00989338131045
 
 
 
 
 
 

  سورة المزمل 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التبيان في تفسير القرآن ( الجزء العاشر)   ||   تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي

73 - سورة المزمل

مكية في قول ابن عباس والضحاك وهي عشرون آية في الكوفي والمدني الاول وتسع عشرة في البصري وثماني عشرة في المدني الاخير

بسم الله الرحمن الرحيم

(ياأيها المزمل(1) قم الليل إلا قليلا(2) نصفه أو انقص منه قليلا(3) أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا(4) إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا(5) إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلا(6) إن لك في النهار سبحا طويلا(7) واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا(8) رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا(9) واصبر على مايقولون واهجرهم هجرا جميلا(10))

عشر آيات.

قرأ ابن عامر وابوعمرو (وطاء) بكسر الواو والمد جعله مصدرا ل‍ (واطأ) يواطئ مواطأة، ووطاء.

ومعناه إن ناشئة الليل وعمل ناشئة الليل يواطئ لسمع القلب اكثر مما يواطئ ساعات النهار، لان البال افرغ للانقطاع عن كثير مما يشغل بالنهار.

[161]

الباقون - بفتح الواو - مقصورة، وروي عن الزهري - بكسر الواو - مقصورة، ومنه قوله صلى الله عليه واله: اللهم اشدد وطاء‌ك على مضر، وقرأ (رب المشرق) بالجر كوفي غير حفص ويعقوب بدلا من (ربك).

الباقون بالرفع على الاستئناف، فيكون رفعا بالابتداء وخبره (لا إله إلا هو) ويجوز أن يكون خبر الابتداء بتقدير هو رب المشرق.

هذا خطاب من الله تعالى للنبي صلى الله عليه واله وقيل: إن المؤمنين داخلون فيه على وجه لتبع. يقول الله له (يا أيها المزمل) ومعناه الملتف في ثيابه، يقال تزمل في ثيابه، فهو متزمل إذا التف. والاصل (متزمل) فأدغم التاء في الزاي لان الزاي قريبة المخرج من التاء، وهو ابدى في المسموع من التاء.

وقال قتادة: معناه المتزمل بثيابه، وقال عكرمة: المتزمل بعباء النبوة، وكل شئ لفف، فقد تزمل، قال امرء القيس:

كأن ابانا في أفانين ودقه * كبير اناس في بجاد مزمل(1)

يعني كبير اناس مزمل في يجاد وهو الكساء، وجره على المجاورة للبجاد.

وقوله (قم الليل إلا قليلا) أمر من الله تعالى للنبي صلى الله عليه واله بقيام الليل إلا القليل منه، وقال الحسن: إن الله فرض على النبي والمؤمنين أن يقوموا ثلث الليل فما زاد، فقاموه حتى تورمت أقدامهم، ثم نسخ تخفيفا عنهم.

وقال غيره: هو نفل لم ينسخ، لانه لو كان فرضا لما كان مخيرا في مقداره - ذكره الجبائي - وإنما بين تخفيف النفل.

وقال قوم: المرغب فيه قيام ثلث الليل او نصف الليل او الليل كله إلا القليل.

___________________________________

(1) ديوانه (السندوبي) 158

[162]

ولم يرغب بالاية في قيام جميعه لانه تعالى قال (إلا قليلا نصفه او انقص منه قليلا او زد عليه) يعني على النصف.

وقال الزجاج (نصفه) بدل من (الليل) كقولك ضربت زيدا رأسه.

والمعنى: قم نصف الليل إلا قليلا او انقص منه قليلا.

والمعنى قم نصف الليل او انقص من نصف الليل أو زد على نصف الليل، وذلك قبل ان يتعبد بالخمس صلوات.

وقال ابن عباس والحسن وقتادة: كان بين أول السورة وآخرها - الذي نزل فيه التخفيف - سنة.

وقال سعيد بن جبير: عشر سنين.

وقال الحسن وعكرمة: نسخت الثانية بالاولى.

والاولى أن يكون على ظاهره، ويكون جميع ذليك على ظاهرة مرغبا في جميع ذلك إلا أنه ليس بفرض وإن كانت سنة مؤكدة. والنصف أحد قسمي الشئ المساوى للاخر في المقدار. والقليل من الشئ الناقص عن قسمه الاخر، وكلما كان أنفص كان أحق باطلاق الصفة، وما لا يعتد به من النقصان لا يطلق عليه.

(ورتل القرآن ترتيلا) أمر من الله تعالى له بأن يرتل القرآن والترتيل ترتيب الحروف على حقها في تلاوتها، وتثبت فيها، والحدر هو الاسراع فيها وكلاهما حسنان إلا أن الترتيل - ههنا - هو المرغب فيه.

وقال مجاهد: معناه ترسل فيه ترسلا.

وقال الزجاج: معناه بينه تبيينا أي بين جميع الحروف، وذلك لايتم بأن يعجل في القراء‌ة.

وقوله (انا سنلقي عليك قولا ثقيلا) اخبار من الله تعالى لنبيه أنه سيطرح عليه قولا ثقيلا.

وقال الحسن وقتادة: إنه يثقل العمل به لمشقة فيه.

وقال ابن زيد: معناه العمل به ثقيل في الميزان والاجر، ليس بشاق.

وقيل: معناه قول عظيم الشأن، كما تقول هذا الكلام رزين، وهذا قول له وزن إذا كان واقعا موقعه.

وقوله (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ) قال مجاهد: ناشئة الليل التهجد في الليل.

وقال الحسن وقتادة: هو ما كان بعد العشاء الاخرة، وعن ابي جعفر

[163]

وابي عبدالله عليهما السلام أنهما قالا: هو القيام آخر الليل إلى صلاة الليل.

وقال قوم: ناشئة الليل ابتداء عمل الليل شيئا بعد شئ إلى آخره.

والناشئة الظاهرة بحدوث شئ بعد شئ، واضافته إلى الليل توجب انه من عمل الليل الذي يصلح أن ينشأ فيه.

وقوله (هي أشد وطأ) من قرأ - بالفتح - مقصورا، قال معناه: لقوة الفكر فيه أمكن موقعا.

وقيل: هو أشد من عمل النهار، وقال مجاهد: معناه واطأ اللسان القلب مواطأة ووطاء والوطاء المهاد المذلل للتقلب عليه، فكذلك عمل الليل الذي هو أصلح له فيه تمهيد للتصرف في الدلائل وضروب الحكم ووجوه المعاني.

وقوله (واقوم قيلا) أي أشد استقامة وصوابا لفراغ البال، وانقطاع ما يشغل القلب. والمعنى إن عمل الليل أشد ثباتا من عمل النهار، وأثبت في القلب من عمل النهار، والاقوم الاخلص استقامة، لانه القول يشمل المعنى على ما فيه استقامة. وفيه اضطراب. وقد يقل ذلك ويكثر، وهو في القول ظاهر كما هو في الخط، ففيه الحرف المقوم وفيه الحرف المضطرب.

وقال ابن زيد: معناه أقوم قراء‌ة لفراغه من شغل الدنيا، وقال أنس: معناه أصوب.

وقال مجاهد: معناه اثبت.

وقوله (إن لك في النهار سبحا طويلا) قال قتادة: معناه إن لك يا محمد في النهار متصرفا ومنقلبا أي ما تقضي فيه حوائجك. وقرأ يحيى ابن معمر بالخاء، وكذلك الضحاك، ومعناه التوسعة.

يقال اسبخت القطعن إذا وسعته للندف: ويقال لما تطاير من القطن وتفرق عند الندف سبائخ، والسبح المر السهل في الشئ، كالمر في الماء، والسبح في عمل النهار هو المر في العمل الذي يحتاج فيه إلى الضياء.

وأما عمل اللياء فلايحتاج فيه إلى ضياء لتمكن ذلك العمل كالفكر في وجوه البرهان وتلاوة القرآن.

وقال الجبائي في نوادره (لك في النهار سبحا) أي نوما، وقال الزجاج:

[164]

معناه إن فاتك شئ بالليل فلك في النهار فراغ تقضيه.

ثم قال لنبيه صلى الله عليه واله (واذكر اسم ربك) يعني اسماء الله الحسنى التي تعبد بالدعاء بها (وتبتل اليه تبتيلا) أي انقطع اليه انقطاعا، فالتبتل الانقطاع إلى عبادة الله، ومنه مريم البتول وفاطمة البتول، لانقطاع مريم إلى عبادة الله، وانقطاع فاطمة عن القرين، ومنه قول الشاعر:

كأن لها في الارض نسيا تقصه * إذا ماغدت وإن تكلمك تبلت(1)

أي بقطع كلامها رويدا رويدا، وقيل: الانقطاع إلى الله تأميل الخير من جهته دون غيره، وجاء المصدر على غير الفعل، كما قال (انبتكم من الارض نباتا)(2) وقيل: تقديره تبتل نفسك اليه تبتيلا، فوقع المصدر موقع مقاربه.

وقوله (رب المشرق والمغرب) من رفع فعلى انه خبر مبتدا محذوف، وتقديره: هو رب المشرق، ومن جر جعله بدلا من قوله (ربك) وتقديره إذكر اسم رب المشرق وهو مطلع الشمس موضع طلوعها ورب المغرب، يعني موضع غروبها، وهو المتصرف فيها والمدبر لما بينهما (لا إله إلا هو) أي لا احد تحق له العبادة سواه (فاتخذه وكيلا) أي حفيظا للقيام بامرك فالوكيل الحفيظ بأمر غيره.

وقيل: معناه اتخذه كافلا لما وعدك به.

ثم قال (واصبر) يا محمد (على ما يقول) هؤلاء الكفار من أذاك وما يشغل قلبك (واهجرهم هجرا جميلا) فالهجر الجميل اظهار الجفوة من غير ترك الدعاء إلى الحق على وجه المناصحة.

___________________________________

(1) مر في 7 / 117.

(2) سورة 71 نوح آية 17

[165]

قوله تعالى: (وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا(11) إن لدينا أنكالا وجحيما(12) وطعاما ذا غصة وعذابا أليما(13) يوم ترجف الارض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا(14) إنا إرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا(15) فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا(16) فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا(17) السماء منفطر به كان وعده مفعولا(18) إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا(19))

تسع آيات.

لما امر الله تعالى النبي صلى الله عليه واله بالصبر على اذى قومه، وأن يهجرهم هجرا جميلا قال على وجه التهديد للكفار (وذرني) يا محمد (والمكذبين) الذين يكذبونك فيما تدعوهم اليه من التوحيد وإخلاص العبادة والاعتراف بالبعث والنشور، والثواب والجزاء، كما يقول القائل: دعني وإياه إذا أراد أن يهدده، يقال: يذر بمعنى يترك، ويدع، ولا يستعمل ماضيه، ولا ماضي (يدع) ولا يقال: وذر، ولا ودع، استغناء بقولهم ترك عن ذلك، لان الابتداء بالواو عندهم مكروه، ولذلك أبدلوا منها الهمزة في قولهم (أقتت) والاصل (وقتت)، وقالوا (تخمة) والاصل (وخمة) وكذلك كل ما يصرف منه مما في أوله واو إلا قولهم: وادع من الدعة فلم يستغنوا عنه بتارك.

[166]

وقوله (اولي النعمة) معناه ذوي النعمة أي اصحاب النعمة، والنعمة - بفتح النون - لين الملمس وضدها الخشونة، ومعناه (وذرني والمكذبين) أي ارض بعقاب المكذبين لست تحتاج إلى اكثر من ذلك كما يقال: دعني وإياه، فانه يكفيه ماينزل به من غير تقصير مما يقع به، وهذا تهدد شديد.

وقوله (ومهلهم قليلا) أي اخرهم في المدة قليلا فالتمهيل التأخير في المدة، وقد يكون التأخير في المكان، فلا يسمى تمهيلا، فاذا كان في المدة فهو تمهيل كما ان التأخير في الاجل تأجيل آخر.

وقوله (إن لدينا انكالا) أي قيودا - في قول مجاهد وقتادة - واحدها نكل (وجحيما) أي نارا عظيمة، وجحيم اسم من اسماء جهنم (وطعاما ذا غصة)

قال ابن عباس: معناه ذا غصة بشوك يأخذ الحلق، فلا يدخل ولا يخرج.

وقيل: معناه يأخذ بالحلقوم لخشونته وشدة تكرهه (وعذابا اليما) أي عقابا موجعا مؤلما.

ثم بين متى يكون ذلك فقال (يوم ترجف الارض) أي اعتدنا هذه الانواع من العذاب في يوم ترجف الارض أي تتحرك باضطراب شديد (والجبال) أي وترجف الجبال معها إيضا (وكانت الجبال كثيبا مهيلا)

قال ابن عباس: تصير الجبال رملا سائلا متناثرا، فالكثيب الرمل المجتمع الكثير، ومهيل مفعول من هلت الرمل اهيله وذلك إذا حرك اسفله فسال أعلاه، ويقال: مهيول كما يقال مكيل ومكيول، وانهال الرمل انهيالا و (الغصة) تردد اللقمة في الفم لا يسيغها الذي يروم أكلها قال الشاعر:

لو بغير الماء حلقي شرق * كنت كالغصان بالماء اعتصاري(1)

___________________________________

(1) مر في 1 / 130، 421 و 6 / 151

[167]

يقال غص بريقه يغص غصصا، وفي قلبه غصة من كذا، وهي كاللذغة التي لا يسيغ معها الطعام ولا الشراب.

وقوله (إنا أرسلنا اليكم رسولا شاهدا عليكم) اخبار من الله تعالى وخطاب للمكلفين في عصر النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده بأنه أرسل اليهم رسولا يدعوهم إلى عبادته وإخلاص توحيده (شاهدا عليكم) بقبولهم إن قبلوا وعليهم إن لم يقبلوا (كما أرسلنا) أي ارسلناه اليكم مثل ما أرسلنا (إلى فرعون رسولا) يعني موسى ابن عمران عليه السلام.

ثم اخبر عن فرعون فقال (فعصى فرعون الرسول) يعني موسى، فلم يقبل منه ما أمره به ودعاه اليه (فأخذناه أخذا وبيلا) أي اخذا ثقيلا شديدا عقوبة له على عصيانه موسى رسول الله، وكل ثقيل وبيل، ومنه: كلا مستوبل أي متوخم لا يستمرء لثقله، ومنه الوبل، والوابل، وهو المطر العظيم القطر، ومنه الوبال وهو ما يغلظ على النفس وأصله الغلظ قال طرفة:

فمرت كهاة ذات خيف جلالة * عقيلة شيخ كالوبيل يلندد(1)

الوبيل - ههنا - الغليظ من العصى و (كهاة) ناقة مسنة و (الخيف) جلد الضرع و (يلندد) شديد الخصومة.

قوله (فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا) أي إن كفرتم بالله وجحدتم نعمه، وكذبتم رسوله، وإنما جعل الولدان، وهم الاولاد الصغار شيبا لشدته، وعظم أهواله، كما يقال: قد حدث أمر تشيب منه النواصي.

وقيل: (يوما يجعل الولدان شيبا) على وجه المثل، والشيب جمع أشيب، يقال: شاب الانسان يشيب شيبا إذا ابيض شعره.

ثم زاد في صفة شدة ذلك اليوم أيضا فقال (السماء منفطر به) أي متصدع بشدة ذلك اليوم، وإنما لم يقل منفطرة، لانه جرى

___________________________________

(1) ديوانه 38 وتفسير القرطبي 18 / 48

[168]

على طريق النسبة أي ذات انفطار، ولم يجر على طريق (فاعلة) كما قالوا للمرأة: مطفل أي ذات طفل.

وقال الزجاج: تقديره السماء منفطر باليوم مثقلة به.

وقال الحسن: معناه السماء مثقل به.

وقال غيره: السماء مثقلة بذلك اليوم من شدته.

وقال قوم: معناه متشقق بالامر الذي يجعل الولدان شيبا.

والسماء يؤنث ويذكر، فمن ذكر أراد السقف.

وقوله (كان وعده مفعولا) معناه إن ما وعد الله به فلا بد من كونه، فلذلك عبر عنه بلفظ الماضي فكأنه قد وجد.

ثم قال (إن هذه تذكرة) أي هذه القصة التي ذكرناها وبيناها (تذكرة) أي عظة لمن انصف من نفسه وفكر فيها، فالتذكرة التبصرة، وهي الموعظة التي يذكر بها ما يعمل عليه.

وقوله (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) معناه إن من شاء من المكلفين اتخذ إلى ثواب ربه سبيلا، لانه قادر على الطاعة التي لو فعلها وصل إلى الثواب. والله تعالى قد دعاه إلى ما يوصله اليه ورغبه فيه، وبعث رسولا يدعوه ايضا اليه. وإن لم يفعل فسبوء اختياره انصرف عنه.

[169]

قوله تعالى: (إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤوا ما تيسر منه وأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم(20))

آية واحدة.

قرأ نافع وابوعمرو وابن عامر (ونصفه وثلثه) بكسر الفاء والثاء بمعنى إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ومن نصفه ومن ثلثه أي وادني من نصفه وأدنى من ثلثه. الباقون بالنصب بمعنى أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل وتقوم نصف وثلثه. والثلث يخفف ويثقل، لغتان، ومثله ربع وعشر.

وقال ابوعبيدة: الاختيار الخفض في (ثلثه ونصفه) لانه قال (علم أن لن تحصوه) وكيف يقدرون على أن يقوموا نصفه أو ثلثه، وهم لا يحصونه، وقال غيره: ليس المعنى على ما قال.

وإنما المعنى علم أن لن يطيقوه، يعني قيام الليل، فخفف الله ذلك، قال والاختيار النصب، لانها أوضح في النظر، لانه قال لنبيه صلى الله عليه واله (قم الليل إلا قليلا) ثم نقله عن الليل، كله إلا شيئا يسيرا ينام فيه، وهو الثلث. والثلث يسير عند الثلثين.

ثم قال (نصفه) أي قم نصفه (أو انقص منه قليلا) أي قم نصفه، واكتفى بالفعل الاول من الثاني، لانه دليل عليه أو انقص من النصف قليلا إلى الثلث (أو زد) هكذا إلى الثلثين جعله موسعا عليه.

وفى الناس من قال: هذه الاية ناسخة لما ذكره في أول السورة من الامر الحتم بقيام الليل إلا قليلا أو نصفه او انقص منه.

وقال آخرون: إنما نسخ ما كان فرضا إلى ان صار نفلا.

وقد قلنا: ان الامر في أول السورة على وجه الندب، فكذلك - ههنا - فلا وجه للتنافي حتى ينسخ بعضها ببعض يقول الله تعالى لنبيه ان ربك يا محمد ليعلم انك

[170]

تقوم اقل من ثلثي الليل واقل من نصفه ومن ثلثه فيمن جر ذلك، ومن نصب فمعناه إنك تقوم أقل من ثلثي الليل وتقوم نصفه وثلثه وتقوم طائفة من الذين معك على الايمان (والله يقدر الليل والنهار) لتعملوا فيه بالصواب على ما يأمركم به (علم أن لن تحصوه) قال الحسن: معناه علم أن لن تطيقوه (فتاب عليكم) أي لم يلزمكم إثما كما لا يلزم التائب أي رفع التبعة فيه كرفع التبعة عن التائب.

وقوله (فاقرء‌وا ما تيسر من القرآن علم ان سيكون منكم مرضى) فتاب عليكم بما رغبتم فيه وذلك يقتضي التخفيف عنكم (وآخرون يضربون في الارض) أي ومنكم قوم آخرون يضربون أي يسافرون في الارض ومنكم قوم (آخرون يقاتلون في سبيل الله) وكل ذلك يقتضي التخفيف عنكم (فاقرء‌وا ما تيسر منه واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) ومعناه اقيموا الصلاة بحدودها التي أوجبها الله عليكم واستمروا عليها وأعطوا ما وجب عليكم من الزكوة المفروضة (واقرضوا الله قرضا حسنا) أي وانفقوا في سبيل الله والجهات التي أمركم بها وندبكم إلى النفقة فيها، وسمي ذلك (قرضا) تلطفا في القول، لان الله تعالى من حيث أنه يجازيهم على ذلك بالثواب، فكأنه استقرض منهم ليرد عوضه وإنما قال (حسنا) أي على وجه لا يكون فيه وجه من وجوه القبح.

ثم قال (وما تقدموا لانفسكم من خير) أي ما فعلتم من الطاعات (تجدوه) أي تجدوا ثوابه وجزاء‌ه (عند الله) وقوله (هو خيرا وأعظم أجرا) أي تجدوه خيرا لكم، وهو أفضل واعظم ثوابا، وهو عطف على (خير).

ثم قال (واستغفروا الله) على معاصيكم معاشر المكلفين (إن الله غفور) أي ستار لذنوبكم صفوح لاجرامكم إذا تبتم واقلعتم ورجعتم اليه (رحيم) بكم منعم عليكم.

وقال ابن زيد: القرض في الاية النوافل سوى الزكاة.

 




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 22215628

  • التاريخ : 3/02/2025 - 21:49

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net