00989338131045
 
 
 
 
 
 

 من آية (90 - 100) 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير كنز الدقائق ( الجزء الثاني )   ||   تأليف : الميرزا محمد المشهدي

الآية: 90 - 100

[ إن الذين كفروا بعد إيمنهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون(90) إن الذين كفروا و ما توا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم مل‌ء‌الارض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من نصرين(91) ]

أصدق منك، وأن الله تعالى أصدق الثلاثة، ورجع إلى المدينة وتاب وحسن إسلامه، وهو المروي عن أبي عبدالله (عليه السلام)(1).

إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا: كاليهود كفروا بعيسى والانجيل بعد الايمان بموسى والتوراة، ثم ازدادوا كفرا بمحمد (صلى الله عليه وآله) والقرآن.

أو كفروا بمحمد (صلى الله عليه وآله) بعد ما آمنوا به قبل مبعثه، ثم ازدادوا كفرا بالاصرار والعناد والطعن فيه والصد عن الايمان به ونقض الميثاق.

أو كقوم ارتدوا والحقوا بمكة، ثم ازدادوا كفرا بقولهم: نتربص بمحمد ريب المنون، أو نرجع إليه وننافقه بإظهاره(2).

أو كقوم كفروا بما نص النبي (صلى الله عليه وآله) في وصيه عند شياطينهم بعد ما آمنوا به عنده، ثم ازدادوا كفرا بادعاء الخلافة والوصاية لانفسهم.

لن تقبل توبتهم: لانهم لا يتوبون، إلا عنداليأس ومعاينة الموت، أو لان توبتهم لا تكون إلا نفاقا، فعدم قبول توبتهم لعدم كونها توبة حقيقة، لا لكفرهم وازدياد كفرهم، ولذلك لم يدخل الفاء فيه، بخلاف الموت على الكفر، فإنه سبب(1) مجمع البيان: ج 2 ص 471 في بيان شأن النزول لقوله تعالى: " كيف يهدي الله " الآيات.

(2) الاحتمالات موجودة في الكشاف، لا حظ: ج 1 ص 382 في تفسيره لقوله تعالى: " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ". (*)

[154]

لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شئ فإن الله به عليم(92) ]

لعدم قبول الفدية، فدخل الفاء فيه. وأولئك هم الضآلون: الثابتون على الضلال.

إن الذين كفروا وما تواوهم كفار فلن يقبل من أحدهم مل‌ء الارض ذهبا: مل‌ء الشئ، مايملاه وذهبا " تميز.

وقرئ بالرفع على البدل من " مل‌ء الارض " أوالخبر لمحذوف.

ولو افتدى به: معطوف على مضمر، أي فلن يقبل من أحدهم مل‌ء الارض ذهبا لو تقرب به في الدنيا، ولو افتدى به من العذاب في الآخرة، أو محمول على المعنى كأنه قيل: فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بمل‌ء الارض ذهبا.

قيل: ويحتمل أن يكون المراد، فلن يقبل من أحدهم إنفاقه في سبيل الله بمل‌ء الارض ذهبا، ولو كان على وجه الافتداء من عذاب الآخرة من دون توقع ثواب آخر(1).

والاوجه آن يقال في تقديره: فلن يقبل من أحدهم مل‌ء الارض ذهبا ملكه ولو افتدى به.

أولئك لهم عذاب أليم: مبالغة في التحذير، وإقناط، لان من لا يقبل منه الفداء ربما يعفى عنه تكرما.

وما لهم من نصرين: في دفع العذاب، ومن " من " مزيدة للاستغراق، وإيراد الجمع إما للتوزيع، أو للمبالغة.

لن تنالوا البر: أي لن تبلغوا حقيقة البر، وهو كمال الخير، أو البر المعهود،

___________________________________

(1) نقله في أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 171 في تفسيره لقوله تعالى: " إن الذين كفروا وما تواوهم كفار " الآية. (*)

[155]

وهو برالله.

حتى تنفقوا مما تحبون: من المال، أو ما يعمه وغيره كبذل الجاه في معاونة الناس، والبدن في طاعة الله، والمهجة في سبيل الله.

وقرأ بعض ما تحبون، وهو يدل على أن " من " للتبعيض، ويحتمل التبيين.

وفي روضة الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمر بن عبدالعزيز، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " قال: هكذا فاقرأها(1).

وفي مجمع البيان: وقد روي عن أبي الطفيل قال: اشترى علي (عليه السلام) ثوبا فأعجبه، فتصدق به وقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من آثر على نفسه آثره الله يوم القيامة بالجنة، ومن أحب شيئا فجعله لله قال الله يوم القيامة، قد كان العباد يكافئون فيما بينهم بالمعروف، وأنا أكافئك اليوم بالجنة(2).

وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن محمد بن شعيب، عن الحسين بن الحسن، عن عاصم، عن يونس، عمن ذكره، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه كان يتصدق بالسكر، فقيل له: أتصدق بالسكر؟ فقال: نعم، إنه ليس شئ أحب إلي منه، فأنا أحب أن أتصدق بأحب الاشياء إلي(3).

وفي عوالي اللآلي: ونقل عن الحسين (عليه السلام) أنه كان يتصدق بالسكر، فقيل له في ذلك فقال: إني أحبه وقد قال الله تعالى: " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون "(4).

وإنفاق أحب الاموال على أقرب الاقارب، وعلى صلة الامام أفضل.

في اصول الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، وعلي بن

___________________________________

(1) الكافي: ج 8 ص 183 ح 209.

(2) مجمع البيان: ج 2، ص 473 في بيان المعنى لقوله تعالى: " لن تنالوا البر حتى تنفقوا " الآية.

(3) الكافي: ج 4 ص 61 كتاب الزكاة، باب النوادر ح 3.

(4) عوالى الآلئ: ج 2 ص 74 ح 196 والحديث عن الحسن (عليه السلام). (*)

[156]

إبراهيم جميعا عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد الحناط قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله (عزوجل): " وبالوالدين إحسانا "(1) ما هذا الاحسان؟ فقال: الاحسان أن تحسن صحبتهما(2)، وأن لا تكلفهما أن يسألاك شيئا مما يحتاجان إليه، وإن كانا مستغنيين، أليس الله (عزوجل) يقول: " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون "(3).

وفي تفسير العياشي: عن مفضل بن عمر قال: دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) ومعي شئ فوضعته بين يديه فقال: ما هذا؟ فقلت: هذه صلة مواليك وعبيدك، قال: فقال لي: يا مفضل إني لا أقبل ذلك، وما أقبله من حاجة بي إليه، وما أقبله إلا لتزكوابه، ثم قال: سمعت أبي يقول: من مضت له سنة لم يصلنا من ماله، قل أو كثر، لم ينظر الله إليه يوم القيامة، إلا أن يعفوالله عنه، ثم قال: يا مفضل إنها فريضة فرضها الله على شيعتنا في كتابه إذ يقول: " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " فنحن البر والتقوى وسبيل الهدى وباب التقوى، ولا يحجب دعاؤنا عن الله، اقتصروا على حلالكم وحرامكم، فاسألوا عنه، وإياكم أن تسألوا أحدا من الفقهاء عما لا يعنيكم، وعما سترالله عنكم(4).

وما تنفقوا من شئ: محبوب أو غيره، و " من " للبيان.

فإن الله به عليم: فيجازيكم بحسبه.

___________________________________

(1) البقرة: 83، والنساء: 36 والانعام: 151، والاسراء: 23.

(2) قوله (فقال: الاحسا أن تحسن صحبتهما) بالتلطف وحسن العشرة والطلاقة والبشاشة والتواضع والترحم وغيرها مما يوجب سرورهما وانبساطهما.

وإلحاق الاجداد والجدات بهما محتمل، وصرح به عياض من العامة، وقال بعضهم: إنهم أحفض منهما، لانهم ليسوا بآباء وامهات حقيقيين.

وإن لا تكلفهما أن يسألاك شيئا مما يحتاجان إليه بل تبادر إلى قضاء حوائجهما قبل المسألة، لانه تمام البر.

" وإن كانا مستغنيين " قادرين على القيام بحاجاتهما.

أليس يقول الله عزوجل: " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " البر شامل لبر الوالدين، وبهذا الاعتبار وقع الاستشهاد به (شرح اصول الكافي للعلامة المازندراني: ج 9 ص 18).

(3) الكافي: ج 2 ص 157 كتاب الايمان والكفر، باب البر بالوالدين، قطعة من ح 1.

(4) تفسير العياشي: ج 1 ص 184 ح 85. (*)

[157]

[ كل العطام كان حلا لبنى إسراء‌يل إلا ما حرم إسراء‌يل على نفسه من قبل أن تنزل التورة قل فأتوا بالتورة فاتلوهآ إن كنتم صدقين(93) فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك فأولئك هم الظلمون(94) ]

كل الطعام: أي المطعومات، والمراد أكلها، ويشعر به الطعام لقبا.

كان حلا لبنى إسراء‌يل: حلالا لهم، مصدر نعت به، ولذلك يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، كقوله: " لا هن حل لهم "(1). إلا ما حرم إسراء‌يل: يعقوب (عليه السلام).

على نفسه من قبل أن تنزل التورة: كلحوم الابل.

كان إذا أكل لحم الابل هيج عليه وجع الخاصرة، فحرم على نفسه لحم الابل.

قبل إنزال التورة وبعده لم يأكله، لاجل أضرارة بمرضه، ولم يحكم بتحريمه على نفسه(2).

في الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد أو غيره، عن ابن محبوب، عن عبدالعزيز العبدي، عن عبدالله بن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: إن إسرائيل كان إذا أكل من لحم الابل هيج عليه وجع الخاصرة، فحرم على نفسه لحم الابل، وذلك قبل أن تنزل التوراة فلما نزلت التوراة لم يحرمه ولم يأكله(3)

___________________________________

(1) الممتحنة: 10.

(2) قال في الكشاف: ج 1 ص 385 في تفسيره لقوله تعالى: " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل " الآية، ما لفظه (والمعنى أن المطاعم كلها لم تزل حلالا لبني إسرائيل من قبل إنزال التوراة وتحريم ما حرم عليهم منها لظلمهم وبغيهم لم يحرم منها شئ قبل ذلك غير المطعوم الواحد الذي حرمه أبوهم إسرائيل على نفسه، فتبعوه على تحريمه).

(3) الكافي: ج 5 ص 306 كتاب المعيشة، باب النوادر، ح 9. (*)

[158]

وهذا رد على اليهود حيث أرادوا براء‌ة ساحتهم مما نطق به القرآن، من تحريم الطيبات عليهم لبغيهم وظلمهم في قوله تعالى: " ذلك جزيناهم ببغيهم "(1) وقوله تعالى: " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات احلت لهم "(2) فقالوا: لسنا بأول من حرمت عليه وقد كانت محرمة على نوح وإبراهيم ومن بعده من بنى إسرائيل إلى أن انتهى التحريم إلينا فكذبهم الله(3).

قل فأتوا بالتورة فاتلوها إن كنتم صدقين: أمر بمحاجتهم بكتابهم وتبكيتهم بما فيه، حتى يتبين أنه تحريم حادث بسبب ظلمهم وبغيهم، لا تحريم قديم كما زعموا، فلم يجسروا على إخراج التوراة، وبهتوا.

وفيه دليل على نبوته (عليه السلام).

وفي تفسير العياشي: عن عمر بن يزيد قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) اسأله عن رجل دبر مملوكه هل له ان يبيع عتقه؟ قال: كتب: " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه "(4).

وفي تفسير علي بن إبراهيم: وأما قوله: " كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل ان تنزل التوراة " قال: كان يعقوب يصيبه عرق النساء فحرم على نفسه لحم الجمل، فقالت اليهود: إن الجمل محرم في التوراة، فقال الله (عزوجل) لهم: " فأتوا بالتوراة فتلوها إن كنتم صادقين " إنما حرم هذا إسرائيل على نفسه ولم يحرمه على الناس(5).

فمن افترى على الله الكذب: بزعمه أن ذلك كان محرما على الانبياء وعلى بني إسرائيل قبل إنزال التوراة.

من بعد ذلك: أي لزوم الحجة.

___________________________________

(1) الانعام: 146.

(2) النساء: 160.

(3) أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي): ج 1 ص 172 في تفسيره لقوله تعالى: " من قبل أن تنزل التوراة ".

(4) تفسير العياشي: ج 1، ص 185 ح 87.

(5) تفسير علي بن إبراهيم: ج 1، ص 107. (*)

[159]

[ قل صدق الله فاتبعوا ملة إبرهيم حنيفا وما كان من المشركين(95) إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا وهدى للعلمين(96) ]

فأولئك هم الظلمون: لانفسهم لمكابرتهم الحق بعد وضوحه.

قل صدق الله: تعريض بكذبهم، أي ثبت أن الله صادق فيما أنزله وأنتم الكاذبون.

فاتبعوا ملة إبرهيم حنيفا: أي ملة الاسلام التي عليها.

محمد ومن آمن معه التي هي في الاصل ملة إبراهيم، أو مثل ملته حتى تتخلصوا من اليهودية التي اضطرتكم إلى التحريف والمكابرة للاغراض الدنيوية، وألزمتكم تحريم طيبات أحلها لابراهيم ومن تبعه.

وفي تفسير العياشي: عن حبابة الوالبية قال(1): سمعت الحسين بن علي (عليهما

___________________________________

(1) هكذا في النسخ التي بأيدينا، وفي الاصل أيضا، والظاهر (قالت) قال في تنقيح المقال: ج 1 ص 250 ما هذا لفظه (خبابة الوالبية، ام الندى عنونها الميرزا هنا، ومحلها فصل النساء إن شاء الله تعالى) وقال في ج 3 ص 74 من فصل النساء مالفظه (حبابة بنت جعفر الاسدية الوالبية ام الندى: الضبط: حبابة بالحاء المهملة المفتوحة وبائين موحدتين بينهما ألف وبعدهما هاء، والمشهور على الالسن عموما هو تشديد الباء الاولى والظاهر أنه من الاغلاط المشهورة، إلى أن قال: والوالبية بكسر اللام والباء الموحدة مؤنث الوالبي إلى أن قال: عن صالح بن ميثم قال: دخلت أنا وعباية الاسدي على حبابة الوالبية، فقال: هذا ابن أخيك، ميثم قال: ابن أخي والله حقا ألا احدثكم بحديث عن الحسين بن علي (عليهما السلام)؟ فقلنا: بلى، قالت: دخلت عليه (عليه السلام) وسلمت فرد السلام ورحب ثم قال: ما أبطأك عن زيارتنا والتسليم علينا يا حبابة؟ قلت: ما أبطأني عنك إلا علة عرضت، قال: وما هي؟ قالت: فكشفت خماري عن برص قالت: فوضع يده على البرص ودعى، فلم يزل يدعو حتى رفع يده وقد كشف الله ذلك البرص، ثم قال: يا حبابة إنه ليس أحد على ملة إبراهيم إلخ). (*)

[160]

السلام) يقول: ما أعلم أحدا على ملة إبراهيم إلا نحن وشيعتنا، قال صالح: ما أحد على ملة إبراهيم، قال جابر: ما أعلم أحدا على ملة إبراهيم(1).

وما كان من المشركين: تبرئة مما كان ينسبه اليهودي والنصارى من كونه على دينهم.

إن أول بيت وضع للناس: أي جعل متعبدا لهم، والواضع هوالله. وقرئ بالبناء للفاعل.

للذى ببكة: وهي لغة في مكة كالنبيط والنميط، وأمر راتب وراتم ولا زب ولازم.

وفي كتاب الخصال: عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: اسماء مكة خمسة: ام القرى ومكة، وبكة، والبساسة(2) كانوا إذا ظلموا بستهم، أي أخرجتهم وأهلكتهم، وام رحم(3) كانوا إذا لزموها رحموا(4).

وقيل: هي موضع المسجد، ومكة البلد.

روي عن جابر، عن أبي عبدالله (عليه السلام): إن بكة موضع البيت وإن مكة الحرم(5).

وذلك قوله " آمنا " من " بكة " إذا زحمه، أو من " بكة " إذا دقه، لانها تبك أعناق الجبابرة.

وفي كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى عبدالله بن علي الحلبي قال: سألت أبا

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 185 ح 88.

(2) قال في لسان العرب: ج 6 ص 27 في لغة (بسس)، وفي حديث مجاهد: من أسماء مكة الباسة، سميت بها لانها تحطم من أخطأ فيها. والبس: الحطم، ويروى بالنون من النس الطرد، وفي هامش بعض النسخ الموجودة (البس بالموحدة الختم، وبالنون الطرد، ويروى بهما، منه).

(3) الرحم بالضم الرحمة وربما يحرك، منه) كذا في الهامش.

وفي هامش الخصال نقلا عن القاموس (ام رحم وأم الرحم) بضم الراء وسكون الحاء المهملة، مكة، والمرحومة: المدينة شرفهما الله تعالى.

(4) الخصال: ص 287 باب الخمسة أسماء مكة خمسة، ح 22.

(5) تفسير العياشي: ج 1 ص 187 ح 94 وتمام الحديث وذلك قوله " ومن دخله كان آمنا ". (*)

[161]

عبدالله (عليه السلام) لم سيمت مكة بكة؟ قال: لان الناس يبك بعضهم بعضا بالايدي(1).

وأما مارواه بإسناده إلى عبدالله بن سنان قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) لم سميت الكعبة بكة؟ فقال: لبكاء الناس حولها(2). فمحمول على أن الناس يجتمعون حوله للبكاء والعبادة، فيبك بعضهم بعضا.

حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن فضالة، عن ابان، عن الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إنما سميت مكة بكة، لانه يبك بها الرجال والنساء، والمرأة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن شمالك ومعك ولا بأس بذلك، وإنما يكره في سائر البلدان(3).

وبإسناده إلى عبيدالله بن علي الحلبي قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) لم سميت مكة بكة؟ قال: لان الناس يبك بعضهم بعضا فيها بالايدي(4).

وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الاول (عليه السلام) قال: في خمس وعشرين من ذي القعدة وضع البيت، وهو أول رحمة وضعت على وجه الارض، فجعله الله مثابة للناس وأمنا، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة(5).

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي زرارة التميمي، عن أبي حسان، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لما أراد الله أن يخلق الارض أمر الرياح، فضربت وجه [ الماء ](6) حتى صار موجا، ثم أزبد فصار زبدا واحدا.

فجمعه في موضع البيت، ثم جعله جبلا من زبد، ثم

___________________________________

(1) علل الشرائع: ج 2 ص 84، باب 137 العلة التي من أجلها سميت مكة بكة، ح 5.

(2) علل الشرائع: ج 2 ص 397 باب 137 العلة التي من أجلها سميت مكة بكة، ج 2.

(3) علل الشرائع: ج 2 ص 397، باب 137 العلة التي من أجلها سميت مكة بكة، ح 4.

(4) علل الشرائع: ج 2 ص 398، باب 137 العلة التي من اجلها سميت مكة بكة، ح 5.

(5) الكافي: ج 4 ص 149، كتاب الصيام، باب صيام الترغيب، قطعة من ح 2.

(6) في النسخة - أ - (الارض)، وما بين المعقوفتين اثبتناه من المصدر، وهو الصحيح. (*)

[162]

دحى الارض من تحته، وهو قول الله تعالى: " إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا "(1).

وروي أيضا عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبدالله (عليه السلام) مثله(2).

وفي تفسير على بن إبراهيم: حدثني أبي، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه قال للابرش(3): يا أبرش كما هو وصف نفسه " كان عرشه على الماء "(4) والماء على الهوى والهوى

___________________________________

(1) الكافي: ج 4 ص 189، كتاب الصيام، باب إن أول ما خلق الله من الارضين موضع البيت وكيف كان أول ما خلق، ح 7.

(2) الكافي: ج 4، ص 190 كتاب الصيام، باب أن أول ما خلق الله من الارضين موضع البيت. ذيل ح 7.

(3) لم أعثر على ترجمته إلا ما في فهرس تنقيح المقال: ج 1 ص 7 أبواب الهمزة، باب الاسماء المتفرقة من قوله: الابرش الكلبي عامي استبصر، حسن.

نعم في اسدالغابة: ج 4 ص 93 قال: عمروبن جبلة بن وائل بن قيس، ذكره ابن الكلبي وأبوعبيد في من وفد على النبي (صلى الله عليه وآله) قال أبوعبيد: من ولده سعيد الابرش الكلبي صاحب هشام بن عبدالملك واسمه سعيد بن الوليد.

وفي تاج العروس: ج 4 ص 281 فصل الباء من باب الشين قال: والابرش لقب سعيد بن الوليد الكلبي صاحب هشام، وهو من ولد عمرو بن جبلة الذي وفد على النبي (صلى الله عليه وآله).

وفي الاصابة: ج 2 ص 528 حرف العين تحت رقم 5791 قال: عمرو بن جبلة بن وائل بن قيس بن بكر الكلبي القضاعي إلى أن قال: وهو جد سعيد بن الابرش بن الوليد بن عمرو حاجب هشام بن عبدالملك.

ولما كان صدر الحديث هكذا (عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبدالله قال: خرج هشام بن عبدالملك.

حاجا ومعه الابرش الكلبي فلقيا أبا عبدالله في المسجد الحرام، فقال هشام للابرش: تعرف هذا؟ قال: لا، قال: هذا الذي تزعم الثيمة أنه نبي من كثرة علمه، فقال الابرش: لاسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو وصي نبي، فقال هشام: وددت أنك فعلت ذلك، فلقى الابرش أبا عبدالله فقال: يا أبا عبدالله أخبرني عن قوله الله " أو لم يرالذين كفروا إن السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما " فيما كان رتقهما وبما كان فتقهما؟ فقال أبوعبدالله: يا أبرش إلخ).

ظهر مما قدمناه ترجمة الرجل وعلة استبصاره كما أشار إليه العلامة المامقاني في فهرسه بقوله: (استبصر).

(4) هود: 7. (*)

[163]

لا يحد، ولم يكن يومئذ خلق غير هما والماء يومئذ عذب فرات، فلما أراد الله أن يخلق الارض، وذكر إلى آخر ما نقلناه عن الكافي(1).

وفي تفسير العياشي: عن عبدالصمد بن سعد قال: أراد أبوجعفر أن يشتري من اهل مكة بيوتهم ان يزيده في المسجد فأمن عليه فارغبهم فامتنعوا فضاق بذلك فأتى ابا عبدالله (عليه السلام) فقال له: اني سألت هؤلاء شيئا من منازلهم وأفنيتهم لازيد في المسجد وقد منعوني ذلك فقد غمني غما شديد، فقال ابوعبدالله (عليه السلام): لم يغمك ذلك وحجتك عليهم فيه ظاهرة؟ قال: وبما احتج عليهم؟ فقال: بكتاب الله، فقال لي: في اي موضع؟ فقال: قول الله (إن اول بيت وضع للناس للذي ببكة " قد أخبرك الله أن أول بيت وضع هوالذي ببكة فإن كانوا هم نزلوا قبل البيت فلهم أفنيتهم، وإن كان البيت قديما قبلهم فله فناؤه فدعاهم أبو جعفر فاحتج عليهم بهذا فقالوا: اصنع ما أحببت(2).

عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: مكة جملة القرية، وبكة حملة موضع الحجر الذي يبك الناس بعضهم بعضا(3).

عن جابر، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن بكة موضع البيت، وإن مكة الحرم وذلك قوله كان آمنا(4).

وفي كتاب عيون الاخبار في باب ما كتبه الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل: وعلة وضع البيت وسط الارض، أنه الموضع الذي من تحته دحيت الارض، وكل ريح تهب في الدنيا فإنها تخرج من تحت الركن الشامي، وهو أول بقعة وضعت في الارض، لانها الوسط، ليكون الغرض لاهل المشرق والمغرب في ذلك سواء(5).

___________________________________

(1) تفسير علي بن إبراهيم: ج 2 ص 69 في تفسيره لقوله تعالى " أو لم ير الذين كفروا " الآية.

(2) تفسير العياشي: ج 1 ص 185، ح 89.

(3) تفسير العياشي: ج 1 ص 187، ح 93.

(4) تفسير العياشي: ج 1 ص 187، ح 94.

(5) عيون الاخبار: ج 2 ص 90 باب 33 في ذكر ما كتب به الرضا (ع) إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل، ح 1. (*)

[164]

[ فيه‌ء‌ايت بينت مقام إبرهيم ومن دخله كان‌ء‌امنا والله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غنى عن العلمين(97) ]

فالمراد ب‍ " أول بيت "، أول موضع جعل مستقرا للعباد على وجه الماء، لا البيت المصنوع من اللبن والمدر والخشب حتى يحتاج في تصحيحه إلى ارتكاب امور متكلفة.

مباركا: حال من المستكن في الظرف، أي كثير الخير والنفع لمن حجه واعتمره واعتكف عنده، وطاف حوله، وقصد نحوه، من مضاعفة الثواب، وتكفير الذنوب، ونفي الفقر، وكثرة الرزق.

وفي من لا يحضره الفقيه: عنه (عليه السلام) قال: وجد في حجر، إني أنا الله.

ذوبكة، صنعتها يوم خلقت السماوات والارض، ويوم خلقت الشمس والقمر، وخففتها بسبعة أملاك حفا مبارك لاهلها في الماء واللبن يأتيها رزقها من ثلاثة سبل، من أعلاها وأسفلها والثنية بعده(1).

وهدى للعلمين: لانه قبلتهم ومتعبدهم، ولان فيه آيات عجيبة، كما قال الله تعالى.

فيه‌ء‌ايات بينت: كانحراف الطيور عن موازاة البيت على مدى الاعصار، وأن ضواري السبع تخالط الصيود في الحرم ولا تتعرض لها، وأن كل جبار قصده بسوء قهره، كأصحاب الفيل.

والجملة مفسرة لل‍ " هدى " أو حال اخرى.

مقام إبرهيم: مبتدأ محذوف الخبر، أي منها، أو بدل من " آيات " بدل البعض من الكل.

___________________________________

(1) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 158 باب ابتداء الكعبة وفضلها وفضل الحرم، ح 15. (*)

[165]

وقيل: عطف بيان على أن المراد بالآيات أثر القدم في الصخرة الصماء وغوصها فيها إلى الكعبين، وتخصيصها بهذه الالانة من الصخار وإبقائه، دون سائر آثار الانبياء وحفظه مع كثرة أعدائه الوف [ السنين ](1). ويؤيده أنه قرئ: آية بينة على التوحيد.

وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن ابن سنان قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله تعالى: " إن اول بيت " إلى قوله: " آيات بينات " ماهذه الآيات البينات؟ قال: مقام إبراهيم حيث قام على الحجر فأثرت فيه قدماه.

والحجر الاسود، ومنزل إسماعيل (عليه السلام)(2).

أقول: أما كون المقام آية، فلما ذكر، ولارتفاعه بإبراهيم (عليه السلام) حين كان أطول من الجبال كما يأتي ذكره.

وأما كون الحجر الاسود آية، فلما ظهر منه للاولياء والاوصياء (عليهم السلام) من العجائب، إذ كان جوهرة جعلها الله مع آدم في الجنة، وإذ كان ملكا من عظماء الملائكة ألقمه الله الميثاق وأودعه ويأتي يوم القيامة وله لسان ناطق وعينان يعرفه الخلق، يشهد لمن وافاه بالموافاة، ولمن أدى إليه بالميثاق بالاداء، وعلى من جحده بالانكار إلى غير ذلك كما ورد في الاخبار عن الائمة (عليهم السلام)(3).

ولما ظهر لطائفة من تنطقه لبعض المعصومين (عليهم السلام) كالسجاد (عليه السلام) حيث نازعه عمه محمد بن الحنفية في أمر الامامة كما ورد في الروايات(4).

ومن عدم طاعته لغير المعصوم في نصبه في موضعه كما جرب غير مرة(5).

___________________________________

(1) في النسخة - أ - (ستة)، والصحيح ما أثبتناه.

(2) الكافي: ج 4 ص 223 كتاب الحج، باب في قوله تعالى: " فيه آيات بينات " ح 1.

(3) لا حظ الكافي: ج 4 ص 185 كتاب الحج، باب بدء الحجر والعلة في استلامه، ح 3 والفقيه: ج 2 ص 124 باب علل الحج ح 3.

(4) البحار: الطبعة الحديثه ج 46 ص 111 باب ما جرى بينه (عليه السلام) وبين محمد بن الحنفية وسائر أقر بائه وعشائره ح 2 وباب معجزاته ومعالي اموره وغرائب شأنه (صلوات الله عليه وآله) ص 29 ح 20.

(5) الوافي: ج 2 ص 12 كتاب الحج، باب 4 قصة هدم الكعبة وبنائها ووضع الحجر والمقام،

ولا حظ البحار: الطبعة الحديثة في البنان ج 96 ص 226 كتاب الحج والعمرة باب فضل الحجر وعلة استلامه واستلام سائر الاركان ح 26 وفيه قصة أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولوية في رد القرامطة الحجر الاسود ووضع الحجة (عليه السلام) الحجر في موضعه.

[166]

وأما كون منزل إسماعيل آية، فلانه أنزل به من غير ماء، فنبع له الماء.

وإنما خص المقام بالذكر في القرآن وطوى ذكر غيره، لانه أظهر آياته اليوم للناس.

قيل: سبب هذا الاثر، أنه لما ارتفع بنيان الكعبة قام على هذا الحجر ليتمكن من رفع الحجارة، فغاصت فيه قدماه(1).

وقيل: إنه لما جاء زائرا من الشام إلى مكة فقالت له امرأة إسماعيل: انزل حتى نغسل رأسك، فلم ينزل، فجاء‌ته بهذا الحجر فوضعته على شقه الايمن، فوضع قدمه عليه حتى غسلت شق رأسه، صم حولته إلى شقه الايسر حتى غسلت الشق الآخر، فبقي أثر قدمه عليه(2).

وفي الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): أدركت الحسين (صلوات الله عليه)؟ قال: نعم أذكر وأنا معه في المسجد الحرام وقد دخل فيه السيل، والناس يقومون على المقام، يخرج الخارج يقول: قد ذهب به السيل، ويخرج منه الخارج فيقول: هو مكانه، قال: فقال لي: يا فلان، ما صنع هؤلاء؟ فقلت: أصلحك الله، يخافون أن يكون السيل قد ذهب بالمقام ! فقال: ناد: إن الله قد جعله علما، لم يكن ليذهب به، فاستقروا(3).

وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم (عليه السلام) عند جدار البيت، فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم، فلما فتح النبي (صلى الله عليه وآله) مكة رده إلى الموضع الذي وضعه إبراهيم (عليه السلام)، فلم يزل هناك إلى أن ولي عمر بن الخطاب، فسأل الناس: من منكم يعرف المكان

___________________________________

(1 و 2) الكشاف: ج 1 ص 389 في تفسيره لقوله تعالى: " فيه آيات بينات مقام إبراهيم ".

(3) الكافي: ج 4 ص 223 كتاب الحج باب في قوله تعالى: " فيه آيات بينات " قطعة من ح 2. (*)

[167]

الذي كان فيه المقام؟ فقال رجل: أنا، قد كنت أخذت مقداره بنسع(1) فهو عندي، فقال: تأتيني به، فأتاه به فقاسه، ثم رده إلى ذلك المكان(2).

ومن دخله كان‌ء‌امنا: جملة ابتدائية، أو شرطية معطوفة من حيث المعنى على " مقام " لانه في معنى: وأمن من دخله، أي منها أمن من دخله، أو فيه آيات بينات مقام إبراهيم وآمن من دخله.

واقتصر بذكرهما من الآيات الكثيرة، لان فيهما غنية عن غيرهما في الدارين، بقاء الاثر مدى الدهر والآمن من العذاب يوم القيامة.

وفي كتاب علل الشرائع: بإسناده إلى أبي زهرة بن شبيب بن أنس عن بعض أصحاب أبي عبدالله (عليه السلام)، قال: قال أبوعبدالله (عليه السلام) لابي حنيفة: يا أبا حنيفة تعرف كتاب الله حق معرفته، وتعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: نعم، قال يا أبا حنيفة: لقد ادعيت علما، ويلك ما جعل الله ذلك إلا عند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم، ويلك ولا هو إلا عند الخاص من ذرية نبينا محمد (صلى الله عليه وآله)، وما أدراك الله من كتابه حرفا، فإن كنت كما تقول: ولست كما تقول: فأخبرني عن قول الله (عزوجل): سيروا فيها ليالي وأياما آمنين "(3) أين ذلك من الارض؟ قال: أحسبه ما بين مكة والمدينة، فالتفت أبو عبدالله (عليه السلام) ومن كان إلى أصحابه فقال: تعلمون أن الناس يقطع عليهم بين المدينة ومكة، فتؤخذ أموالهم، ولا يؤمنون على أنفسهم ويقتلون؟ قالوا: نعم، قال: فسكت أبوحنيفة فقال: يا أبا حنيفة أخبرني عن قول الله (عزوجل): " ومن دخله كان آمنا " أين ذلك من الارض؟ فقال: الكعبة، فقال: أفتعلم أن الحجاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة، فقتله كان آمنا فيها؟ ! قال: فسكت، فقال أبوبكر الحضرمى: جعلت فداك، ما الجواب في المسألتين

___________________________________

(1) في حديث البيت الحرام: (إني أخذت مقداره بنسع) النسع بالكسر سير ينسج عريضا يشد به الرحال، القطعة منه نسعة، ويسمى نسعا لطوله، وجمعه نسع بالضم وأنساع. (مجمع البحرين لغة نسع).

(2) الكافي: ج 4 ص 223 كتاب الحج باب في قوله تعالى: " فيه آيات بينات " قطعة من ح 2.

(3) سبأ: 18. (*)

[168]

الاولتين؟ فقال: يا أبابكر " سيروا فيها ليالي وأياما آمنين " فقال: مع قائمنا أهل البيت.

وأما قوله " ومن دخله كان آمنا " فمن بايعه ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقدة أصحابه كان آمنا، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة(1).

وفي تفسير العياشي: عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن قوله: " ومن دخل كان آمنقال: سألته عن قوله: " ومن دخله كان آمنا "؟ قال: يأمن فيه كل خائف مالم يكن عليه حد من حدود الله ينبغي أن يؤخذ به، قال: وسألته عن طائر يدخل اليوم؟ قال: لايؤخذ ولا يمس، لان الله يقول: " ومن دخله كان آمنا "(2).

وقال عبدالله بن سنان: سمعته يقول فيما ادخل الحرم مما صيد في الحل: قال: إذا دخل الحرم فلا يذبح أن الله يقول: " ومن دخله كان آمنا "(3).

وعن على بن عبدالعزيز قال: قلت لابي عبدالله (عليه السلام): جعلت فداك قول الله " فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخل كان آمنا " وقد يدخله المرجي، والقدري، والحروري، وللزنديق الذي لايؤمن بالله؟ قال: لاولا كرامة قلت: فمن جعلت فداك؟ قال: ومن دخله وهو عارف بحقنا كما هو عارف به، خرج عن ذنوبه، وكفي هم الدنيا والآخرة(4).

وفي أمالي الصدوق (رحمه الله) بإسناده إلى النبي (صلى الله عليه وآله) عن جبرئيل عن ميكائيل عن إسرافيل عن الله (جل جلاله) في حديث طويل، وفيه يقول (جل جلاله) في حق علي (عليه السلام): وجعلته العلم الهادي من الضلالة

___________________________________

(1) علل الشرائع: ج 1 ص 83 باب 81 علة المرارة في الاذنين والعذوبة في الشفتين والملوحة في العينين والبرودة في الانف ح 5 والحديث طويل جدا وفيه من الحكم والآثار والاحكام والمسائل مالا يخفى، وفيه (أبوزهير) مصغرا بدل (أبوزهرة).

ورواه في البحار (الطبعة الحديثة ج 10 ص 212 باب 13 احتجاجات الصادق صلوات الله عليه على الزنادقة والمخالفين ومناظراته معهم) ح 13 نقلا عن أمالي الطوسي، والحليلة لابي نعيم وصاحب الروضة، وقال: الرواية يزيد بعضها على بعض، عن محمد الصيرفي وعن عبدالرحمن بن سالم، فلا حظ.

(2) تفسير العياشي: ج 1 ص 188 ح 100 وفيه تقطيع.

(3) تفسير العياشي: ج 1 ص 189 ح 104.

(4) تفسير العياشي: ج 1 ص 190 ح 107. (*)

[169]

وبابي الذي اوتي منه، وبيتي الذي من دخله كان آمنا من ناري(1).

وفي الكافي: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، والحجال، عن ثعلبة، عن أبي خالد القماط، عن عبدالخالق الصيقل قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله (عزوجل): " ومن دخله كان آمنا " فقال: لقد سألني عن شئ ما سألني أحد إلا من شاء الله، قال: من أم هذالبيت وهو يعلم أنه البيت الذي أمره الله (عزوجل) به، وعرفنا أهل البيت حق معرفتنا، وكان آمنا في الدنيا والآخرة(2).

وفي مجمع البيان: عن الباقر (عليه السلام): إن من دخله عارفا بجميع ما أوجبه الله عليه، كان آمنا في الآخرة من العذاب الدائم(3).

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل ابن شاذان، عن صفوان، وابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها، ولا تدخلها بحذاء، وتقول إذا دخلت: اللهم إنك قلت: ومن دخله كان آمنا فامني من عذاب النار(4).

والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (عزوجل): " ومن دخله كان آمنا " البيت عنى أم الحرم؟ قال: من دخل الحرم من الناس مستجيرا به فهو آمن به من سخط الله، ومن دخله من الوحش والطيركان آمنا أن يهاج، أو يؤذى حتى يخرج من الحرم(5).

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (عزوجل): " ومن دخله كان آمنا " قال: إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية ثم فر إلى الحرم لم يسع لاحد أن يأخذه في

___________________________________

(1) الامالي للصدوق (عليه الرحمة): المجلس التاسع والثلاثون، ص 184 ح 10.

(2) الكافي: ج 4 ص 545، كتاب الحج، باب النوادر، ح 25.

(3) مجمع البيان: ج 2 ص 478 في تفسيره لقوله تعالى: " ومن دخله كان آمنا ".

(4) الكافي: ج 4 ص 528، كتاب الحج، باب دخول الكعبة قطعة من ح 3.

(5) الكافي: ج 4 ص 226 كتاب الحج باب في قوله تعالى " ومن دخله كان آمنا " ح 1. (*)

[170]

الحرم ولكن يمنع من السوق ولا يبايع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم، فإنه إذا فعل ذلك [ به ](1) يوشك أن يخرج فيؤخذ، وإذا جنى في الحرم جناية اقيم عليه الحد في الحرم لانه لم ير للحرم حرمة(2).

وبإسناده إلى علي بن أبي حمزة، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله (عزوجل): " ومن دخله كان آمنا " قال: ان سرق سارق بغير مكة أو جنى جناية على نفسه ففر إلى مكة لم يؤخذ مادام في الحرم حتى يخرج منه، ولكن يمنع من السوق فلا يبايع ولا يجالس حتى يخرج منه فيؤخذ، وإن أحدث في الحرم ذلك الحدث اخذفيه(3).

وفي كتاب علل الشرائع: حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه سئل عن طير أهلي أقبل فدخل الحرم فقال: لا يمس، لان الله (عزوجل) يقول: " ومن دخله كان آمنا "(4).

وفي من لا يحضره الفقيه: وسأل محمد بن مسلم أحد هما (عليهما السلام) عن الظبي يدخل الحرم؟ فقال: لايؤاخذ ولا يمس، لان الله (عزوجل) يقول: ومن دخله كان آمنا "(5).

وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن شاذان بن الخليل أبي الفضل، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن رجل لي عليه مال فغاب عني زمانا، فرأيته يطوف حول الكعبة أفأتقاضاه مالي؟

___________________________________

(1) مابين المعقوفتين ليس في النسخة - أ - وأثبتناه من المصدر لا قتضاء السياق.

(2) الكافي: ج 4 ص 226، كتاب الحج باب في قوله تعالى " ومن دخله كان آمنا " ح 2.

(3) الكافي: ج 4 ص 227 كتاب الحج باب في قوله تعالى: " ومن دخله كان آمنا " ذيل ح 2.

(4) علل الشرائع: ج 2 ص 136 باب 206 العلة التي من أجلها لا يؤخذ الطير الاهلي إذا دخل الحرم ح 1.

(5) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 170 باب تحريم صيد الحرم وحكمه ح 19. (*)

[171]

قال: لا تسلم عليه ولا تروعه حتى يخرج من الحرم(1).

محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل، عن أبي إسماعيل السراج، عن هارون بن خارجة قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: من دفن في الحرم أمن من الفزع الاكبر، فقلت: من بر الناس وفاجرهم؟ قال: من بر الناس وفاجرهم(2).

وفي من لا يحضره الفقيه: من مات في أحد الحرمين بعثه الله من الآمنين، ومن مات بين الحرمين لم ينشر له ديوان، ومن دفن في الحرم أمن من الفزع الاكبر(3).

ولله على الناس حج البيت: قصده للزيارة على الوجه المخصوص، والحج في الاصل القصد.

وقرأحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص (حج) بالكسر، وهي لغة.

وفي الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة قال: كتبت إلى أبي عبدالله (عليه السلام) بمسائل بعضها مع ابن بكير وبعضها مع أبي العباس، فجاء الجواب بإملائه: سألت عن قول الله (عزوجل): " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " يعني به الحج والعمرة جميعا، لانهما مفروضان(4). والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي عيون الاخبار في باب [ ما ](5) ذكر ما كتب به الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل: وعلة الحج الوقادة إلى الله (عزوجل) وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف، وليكون تائبا فيما مضى، مستأنفا لما يستقبل، وما فيه من استخراج الاموال، تعب الابدان، وحظرها عن الشهوات

___________________________________

(1) الكافي: ج 4 ص 241 كتاب الحج باب فيمن رأى غريمه في الحرم ح 1.

(2) الكافي: ج 4 ص 258 كتاب الحج باب فضل الحج والعمرة وثوابهما ح 26، وفي النسخة - أ دخل في الحرم. بدل دفن في الحرم والصحيح ما اثبتناه من المصدر.

(3) من لا يحضره الفقيه: ج 2 ص 147 باب فضائل الحج قطعة من ح 100.

(4) الكافي: ج 4 ص 264 كتاب الحج باب فرض الحج والعمرة ح 1.

(5) كذا في النسخة - أ -، والظاهر أن (ما) هنا زائدة. (*)

[172]

واللذات، والتقريب بالعبادة إلى الله (عزوجل)، والخضوع والاستكانة والذل، شاخصا في الحر والبرد والامن والخوف، دائب في ذلك دائم، وما في ذلك لجميع الخلق من المنافع، الرغبة والرهبة إلى الله تعالى، ومنه ترك قساوة القلب وجسارة الانفس، ونسيان الذكر، وانقطاع الرجاء والامل، وتجديد الحقوق، حظر النفس عن الفساد، ومنفعة من في شرق الارض وغربها، ومن في البر والبحر ممن يحج وممن لا يحج من تاجر وجالب وبائع ومشتروكا سب ومسكين، وقضاء حوائج أهل الارض، والمواضع الممكن لهم الاجتماع فيها كذلك، ليشهدوا منافعهم(1).

من استطاع: بدل من الناس بدل البعض من الكل.

إليه سبيلا: تميز من نسبة الفعل إلى المفعول بالواسطة.

وفي عيون الاخبار فيما كتبه الرضا (عليه السلام) للمأمون من محض الاسلام وشرائع الدين: وحج البيت فريضة على من استطاع إليه سبيلا، والسبيل الزاد والراحلة مع الصحة(2).

وفي كتاب الخصال: عن الاعمش، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: هذه شرائع الدين، إلى أن قال: وحج البيت واجب على من استطاع إليه سبيلا، وهو الزاد والراحلة مع صحة البدن وأن يكون للانسان ما يخلفه على عياله وما يرجع إليه من حجة(3).

وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن خالد ابن جرير، عن أبي الربيع الشامي قال: سئل أبوعبدالله (عليه السلام) عن قول الله تعالى: " من استطاع إليه سبيلا " فقال: ما يقول الناس؟ قال: فقيل له: الزاد والراحلة قال: فقال أبوعبدالله (عليه السلام): قد سئل أو جعفر (عليه السلام)

___________________________________

(1) عيون الاخبار: ج 2 ص 88 باب 33 في ذكر ما كتب به الرضا (عليه السلام) إلى محمد بن سنان في جواب مسائله في العلل قطعة من ح 1.

(2) عيون الاخبار: ج 2 ص 124 باب 35 ما كتبه الرضا (عليه السلام) للمأمون في محض الاسلام وشرائع الدين، قطعة من ح 1 س 6.

(3) الخصال: ج 2 ص 606، أبواب المائة فما فوقه (خصال من شرائع الدين) ح 9 ص 12. (*)

[173]

عن هذا فقال: هلك الناس إذا، لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت عياله ويستغني به عن الناس ينطلق إليه فيسلبهم إياه لقد هلكوا، فقيل له: فما السبيل؟ قال: فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض ويبقى بعضا يقوت به عياله، أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلهاإلا على من يملك مائتي درهم(1)(2).

محمد بن إبي عبدالله، عن موسى بن عمران، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سأل رجل من أهل القدر فقال: يابن رسول الله أخبرني عن قول الله تعالى: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " أليس قد جعل الله لهم الا ستطاعة؟ فقال: ويحك إنما يعني بالاستطاعة الزاد والراحلة، ليس استطاعة البدن، فقال الرجل: أفليس إذا كان الزاد والراحلة فهو مستطيع للحج؟ فقال: ويحك ليس كما تظن قد ترى الرجل عنده المال الكثير أكثر من الزاد والراحلة فهو لا يحج حتى يأذن الله تعالى في ذلك(3).

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله تعالى: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " قال: ما السبيل؟ قال: أن يكون له ما يحج به قال: قلت: من عرض عليه مايحج به فاستحيا من ذلك، أهو ممن يستطيع إليه سبيلا؟ قال: نعم ماشأنه أن يستحيي، ولو يحج على حمار أجدع أبتر، فإن كان يطيق أن يمشي بعضا ويركب بعضا، فليحج(4).

وفي رواية: أنه يخرج ويمشي إن لم يكن عنده، قيل: لا يقدر على المشي؟ قال:

___________________________________

(1) الكافي: ج 4 س 267 كتاب الحج باب استطاعة الحج ح 3.

(2) معنى الحديث: لئن كان من كان له قدر ما يقوت عياله فحسب وجب عليه أن ينفق ذلك في الزاد والراحلة، ثم ينطلق إلى الناس فيسائلهم قوت عياله لهلك الناس إذا.

وفي بعض النسخ من الكتب الاربعة: ينطلق إليه، أي إلى الحج، فيسلبهم إياه، يعني يسلب عياله ما يقوتونه، لقد هلكوا، يعني عياله، وهو أصوب وأصح وأضح (وفي باب استطاعة الحج ص 49).

(3) الكافي: ج 4 ص 268، كتاب الحج، باب استطاعة الحج ح 5.

(4) الكافي: ج 4، ص 266، كتاب الحج، باب استطاعة الحج ح 1. (*)

[174]

يمشي ويركب، قيل: لا يقدر على ذلك؟ قال: يخدم القوم ويخرج معهم(1).

اعلم إنه ينبغي أن يحمل اختلاف الروايات على اختلاف الناس في جهات الاستطاعة، فإن بعضهم يجب لهم الزاد والراحلة ولا يجب لهم الرجوع إلى مال لقدرتهم على تحصيل مايموتون به بتجارة وكسب، وبعضهم يجب لهم الرجوع إلى ما يموتون به لعدم قدرتهم على التحصيل، ولعضهم عادتهم الخدمة والتعيش بأي وجه اتفق لهم مع قدرتهم على ذلك فإذا حصل لهم تلك الاستطاعة وجب الحج.

وفي كتاب التوحيد: حدثنا أبي ومحمد بن موسى بن المتوكل (رضي الله عنهما) قالا: حدثنا سعد بن عبدالله وعبدالله بن جعفر الحميري جميعا، عن أحمد بن محمد ابن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله (عزوجل): " ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا " قال: يكون له ما يحج به، قلت: من عرض عليه الحج فاستحيا؟ قال: ممن يستطيع(2).

حدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قول الله (عزوجل): " ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا " مايعنى بذلك؟ قال: من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه زاد وراحله(3).

وفي كتاب علل الشرائع: أبي (رحمه الله) حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن ابي عمير، عن عمر بن اذينة قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن قول الله (عزوجل): " ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا " يعني به الحج دون العمرة؟ فقال: لا، ولكنه يعني الحج والعمرة جميعا لانهما مفروضان(4).

___________________________________

(1) تفسير العياشي: ج 1 ص 193 ص 116 بتفاوت يسير في بعض الالفاظ.

(2) التوحيد: ص 349 ح 10.

(3) التوحيد: ص 350 ح 14.

(4) علل الشرائع: ص 453 باب 210، نوادر علل الحج ح 2. (*)

[175]

في مصباح الشريعة: قال الصادق (عليه السلام): واعلم بأن الله تعالى لم يفرض الحج ولم يخصه من جميع الطاعات بالاضافة إلى نفسه بقوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا " ولا شرع نبيه (صلى الله عليه وآله) سنته في خلال المناسك على ترتيب ما شرعه إلا لاستعلائه ولاشارة إلى الموت والقبر والبعث والقيامة وفصل بيان السابقة من الدخول في الجنة اهلها ودخول النار اهلها بمشاهدة مناسك الحج من أولها إلى آخرها لاولي الالباب واولي النهى(1).

ومن كفر فإن الله غنى عن العلمين: وضع " كفر " موضع " لم يحج " تأكيدا لوجوبه، تغليظا على تاركه.

وقد أكد أمر الحج في هذه الآية من وجوه.

الدلالة على وجوبه بصيغة الخبر، وإبرازه في صورة الاسمية، وإيراده على وجه يفيد أنه حق واجب الله في رقاب الناس، وتعميم الحكم أولا وتخصيصه ثانيا، فإنه كإيضاح بعد إبهام وتنبيه وتكرير للمراد.

وتسميته ترك الحج كفرا من حيث انه فعل الكفرة.

وذكر الاستغناء فإنه في هذا الموضع يدل على المقت والخذلان، وإيراد (عن العالمين) بدل عنه لما فيه من التعميم والدلالة على الاستغناء عنه بالبرهان والاشعار بعظم السخط، وذلك لانه تكليف شاق جامع بين كسر النفس وإتعاب البدن وصرف المال، والتجرد عن الشهوات، والاقبال على الله.

وفي من لا يحضره الفقيه: في وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه) السلام): يا علي تارك الحج وهو مستطيع كافر، يقول الله (تبارك وتعالى): " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " ياعلي من سوف الحج حتى يموت بعثه الله يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا(2).

وفي الكافي: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن موسى بن القاسم البحلي، ومحمد بن يحيى، عن العمركي بن علي جميعا، عن علي بن جعفر عن أخيه

___________________________________

(1) مصباح الشريعة: ص 49 الباب الواحد والعشرون في الحج ذيل الحديث.

(2) من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 266 باب النوادر، وهوآخر أبواب الكتاب، قطعة من ح 1. (*)

[176]

موسى (عليه السلام) قال: إن الله تعالى فرض الحج على أهل الجدة في كل عام وذلك قوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين " قال: قلت: فمن لم يحج فقد كفر؟ قال: لا، ولكن من قال: ليس هذا هكذا فقد كفر(1).

وفي تفسير العياشي: عن (أبي)(2) اسامة زيد الشحام، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت: أرأيت قول الله " ومن كفر فان الله غني عن العالمين " قال: هو كفر النعم.

وقال: " من ترك " في خبر آخر(3).

قيل: وروي أنه لمانزل صدر الآية جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أرباب الملل فخطبهم وقال: إن الله كتب عليكم الحج فحجوا، فآمنت به ملة واحدة وكفرت خمس ملك، فنزلت " ومن كفر "(4).

وفي اصول الكافي: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبدالله بن الصلت جميعا، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبدالله، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: بني الاسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية.

قال زرارة: وأي من ذلك أفضل؟ قال: الولاية أفضل لانها مفتاحهن، والوالي هو الدليل عليهن.

قلت: ثم الذي يليه في الفضل؟ فقال: الصلاة، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: الصلاة عمود دينكم، قال: قلت: ثم الفضل الذي يليها في الفضل؟ قال: الركاة لانها قرنها وبدأ بالصلاة قبلها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الركاة تذهب الذنوب قال: قلت: والذي يليها في الفضل؟ قال: الحج قال الله (عزوجل): " ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين " وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لحجة مقبولة

___________________________________

(1) الكافي: ج 4 ص 265، كتاب الحج، باب فرض الحج والعمرة، ح 5.

(2) في النسخة - أ (ابن) والصحيح ما اثبتناه من المصدر وكتب الرجال.

(3) تفسير العياشي: ج 1 ص 193 ح 115.

(4) الكشاف: ج 1 ص 391 في تفسيره لقوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت " الآية وفي الهامش (أخرجه الطبري من طريق جرير عن الضحاك). (*)

[177]

[ قل يأهل الكتب لم تكفرون بايت الله والله شهيد على ماتعملون(98) قل يأهل الكتب لم تصدون عن سبيل الله من‌ء‌امن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغفل عما تعملون(99) يأيها الذين ء‌امنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتب يردوكم بعد إيمنكم كفرين(100) ]

خير من عشرين صلاة نافلة، ومن طاف بهذا البيت طوافا أحصى فيه اسبوعه، وأحسن ركعتيه غفر له، وقال: في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال(1)، والحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وفي نهج البلاغة: قال (عليه السلام): جعله سبحانه وتعالى للاسلام علما، وللعائذين حرما، فرض حجه، وأوجب حقه، وكتب عليكم وفادته، فقال سبحانه: " والله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين "(2).

قل يأهل الكتب لم تكفرون بئايت الله: السمعية والعقلية الدالة على صدق محمد (صلى الله عليه وآله) فيما جاء به من وجوب الحج وغيره. وتخصيص أهل الكتاب بالخطاب يدل على أن كفرهم أقبح. وأنهم وإن زعموا أنهم مؤمنون بالتوراة والانجيل، فهم كافرون بهما(3)، وأن الكفر ببعض كتاب كفر بكله.

فالكفر بولاية على (عليه السلام) كفر بجميع آيات الله، فافهم.

___________________________________

(1) الكافي: ج 2 ص 18 ح 5.

(2) نهج البلاغة: ص 45 قطعة من الخطبة 1 ط صبحي الصالح.

(3) نقلهما في أنوار التنزيل وأسرار التأويل ج 1 ص 174 في تفسيره لقوله تعالى: " قل يا أهل الكتاب لم تكفرون. وقل يا أهل الكتاب لم تصدون ". (*)

[178]

والله شهيد على ما تعملون: والحال أنه شهيد مطلع على أعمالكم واعتقاداتكم فيجازيكم عليها لا ينفعكم التحريف والاستسرار.

قل يأهل الكتب لم تصدون عن سبيل الله من‌ء‌امن: تكرير الخطاب والاستفهام لزيادة التقريع ونفي العذر لهم، وللاشعار بأن كل واحد من الامرين مستقبح في نفسه، مستقل باستجلاب العذاب.

وسبيله، دينه الحق المأمور بسلوك، وهو الاسلام المرادف للايمان.

قيل: كانوا يفتنون المؤمنين ويحرشون بينهم حتى أتوا الاوس والخزرج فذكروهم ما بينهم في الجاهلية من التعادي والتحارب، ليعودوا لمثله، لمثله، ويحتالون لصدهم عنه(1).

تبغونها عوجا: حال من الواو.

واللام في المفعول الاول محذوف، أي طالبين لسبيل الله اعوجاجا.

أو " عوجا " تمييز من النسبة إلى المفعول، أي طالبين عوجها، بأن تلبسوا عن الناس توهموا أن فيه عوجا عن الحق، بمنع النسخ، وتغير صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونحوهما، أو بأن تحرشوا بين المؤمنين، ليختلف كلمتهم ويختل أمر دينهم.

وأنتم شهدآء: إنها سبيل الله والصد عنها ضلال وإضلال وأنتم عدول عند أهل ملتكم، يثقون بأقوالكم ويستشهدونكم في القضايا.

وما الله بغفل عما تعملون: وعيد لهم.

ولما كان المنكر في الآية الاولى، كفرهم، وهم يجهزون به، ختمها بقوله: " والله شهيد ".

وفي هذه الآية صدهم المؤمنين عن الاسلام، وكانوا يخفون ويحتالون فيه، قال: " وما الله بغافل عماتعملون ".

يأيها الذين ء‌امنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتب يردوكم بعد إيمنكم كافرين:

___________________________________

(1) نقلهما في انوار التنزيل واسرار التأويل: ج 1 ص 174 في تفسيره لقوله تعالى " قل يا أهل الكتاب لم تكفرون وقل يا أهل الكتاب لم تصدون ". (*)

[179]




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21336342

  • التاريخ : 28/03/2024 - 21:46

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net