00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة القمر 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : التبيان في تفسير القرآن ( الجزء التاسع )   ||   تأليف : شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي

54 - سورة القمر

مكية بلا خلاف. وهي خمس وخمسون آية بلا خلاف.

بسم الله الرحمن الرحيم

(إقتربت الساعة وانشق القمر(1) وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر(2) وكذبوا واتبعوا أهواء‌هم وكل أمر مستقر(3) ولقد جاء‌هم من الانباء ما فيه مزدجر(4) حكمة بالغة فما تغن النذر(5))

خمس آيات.

قرأ ابوجعفر " وكل امر مستقر " بالجر صفة ل‍ (أمر). الباقون بالرفع على انه خبر (كل).

هذا اخبار من الله تعالى بدنو الساعة وقرب أوانها، فقوله " اقتربت " أي دنت وقربت وفي (اقتربت) مبالغة، كما أن في (اقتدر) مبالغة على القدرة، لان اصل (افتعل) طلب اعداد المعنى بالمبالغة نحو (اشتوى) إذا أتخذ شوى في المبالغة في اتخاذه، وكذلك (اتخذ) من (اخذ). والساعة القيامة.

وقال الطبري: تقديره اقتربت الساعة التي يكون فيها القيامة.

[443]

وجعل الله تعالى من علامات دنوها انشقاق القمر المذكور معها، وفى الآية تقديم وتأخير، وتقديره انشق القمر واقنربت الساعة.

ومن أنكر إنشقاق القمر وأنه كان، وحمل الآية على كونه في ما بعد - كالحسن البصري وغيره، واختارة البلخي - فقد ترك ظاهر القرآن، لان قوله " انشق " يفيد الماضي، وحمله على الاستقبال مجاز.

وقد روى إنشقاق القمر عبدالله بن مسعود وانس ابن مالك وابن عمر وحذيفة وابن عباس وجبير بن مطعم ومجاهد وإبراهيم، وقد أجمع المسلمون عليه ولا يعتد بخلاف من خالف فيه لشذوذه، لان القول به أشتهر بين الصحابه فلم ينكره أحد، فدل على صحته، وأنهم اجمعوا عليه فخلاف من خالف في ما بعد لا يلتفف اليه.

ومن طعن في إنشقاق القمر بأنه لو كان لم يخف على أهل الافطار فقد أبعد لانه يجوز ان يحجبه الله عنهم بغيم، ولانه كان ليلا فيجوز ان يكون الناس كانوا نياما فلم يعلموا به، لانه لم يستمر لزمان طويل بل رجع فالتأم في الحال، فالمعجزة تمت بذلك.

وقوله " وإن يروا آية " احتمل ان يكون اخبارا من الله تعالى عن عناد كفار قريش بأنهم متى رأوا معجزة باهرة وحجة واضحة أعرضوا عن تأملها والانقياد لصحتها عنادا وحسدا، وقالوا هو " سحر مستمر " أي يشبه بعضه بعضا. وقيل " سحر مستمر " من الارض إلى السماء.

وقال مجاهد وقتادة معناه ذاهب مضمحل وقال قوم: معناه شديد من أمرار الحبل، وهو شده فتله.

وقوله " وكذبوا " يعني بالآية التي شاهدوها ولم يعترفوا بصحتها ولا تصديق من ظهرت على يده " واتبعوا " في ذلك " أهواء‌هم " يعني ما تميل طبائعهم اليه، فالهوى رقة القلب بميل الطباع كرقة هواء الجو، تقول: هوى هوي هوا، فهو هلو إذا ما طبعه إلى الشئ، وهو هوى النفس مقصور، فأما هواء الجو فممدود ويجمع على أهوية. وهوى يهوي إذا انحدر في الهواء، والمصدر الهوى. والاسم الهاوي.

[444]

وقوله " وكل أمر مستقر " معناه كل أمر من خير او شر مستقر ثابت حتى يجازى به إما الجنة او النار - ذكره قتادة - ثم قال " ولقد جاء‌هم " يعني هؤلاء الكفار " من الانباء " يعني الاخبار العظيمة بكفر من تقدم من الامم وإهلاكنا إياهم التي يتعظ بها " مافيه مزدجر " يعني متعظ، وهو مفتعل من الزجر إلا ان التاء ابدلت دالا لتوافق الراء بالجهر مع الدال لتعديل الحروف فيتلاء‌م ولا يتنافر.

وقوله " حكمة بالغة " معناه نهاية في الصواب، وغاية في الزجر بهؤلاء الكفار وقوله " فما تغنى النذر " يجوز في (ما) وجهان: احدهما - الجحد، ويكون التقدير: لا يغني التخويف. والثاني - ان تكون بمعنى (أي) وتقديره أى شئ يغني الانذار. والنذر جمع نذير.

وقال الجبائي: معناه إن الانبياء الذين بعثوا اليهم لا يغنون عنهم شيئا من عذاب الآخرة الذى استحقوه بكفرهم، لانهم خالفوهم ولم يقبلوا منهم.

قوله تعالى: (فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شئ نكر(6) خشعا أبصارهم يخرجون من الاجداث كأنهم جراد منتشر(7) مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر(8) كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر(9) فدعا ربه أني مغلوب فانتصر(10))

خمس آيات.

قرأ " خشعا " على الجمع أهل العراق إلا عاصما، الباقون " خاشعا " على وزن (فاعل) ونصبوه على الحال. ومن قرأ " خاشعا " بلفظ الواحد، فلتقدم

[445]

الفعل على الفاعل. وقرأ ابن كثير وحده (نكر) بسكون الكاف. الباقون بالتثقيل وهما لغتان.

وقال ابوعلي النحوي: النكر أحد الحروف التي جاء‌ت على (فعل، وفعل) وهو صفة. وعلى ذلك حمله سيبويه وأستشهد بالآية. ومثله ناقة أحدومشية سجح.

ومن خفف جعله مثل رسل رسل وكتب وكتب، والضمة في تقدير الثبات.

لما حكى الله تعالى عن الكفار أنه ليس ينفع في وعظهم وزجرهم الحكمة البالغة، ولا يغني النذر أمر النبي بالاعراض عنهم وترك مقابلتهم على سفههم.

فقال " فتولى عنهم " أي اعرض عنهم " يوم يدع الداعي إلى شئ نكر " قيل في معناه أقوال:

احدها - قال الحسن فتولى عنهم إلى يوم يدعو الداعي.

والثاني - فتول عنهم وأذكر يوم يدع الداعي إلى شئ نكر، يعني لم يروا مثله قط فينكرونه استعظاما له.

الثالث - ان المعنى فتول عنهم، فانهم يرون ما ينزل بهم من العذاب يوم يدعو الداعي وهو يوم القيامة، فحذف الفاء من جواب الامر.

والداعي هو الذي يطلب من غيره فعلا. ونقيضه الصارف، وهو الطالب من غيره أن لا يفعل بمنزلة الناطق بأن لا يفعل، تقول: دعا يدعو دعاء فهو داع وذاك مدعو.

والنكر: هو الذي تأباه من جهة نفور الطبع، وهو صفة على وزن فعل، ونظيره رجل جنب وارض جرز، وهو من الانكار نقيض الاقرار، لان النفس لا تقر بقبوله، وإنما وصف بأنه نكر لغلظه على النفس، وإنهم لم يروا مثله شدة وهؤلاء كأنهم ينكرونه لما قبح في عقولهم.

وقوله " خاشعا أبصارهم " فمعنى الخاشع الخاضع، خشع يخشع خشوعا، فهو خاشع، والجمع خشع، ويخشع الرجل إذا نسك، وخاشعا حال مقدمة. والعامل فيها (يخرجون) وقيل " خاشعا أبصارهم " لتقدم الصفة على الاسم، كما قال الشاعر:

[446]

وشباب حسن أوجههم *** من ايادبن نزاربن معد(1)

وقال آخر:

ترى الفجاج بها الركبان معترضا *** أعناق أبزلها مرخى لها الجدل(2)

والجديل هو الزمام، ولم يقل مرخيات ولا معترضات " يخرجون من الاجداث " يعني من القبور واجدها جدث وحدف أيضا لغة، واللحد جانب القبر وأصله الميل عن الاستواء " كأنهم جراد منتشر " أي من جراد منتشر من كثرتهم وقوله " مهطعين إلى الداعي " قال الفراء وابوعبيدة: مسرعين.

وقال قتادة: معناه عامدين بالاهطاع والاهطاع الاسراع في المشي، يقال: اهطع يهطع إهطاعا، فهو مهطع، فهؤلاء الكفار يهطعون إلى الداعي بالالجاء والاكراه والاذلال ووصفت الابصار بالخشوع، لان ذلة الذليل وعزة العزيز تتبين في نظره " يقول الكافرون هذا يوم عسر " حكاية ما يقوله الكفار يوم القيامة بأنه يوم عسر شديد عليهم ثم قال مثل ما كذبك يا محمد هؤلاء الكفار وجحدوا نبوتك " كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا " يعني نوحا عليه السلام " وقالوا مجنون " أي هو مجنون قد غطي على عقله فزال بآفة تعتريه " وازدجر " قال ابن زيد: معناه زجر بالشتم والرمي بالقبيح.

وقال غيره: ازدجر بالوعيد، لانهم توعدوه بالقتل في قوله " لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين "(3) " فدعا " عند ذلك " ربه " فقال يا رب " اني مغلوب " قد غلبني هؤلاء الكفار بالقهر لا بالحجة " فانتصر " منهم بالاهلاك والدمار نصرة لدينك ونبيك.

وقال مجاهد: معنى (ازدجر) استطار واستفز جنونا.

___________________________________

(1) تفسير القرطبي 17 / 129 والطبري 27 / 48.

(2) الطبري 27 / 48.

(3) سورة 26 الشعراء آية 116

[447]

قوله تعالى: (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر(11) وفجرنا الارض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر(10) وحملناه على ذات ألواح ودسر(13) تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر(14) ولقد تركناها آية فهل مدكر(15) فكيف كان عذابي ونذر(16))

ست آيات.

قرأ ابن عامر " ففتحنا " بالتشديد أي مرة بعد مرة وشيئا بعد شئ، لانه كثر ودام لما فار التنور وانهمرت الارض والسماء بالماء. الباقون بالتخفيف لانه يأتي على القليل والكثير، وفي الكلام حذف، وتقديره ان نوحا عليه السلام لما دعا ربه فقال إني مغلوب فانتصر يارب وأهلكهم فأجاب الله دعاء‌ه وفتح أبواب السماء بالماء، ومعناه أجرى الماء من السماء، فجريانه إنما فتح عنه باب كان مانعا له، وذلك من صنع الله الذي لا يقدر عليه سواه. وجاء ذلك على طريق البلاغة. والماء المنهمر هو المنصب الكثير قال امرؤ القيس:

راح تمر به الصبا ثم انتحى *** فيه شؤبوب جنوب منهمر(1)

أي منصب مندفق، انهمر ينهمر إنهمارا، وفلان ينهمر في كلامه، كأنه يتدفع فيه مع كثرته.

وقوله " وفجرنا الارض عيونا " فالتفجير تشقيق الارض عن الماء، ومنه انفجر العرق وأنفجر السكر، ومنه قوله " وفجرنا خلالهما نهرا "(2) وعيون الماء

___________________________________

(1) الطبرى 27 / 49 والقرطبي 17 / 132.

(2) سورة 18 الكهف آية 34

[448]

واحدها عين، وهو ماء يفور من الارض مستدير كاستدارة عين الحيوان، والعين مشتركة بين عين الحيوان وعين الماء وعين الميزان وعين الذهب وعين السحابة وعين الركبة " فالتقى الماء على أمر قد قدر " معناه إن المياه كانت تجري من السماء ومن الارض على ما أمر الله به وأراده وقدره.

وإنما قال " فالتقى الماء " والمراد به ماء السماء وماء الارض، ولم يثن، لانه اسم جنس يقع على القليل والكثير " على أمر قد قدر " فيه هلاك القوم في اللوح المحفوظ.

وقيل: معناه إنه كان قدر ماء السماء مثل ما قدر ماء الارض.

ثم قال تعالى " وحملناه " يعني نوحا " على ذات ألواح ودسر " يعني السفينة ذات ألواح مركبة بعضها إلى بعض، والدسر هي المسامير التي تشد بها السفينة - في قول ابن عباس وقتادة وابن زيد - واحدها دسار ودسير، ودسرت السفينة ادسرها دسيرا إذا شددتها بالمسامير او نحوها.

وقيل: الدسر صدر السفينة تدسر به الماء أي تدفع - عن الحسن - وقال مجاهد: الدسر أضلاع السفينة.

وقال الضحاك: الدسر طرفاها وأصلها.

وقال الزجاج: الدسر المسامير والشرط التي تشد بها الالواح.

وقوله " تجري باعيننا " معناه تجري السفينة بمر أى منا، ونحن ندكرها.

وقيل: أعين الماء التي أنبعناها.

وقيل: تجري بأعين أوليائنا والموكلين بها من الملائكة.

وقوله " جزاء لمن كان كفر " أي كفر به وهو نحوه أي لكفرهم به، كأنه قال غرقناهم لاجل كفرهم بنوح.

وقيل: جزاء لنوح واصحابه أي نجيناه ومن آمن معه لما صنع به، وكفر فيه بالله.

وقوله " ولقد تركناها آية " يعني السفينة تركناها دلالة باهرة " فهل من مدكر " بها ومتعظ بسببها فيعلم أن الذي قدر على ذلك لا يكون من قبيل الاجسام وانه لا يشبه شيئا ولا يشبهه شئ.

وقال قتادة: أبقى الله تعالى سفينة نوح حتى

[449]

ادركها أوائل هذه الامة، فكان ذلك آية (ومدكر) أصله متذكر، فقلبت التاء دالا لتواخي الدال بالجهر. ثم أدغمت الذال فيها.

وقيل: وجه كونها آية انها كانت تجري بين ما الارض وماء السماء، وكان قد غطاها على ماء أمره الله تعالى به.

وقوله " فهل من مدكر " قد بينا معناه.

وقال قتادة: معناه فهل من طالب علم فيعان عليه.

وقوله " فكيف كان عذابي ونذر " تهديد للكفار وتنبيه لهم على عظم ما فعله بأمثالهم من الكفار الجاحدين لتوحيده. وإنما كرر " فكيف كان عذابي ونذر " لانه لما ذكر أنواع الانذار والعذاب انعقد التذكير لشئ شئ منه على التفصيل، والنذر جمع نذير - في قول الحسن - قال: وتكذيب بعضهم تكذيب لجميعهم.

وقال الفراء: هو مصدر، ومنه " عذرا او نذرا "(1) مخففة ومثقلة و " إلى شئ نكر " ويقال: أنذره نذرا بمعنى إنذارا مثل أنرله نزلا بمعنى إنزالا.

قوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر(17) كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر(18) إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر(19) تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر(20) فكيف كان عذابي ونذر(21))

خمس آيات.

أقسم الله تعالى بأنه يسر القرآن للذكر، والتيسير للشئ هو تسهيله، وأخذه بما ليس فيه كثير مشقة على النفس، فمن سهل له طريق العلم فهو حقيق بالحظ الجزيل

___________________________________

(1) سورة 77 المراسلات آية 6

[450]

منه، لان التيسير أكبر داع اليه، وتسهيل القرآن للذكر خفة ذلك على النفس لحسن البيان وظهر البرهان في الحكم السنية والمعاني الصحيحة الموثوق بها لمجيئها من الله تعالى، وإنما صار الذكر من اجل ما يدعى اليه ويحث عليه، لانه طريق العلم، لان الساهي عن الشئ او عن دليله لا يجوز أن يعلمه في حال شهوة، فاذا تذكر الدلائل عليه والطريق المؤدية اليه فقد تعرض لعلمه من الوجه الذي ينبغي له.

وقوله " فهل من مدكر " معناه فهل من متعظ معتبر بذلك ناظر فيه. ثم قال (كذبت عاد) يعني بالرسول الذي بعثه اليهم، وهو هود عليه السلام فاستحقوا الهلاك فاهلكهم الله (فكيف كان عذابي) لهم و (نذر) أي وإنذاري إياهم. ثم بين كيفية إهلاكهم فقال (إنا ارسلنا عليهم ريحا صرصرا) وهي الشديدة الهبوب حتى يسمع في صوتها صرير، وهو مضاعف صر مثل كب وكبكب ونهه ونهنهه، وقال ابن عباس وقتادة والضحاك: كانت ريحا باردة.

وقال ابن زيد وسفيان: كانت شديدة.

وقوله (في يوم نحس) يعني يوم شؤم - في قول قتادة - (مستمر) أى استمر بهم العذاب إلى نار جهنم - في قول قتادة - وقوله (تنزع الناس كأنهم اعجاز نخل منقعر) معناه تقتلع هذه الريح الناس ثم ترمي بهم على رؤسهم فتدق رقابهم فيصيرون كأنهم أعجاز نخل، لان رؤسهم سقطت عن أبدانهم - في قول مجاهد - وقيل: استمرت بهم الريح سبع ليال وثمانية أيام حتى اتت عليهم شيئا بعد شئ. وقيل (تنزع الناس) من حفر حفروها ليمتنعوا بها من الريح.

وقال الحسن: فيه اضمار تقديره تنزع أرواح الناس، واعجاز النخل أسافله.

والنخل يذكر ويؤنث، والمنقعر المنقلع من أصله، لان قعر الشئ قراره المستقل منه، فلهذا قيل للمنقطع من أصله: منقعر، يقال: انعقر إنعقارا، وقعره تقعيرا، وتقعر - في

[451]

كلامه (تقعرا إذا تعمق. (فكيف كان عذابي ونذر) تعظيم للعذاب النازل بهم. والانذار في الآية هو الذى تقدم اليهم به. وفائدة الآية التحذير من مثل سببه لئلا يقع بالمحذر مثل موجبه.

قوله تعالى: (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر(22) كذبت ثمود بالنذر(23) فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر(24) أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر(25) سيعلمون غدا من الكذاب الاشر(26) إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر(27) ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر(28) فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر(29) فكيف كان عذابي ونذر(30))

تسع آيات.

قرأ " ستعلمون " بالتاء اهل الشام وحمزة، على الخطاب، الباقون بالياء على الغيبة، اللام في قوله (ولقد) جواب القسم فالله تعالى أقسم بأنه يسر القرآن للذكر، وقد بينا معناه.

وقيل: الوجوه التي يسر الله بها القرآن هو أنه ابان عن الحكم الذي يعمل عليه، والمواعظ التي يرتدع بها، والمعاني التي يحتاج إلى التنبيه عليها والحجج التي تميز بها الحق من الباطل. وإنما أعيد ذكر التيسير لينبئ عن انه يسر بهذا الوجه من الوجوه كما يسر بالوجه الاول. وقد يسر بحسن التأليف للحفظ كما يسر بحسن البيان عما يخاف للوعظ.

وقال الزجاج: إن كتب الانبياء كانوا يقرؤنها نظرا ولم يحفظونها، والقرآن سهل الله تعالى عليهم حفظه فيحفظه الخلق الكثير، والتيسير

[452]

التمكين التام لانه قد يمكن العمل بمشقه وبغير شقة، فالذي تنتفى عنه المشقة للتمكين التام هو المسهل. وفائدة الآية تبيين ما ينبغي أن يطلب العلم من جهته. وإنما كرر لانه حث على ذلك بعد حث، وأنه ميسر بضروب التيسير.

وقوله (كذبت ثمود بالنذر) إخبار من الله تعالى أن ثمود، وهم قوم صالح كذبت بالانذار. ومن قال: النذر جمع نذير قال لان تكذيب واحد من الرسل في إخلاص توحيدالله كتكذيب جميعهم، لانهم متفقون في ذلك وإن اختلفت شرائعهم. وفائدة الآية التحذير من مثل حالهم.

ثم حكى ما قالته ثمود فانهم (قالوا أبشرا منا واحدا نتبعه) والمعنى أنتبع بشرا منا واحدا انتبعه؟ ! ودخلت عليهم الشبهة، فظنوا أن الانبياء ينبغي أن يكونوا جماعة، لان الاشياء ذووا نظائر تجري على حكم واحد، وتركوا النظر في أنه يجوز ان يصلح واحد من الخلق لتحمل النبوة وإن لم يصلح له غيره، فصار بمنزلة مدع لا دليل معه على صحة دعواه عندهم. وفائدة الآية تبيان شبهتهم الخسيسة الضعيفة وانهم حملوا أنفسهم على تكذيب الرسل لاجلها. وجوابهم أن يقال لهم: لانه لا يصلح له سواه من جهة معرفته بربه وقيامه باداء رسالته وسلامة ظاهره وباطنه.

وقوله (إنا إذا لفي ضلال) معناه إن اتبعناه مع انه واحد منا إنا إذا لفي ضلال عن الصواب (وسعر) أي وعناء - في قول قتادة - والسعر جمع سعير كأنهم في ضلال وعذاب كعذاب السعير. وقال قوم: معناه وسعر جنون. واصله التهاب الشئ وهو شدة انتشاره، يقال: ناقة مسعورة إذا كان لها جنون.

وقال الزجاج: يجوز أن يكون المراد وعذاب، ويجوز جنون.

وقوله (أألقي الذكر عليه من بيننا) استفهام من قوم صالح على وجه الانكار والجحود والتعجب، ومعنى (أألقي الذكر) يعني الوحي (من بيننا) لما رأوا

[453]

أستواء حال الناس في الظاهر لم يكن بعضهم أحق عندهم بانزال الوحي عليه من بعض. وقد وصفوا أنفسهم أن حاله مساوية لاحوالهم فجاء من هذا ألا يكون أحق بالوحي الذي ينزل عليه منهم، واغفلوا أن الله اعلم بمصالح عباده ومن يصلح للقيام برسالته ممن لا يصلح.

ثم حكى ما قالوه في صالح، فانهم قالوا (بل هو كذاب) في دعواه أنه نبي أوحى الله اليه (أشر) أي بطر، فالاشر البطر الذي لا يبالي ما قال. وقيل: هو المرح الطالب للفخر وعظم الشأن، يقال: أشر يأشر أشرا كقولك: بطر يبطر بطرا وأشر واشر مثل حذر وحذر، وعجل وعجل وفطن وفطن ونحس ونحس.

فقال: الله تعالى على وجه التهديد لهم (ستعلمون غدا من الكذاب الاشر) وقرأ ابوقلابة (الكذاب الاشر) وهذا ضعيف، لانهم يقولون: هذا خير من ذا وشر من ذا، ولا يقال: أشر، ولا أخير إلا في لغة ردية.

ومن قرأ (ستعلمون) بالتاء على وجه الخطاب اليهم أي قل لهم، وهي قراء‌ة ابن عامر وحمزة وحفص عن عاصم. ومن قرأ بالياء فعلى وجه الاخبار عن الغائب وهي قراء‌ة الباقين، لان الكذاب الاشر يوم القيامة يعاقبه الله بعذاب النار، فيعلم حينئذ أي الفريقين هم. وقرب الله تعالى القيامة كقرب غد من اليوم.

والفرق بين قوله (ستعلمون غدا من الكذاب) وبين قوله لو قال (ستعلمون غدا الكذاب الاشر) أن الاول يفيد فريقين التبس الكذب بكل واحد منهما فيأتي العلم مزيلا لذلك الالتباس وليس كذلك الثاني. ثم بين تعالى أنه ارسل الناقة وبعثها بأن أنشأها معجز لصالح، لانه أخرجها من الجبل الاصم يتبعها ولدها.

وقوله (فتنة لهم) نصب (فتنة) على انه مفعول له. ومعنى ذلك إبتلاء‌لهم ومحنة، لانه تعالى نهاهم ان ينالوها بسوء مع تضيق الشرب

[454]

عليهم بأن لها شرب يوم ولهم شرب يوم آخر. والشرب - بكسر الشين - الحظ من الماء - وبضم الشين - فعل الشارب.

ثم حكى تعالى ما قال لصالح فانه تعالى قال له (واصطبر) أي أصبر على أذاهم (ونبئهم) أي اخبرهم (أن الماء قسمة بينهم) يوم للناقة ويوم لهم (كل شرب محتضر) أي كل قسم يحضره من هو له. وقيل المعنى نبئهم أي يوم لهم وأي يوم لها إلا أنه غلب من يعقل، فقال نبئهم.

وقيل: كانوا يحضرون الماء إذا غابت الناقة ويشربونه وإذا حضرت أحضروا اللبن وتركوا الماء لها - ذكره مجاهد - وقيل: كانت الناقة تحضر شربها وتغيب وقت شربهم. وكل فريق يحضر وقت شربه.

وقوله (فنادوا صاحبهم) يعني الذي وافقوه على عقر الناقة، وهو أحمر ثمود، والعرب تغلط فتقول: أحمر عاد. ويريدون بذلك ضرب المثل في الشؤم، وإنما هو أحمر ثمود - ذكره الزجاج - وقال قوم: اسمه قدار بن سالف.

وقوله (فتعاطى فعقر) قال ابن عباس تعاطى تناول الناقة بيده فعقرها، وقال معناه تعاطى عقرها فعقرها فأهلكهم الله تعالى عقوبة على ذلك (فيكف كان عذابي ونذر).

[455]

قوله تعالى: (إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة كانوا كهشيم المحتظر(31) ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر(32) كذبت قوم لوط بالنذر(33) إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر(34) نعمة من عندنا كذلك نجزى من شكر(35) ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر(36) ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر(37) ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر(38) فذوقوا عذابي ونذر(39) ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر(40))

عشر آيات.

لما اخبرالله تعالى عن قوم صالح أنهم عقروا الناقة وأنه تعالى أهلكهم بين كيف أهلكهم فقال (إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة) وهي المرة من الصوت بشدة عظيمة هلكوا كلهم بها، يقال: صاح يصيح صياحا وصايحة ومصايحة وصيح به تصييحا وإنها صيحة تخلع القلوب وتهدم الابدان لعظمها وقوله (فكانوا كهشيم المحتظر) أي صاروا كالهشيم، وهو المنقطع بالتكسير والترضيض، هشم أنفه يهشمه إذا كسره ومنه الهاشمة وهي شجة مخصوصة. والهشم - ههنا - يبس الشجر المتفتت الذي يجمعه صاحب الحظيرة و (المحتظر) المبتني حظيرة على بستانه أو غيره، تقول احتظر احتظارا، وهو من الحظر، وهو المنع من الفعل بحايط أو غيره، وقد يكون الحظر بالنهي. وقرأ بفتح الظاء وهو المكان الذي يحتظر فيه الهشيم.

وقيل: هشيم المحتظر قال الضحاك: هو الحظيرة تتخذ للغنم يبس فتصير رميما.

وقيل: الهشيم حشيش يابس متفتت يجمعه المحتظر لمواشيه.

وقيل: الهشيم اليبس من الشجر أجمع الذي يفتت.

وقوله (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) قد فسرناه وقال قتادة: فهل من طالب علم يتعلم؟ وفيها دلالة على بطلان قول المجبرة، لانه ذكر انه يسر القرآن ليتذكر العباد به، ولو كان الامر على ما يقولون لكان ليتذكر القليل منهم دون سائرهم.

[456]

وقوله (كذبت قوم لوط بالنذر) اخبار منه تعالى أن قوم لوط كذبوا الرسل بالانذار على ما فسرناه. وفائدة ذكر التحذير على مابيناه من فعل مثله لئلا ينزل بهم مثل ما نزل باولئك، وفي الكلام حذف وتقديره فأهلكناهم. ثم بين كيف أهلكهم فقال (إنا أرسلنا عليهم حاصبا) والحاصب الحجارة التي يرمى بها القوم، حصبوا بها إذا رموا، ومنه الحصباء الارض ذات الحصى، لانه يحصب بها وقيل: الحاصب سحاب رماهم بالحجارة وحصبهم بها قال الفرزدق:

مستقبلين رياح الشام تضربنا *** بحاصب كنديف القطن منثور(1)

ثم استثنى آل لوط، وتقديره إنا أرسلنا عليهم حاصبا أهلكناهم به (إلا آل لوط) فانا (نجيناهم) وخلصناهم من العذاب (بسحر) أي بليل لا سحرا بعينه، لان سحرا إذا اردت به سحر يومك لم تصرفه، وإذا أردت به سحرا من الاسحار صرفته.

وقوله (نعمة من عندنا) قال الزجاج نصبه على انه مفعول له، ويجوز ان يكون على المصدر، وتقديره أنعمنا بها عليهم نعمة.

ثم قال (كذلك نجزي من شكر) أي مثل ما فعلنا بهم نفعل بمن يشكر الله على نعمه، والشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم للمنعم، ونقيضه كفر النعمة، ومثله الحمد على النعمة.

ثم اخبر تعالى عن لوط بأنه أنذر قومه بطشة الله وهي الاخذ بالعذاب بشدة فكذلك أخذ الله - عزوجل - آل لوط باشد العذاب بالائفاك ورمي الاحجار من السماء.

وقوله (فتماروا بالنذر) أي تدافعوا على وجه الجدال بالباطل، يقال: تمارى القوم تماريا وماراه مما راة ومراء، ومراه يمريه مريا إذا أستخرج ما عنده من العلم بالمري.

___________________________________

(1) مر في 6 / 502 و 8 / 209

[457]

وقوله (ولقد راودوه عن ضيفه) إخبار منه تعالى بأن قوم لوط حاولوا ضيفه وراودوهم على الفساد، فالمراود المحاولة، فكأن قوم لوط طالبوه بأن يخلي بينهم وبين ضيفه لما يروته من الفاحشة. والضيف المنضم إلى غيره على طلب القرى، إذ كانوا أنوا لوطا على هذه الصفة إلى ان تبين أمرهم وانهم ملائكة الله أرسلهم لاهلاكهم وقوله (فطمسنا أعينهم) فالطمس محو الاثر بما يبطل معه إدراكه، طمس يطمس طمسا وطمس الكتاب تطميسا وطمست الريح الاثار إذا دفنتها بما تسفي عليها من التراب، قال كعب بن زهير:

من كل نضاخة الذفرى إذا عرفت *** عرضتها طامس الاعلام مجهول(1)

وقال الحسن وقتادة: عميت أبصارهم.

وقال الضحاك: إنهم دخلوا البيت على لوط، فلما لم يروهم سألوا عنهم وإنصرفوا.

وقوله (فذوقوا عذابي ونذر) معناه قالت لهم الملائكة ذوقوا عذاب الله ونذره أي وما خوفكم به من عذابه.

ثم قال تعالى (ولقد صبحهم) يعني قوم لوط (بكرة) نصبه على الظرف فاذا أردت بكرة يومك لم تصرفه. وإذا أردت بكرة من البكرات صرفته. ومثله غدوة وغدواة.

وقوله (عذاب مستقر) أي استقر بهم حتى هلكوا جميعا.

وقوله (فذوقوا عذابي ونذر) قيل: قالت لهم الملائكة ذلك.

وقال قوم: القائل هو الله تعالى قال لهم في تلك الحال يعني عند طمس أعينهم.

والائتفاك بهم ورميهم بالحجارة (ذوقوا عذابي ونذر.

ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) وقد فسرناه وبينا الوجه فيه.

___________________________________

(1) مر في 2 / 226 و 3 / 216

[458]

قوله تعالى: (ولقد جاء آل فرعون النذر(41) كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر(42) أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براء‌ة في الزبر(43) أم يقولون نحن جميع منتصر(44) سيهزم الجمع ويولون الدبر(45) بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر(46))

ست آيات.

قرأ روح وزيد (سنهزم) بالنون على وجه الاخبار من الله تعالى عن نفسه الباقون بالياء على ما لم يسم فاعله. اخبر الله تعالى عن آل فرعون انه جاء‌هم النذر. ويحتمل ان يكون جمع نذير، وهو الرسول المخوف. ويحتمل ان يكون المراد به الانذار على ما بيناه ومعناه إنه جاء‌هم التخويف من معاصي الله والوعيد عليها.

ثم اخبر تعالى عنهم بأنهم (كذبوا بآياتنا) يعني حججنا وبراهيننا (كلها) وآل فرعون خاصته الذين كانوا ينضافون اليه بالقرابة. والموافقة في المذهب، ويقال: آل القرآن آل الله، لانهم بمنزلة الآل في الخاصة والاضافة. والانذار الاعلام بموقع المخافة ليتقى. والنذر والانذار مثل النكر والانكار. وهو جمع نذير وهم الرسل. والداعي إلى تكذيب الرسل الشبهة الداخلة على العقلاء والتقليد والعادة السيئة وغير ذلك.

ثم اخبر تعالى انه اخذهم بالعذاب والاهلاك (أخذ عزيز مقتدر) وهو القاهر الذي لا يقهر ولا ينال، مقتدر على جميع ما يريده لكثرة مقدوراته.

[459]

ثم قال (اكفاركم) يعني قريش وأهل مكة (خير من اولئكم) الكفار، والمعنى إنهم ليسوا بخير من كفار قوم نوح وعاد وثمود.

وقوله (أم لكم براء‌ة في الزبر) معناه ألكم براء‌ة في الكتب المنزلة من عذاب الله.

وقوله (أم يقولون نحن جميع منتصر) قال الزجاج: معناه أيقولون ذلك إدلالا بقوتهم. ويحتمل أن يكون أرادوا نحن جميع أي يد واحدة على قتاله وخصومته (منتصر) أي ندفعه عنا وينصر بعضنا بعضا فقال الله تعال مكذبا لظنونهم (سيهزم الجمع) معناه إن جميعهم سيهزمون (ويولون الدبر) ولا يثبتون لقتالك، وكان كذلك فكان موافقته لما أخبر به معجزا له لانه إخبار بالغيب قبل كونه، وانهزم المشركون يوم بدر وقتلوا وسبوا على ما هو معروف.

ثم قال (بل الساعة) يعني القيامة (موعدهم) للجزاء لهم بأنواع العقاب والنيران وقوله (والساعة أدهى وأمر) فالادهى الاعظم في الدهاء. والدهاء عظم سبب الضرر مع شدة انزعاج النفس وهو من الداهية وجمعه دواه، والداهية البلية التي ليس في إزالتها حيلة، والمراد ما يجري عليهم من القتل والاسر عاجلا لا يخلصهم من عذاب الآخرة بل عذاب الآخرة أدهى وأمر.

والامر الاشد في المرارة، وهي ضرب من الطعم به يكون الشئ مرا. ويحتمل الامر الاشد في استمرار البلاء، لان الاصل التمرر. وقيل مرارة لشدة مرورها وطلبها الخروج بحدة. وقيل: الامر الاشد مرارة من القتل والاسر.

[460]

قوله تعالى: (إن المجرمين في ضلال وسعر(47) يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر(48) إنا كل شئ خلقناه بقدر(49) وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر(50) ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر(51) وكل شئ فعلوه في الزبر(52) وكل صغير وكبير مستطر(53) إن المتقين في جنات ونهر(54) في مقعد صدق عند مليك مقتدر(55))

تسع آيات بلا خلاف.

هذا إخبار من الله تعالى بأن المجرمين الذين أرتكبوا معاصي الله وتركوا طاعاته في ضلال وسعر، ومعناه في ضلال عن الحق وعدول عنه (وفي سعر) يعني في عذاب النار تسعرهم ومعناه إنهم يصيرون اليه، وإنما جمع بين الضلال والسعر، لانه لازم لهم ومنعقد بحالهم وإن كان الضلال بعصيانهم والسعر بالعقاب على الضلال، وكأنهم قد حصلوا فيه بحصولهم في سببه الذي يستحق به.

وقيل معنى في ضلال يعني في ذهاب عن طريق الجنة والآخرة في نار مسعرة.

وقوله (يوم يسحبون) أي يوم يجرون في النار على وجوههم (ذوقوا مس سقر) أي يقال لهم مع ذلك ذوقوا مس سقر، وهو كقولهم وجدت مس الحمى وكيف ذقت طعم للضرب.

وقيل: إن سقر جهنم وقيل: هو باب من ابوابها، ولم يصرف للتعريف والتأنيث.

ولما وصف العقاب قال (إنا كل شئ خلقناه بقدر) أي العقاب على مقدار الاستحقاق الذي تقتضيه الحكمة وكذلك غيره في كل خصلة.

وفي نصب (كل) ثلاثة أوجه: أحدها - على تقدير إنا خلقنا كل شئ خلقناه بقدر.

الثاني - انه جاء على زيدا ضربته.

الثالث - على البدل الذي يشتمل عليه، كأنه قال (إن كل شئ خلقناه بقدر) أي هو مقدر في اللوح المحفوظ.

[461]

وقوله (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر) فاللمح خطف البصر، والمعنى وما أمرنا إذا أردنا ان يكون شيئا إلا مرة واحدة إنما نقول له كن فيكون أي هذه منزلته في سرعته وإنطياعه.

ثم قال تعالى مخاطبا لكفار قريش وغيرهم " ولقد أهلكنا أشياعكم " يعني اتباع مذهبكم في كفرهم بعبادة الاوثان تتابعوا قرنا بعد قرن في الاهلاك بعذاب الاستئصال.

والشيعة أتباع القائد إلى أمر. وقيل: المعنى ولقد أهلكنا اشياعكم ممن هو منكم كما أخبر النبي صلى الله عليه واله فهي لكل أمة فهل من متعظ.

وقال الحسن: هو على الامم السالفة " فهل من مدكر " معناه فهل من متذكر لما يوجبه هذا الوعظ من الانزجار عن مثل ما سلف من أعمال الكفار لئلا يقع به ما وقع بهم من الاهلاك.

وقوله (وكل شئ فعلوه في الزبر) يعني في الكتب التي كتبتها الحفظة.

وقال ابن زيد في الكتاب.

وقال الضحاك في الكتب وقوله (وكل صغير، وكبير مستطر) قال ابن عباس معناه إن جميع ذلك مكتوب مسطور في الكتاب المحفوظ، لانه من أعظم العبرة في علم ما يكون قبل أن يكون على التفصيل، وبه قال مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد.

ثم قال تعالى (إن المتقين) يعني الذين اتقوا معاصيه وفعلوا واجباته (في جنات) يعني بساتين تجنها الاشجار (ونهر) أي انهار، فوضع نهرا في موضع أنهار، لانه اسم جنس يقع على القليل والكثير، والنهر المجرى الواسع من مجاري الماء، وهو خلاف الجدول، لانه المجرى الصغير الشديد الجرى من مجاري الماء (في مقعد صدق) معناه في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم (عند مليك مقتدر) أي بالمكان الذي كرمه لاوليائه المليك المقتدر.

وقيل: في مقعد صدق عند المليك المقتدر بما هو عليه من صدق دوام النعيم به.

وقال الفراء: معنى (في جنات ونهر) أي في ضياء وسعة، ويقال: أنهر دمه إذا سال وانهر بطنه إذا جاء بطنه مثل جرى النهر.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21336279

  • التاريخ : 28/03/2024 - 21:21

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net