذر و الإشفاق كما ذكروه أثر طبيعي للشك و الارتياب فلو كانوا موقنين بكذب الرسول صلى الله عليه وآله و سلم لما خطر لهم هذا الخوف على بال، و لو كانوا موقنين بصدقه لما كان هناك محل لهذا الخوف و الحذر لأن قلوبهم مطمئنة بالإيمان.

و هذا الجواب و هو الذي اعتمد عليه جمهور المفسرين و إن كان بظاهره لا يخلو عن وجه غير أن فيه أنه إنما يحسم مادة الإشكال لو كان الواقع من التعبير في الآية نحوا من قولنا: يخاف المنافقون أن تنزل عليهم سورة، و لذا قرروا الجواب بأن الخوف يناسب الشك دون اليقين.

لكن الآية تعبر عن شأنهم بالحذر، و يخبر أنهم يحذرون أن تنزل عليهم سورة

 

 

 

 

 

 

«إلخ» و الحذر فيه شي‏ء من معنى الاحتراز و الاتقاء، و لا يتم ذلك إلا بالتوسل إلى أسباب و وسائل تحفظ الحاذر مما يحذره و يحترز منه، و تصونه من شر مقبل إليه من ناحية ما يخافه.

و لو كان مجرد شك من غير مشاهدة أثر من الآثار و إصابة شي‏ء مما يتقونه إياهم لما صح الاحتراز و الاتقاء، فحذرهم يشهد أنهم كانوا يخافون أن يقع بهم هذه المرة نظير ما وقع بهم قبل ذلك من جهة آيات البقرة و غيرها، فهذا هو الوجه لحذرهم دون الشك و الارتياب فالمعتمد في الجواب ما قدمناه.

و قد يجاب عن الإشكال الثاني بأن «على» في قوله: ﴿أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ بمعنى: في كما في قوله: ﴿وَ اِتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا اَلشَّيَاطِينُ عَلى‏َ مُلْكِ سُلَيْمَانَ:﴾ البقرة: - ١٠٢، و المعنى: يحذر المنافقون أن تنزل فيهم أي في شأنهم وبيان حالهم سورة تكشف عما في ضمائرهم.

و فيه أنه لا بأس به لو لا قوله بعده: ﴿تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ على ما سنوضحه.

و قد يجاب عنه بأن الضمير في قوله: ﴿عَلَيْهِمْ﴾ راجع إلى المؤمنين دون المنافقين و المعنى: يحذر المنافقون أن تنزل على المؤمنين سورة تنبئ المنافقين بما في قلوب المنافقين أو تنبئ المؤمنين بما في قلوب المنافقين.

ورد عليه بأنه يستلزم تفكيك الضمائر. و دفع بأن تفكيك الضمائر غير ممنوع و لا أنه مناف للبلاغة إلا إذا كان المعنى معه غير مفهوم، و ربما أيد بعضهم هذا الجواب بأنه ليس هاهنا تفكيك للضمائر فإنه قد سبق أن المنافقين يحلفون للمؤمنين ليرضوهم ثم وبخهم الله بأن الله و رسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين فقد بين هاهنا بطريقة الاستئناف أنهم يحذرون أن تنزل على المؤمنين سورة تنبئهم بما في قلوبهم فتبطل ثقتهم بهم فأعيد الضمير إلى المؤمنين لأن سياق الكلام فيهم فلا أثر من التفكيك.

و فيه أن من الواضح الذي لا يرتاب فيه أن موضوع الكلام في هذه الآيات و آيات كثيرة مما يتصل بها من قبل و من بعد، هم المنافقون، و السياق سياق الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله و سلم لا غيره، و إنما كان خطاب المؤمنين في قوله: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ﴾ لكم ليرضوكم خطابا التفاتيا للتنبيه على غرض خاص أومأنا إليه ثم عاد الكلام إلى سياقها الأصلي

 

 

 

 

 

 

 من خطاب النبي صلى الله عليه وآله و سلم بتبدل خطابهم إلى خطابه فلا معنى لقوله: إن سياق الكلام في المؤمنين.

و لو كان السياق هو الذي ذكره لكان من حق الكلام أن يقال: أن تنزل عليكم سورة تنبئكم بما في قلوبهم، فما معنى العدول إلى ضمير الغيبة، و لم يتقدم في سابق الكلام ذكر لهم على هذا النعت؟.

على أن قوله: إن الآية - ﴿يَحْذَرُ اَلْمُنَافِقُونَ ﴾بيان من طريق الاستئناف لسبب حلفهم للمؤمنين ليرضوهم، إخراج لهذه الطائفة من الآيات من استقلال غرضها الأصلي الذي بحثنا عنه في أول الكلام، و يختل بذلك ما يتراءى من فقرات الآيات من الاتصال و الارتباط.

فالآية ﴿يَحْذَرُ اَلْمُنَافِقُونَ﴾ إلخ ليستبيانا لسبب حلفهم المذكور سابقا بل استئناف مسوق لغرض آخر يهدي إليه مجموع الآيات الإحدى عشرة.

و بالجملة الآيات السابقة على هذه الآية خالية عن ذكر المؤمنين ذكرا يوجب انعطاف الذهن إليه حينما يلقي ضميرا يمكن عوده إليهم و هذا هو التفكيك المذكور، و هو مع ذلك تفكيك ممنوع لإيجابه إبهاما في البيان ينافي بلاغته.

و الحق أن الضمير في قوله: ﴿أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ للمنافقين كما تقدمت الإشارة إليه و لا بأس بأن يسمى تنزيل سورة لبيان حالهم و ذكر مثالبهم و توبيخهم على نفاقهم تنزيلا للسورة عليهم و هم في جماعة المؤمنين غير متميزين منهم كما عبر بنظير التعبير في مورد المؤمنين حيث قال: ﴿وَ اُذْكُرُوا نِعْمَتَ اَللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ مَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ اَلْكِتَابِ وَ اَلْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ البقرة: - ٢٣١.

و قد أتى سبحانه بنظير هذا التعبير في أهل الكتاب حيث قال: ﴿يَسْئَلُكَ أَهْلُ اَلْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِنَ اَلسَّمَاءِ:﴾ النساء: ١٥٣، و في المشركين حيث حكى عنهم قولهم: ﴿وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُهُ﴾ إسراء: - ٩٣، و ليست نسبة المنافقين و هم في المؤمنين إلى نزول القرآن عليهم بأبعد من نسبة المشركين و أهل الكتاب إلى نزوله عليهم، و النزول و الإنزال و التنزيل يقبل التعدي بإلى بعناية الانتهاء و بعلى بعناية الاستعلاء و

 الإتيان‏

 من العلو، و التعدية بكل واحد منهما كثير

 

 

 

 

 

 

 في تعبيرات القرآن، و المراد بنزول الكتاب إلى قوم و على قوم تعرضه لشئونهم وبيانه لما ينفعهم في دنياهم و أخراهم.

و قد يجاب عن الإشكال الثالث بأن قوله تعالى: ﴿قُلِ اِسْتَهْزِؤُا﴾ دليل على أنهم كانوا يستهزءون بالحذر و لم يكن من جد الحذر في شي‏ء.

و فيه أن الآيات الكثيرة النازلة في سورة البقرة و النساء و غيرها و كل ذلك قبل هذه الآيات نزولا المخرجة لكثير من خبايا قلوبهم الكاشفة عن أسرارهم تدل على أن هذا الحذر كان منهم على حقيقته من غير استهزاء و سخرية.

على أنه تعالى وصفهم في سورة المنافقون بمثل قوله: ﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ:﴾ المنافقون: - ٤، و قال في مثل ضربه لهم و فيهم: ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ اَلصَّوَاعِقِ حَذَرَ اَلْمَوْتِ﴾ البقرة: - ١٩ و قد ذكر في الآية التالية.

و الحق أن استهزاءهم إنما هو نفاقهم و قولهم في الظاهر خلاف ما في باطنهم كما يؤيده قوله تعالى: ﴿وَ إِذَا لَقُوا اَلَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَ إِذَا خَلَوْا إِلى‏َ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ﴾ البقرة: - ١٤.

و الجواب عن الإشكال الرابع أن الشي‏ء الذي كانوا يحذرونه في الحقيقة هو ظهور نفاقهم و انكشاف ما في قلوبهم، و إنما كانوا يحذرون نزول السورة لأجل ذلك فالمحذور الذي ذكر في صدر الآية و الذي في ذيل الآية أمر واحد، و معنى قوله ﴿إِنَّ اَللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ﴾ إنه مظهر لما أخفيتموه من النفاق و منبئ لما في قلوبكم.

قوله تعالى: ﴿وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آيَاتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ﴾ الخوض على ما في المجمع، دخول القدم فيما كان مائعا من الماء و الطين ثم كثر حتى استعمل في غيره.

و قال الراغب في المفردات:،

الخوض‏

 هو الشروع في الماء و المرور فيه، و يستعار في الأمور، و أكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذم الشروع فيه. انتهى.

و لم يذكر الله سبحانه متعلق السؤال و أن المسئول عنه الذي إن سأل النبي صلى الله عليه وآله و سلم سأل عنه ما هو؟ غير أن قوله: ﴿لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ﴾ بما له من السياق

 

 

 

 

 

 

المصدر بإنما يدل على أنه كان فعلا صادرا منهم له نوع تعلق بالنبي صلى الله عليه وآله و سلم، و كان أمرا مرئيا يسي‏ء الظن بهم، و لم يكن في وسعهم أن يعتذروا منه بعد ما تبين و انكشف للنبي صلى الله عليه وآله و سلم إلا بأنه إنما كان منهم خوضا و لعبا لم يريدوا به غير ذلك.

و الخوض و اللعب الذين اعتذروا بهما من الأعمال السيئة التي لا يعترف بهما الناس في حالهم العادي و خاصة المؤمنون و سائر المتظاهرين بالإيمان و خاصة إذا كان ذلك في أمر يرجع إلى الله و رسوله غير أنهم لم يجدوا وصفا يصفون به فعلهم لإخراجه عن ظاهر ما يدل عليه، دون أن يعنونوه بأنه كان خوضا و لعبا.

و لذا أمر نبيه صلى الله عليه وآله و سلم أن يوبخهم على ما اعتذروا به فقال: ﴿قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آيَاتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ﴾ ثم فسر عملهم في آخر الآيات بقوله: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَ لَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ اَلْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَ هَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا﴾ الآية.

و يتحصل من مجموع هذه القرائن أن المنافقين كانوا أرادوا النبي صلى الله عليه وآله و سلم بسوء كالفتك به و مفاجأته بما يهلكه و أقدموا على ما قصدوه و تكلموا عند ذلك بشي‏ء من الكلام الردي لكنهم أخطئوا في ما أوقعوه عليه و اندفع الشر عنه، و لم يصب السهم هدفه فلما خاب سعيهم و بان أمرهم سألهم النبي صلى الله عليه وآله و سلم عن ذلك و ما تصدوه به اعتذروا بأنهم كانوا يخوضون و يلعبون فوبخهم النبي صلى الله عليه وآله و سلم بقوله: ﴿أَ بِاللَّهِ وَ آيَاتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ﴾ و رد الله سبحانه إليهم عذرهم الذي اعتذروا به و بين حقيقة ما قصدوا بذلك.

و بالجملة معنى الآية: و أقسم لئن سألتهم عن فعلهم الذي شوهد منهم: ما الذي أرادوا به؟ و كان ظاهره أنهم هموا بأمر فيك ليقولن: لم يكن قصد سوء و لا بالذي ظننت فأسأت الظن بنا، و إنما كنا نخوض و نلعب خوض الركب في الطريق لا على سبيل الجد و لكن لعبا.

و هذا اعتذار منهم بالاستهزاء بالله و آياته و رسوله فإنهم يعترفون بأنهم فعلوا فيك ما فعلوه خوضا و لعبا فقد استهزءوا بالله و رسوله فقل: أ بالله و آياته و رسوله كنتم تستهزءون أي أ تعتذرون عن سيئ فعلكم بسيئة أخرى هي الاستهزاء بالله و آياته و رسوله، و هو كفر؟.

و ليس من البعيد أن يكون الغرض الأصيلبيان كونه استهزاء بالرسول، و إنما

 

 

 

 

 

 

 ذكر الله و آياته للدلالة على معنى الاستهزاء بالرسول، و أنه لما كان من آيات الله كان الاستهزاء به استهزاء بآيات الله، و الاستهزاء بآيات الله استهزاء بالله العظيم فالاستهزاء برسول الله استهزاء بالله و آياته و رسوله.

قوله تعالى: ﴿لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً﴾ الآية، قال الراغب في المفردات،: الطوف‏ المشي حول الشي‏ء و منه الطائف لمن يدور حول البيوت حافظا إلى أن قال و الطائفة من الناس جماعة منهم و من الشي‏ء القطعة منه.

و قوله تعالى: ﴿فَلَوْ لاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي اَلدِّينِ﴾ قال بعضهم: قد يقع ذلك على الواحد فصاعدا، و على ذلك قوله: ﴿وَ إِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ﴾. ﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ﴾.

و الطائفة إذا أريد بها الجمع فجمع طائف، و إذا أريد بها الواحد فيصح أن يكون جمعا و يكنى به عن الواحد، و يصح أن يجعل كراوية و علامة و نحو ذلك. انتهى.

و قد خطأ بعضهم القول بجواز صدق الطائفة على الواحد و الاثنين من الناس كما تصدق على الثلاثة فصاعدا، و بالغ في ذلك حتى عده غلطا و لا دليل له على ما ذكره، و مادة اللفظ لا يستوجب شيئا معينا من العدد، و إطلاقها على القطعة من الشي‏ء يؤيد استعمالها في الواحد.

و قوله: ﴿لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ نهي عن الاعتذار بدعوى أنه لغو كما يدل عليه قوله: ﴿قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ فإن الاعتذار لا فائدة تترتب عليه بعد الحكم بكفرهم بعد إيمانهم.

و المراد بإيمانهم هو ظاهر الإيمان الذي كانوا يتظاهرون به لا حقيقة الإيمان الذي هو من الهداية الإلهية التي لا يعقبها ضلال، و يؤيده قوله تعالى في آخر هذه الآيات: ﴿وَ لَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ اَلْكُفْرِ وَ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ﴾ فبدل الإيمان إسلاما و هو ظاهر الشهادتين.

و يمكن أن يقال: إن من مراتب الإيمان ما هو اعتقاد و إذعان ضعيف غير آب عن الزوال كإيمان الذين في قلوبهم مرض و قد عدهم الله من المؤمنين و ذكرهم مع

 

 

 

 

 

 

 المنافقين لأمنهم، و لا مانع من أن ينسلخوا هذا الإيمان.

و كيف لا؟ و قد سلخ الله الإيمان ممن هو أرسخ إيمانا منهم كالذي يقصه في قوله: ﴿وَ اُتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ اَلَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ اَلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ اَلْغَاوِينَ وَ لَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَ لَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى اَلْأَرْضِ وَ اِتَّبَعَ هَوَاهُ:﴾ الأعراف: ١٧٦.

و قال أيضا: ﴿إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ اِزْدَادُوا كُفْراً:﴾و قد أكثر القرآن الكريم من ذكر الكفر بعد الإيمان فلا مانع من زوال الاعتقاد القلبي قبل رسوخه و هو اعتقاد.

نعم الإيمان المستقر و الاعتقاد الراسخ لا سبيل إلى عروض الزوال له قال تعالى: ﴿مَنْ يَهْدِ اَللَّهُ فَهُوَ اَلْمُهْتَدِي﴾ الأعراف: ١٧٨ و قال: ﴿فَإِنَّ اَللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ﴾ النحل: - ٣٧.

و قوله: ﴿إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً﴾ يدل على أن هؤلاء المنافقين المذكورين في الآيات كانوا ذوي عدد و كثرة، و أن كلمة العذاب وقعت عليهم لا بد لهم من العذاب فلو شمل بعضهم عفو إلهي لمصلحة في ذلك وقع العذاب على الباقين فهذا معنى الجملة: ﴿إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً﴾ بحسب ما يفهم من نظمه و سياقه.

و بعبارة أخرى رابطة اللزوم بين الشرط و الجزاء بترتب الجزاء و تفرعه على الشرط إنما هي بالتبع و أصله ترتب الجزاء هاهنا على أمر يتعلق به الشرط و هو أن العذاب وجب على جماعتهم فإن عفي عن بعضهم تعين الباقون من غير تخلف.

و قد ظهر بما قدمناه أولا: وجه ترتب قوله: ﴿نُعَذِّبْ طَائِفَةً﴾ على قوله: ﴿إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ﴾ و اندفع ما استشكله بعضهم على الآية أنه لا ملازمة بين العفو عن البعض و عذاب البعض فما معنى الاشتراط؟.

و الجواب: أن اللزوم بحسب الأصل بين وجوب نزول العذاب على الجماعة و بين نزوله على بعضهم ثم انتقل إلى ما بين العفو عن البعض و بين نزوله على بعضهم كما قررناه.

و ثانيا: أن المراد بالعفو هو ترك العذاب لمصلحة من مصالح الدين دون العفو

 

 

 

 

 

 

 بمعنى المغفرة المستندة إلى التوبة إذ لا وجه ظاهرا لمثل قولنا: إن غفرنا لطائفة منكم لتوبتهم نعذب طائفة لجرمهم مع أنهم لو تابوا جميعا لم يعذبوا قطعا.

و قد ندب الله إليهم جميعا أن يتوبوا حيث قال في آخر الآيات: ﴿فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَ إِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اَللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي اَلدُّنْيَا وَ اَلْآخِرَةِ﴾.

و ثالثا: أن العفو في الآية بل و العذاب المذكور فيها هو العفو عن العذاب الدنيوي و تركها و كذا القول في العذاب فإن العفو من العذاب الأخروي على ما تنص عليه الآيات القرآنية إنما يكون لتوبة أو شفاعة، و لا تحقق لواحد منهما فيما نحن فيه أما التوبة فلما تبين أنها غير مرادة في الآية، و أما الشفاعة فلما ثبت بآيات الشفاعة أن الشفاعة لا ينالها في الآخرة إلا مؤمن مرضي الإيمان، و قد استوفينا البحث عنها في الجزء الأول من الكتاب.

و رابعا: أنه لا مانع من كون الآية أعني قوله: ﴿لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ﴾ الآية من تتمة كلام النبي صلى الله عليه وآله و سلم فإن المراد بالعفو و العذاب هو العذاب الدنيوي بالسياسة و تركه، و لا مانع من نسبتهما إلى النبي صلى الله عليه وآله و سلم.

لكن ظاهر الآيات التالية هو كونه من قول الله سبحانه خطابا للمنافقين فيكون التفاتا من خطاب النبي صلى الله عليه وآله و سلم إلى خطابهم و النكتة فيه إظهار كمال الغضب و اشتداد السخط من صنعهم حتى كأنه لا يفي بإيذانه و إعلامه الرسالة فواجههم بنفسه و خاطبهم بشخصه فهددهم بعذاب واقع لا مرد له و لا مفر منه.

قوله تعالى: ﴿اَلْمُنَافِقُونَ وَ اَلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ إلى آخر الآيتين، ذكروا أنه استئناف يتعرض لحال عامة المنافقين بذكر أوصافهم العامة الجامعة و تعريفهم بها و ما يجازيهم الله في عاقبة أمرهم ثم يتعرض لحال عامة المؤمنين و يعرفهم بصفاتهم الجامعة و يذكر ما ينبئهم الله به على سبيل المقابلة استتماما للقسمة، و من الدليل على هذا الاستيفاء ذكر جزاء الكفار مع المنافقين في قوله: ﴿وَعَدَ اَللَّهُ اَلْمُنَافِقِينَ وَ اَلْمُنَافِقَاتِ وَ اَلْكُفَّارَ﴾ الآية.

و الظاهر أن الآية في مقام التعليل لقوله في الآية السابقة: ﴿إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً﴾ و سياق مخاطبة المنافقين جار لم ينقطع بعد.

فالآية السابقة لما دلت على أنه تعالى لا يترك المنافقين حتى يعذبهم بأجرامهم

 

 

 

 

 

 

 فإن ترك بعضا منهم لحكمة و مصلحة أخذ آخرين منهم بالعذاب كان هناك مظنة أن يسأل فيقال: ما وجه أخذ البعض إذا ترك غيره؟ و هل هو إلا كأخذ الجار بجرم الجار فأجيب ببيان السبب و هو أن المنافقين جميعا بعضهم من بعض لاشتراكهم في خبائث الصفات و الأعمال، و اشتراكهم في جزاء أعمالهم و عاقبة حالهم.

و لعله ذكر المنافقات مع المنافقين مع عدم سبق لذكرهن للدلالة على كمال الاتحاد و الاتفاق بينهم في نفسيتهم، و ليكون تلويحا على أن من النساء أيضا أجزاء مؤثرة في هذا المجتمع النفاقي الفاسد المفسد.

فمعنى الآية لا ينبغي أن يستغرب أخذ بعض المنافقين إذا ترك البعض الآخر لأن المنافقين و المنافقات يحكم عليهم نوع من الوحدة النفسية يوحد كثرتهم فيرجع بعضهم إلى بعض، فيشركهم في الأوصاف و الأعمال و ما يجازون به بوعد من الله تعالى.

فهم يأمرون بالمنكر و ينهون عن المعروف و يمسكون عن الإنفاق في سبيل الله و بعبارة أخرى نسوا الله تعالى بالإعراض عن ذكره لأنهم فاسقون خارجون عن زي العبودية فنسيهم الله فلم يثبهم بما أثاب عباده الذاكرين مقام ربهم.

ثم ذكر ما وعدهم على ذلك فقال: ﴿وَعَدَ اَللَّهُ اَلْمُنَافِقِينَ وَ اَلْمُنَافِقَاتِ وَ اَلْكُفَّارَ ﴾ و عطف عليهم الكفار لأنهم جميعا سواء ﴿نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ﴾ من الجزاء لا يتعدى فيهم إلى غيرها ﴿وَ لَعَنَهُمُ اَللَّهُ﴾ و أبعدهم ﴿وَ لَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ ثابت لا يزول عنهم البتة.

و قد ظهر بذلك أن قوله تعالى: ﴿نَسُوا اَللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ إلخ؟بيان لما تقدمه من قوله: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمَعْرُوفِ وَ يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ﴾.

و يتفرع على ذلك أن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الإنفاق في سبيل الله من الذكر.

قوله تعالى: ﴿كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَ أَكْثَرَ أَمْوَالاً وَ أَوْلاَداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاَقِهِمْ﴾ إلخ، قال الراغب: الخلاق‏ ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه قال تعالى: ﴿وَ مَا لَهُ فِي اَلْآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ﴾ انتهى و فسره غيره بمطلق النصيب.

و الآية من تتمة مخاطبة المنافقين التي في قوله: ﴿لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾

 

 

 

 

 

 

الآية في سياق واحد متصل و في الآية تشبيه حال المنافقين بحال من كان قبلهم من الكفار و المنافقين و قياسهم إليهم ليستشهد بذلك على ما قيل: إن المنافقين و المنافقات بعضهم من بعض و أنهم جميعا و الكفار ذوو طبيعة واحدة في الإعراض عن ذكر الله و الإقبال على الاستمتاع بما أوتوا من أعراض الدنيا من أموال و أولاد و الخوض في آيات الله ثم في حبط أعمالهم في الدنيا و الآخرة و الخسران.

و معنى الآية و الله أعلم أنتم كالذين من قبلكم كانت لهم قوة و أموال و أولاد بل أشد و أكثر في ذلك منكم، فاستمتعوا بنصيبهم و قد تفرع على هذه المماثلة أنكم استمتعتم كما استمتعوا و خضتم كما خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا و الآخرة و أولئك هم الخاسرون و أنتم أيضا أمثالهم في الحبط و الخسران و لذا وعدكم النار الخالدة و لعنكم.

و ذكر كون قوة من قبلهم أشد و أموالهم و أولادهم أكثر للإيماء إلى أنهم لم يعجزوا الله بذلك، و لم يدفع ذلك عنهم غائلة الحبط و الخسران فكيف بكم و أنتم أضعف قوة و أقل أموالا و أولادا؟.

قوله تعالى: ﴿أَ لَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَ عَادٍ وَ ثَمُودَ وَ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَ أَصْحَابِ مَدْيَنَ وَ اَلْمُؤْتَفِكَاتِ﴾ الآية رجوع إلى السياق الأول و هو سياق مخاطبة النبي صلى الله عليه وآله و سلم مع افتراض الغيبة في المنافقين، و تذكير لهم بما قص عليهم القرآن من قصص الأمم الماضين.

فذاك قوم نوح عمهم الله سبحانه بالغرق، و عاد و هم قوم هود أهلكهم بريح صرصر عاتية، و ثمود و هم قوم صالح عذبهم بالرجفة، و قوم إبراهيم أهلك ملكهم نمرود و سلب عنهم النعمة، و المؤتفكات‏ و هي القرى المنقلبات على وجهها من ائتفكت الأرض إذا انقلبت قرى قوم لوط جعل عاليها سافلها.

و قوله: ﴿أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ أي بالواضحات من الآيات و الحجج و البراهين و هوبيان إجمالي لنبئهم أي كان نبؤهم أن أتتهم رسلهم بالآيات البينة فكذبوها فانتهى أمرهم إلى الهلاك، و لم يكن من شأن السنة الإلهية أن يظلمهم لأنه بين لهم الحق و الباطل، و ميز الرشد من الغي، و الهدى من الضلال، و لكن كان أولئك الأقوام

 

 

[1]   بل هو أيضا كالغارمين و الرقاب لا يدفع إليه نصيبه و إنما يصرف في المصلحة المتعلقة به من الزاد و اكتراء الراحلة حتى يصل إلى وطنه ب.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 22215281

  • التاريخ : 3/02/2025 - 19:59

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net