00989338131045
 
 
 
 
 
 

 من آية (105 - 115) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير كنز الدقائق ( الجزء الثاني )   ||   تأليف : الميرزا محمد المشهدي

الآية: 105 - 115

[ إنا أنزلنا إليك الكتب بالحق لتحكم بين الناس بمآ أرك الله ولا تكن للخآئنين خصيما(105) ]

كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون: من إظهار الدين واستحقاق الثواب فأنتم أحرى وأولى على حربهم، منهم على قتالكم.

وهذا إلزام على المؤمنين، وتقريع على التواني فيه، بأن الضرر دائر بين الفريقين، غير مختص بهم.

وقرئ " أن تكونوا " بالفتح، أي ولا تهنوا لان تكونوا تألمون، ويكون قوله: " فإنهم يألمون " علة للنهي عن الوهن لاجله. وكان الله عليما: بمصالح خلقه. حكيما: فيما يأمر وينهي.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما رجع من وقعة احد ودخل المدينة نزل عليه جبرئيل، فقال: يا محمد إن الله يأمرك أن تخرج في أثر القوم، ولا يخرج معك إلا من به جراحة، فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مناديا ينادي يا معاشر المهاجرين والانصار، من كانت به جراحة فليخرج، ومن لم يكن به جراحة فليقم، فأقبلوا يضمدون جراحاتهم ويداوونها، فأنزل الله على نبيه " ولا تهنوا " الآية وقال (عزوجل): " أن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله " إلى قوله: " شهداء "(1): فخرجوا على ما بهم من الالم والجراح(2).

إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بمآ أراك الله: بما عرفك وأوحى إليك.

___________________________________

(1) آل عمران: 140.

(2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 124 س 21 في تفسيره لآية 104 من سورة آل عمران. (*)

[611]

وليس من الرؤية بمعنى العلم، وإلا لاستدعى ثلاثة مفاعيل.

في اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسن قال: وجدت في نوادر محمد بن سنان، عن محمد بن سنان قال: قال أبوعبدالله (عليه السلام): لا والله ما فوض الله إلى أحد من خلقه، إلى رسول الله وإلى الائمة (عليهم السلام)، قال الله (عزوجل): " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله " وهي جارية في الاوصياء (عليهم السلام)(1)(2).

وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله): عن أبي عبدالله (عليه السلام)، حديث طويل يقول فيه (عليه السلام) لابي حنيفة: وتزعم أنك صاحب رأي، وكان الرأي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صوابا ومن دونه خطأ لان الله تعالى قال: " فاحكم بين الناس بما أراك الله " ولم يقل ذلك لغيره(3).

وفي الجوامع: روي أن أبا طعمة بن ابيرق سرق درعا من جار له، اسمه قتادة ابن النعمان ونقلها عند رجل من اليهود، فأخذ الدرع من منزل اليهود، فقال: دفعها إلي أبوطعمة فجاء بنو ابيرق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكلموا أن يجادل عن صاحبهم، وقالوا: إن لم تفعل هلك وافتضح، وبرأ اليهودي، فهم رسول الله أن يفعل وأن يعاقب اليهودي، فنزلت(4).

والظاهر أن هذه الرواية من العامة، لانهم رووها مع زيادات، ومنطبق على اصولهم(5).

___________________________________

(1) وللعلامة المحقق المجلسي (طيب الله رمسه) تحقيقات دقيقة في معنى التفويض، وأعرضنا عن نقله خوفا من الاطالة، ومن أراد فليراجع: (مرآة العقول: ج 3 ص 142).

(2) الكافي: ج 1 ص 267 كتاب الحجة، باب التفويض إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى الائمة (عليهم السلام) في أمر الدين ح 8.

(3) الاحتجاج: ج 2 ص 117، فيما احتج به الصادق (عليه السلام) على أبي حنيفة س 8.

والآية: " لتحكم بين الناس بما أراك الله ".

(4) جوامع الجامع: ص 95 في تفسيره لآية 105 و 106 من سورة النساء.

(5) لاحظ الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ط بيروت: ج 2 من ص 670 - 677. (*)

[612]

[ واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما(106) ولا تجدل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما(107) يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون مالايرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا(108) ]

والصحيح ما روي عن علي بن إبراهيم في مجمع البيان، وسيأتي.

ولا تكن للخآئنين: أي جلهم والذب عنهم. خصيما: للبرآء.

واستغفر الله: مما هممت به من عقاب اليهودي بالتماس بني ابيرق، كما نقل عن النواصب، ومما فعلت من معاتبة قتادة وصيرورتك سبب اغتمامه حين لم تطلع على أنه محق على ما سيجي ء.

إن الله كان غفورا رحيما: لمن يستغفره.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: كان سبب نزولها أن قوما من الانصار من بني ابيرق، إخوة ثلاثة كانوا منافقين، بشير ومبشر وبشر، فنقبوا على عم قتادة بن النعمان، وكان قتادة بدريا وأخرجوا طعاما كان أعده لعياله وسيفا ودرعا، فشكى قتادة ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن قوما نقبوا على عمي وأخذوا طعاما كان أعده لعياله، وسيفا ودرعا، وهم أهل بيت سوء، وكان معهم في الرأي رجل مؤمن يقال له: لبيد بن سهل، فقال بنو ابيرق لقتادة: هذا عمل لبيد بن سهل، فبلغ ذلك قريش لبيدا فأخذ سيفه وخرج عليهم، فقال: يا بني ابيرق أتر مونني بالسرق وأنتم أولى به مني، وأنتم منافقون تهجون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتنسبونه إلى قريش،

[613]

لتبينن ذلك أو لاملان سيفي منكم، فداروه وقالوا له: ارجع يرحمك الله فإنك برئ من ذلك، فمشى بنوبن ابيرق إلى رجل من اهلهم يقال له: اسيد بن عروة وكان منطقيا بليغا فمشى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان عمد إلى أهل بيت من أهل شرف وحسب ونسب فرماهم بالسرق، واتهمهم بما ليس فيهم، فاغتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من ذلك وجاء إليه قتادة، فأقبل عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له: عمدت إلى أهل بيت شرف وحسب ونسب فرميتهم بالسرقة، فعاتبه عتابا شديدا، فاغتم قتادة من ذلك، ورجع إلى عمه وقال: ليتني مت ولم أكلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد كلمني بما كرهته، فقال له عمه: الله المستعان، فأنزل الله في ذلك على نبيه " إنا أنزلنا إليك الكتاب " الآيات(1).

وفي مجمع البيان: ما يقرب منه، قال: وكان بشر يكنى أبا طعمة، وكان يقول الشعر ويهجوبه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم يقول: قاله فلان(2).

ولا تجدل عن الذين يختانون أنفسهم: يخونونها، فإن وبال خيانتهم يعود إليها، أو جعل المعصية خيانة لها كما جعلت ظلما عليها.

إن الله لا يحب من كان خوانا: مبالغا في الخيانة مصرا عليها.

أثيما: منهمكا فيه.

يستخفون من الناس: يستترون منهم حياء وخوفا.

ولا يستخفون من الله: ولا يستحيون منه، وهو أحق بأن يستحى ويخاف منه.

وهو معهم: لا يخفى عليه سرهم، فلا طريق معه إلا ترك ما يستقبحه ويؤاخذ عليه.

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 150 س 20 في تفسيره لآية 105 و 106 من سورة النساء.

(2) مجمع البيان: ج 3 ص 105 في بيان سبب نزول آية 105 و 106 من سورة النساء. (*)

[614]

[ هأنتم هؤلآء جدلتم عنهم في الحيوة الدنيا فمن يجدل الله عنهم يوم القيمة أم من يكون عليهم وكيلا(109) ومن يعمل سوء‌ا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما(110) ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما(111) ]

إذ يبيتون: يدبرون ويزورون.

ما لا يرضى من القول: من رمي الغير، والحلف الكاذب، وشهادة الزور.

وفي تفسير على بن إبراهيم: يعني الفعل، فوقع القول مقام الفعل(1).

وكان الله بما يعملون محيطا: لا يفوت عنه شئ.

هأنتم هؤلاء: مبتدأ وخبر.

جدلتم عنهم في الحيوة الدنيا: جملة مبينة لوقوع " أولاء " خبرا، أو صلة عند من يجعله موصولا.

فمن يجدل الله عنهم يوم القيمة أم من يكون عليهم وكيلا: محاميا يحميهم من عذاب الله.

ومن يعمل سوء‌ا: قبيحا يسوء به غيره.

أو يظلم نفسه: بما يختص به ولا يتعداه.

وقيل: المراد بالسوء مادون الشرك، وبالظلم الشرك.

وقيل: الصغيرة والكبيرة.

ثم يستغفر الله: بالتوبة.

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 151 س 18 في تفسيره لآية 105 و 106 من سورة النساء (*)

[615]

[ ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتنا وإثما مبينا(112) ولو لا فضل الله عليك ورحمته لهمت طآئفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ وأنزل الله عليك الكتب والحكمة وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما(113) ]

يجد الله غفورا: لذنوبه.

رحيما: متفضلا عليه، وفيه حث لهم على التوبة.

وفي نهج البلاغة: من أعطى الاستغفار لم يحرم المغفرة، ثم تلا الآية(1).

ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه: فلا يتعداه وباله.

وكان الله عليما حكيما: فهو عالم بفعله، حكيم في مجازاته.

ومن يكسب خطيئة: صغيرة أو مالا عمد فيه.

أو إثما: كبيرة، أو ما كان عن عمد.

ثم يرم به بريئا: كما رمى بشير لبيدا، ووحد الضمير لمكان (أو).

فقد احتمل بهتنا وإثما مبينا: بسبب رمي البرئ، وتنزيه النفس الخاطئة، ولذلك سوى بينهما وإن كان مقترف أحد هما دون مقترف الآخر.

وفي تفسير العياشي: عن عبدالله بن حماد الانصاري، عن عبدالله بن سنان قال: قال لي أبوعبدالله (عليه السلام): الغيبة أن تقول في أخيك ما هو فيه مما قد

___________________________________

(1) نهج البلاغة: ص 494 قصارى الحكم(135)، وضبط الآية الشريفة من السيد الرضي (طيب الله رمسه) حيث قال: وتصديق ذلك كتاب الله. (*)

[616]

ستره الله عليك.

فأما إذا قلت ما ليس فيه فذاك قول الله: " فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا "(1).

ولولا فضل الله عليك ورحمته: بإلهام ماهم عليه بالوحي.

لهمت طآئفة منهم أن يضلوك: عن أن يضلوك عن القضاء بالحق مع علمهم بالحال.

والجملة جواب " لولا " وليس المراد نفي همتهم، بل نفي تأثيره فيه.

وما يضلون إلا أنفسهم: لانه ما أزالوك عن الحق، وعاد وباله إليهم.

وما يضرونك من شئ: فإن الله عاصمك وناصرك ومؤيدك، وما جرى عليك من معاتبة قتادة كان اعتمادا منك على ظاهر الامر.

و " من شئ " في موضع النصب على المصدر، أي شيئا من الضرر.

وأنزل الله عليك الكتب والحكمة وعلمك مالم تكن تعلم: من خفيات الامور وامور الدين والاحكام.

وكان فضل الله عليك عظيما: إذ لا فضل أعظم من النبوة.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: وفي رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن اناسا من رهط بشير الادنين انطلقوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا نكلم في صاحبنا برئ، فلما أنزل الله " يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم " إلى قوله " وكيلا " فأقبلت رهط بشير فقال: يا بشير استغفر الله وتب من الذنب، فقال: والذي أحلف به ما سرقها إلا لبيد، فنزلت: " ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا " ثم أن بشير كفر ولحق بمكة، وأنزل الله في النفر الذين أعذروا بشيرا وأتوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليعذروه: " ولولا فضل الله عليك ورحمته " الآية، ونزل في بشير وهو بمكة: " ومن يشاقق الرسول من بعد ماتبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساء‌ت

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 275 ح 270. (*)

[617]

مصيرا "(1)(2).

وفي روضة الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين ابن سعيد، عن سليمان الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: في قول الله (تبارك وتعالى): " إذ يبيتون مالا يرضى من القول " قال: فلانا وفلانا وأبا عبيدة بن الجراح(3).

وفي كتاب الاحتجاج للطبرسي (رحمه الله)، حديث طويل عن أميرالمؤمنين (عليه السلام)، وفيه يقول (عليه السلام): وقد بين الله قصص المغيرين بقوله " إذ يبيتون مالا يرضى من القول " بعد فقد الرسول مما يقيمون به أود باطلهم حسب ما فعلته اليهود والنصارى بعد فقد موسى وعيسى من تغيير التوراة والانجيل وتحريف الكلم عن مواضعه(4).

وفي تفسير العياشي: عن عامر بن كثير السراج، وكان داعية الحسين بن علي (عليه السلام)، عن عطاء الهمداني، عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله: " إذ يبيتون مالا يرضى من القول " قال: فلان وفلان وفلان وأبوعبيدة ابن الجراح(5).

وفي رواية عمر بن أبي سعيد، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: هما وأبو عبيدة بن الجراح(6).

وفي رواية عمر بن صالح قال: الاول والثاني وأبوعبيدة بن الجراح(7).

___________________________________

(1) النساء: 115.

(2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 152 س 1 في تفسيره لآية 113 من سورة النساء.

(3) الكافي: ج 8 ص 334 ح 525.

(4) كتاب الاحتجاج: ص 249 احتجاجه على زنديق جاء مستدلا بآي من القرآن متشابهة، س 13.

(5) تفسير العياشي: ج 1 ص 274 ح 267 .

(6) تفسير العياشي: ج 1 ص 274 ح 268.

(7) تفسير العياشي: ج 1 ص 275 ح 269. (*)

[618]

[ * لا خير في كثير من نجوهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما(114) ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وسآء‌ت مصيرا(115) ] لا خير في كثير من نجوهم: من متناجيهم، أو من تناجيهم.

إلا من أمر بصدقة: فهو على التقدير الثاني على حذف مضاف، أي إلا نجوى من أمر، أو على الانقطاع بمعنى ولكن من أمر بصدقة، ففي نجواه الخير.

أو معروف: المعروف كل ما يستحسنه الشرع، ولا ينكره العقل، ويندرج فيه القرض وإعانة الملهوف، وصدقة التطوع.

وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبدالحميد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله (عزوجل): " لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف " قال: يعني بالمعروف، القرض(1).

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن أبيه جميعا، عن يونس، عن عبدالله بن سنان وابن مسكان، عن أبي الجارود قال: قال أبوجعفر (عليه السلام) إذا حدثتكم بشئ فاسألوني عن كتاب الله؟ ثم قال في حديثه: إن الله نهى عن القيل والقال، وفساد المال، وكثرة السؤال، فقالوا: يابن رسول الله اين هذا من كتاب

___________________________________

(1) الكافي: ج 3 ص 34 كتاب الزكاة، باب القرض ح 3. (*)

[619]

الله؟ قال: إن الله (عزوجل) يقول في كتابه: " لا خير في كثير من نجواهم " الآية، وقال: " لا تأتوا السفهاء الموالكم التي جعل الله لكم قياما " وقال: " ولا تسألوا عن اشياء إن تبدلكم تسؤكم "(1).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إن الله فرض التمحل في القرآن، قلت: وما التمحل جعلت فداك؟ قال: أن يكون وجهك أعرض عن وجه أبيك فتمحل له، وهو قوله: " لا خير في كثير من نجواهم "، وحدثني أبي، عن رجاله رفعه إلى أميرالمؤمنين (عليه السلام) قال: إن الله فرض الله عليكم زكاة جاهكم كما فرض عليكم ما ملكت أيديكم(2).

أو إصلح بين الناس: أي إصلاح ذات بين.

في اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: الكلام ثلاثة، صدق وكذب وإصلاح بين الناس.

قال: قلت: جعلت فداك ما الاصلاح بين الناس؟ قال: تسمع من الرجل(3) كلاما يبلغه فيخبث نفسه فتلقاه فتقول:

___________________________________

(1) الكافي: ج 1 ص 60 ح 5.

(2) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 152 س 15 في تفسيره لآية 124 من سورة النساء.

(3) (تسمع من الرجل) كان (من) بمعنى (في) كما في قوله تعالى: " إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة " أي فيه، وكذا قالوا: في قوله سبحانه: " فاروني ماذا خلق من الارض " أي في الارض، ويحتمل أن يكون تقدير الكلام: تسمع من رجل كلاما في حق رجل آخر يذمه به، فيبلغ الرجل الثاني ذلك الكلام فتخبث نفسه عن الاول، أي يتغير عليه ويبغضه، فتلقى الرجل الثاني فتقول: سمعت من الرجل الاول فيك كذا وكذا من مدحه خلاف ما سمعت منه من ذمه.

والتكلف فيه من جهة ارجاع ضمير يبلغه إلى الرجل الثاني وهو غير مذكور في الكلام، لكنه معلوم بقرينة المقام.

وهذا القول، وإن كان كذبا لغة وعرفا، جائز لقصد الاصلاح بين الناس، وكأنه لا خلاف فيه عند أهل الاسلام، إلى أن قال: ويدل الحديث على أن الكذب شرعا إنما يطلق على ما كان مذموما فغير المذموم قسم ثالث من الكلام يسمى إصلاحا، فهو واسطة بين الصدق والكذب (مرآة العقول: ج 10 ص 334).

[620]

سمعت من فلان قال فيك من كذا وكذا، خلاف ما سمعت منه(1).

وفي كتاب الخصال: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ثلاثة يحسن فيهن الكذب، المكيدة في الحرب، وعدتك زوجتك، والاصلاح بين الناس(2).

ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما: بني الكلام على الامر ورتب الجزاء على الفعل، ليدل على أنه لما دخل الآمر في زمرة الخيرين كان الفاعل ادخل فيهم، فإن العمدة والغرض هو الفعل، واعتبار الامر من حيث إنه وصلة إليه، وقيد الفعل بأن يكون لطلب مرضاة الله، لان الاعمال بالنيات، وأن من فعل خيرا رياء وسمعة لم يستحق به من الله [ أجرا(3) ] ووصف الاجر بالعظيم، تنبيها على حقارة مافات في جنبه من أغراض الدنيا(4). وقرأ حمزة وابن عمرو " يؤتيه " بالياء.

ومن يشاقق الرسول: يخالفه، من الشق، فإن كلا من المتخالفين في شق غير شق الآخر.

من بعد ما تبين له الهدى: ظهر له الحق.

ويتبع غير سبيل المؤمنين: غير ماهم عليه من اعتقاد وعمل.

نوله ما تولى: نجعله واليا لمن تولى من الضلال، ونخلي بينه وبين ما اختاره.

ونصله جهنم: وندخله فيها. وقرئ بفتح النون من صلى.

وسآء‌ت مصيرا: جهنم.

وفي تفسير علي بن إبراهيم: إنها نزلت في بشير، كما مر(5).

___________________________________

(1) الكافي: ج 2 ص 341 كتاب الايمان والكفر، باب الكذب، ح 16.

(2) الخصال: ص 87 باب الثلاثة قطعة من ح 20.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في النسخة - أ واثبتناه من المصدر لاقتضاء السياق.

(4) من كلام البيضاوي: ج 1 ص 243 لا حظ تفسيره لآية 114 من سورة النساء.

(5) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1 ص 152 س 10. (*)

[621]

قال البيضاوي: والآية تدل على حرمة مخالفة الاجماع، لانه تعالى رتب الوعيد الشديد على المشاقة واتباع غير سبيل المؤمنين: وذلك إما لحرمة كل واحد منهما، أو أحدهما، أو الجمع بينهما، والثاني باطل، إذ يقبح أن يقال: من شرب الخمر وأكل الخنزير استوجب الحد، وكذا الثالث، لان المشاقة محرمة ضم إليها غيرها أو لم يضم، وإذا كان اتباع غير سبيلهم محرما، كان اتباع سبيلهم واجبا، لان ترك اتباع سبيلهم ممن عرف سبيلهم اتباع غير سبيلهم(1).

وفيه: إنه لاشك في حجية إجماع جميع المسلمين باعتبار دخول المعصوم فيه، ولا يلزم منه حجية الاجماع الذي هو مدعاه فتأمل.

وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي حمزة، عن عقيل الخزاعي: أن أميرالمؤمنين (صلوات الله عليه) كان إذا حضر الحرب يوصي المسلمين بكلمات، فيقول: تعاهدوا الصلاة، إلى أن قال (عليه السلام): يقول الله (عزوجل): " ومن يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ماتولى " من الامانة(2)، فقد خسر من ليس من أهلها، وضل عمله، عرضت على السماوات المبنية، والارض المهاد، والجبال المنصوبة، فلا أطول ولا أعرض ولا أعلى ولا أعظم، لو امتنعت من طول أو عرض أو قوة أو عزة امتنعن، ولكن اشفقن من العقوبة(3). والحديث طويل أخذنا من موضع الحاجة.

وفي نهج البلاغة: قال (عليه السلام): إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبابكر وعمر وعثمان على ما با يعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والانصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماما كان

___________________________________

(1) قاله: ج 1 ص 243 عند تفسيره لاية 115 من سورة النساء.

(2) (من الامانة) كذا وجدناه من نسخ الكافي، والصواب (ثم الامانة) كما يظهر من بعض خطبه (عليه السلام) في نهج البلاغة، وزاد فيه بعد قوله: " ولا اعظم " لفظة (منها) ثم قال: ولو امتنع شئ بطول أو عرض أو قوة أو عزلا متنعن، وهو الصواب (الوافي ط حجري: ج 2 ابواب الجهاد ص 19).

(3) الكافي: ج 5 ص 36 كتاب الجهاد باب ماكان يوصي أميرالمؤمنين (عليه السلام) به عند القتال، قطعة من ح 1. (*)

[622]




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21339368

  • التاريخ : 29/03/2024 - 15:28

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net