00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة الأنبياء 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير الصافي ( الجزء الثالث)   ||   تأليف : المولى محسن الملقب بـ « الفيض الكاشاني »

[ 330 ]

سورة الأنبياء

مكية كلها وهي مأة واثنتا عشرة آية كوفي وإحدى عشرة آية في الباقين اختلافها آية واحدة ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم كوفي بسم الله الرحمن الرحيم (1) اقترب للناس حسابهم. القمي قربت القيامة والساعة والحساب. وفي المجمع وإنما وصف بالقرب لأن أحد أشراط الساعة بعث رسول الله صلى الله عليه وآله فقد قال بعثت أنا والساعة كهاتين. وفي الجوامع عن أمير المؤمنين عليه السلام إن الدنيا ولت حذاء ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الاناء وهم في غفلة معرضون في غفلة من الحساب معرضون عن التفكر فيه. (2) ما يأتيهم من ذكر من ربهم ينبههم عن سنة الغفلة والجهالة محدث ليكرر على أسماعهم التنبيه كي يتعظوا إلا استمعوه وهم يلعبون يستهزؤون يستسخرون منه لتناهي غفلتهم وفرط إعراضهم عن النظر في الامور والتفكر في العواقب. (3) لاهية قلوبهم. القمي قال من التلهي وأسروا النجوى بالغوا في إخفائها أو جعلوها بحيث خفي تناجيهم بها الذين ظلموا بدل من واو أسروا للايماء بأنهم ظالمون فيما أسروا به هل هذا إلا بشر مثلكم أفتأتون السحر وانتم تبصرون قيل كأنهم إستدلوا بكونه بشرا على كذبه في إدعاء الرسالة لأعتقادهم أن الرسول لا يكون إلا ملكا واستلزموا منه أن ما جاء به من الخوارق كالقرآن سحر فأنكروا حضوره وإنما أسروا به تشاورا في

[ 331 ]

إستنباط ما يهدم أمره ويظهر فساده للناس عامة. (4) قل ربي يعلم القول في السماء والارض جهرا كان أو سرا وقرء قال بالأخبار عن الرسول وهو السميع العليم فلا يخفى عليه ما يسرون ولا ما يضمرون. (5) بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر إضراب لهم من قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط الأحلام ثم إلى أنه كلام افتراه ثم إلى أنه قول شاعر فليأتنا بآية كما أرسل به الاولون مثل اليد البيضاء والعصا وإبراء الأكمه وإحياء الموتى. (6) ما آمنت قبلهم من قرية من أهل قرية أهلكناها باقتراح الايات لما جاءتهم أفهم يؤمنون وهم أعتى منهم القمي قال كيف يؤمنون ولم يؤمن من كان قبلهم بالايات حتى هلكوا. (7) وما أرسلنا قبلك إلا رجالا يوحى إليهم وقرئ نوحي بالنون فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون قيل هو جواب لقولهم هل هذا إلا بشر مثلكم. في الكافي عن الباقر عليه السلام قيل له إن من عندنا يزعمون أن قول الله عز وجل فاسألوا أهل الذكر إنهم اليهود والنصارى قال إذن يدعوكم إلى دينهم ثم قال وأومأ بيده إلى صدره نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون وقد سبق هذا الحديث مع أخبار اخر في هذا المعنى في سورة النحل مع بيان. (8) وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين نفي لما إعتقدوه أن الرسالة من خواص الملك. (9) ثم صدقناهم الوعد أي في الوعد فأنجيناهم ومن نشاء يعني المؤمنين بهم ومن في إبقائه حكمة كمن سيؤمن هو أو واحد من ذريته وأهلكنا المسرفين في الكفر والمعاصي. (10) لقد أنزلنا إليكم يا قريش كتابا يعني القرآن فيه ذكركم صيتكم أو موعظتكم أفلا تعقلون فتؤمنون. (11) وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها بعد إهلاك أهلها قوما

[ 332 ]

آخرين مكانهم. (12) فلما أحسوا بأسنا فلما أدركوا شدة عذابنا إدراك المشاهد المحسوس إذا هم منها يركضون يهربون مسرعين. (13) لا تركضوا على إرادة القول أي قيل لهم إستهزاء وارجعوا إلى ما أترفتم فيه من التنعم والتلذذ والأتراف إبطار النعمة ومساكنكم التي كانت لكم لعلكم تسئلون (14) قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين. (15) فما زالت تلك دعويهم فما زالوا يرددون ذلك وإنما سماه دعوى لأن المولول كأنه يدعو الويل ويقول يا ويل تعالى فهذا أوانك حتى جعلنهم حصيدا وهو النبت المحصود خامدين ميتين من خمدت النار قيل نزلت في أهل اليمن كذبوا نبيهم حنظلة وقتلوه فسلط الله عليهم بخت نصر حتى أهلكهم بالسيف ومعنى لعلكم تسئلون أي تسئلون شيئا من دنياكم فإنكم أهل ثروة ونعمة وهو إستهزاء بهم. وفي الكافي عن السجاد عليه السلام لقد أسمعكم الله في كتابه ما فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وإنما عنى بالقرية أهلها حيث يقول وأنشأنا بعدها قوما آخرين فقال عز وجل فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون يعني يهربون قال فلما آتهم العذاب قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين قال وأيم الله إن هذه عظة لكم وتخويف ان اتعظتم وخفتم. وعن الباقر عليه السلام قال إذا قام القائم وبعث إلى بني امية بالشام هربوا إلى الروم فيقول لهم الروم لا ندخلنكم حتى تتنصروا فيعلقون في أعناقهم الصلبان فيدخلونهم فإذا نزل بحضرتهم أصحاب القائم عليه السلام طلبوا الأمان والصلح فيقول أصحاب القائم عليه السلام لا نفعل حتى تدفعوا إلينا من قبلكم منا قال فيدفعونهم إليهم فذلك قوله لا تركضوا إلى قوله لعلكم تسئلون قال يسألهم الكنوز وهو أعلم بها قال فيقولون يا ويلنا إلى قوله خامدين أي بالسيف وهو سعيد بن عبد الملك الأموي صاحب نهر سعيد بالرحبة.

[ 333 ]

والقمي ما يقرب منه قال وهذا كله مما لفظه ماض ومعناه مستقبل وهو مما ذكرناه مما تأويله بعد تنزيله. (16) وما خلقنا السماء والارض وما بينهما لاعبين وإنما خلقناهما تبصرة للنظار وتذكرة لذوي الأعتبار وتسبيبا لما ينتظم به امور العباد في المعاش والمعاد فينبغي أن يتبلغوا بها إلى تحصيل الكمال ولا يغتروا بزخارفها السريعة الزوال. (17) لو أردنا أن نتخذ لهوا (1) ما يتلهى به ويلعب لاتخذناه من لدنا قيل أي من جهة قدرتنا أو من عندنا مما يليق بحضرتنا من الروحانيات لا من الأجسام إن كنا فاعلين ذلك. (18) بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فيمحقه فإذا هو زاهق هالك إضراب عن إتخاذ اللهو وتنزيه لذاته سبحانه من اللعب أي من شأننا أن نغلب الحق الذي من جملته الجد على الباطل الذي من عداده اللهو واستعير القذف الذي هو الرمي البعيد المستلزم لصلابة المرمي والدمغ الذي هو كسر الدماغ بحيث يشق غشاءه المؤدي إلى زهوق الروح تصويرا لأبطاله به ومبالغة فيه ولكم الويل مما تصفون مما لا يجوز عليه. في المحاسن عن الصادق عليه السلام ليس من باطل يقوم بإزاء حق إلا غلب الحق الباطل وذلك قول الله تعالى بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق. وعنه عليه السلام ما من أحد إلا وقد يرد عليه الحق حتى يصدع قلبه قبله أو تركه وذلك أن الله يقول في كتابه بل نقذف بالحق الاية. (19) وله من في السموات والارض خلقا وملكا ومن عنده يعني الملائكة لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ولا يعيون منها. (20) يسبحون اليل والنهار ينزهونه ويعظمونه دائما لا يفترون. في العيون عن الرضا عليه السلام إن الملائكة معصومون محفوظون من الكفر


1 - اللهو: المرأة وقيل هو الولد. (*)

[ 334 ]

والقبايح بألطاف الله تعالى قال الله فيهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وقال عز وجل وله من في السموات والارض ومن عنده يعني الملائكة لا يستكبرون الاية. وفي الأكمال عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن الملائكة أينامون فقال ما من حي إلا وهو ينام ما خلا الله وحده والملائكة ينامون فقيل يقول الله عز وجل يسبحون الليل والنهار لا يفترون قال أنفاسهم تسبيح. وفي رواية ليس شئ من أطباق أجسادهم إلا ويسبح الله عز وجل ويحمده من ناحيته بأصوات مختلفة. (21) أم اتخذوا آلهة من الارض بل اتخذوا والهمزة لأنكار إتخاذهم هم ينشرون الموتى وهم وإن لم يصرحوا به لكن لزم إدعاؤهم لها الألهية فإن من لوازمها الأقتدار على ذلك والمراد به تجهيلهم والتهكم بهم. (22) لو كان فيهما آلهة إلا الله غير الله لفسدتا لبطلتا وتفطرتا ولقد وجد الصلاح وهو بقاء العالم ووجوده فدل على أن الموجد له واحد وهو الله جل جلاله. في التوحيد عن الصادق عليه السلام إنه سئل ما الدليل على أن الله واحد قال اتصال التدبير وكمال الصنع كما قال عز وجل لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش المحيط بجميع الأجسام الا الذي هو محل التدابير ومنشأ المقادير عما يصفون من إتخاذ الشريك والصاحبة والولد. (23) لا يسئل عما يفعل لعظمته وقوة سلطانه وتفرده بالالوهية والسلطنة الذاتية وهم يسئلون لأنهم مملوكون مستعبدون. في العلل عن علي عليه السلام يعني بذلك خلقه أنهم يسئلوا. وفي التوحيد عن الباقر عليه السلام إنه سئل وكيف لا يسئل عما يفعل فقال لأنه لا يفعل إلا ما كان حكمة وصوابا وهو المتكبر الجبار والواحد القهار فمن وجد في نفسه حرجا في شئ مما قضى كفر ومن أنكر شيئا من أفعاله جحد.

[ 335 ]

وعن الرضا عليه السلام قال قال الله تعالى يا ابن آدم بمشيتي كنت أنت الذي تشاء لنفسك ما تشاء وبقوتي أديت الي فرائضي وبنعمتي قويت على معصيتي جعلتك سميعا بصيرا قويا ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وذلك إني أولى بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني وذلك إني لا اسأل عما أفعل وهم يسئلون. (24) أم اتخذوا من دونه آلهة كرره استعظاما لكفرهم واستفظاعا لأمرهم وتبكيتا وإظاهارا لجهدهم قل هاتوا برهانكم على ذلك فإنه لا يصح القول بما لا دليل عليه هذا ذكر من معي وذكر من قبلي قيل أي من الكتب السماوية فانظروا هل تجدون فيها إلا الأمر بالتوحيد والنهي عن الأشراك. وفي المجمع عن الصادق عليه السلام يعني بذكر من معي ما هو كائن وبذكر من قبلي ما قد كان بل أكثرهم لا يعلمون الحق ولا يميزون بينه وبين الباطل فهم معرضون عن التوحيد واتباع الرسول من أجل ذلك. (25) وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه وقرئ بالنون أنه لا إله إلا أنا فاعبدون تأكيد وتعميم. (26) وقالوا اتخذ الرحمن ولدا قيل نزلت في خزاعة حيث قالوا الملائكة بنات الله. والقمي قال هو ما قالت النصارى إن المسيح ابن الله وما قالت اليهود عزير ابن الله وقالوا في الأئمة عليهم السلام ما قالوا فقال الله سبحانه سبحانه أنفة له بل عباد مكرمون يعني هؤلاء الذين زعموا أنهم ولد الله قال وجواب هؤلاء في سورة الزمر في قوله لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفي مما يخلق ما يشاء سبحانه. (27) لا يسبقونه بالقول لا يقولون شيئا حتى يقوله كما هو شيمة العبيد المؤدبين وهم بأمره يعملون لا يعملون قط ما لم يأمرهم به. في الخرائج عن أمير المؤمنين عليه السلام إنه اختصم رجل وأمرأة إليه فعلا

[ 336 ]

صوت الرجل على المرأة فقال له علي عليه السلام اخسأ وكان خارجيا فإذا رأسه رأس الكلب فقال له رجل يا أمير المؤمنين صحت بهذا الخارجي فصار رأسه رأس الكلب فما يمنعك عن معاوية فقال ويحك لو أشاء أن آتي بمعاوية إلى هيهنا بسريره لدعوت الله حتى فعل ولكن لله خزان لا على ذهب ولا فضة ولكن على أسرار هذا تأويل ما تقرأ بل عباد مكرمون الاية. (28) يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يخفي عليه خافية مما قدموا وأخروا وهو كالعلة لما قبله والتمهيد لما بعده فإنهم لأحاطتهم بذلك يضبطون أنفسهم ويراقبون أحوالهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى. في العيون عن الرضا عليه السلام إلا لمن ارتضى الله دينه. وفي الخصال عن الصادق عليه السلام وأصحاب الحدود فساق لا مؤمنون ولا كافرون لا يخلدون في النار ويخرجون منها يوما والشفاعة جائزة لهم وللمستضعفين إذا ارتضى الله دينهم. وفي التوحيد عن الكاظم عليه السلام عن أبيه عن آبائه عن رسول الله صلوات الله عليه وعليهم قال إنما شفاعتي لأهل الكباير من امتي فأما المحسنون منهم فما عليهم من سبيل قيل يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله كيف يكون الشفاعة لأهل الكبائر والله تعالى يقول ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ومن يرتكب الكبيرة لا يكون مرتضى فقال ما من مؤمن يرتكب ذنبا إلا سائه ذلك وندم عليه. وقال النبي صلى الله عليه وآله كفى بالندم توبة وقال من سرته حسنة وساءته سيئة فهو مؤمن فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة وكان ظالما والله تعالى ذكره يقول ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع فقيل له يا ابن رسول الله وكيف لا يكون مؤمنا من لم يندم على ذنب يرتكبه فقال ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي وهو يعلم أن سيعاقب عليها إلا ندم على ما ارتكب ومتى ندم كان تائبا مستحقا للشفاعة ومتى لم يندم عليها كان مصرا والمصر لا يغفر له لأنه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب ولو كان مؤمنا بالعقوبة لندم وقد قال النبي صلى الله عليه

[ 337 ]

وآله لا كبيرة مع الأستغفار ولا صغيرة مع الأصرار وأما قول الله عز وجل ولا يشفعون إلا لمن ارتضى فإنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه والدين الأقرار بالجزاء على الحسنات والسيئات فمن ارتضى دينه ندم على ما ارتكبه من الذنوب لمعرفته بعاقبته في القيامة وهم من خشيته من عظمته ومهابته مشفقون مرتعدون وأصل الخشية خوف مع تعظيم ولذلك خص بها العلماء والأشفاق خوف مع إعتناء فإن عدى بمن فمعنى الخوف فيه أظهر وإن عدى بعلى فبالعكس. (29) ومن يقل منهم من الملائكة أو من الخلايق إنى إله من دونه فذلك نجزيه جهنم قيل يريد به نفي الربوبية وإدعاء نفي ذلك عن المخلوق وتهديد المشركين بتهديد مدعي الربوبية. والقمي قال من زعم إنه إمام وليس بإمام. أقول: لعل هذا التأويل وذاك التفسير كذلك نجزى الظالمين. (30) أو لم ير الذين كفروا أو لم يعلموا وقرئ بغير واو أن السموات والارض كانتا رتقا ففتقناهما. في الكافي عن الباقر عليه السلام إنه سئل عن هذه الاية فقال فلعلك تزعم إنهما كانتا رتقا ملتزقتان ملتصقتان ففتقت إحداهما من الاخرى فقال نعم فقال عليه السلام إستغفر ربك فإن قول الله عز وجل كانتا رتقا يقول كانت السماء رتقا لا تنزل المطر وكانت الأرض رتقا لا تنبت الحب فلما خلق الله الخلق وبث فيها من كل دابة فتق السماء بالمطر والأرض بنبات الحب فقال السائل أشهد أنك من ولد الأنبياء وأن علمك علمهم. وفي الأحتجاج عنه عليه السلام ما يقرب منه. وفي الكافي عنه إنه سئل عنها فقال إن الله تبارك وتعالى أهبط آدم إلى الأرض وكانت السماء رتقا لا تمطر شيئا وكانت الأرض رتقا لا تنبت شيئا فلما تاب الله عز وجل على آدم أمر السماء فتقطرت بالغمام ثم أمرها فأرخت عزاليها ثم أمر الأرض

[ 338 ]

فأنبتت الأشجار وأثمرت الثمار وتشققت بالأنهار فكان ذلك رتقها وهذا فتقها. والقمي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن ذلك فقال هو كما وصف نفسه كان عرشه على الماء والماء على الهواء والهواء لا يحد ولم يكن يومئذ خلق غيرهما والماء يومئذ عذب فرات فلما أراد الله أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربت الماء حتى صار موجا ثم أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ثم جعله جبلا من زبد ثم دحا الأرض من تحته فقال الله تبارك وتعالى إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركا ثم مكث الرب تبارك وتعالى ما شاء فلما أراد أن يخلق السماء أمر الرياح فضربت البحور حتى أزبدتها فخرج من ذلك الموج والزبد من وسطه دخان ساطع من غير نار فخلق منه السماء وجعل فيها البروج والنجوم ومنازل الشمس والقمر وأجراها في الفلك وكانت السماء خضراء على لون الماء الأخضر وكانت الأرض غبرا على لون الماء العذب وكانتا مرتوقتين ليس لهما أبواب ولم يكن للأرض أبواب وهو النبت ولم تمطر السماء عليها ففتق السماء بالمطر وفتق الأرض بالنبات وذلك قوله أو لم ير الذين كفروا الاية وجعلنا من الماء كل شئ حي وخلقنا من الماء كل حيوان كقوله والله خلق كل دابة من ماء لأنه أعظم مواده ولفرط احتياجه إليه وإنتفاعه به بعينه أو صيرنا كل شئ حي بسبب من الماء لا يحيى دونه القمي قال نسب كل شئ إلى الماء ولم يجعل للماء نسبا إلى غيره. وفي الكافي عن الباقر عليه السلام مثله. وعن الصادق عليه السلام إنه سئل عن طعم الماء فقال طعم الماء طعم الحياة. وفي المجمع والعياشي وقرب الأسناد مثله وزاد قال الله تعالى وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون مع ظهور الايات. (31) وجعلنا في الارض راوسي ثابتات أن تميد بهم كراهة أن تميل بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا مسالك واسعة لعلهم يهتدون إلى مصالحهم. (32) وجعلنا السماء سقفا محفوظا عن الوقوع والزوال والأنحلال إلى الوقت

[ 339 ]

المعلوم بمشيته كقوله تعالى ويمسك السماء أن تقع على الارض إلا بإذنه وقوله إن الله يمسك السموات والارض أن تزولا والقمي يعني من الشياطين أي لا يسترقون السمع وهم عن آياتها أحوالها الدالة على كمال قدرته وعظمته وتناهي علمه وحكمته معرضون غير متفكرين. (33) وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر بيان لبعض تلك الايات كل في فلك يسبحون يسرعون إسراع السابح في الماء. (34) وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفان مت فهم الخالدون. (35) كل نفس ذائقة الموت. القمي لما أخبر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وآله بما يصيب أهل بيته بعده صلوات الله عليهم وادعاء من ادعى الخلافة دونهم اغتم رسول الله صلى الله عليه وآله فأنزل الله عز وجل هذه الاية وقيل نزلت حين قالوا نتربص به ريب المنون وقد سبق عند تفسير هذه الاية من سورة آل عمران حديث في الفرق بين الموت والقتل ونبلوكم نعاملكم معاملة المختبرين بالشر والخير بالبلايا والنعم فتنة ابتلاء والينا ترجعون فنجازيكم حسب ما يوجد منكم من الصبر والشكر. في المجمع عن الصادق عليه السلام إن أمير المؤمنين عليه السلام مرض فعاده إخوانه فقالوا كيف نجدك يا أمير المؤمنين قال بشر قالوا ما هذا كلام مثلك قال إن الله تعالى يقول ونبلوكم بالشر والخير فتنة فالخير الصحة والغنى والشر المرض والفقر. (36) وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذى يذكر آلهتكم أي بسوء وهم بذكر الرحمن هم كفرون فهم أحق أن يهزء بهم. (37) خلق الانسان من عجل كأنه خلق منه لفرط إستعجاله وقلة ثباته. القمي قال لما أجرى الله في آدم الروح من قدميه فبلغت إلى ركبتيه أراد أن يقوم فلم يقدر فقال الله عز وجل خلق الانسان من عجل.

[ 340 ]

وفي المجمع عن الصادق عليه السلام ما يقرب منه. وفي نهج البلاغة إياك والعجلة بالأمور قبل أوانها والتساقط فيها عند إمكانها الحديث سأريكم آياتي فلا تستعجلون بالأتيان بها. (38) ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين يعنون النبي وأصحابه. (39) لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون محذوف الجواب يعني لما استعجلوا. (40) بل تأتيهم بغتة فجأة فتبهتهم فتغلبهم أو تحيرهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون يمهلون. (41) ولقد استهزء برسل من قبلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وآله فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤن وعد له بأن ما يفعلونه يحيق بهم. (42) قل من يكلؤكم باليل والنهار من الرحمن من بأسه إن أراد بكم وفي لفظ الرحمن تنبيه على أن لا كالئ غير رحمته العامة وإن إندفاعه بها مهلة بل هم عن ذكر ربهم معرضون لا يخطرونه ببالهم فضلا عن أن يخافوا بأسه. (43) أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا بل الهم آلهة تمنعهم من العذاب يتجاوز منعنا أو من عذاب يكون من عندنا لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا هم منا يصحبون استيناف بإبطال ما إعتقدوه فإن من لا يقدر على نصر نفسه ولا يصحبه نصر من الله كيف ينصر غيره. (44) بل متعنا هؤلاء وآبائهم حتى طال عليهم العمر اضراب عما توهموا ببيان الداعي إلى حفظهم وهو الأستدراج والتمتيع بما قدر لهم من الأعمار أو اضراب عن الدلالة على بطلانه ببيان ما أوهمهم ذلك فحسبوا أن لا يزالوا كذلك وأنه بسبب ما هم عليه وهذا أوفق لما بعده أفلا يرون أنا نأتي الارض قيل أرض الكفرة ننقصها من أطرافها قيل أي بتسليط المسلمين عليها وهو تصوير لما يجريه الله على أيدي المسلمين أفهم الغالبون رسول الله صلى الله عليه وآله والمؤمنين.

[ 341 ]

وفي الكافي والمجمع عن الصادق عليه السلام ننقصها يعني بموت العلماء قال نقصانها ذهاب عالمها وقد مر بيانه في سورة الرعد. (45) قل إنما أنذركم بالوحي بما أوحي إلي ولا يسمع الصم الدعاء إذا ما ينذرون وضع الصم موضع الضمير للدلالة على تصامهم وعدم انتفاعهم بما يسمعون وقرء ولا تسمع الصم على خطاب النبي صلى الله عليه وآله. (46) ولئن مستهم نفحة أدنى شئ من عذاب ربك من الذي ينذرون به ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين لدعوا على أنفسهم بالويل واعترفوا عليها بالظلم. (47) ونضع الموازين القسط العدل يوزن بها الأعمال ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئا من حقه أو من الظلم وإن كان مثقال حبة وقرء بالرفع من خردل أتينا بها أحضرناها. في الجوامع عن الصادق عليه السلام إنه قرء آتينا بالمد. والقمي أي جازينا بها وهي ممدودة وكفى بنا حاسبين إذ لا مزيد على علمنا وعدلنا. في الكافي والمعاني عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الاية فقال هم الأنبياء والأوصياء وفي رواية اخرى نحن الموازين القسط. وفي التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام في جواب من اشتبه عليه بعض الايات وأما قوله ونضع الموازين القسط فهو ميزان العدل يؤخذ به الخلايق يوم القيامة يدين الله تبارك وتعالى الخلق بعضهم من بعض بالموازين. أقول: قد سبق منا معنى كون الأنبياء والأوصياء موازين وتحقيق معنى الميزان في تفسير والوزن يومئذ الحق من سورة الأعراف. وفي الكافي عن السجاد عليه السلام في كلامه في الوعظ والزهد قال ثم رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب فقال عز وجل ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين فإن قلتم أيها الناس إن الله عز وجل

[ 342 ]

إنما عنى بهذا أهل الشرك فكيف ذلك وهو يقول ونضع الموازين القسط ليوم القيمة الاية إعلموا عباد الله إن أهل الشرك لا ينصب لهم الموازين ولا ينشر لهم الدواوين وإنما يحشرون إلى جهنم زمرا وإنما نصب الموازين ونشر الدواوين لأهل الأسلام فاتقوا الله عباد الله. (48) ولقد آتينا موسى وهرون الفرقان وضياء وذكرى للمتقين أي الكتاب الجامع لكونه فارقا بين الحق والباطل وضياء يستضاء به في ظلمات الحيرة والجهالة وذكرا يتعظ به المتقون. (49) الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون خائفون. (50) وهذا ذكر مبارك وهذا القرآن ذكر كثير خيره أنزلناه على محمد صلى الله عليه وآله أفأنتم له منكرون استفهام توبيخ. (51) ولقد آتينا إبراهيم رشده الأهتداء لوجوه الصلاح وأضافه إليه ليدل على أنه رشد مثله وأن له لشأنا من قبل من قبل موسى وهارون عليهما السلام أو محمد صلى الله عليه وآله وكنا به عالمين علمنا أنه أهل لما اتيناه. (52) إذ قال لابيه وقومه ما هذه التماثيل التى أنتم لها عاكفون تحقير لشأنها وتوبيخ على إجلالها فإن التمثال صورة لاروح فيها. (53) قالوا وجدنا آبائنا لها عابدين فقلدناهم. (54) قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين لعدم استناد الفريقين إلى برهان. (55) قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين كأنهم لأستبعادهم تضليل آبائهم ظنوا أن ما قاله على وجه الملاعبة فقالوا أبجد تقوله أم تلعب به. (56) قال بل ربكم رب السموات والارض الذى فطرهن إضراب عن كونه لاعبا بإقامة البرهان على ما ادعاه وأنا على ذلكم من الشاهدين من المحققين له والمبرهنين عليه فإن الشاهد من تحقق الشئ وحفظه.

[ 343 ]

(57) وتالله لاكيدن أصنامكم لأجتهدن في كسرها ولفظ الكيد وما في التاء من التعجب لصعوبة الأمر وتوقفه على نوع من الحيل بعد أن تولوا مدبرين إلى عيدكم ولعله قال ذلك سرا. (58) فجعلهم جذاذا قطاعا فعال بمعنى مفعول كالحطام من الجذ وهو القطع وقرء بالكسر إلا كبيرا لهم للأصنام لعلهم إليه يرجعون. (59) قالوا حين رجعوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين. (60) قالوا سمعنا فتى يذكرهم يعيبهم يقال له إبراهيم. (61) قالوا فأتوا به على أعين الناس بمرأى منهم لعلهم يشهدون بفعله أو قوله. (62) قالوا حين احضروه ء أنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم. (63) قال بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون في العيون عن الصادق عليه السلام إنما قال إبراهيم إن كانوا ينطقون فكبيرهم فعل وإن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئا فما نطقوا وما كذب إبراهيم. وفي الكافي عنه عليه السلام إنما قال بل فعله كبيرهم إرادة الأصلاح ودلالة على أنهم لا يفعلون ثم قال والله ما فعلوه وما كذب. (64) فرجعوا إلى أنفسهم وراجعوا عقولهم فقالوا فقال بعضهم لبعض إنكم أنتم الظالمون بعبادة ما لا ينطق ولا يضر ولا ينفع لا من ظلمتموه. (65) ثم نكسوا على رؤسهم قيل يعني إنقلبوا إلى المجادلة بعدما استقاموا بالمراجعة شبه عودهم إلى الباطل بصيرورة أسفل الشئ مستعليا الى أعلاه لقد علمت ما هؤلاء ينطقون فكيف تأمر بسؤالهم وهو على إرادة القول. (66) قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم إنكار لعبادتهم لها بعد إعترافهم بأنها جمادات لا تنفع ولا تضر فإنه ينافي الالوهية.

[ 344 ]

(67) أف لكم ولما تعبدون من دون الله تضجر منه على إصرارهم بالباطل البين واف صوت المتضجر ومعناه قيحا ونتنا أفلا تعقلون قبح صنيعكم. (68) قالوا أخذا في المضارة لما عجزوا عن المحاجة حرقوه فإن النار أهول ما يعاقب به وانصروا آلهتكم بالأنتقام لها إن كنتم فاعلين إن كنتم ناصرين لهانصرا مؤزرا. (69) قلنا يا نار كوني بردا وسلاما ذات برد وسلام أي ابردي بردا غير ضار على إبراهيم. (70) وأرادوا به كيدا مكرا في إضراره فجعلناهم الاخسرين أخسر من كل خاسر عاد سعيهم برهانا قاطعا على أنهم على الباطل وإبراهيم عليه السلام على الحق وموجبا لمزيد درجته واستحقاقهم أشد العذاب. في الأحتجاج عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن إبراهيم عليه السلام لما القي في النار قال اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد لما أنجيتني منها فجعلها الله عليه بردا وسلاما. (71) ونجيناه ولوطا إلى الارض التى باركنا فيها للعالمين إلى الشام قيل بركته العامة إن أكثر الأنبياء بعثوا فيه فانتشرت في العالمين شرايعهم التي هي مبادي الكمالات والخيرات الدينية والدنيوية ولكثرة النعم فيها والخصب الغالب. القمي قال فلما نهاهم إبراهيم عليه السلام واحتج عليهم في عبادتهم الأصنام فلم ينتهوا فحضر عيد لهم فخرج نمرود وجميع أهل مملكته إلى عيد لهم وكره أن يخرج إبراهيم عليه السلام معه فوكله ببيت الأصنام فلما ذهبوا عمد إبراهيم عليه السلام إلى طعام فأدخله بيت أصنامهم فكان يدنو من صنم فصنم فيقول له كل وتكلم فإذا لم يجبه أخذ القدوم فكسر يده ورجله حتى فعل ذلك بجميع الأصنام ثم علق القدوم في عنق الكبير منهم الذي كان في الصدر فلما رجع الملك ومن معه من العيد نظروا إلى الأصنام مكسرة فقالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم وهو ابن آزر فجاؤوا به إلى نمرود فقال نمرود لازر خنتني وكتمت هذا

[ 345 ]

الولد عني فقال أيها الملك هذا عمل امه وذكر إنها تقوم بحجبه فدعا نمرود ام إبراهيم عليه السلام فقال لها ما حملك على أن كتمتني أمر هذا الغلام حتى فعل بالهتنا ما فعل فقالت أيها الملك نظرا مني لرعيتك قال وكيف ذلك قالت رأيتك تقتل أولاد رعيتك فكان يذهب النسل فقلت إن كان هذا الذي يطلبه دفعته إليه ليقتله ويكف عن قتل أولاد الناس وإن لم يكن ذلك فبقي لنا ولدنا وقد ظفرت به فشأنك فكف عن أولاد الناس وصوب رأيها ثم قال لإبراهيم عليه السلام من فعل هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال إبراهيم فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون. فقال الصادق عليه السلام والله ما فعل كبيرهم وما كذب إبراهيم فقيل فكيف ذلك فقال إنما قال فعله كبيرهم هذا إن نطق وإن لم ينطق فلم يفعل كبيرهم هذا شيئا فاستشار نمرود قومه في إبراهيم عليه السلام فقالوا له احرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين. فقال الصادق عليه السلام كان فرعون إبراهيم عليه السلام وأصحابه لغير رشدة فإنهم قالوا لنمرود حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين وكان فرعون موسى وأصحابه لرشدة فإنه لما إستشار أصحابه في موسى قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم فحبس إبراهيم عليه السلام وجمع له الحطب حتى إذا كان اليوم الذي ألقى فيه نمرود إبراهيم عليه السلام في النار برز نمرود وجنوده وقد كان بني لنمرود بناء ينظر منه إلى إبراهيم عليه السلام كيف تأخذه النار فجاء إبليس وإتخذ لهم المنجنيق لأنه لم يقدر أحد أن يتقارب من النار وكان الطائر إذا مر في الهواء يحترق فوضع إبراهيم عليه السلام في المنجنيق وجاء أبوه فلطمه لطمة وقال له إرجع عما أنت عليه وأنزل الرب ملائكة إلى السماء الدنيا ولم يبق شئ إلا طلب إلى ربه وقالت الأرض يا رب ليس على ظهري أحد يعبدك غيره فيحرق وقالت الملائكة يا رب خليلك إبراهيم عليه السلام يحرق فقال الله عزوجل أما إنه إن دعاني كفيته وقال جبرئيل عليه السلام يا رب خليلك إبراهيم عليه السلام ليس في الأرض أحد يعبدك غيره سلطت عليه عدوه يحرقه بالنار قال اسكت إنما يقول هذا عبد مثلك يخاف الفوت هو عبدي آخذه إذا شئت فإن دعاني أجبته فدعا إبراهيم عليه السلام ربه بسورة الأخلاص يا الله يا واحد يا أحد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد نجني من النار برحمتك قال فالتقى معه

[ 346 ]

جبرئيل في الهواء وقد وضع في المنجنيق فقال يا إبراهيم هل لك إلي من حاجة فقال إبراهيم أما إليك فلا وأما إلى رب العالمين فنعم فدفع إليه خاتما عليه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ألجأت ظهري إلى الله وأسندت أمري إلى الله وفوضت أمري إلى الله فأوحى الله إلى النار كوني بردا فاضطربت أسنان إبراهيم من البرد حتى قال سلاما على إبراهيم عليه السلام وانحط جبرئيل وجلس معه يحدثه في النار ونظر نمرود إليه فقال من اتخذ إلها فليتخذ مثل إله إبراهيم فقال عظيم من عظماء أصحاب نمرود إني عزمت على أن لا تحرقه فخرج عمود من النار نحو الرجل فأحرقه فآمن له لوط فخرج مهاجرا إلى الشام فنظر نمرود إلى إبراهيم عليه السلام في روضة خضراء في النار مع شيخ يحدثه فقال لازر يا آزر ما أكرم إبنك على ربه قال وكان الوزغ ينفخ في نار إبراهيم عليه السلام وكان الضفدع يذهب بالماء ليطفي به النار قال ولما قال الله تبارك وتعالى للنار كونى بردا وسلاما لم تعمل النار في الدنيا ثلاثة أيام ثم قال الله تبارك وتعالى وأرادوا به كيدا فجعلناهم الاخسرين فقال الله ونجينه ولوطا إلى الارض التى باركنا فيها للعالمين إلى الشام وسواد الكوفة. وفي الكافي عن الصادق عليه السلام ما يقرب من صدر هذا الحديث على حذف واختصار. وعن الباقر عليه السلام ما يقرب من ذيله كذلك. وعن الصادق عليه السلام إن إبراهيم عليه السلام لما كسر أصنام نمرود وأمر به نمرود فاوثق وعمل له حيرا وجمع له فيه الحطب وألهب فيه النار ثم قذف إبراهيم عليه السلام في النار لتحرقه ثم اعتزلوها حتى خمدت النار ثم أشرفوا على الحير فإذا هم بإبراهيم عليه السلام سليما مطلقا من وثاقه فاخبر نمرود خبره فأمر أن ينفوا إبراهيم من بلاده وأن يمنعوه من الخروج بماشيته وماله فحاجهم إبراهيم عليه السلام عند ذلك فقال إن أخذتم ماشيتي ومالي فإن حقي عليكم أن تردوا علي ما ذهب من عمري في بلادكم واختصموا إلى قاضي نمرود فقضى على إبراهيم أن يسلم إليهم جميع ما أصاب في بلادهم وقضى على أصحاب نمرود أن يردوا على إبراهيم عليه السلام ما ذهب من عمره في بلادهم فاخبر بذلك

[ 347 ]

نمرود فأمرهم أن يخلوا سبيله وسبيل ماشيته وماله وأن يخرجوه وقال إنه إن بقي في بلادكم أفسد دينكم وأضر بآلهتكم. (72) ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة. في المعاني عن الصادق عليه السلام في هذه الاية قال ولد الولد نافلة والقمي نافلة قال ولد الولد وهو يعقوب عليه السلام وكلا جعلنا صالحين. (73) وجعلناهم أئمة يقتدى بهم يهدون الناس إلى الحق بأمرنا. في الكافي عن الصادق عليه السلام إن الأئمة في كتاب الله عز وجل إمامان قال الله تبارك وتعالى وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لا بأمر الناس يقدمون ما أمر الله قبل أمرهم وحكم الله قبل حكمهم قال وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار يقدمون أمرهم قبل أمر الله وحكمهم قبل حكم الله ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب الله وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلوة وإيتاء الزكوة من عطف الخاص على العام وكانوا لنا عابدين موحدين مخلصين في العبادة ولذا قدم الصلة. (74) ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التى كانت تعمل الخبائث القمي قال كانوا ينكحون الرجال إنهم كانوا قوم سوء فسقين. (75) وأدخلناه في رحمتنا إنه من الصالحين. (76) ونوحا إذ نادى إذ دعا الله على قومه بالهلاك من قبل من قبل من ذكر فاستجبنا له دعاءه فنجيناه وأهله من الكرب العظيم الغم الشديد وهو أذى قومه والطوفان. (77) ونصرنه جعلناه منتصرا من القوم الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين لتكذيبهم الحق وإنهماكهم في الشر. (78) وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث في الزرع أو الكرم إذ نفشت فيه غنم القوم رعته ليلا وكنا لحكمهم لحكم الحاكمين والمتحاكمين شاهدين

[ 348 ]

(79) ففهمنها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما. في الكافي عن الصادق عليه السلام في هذه الاية قال إنه كان أوحى الله عز وجل إلى النبيين قبل داود إلى أن بعث الله داود أي غنم نفشت في الحرث فلصاحب الحرث رقاب الغنم ولا يكون النفش إلا بالليل فإن على صاحب الزرع أن يحفظ زرعه بالنهار وعلى صاحب الغنم حفظ الغنم بالليل فحكم داود بما حكم به الأنبياء عليهم السلام من قبله فأوحى الله عز وجل إلى سليمان عليه السلام أي غنم نفشت في زرع فليس لصاحب الزرع إلا ما خرج من بطونها وكذلك جرت السنة بعد سليمان وهو قول الله تعالى وكلا آتينا حكما وعلما فحكم كل واحد منهما بحكم الله عز وجل. وفي رواية اخرى عنه عليه السلام ما يقرب منه. وعنه عليه السلام قال أوحى الله إلى داود عليه السلام أن اتخذ وصيا من أهلك فإنه قد سبق في علمي أن لا أبعث نبيا إلا وله وصي من أهله وكان لداود عليه السلام عدة أولاد وفيهم غلام كانت امه عند داود وكان لها محبا فدخل داود عليها حين أتاه الوحي فقال لها إن الله عز وجل أوحى إلي يأمرني أن أتخذ وصيا من أهلي فقالت له امرأته فليكن ابني قال ذاك اريد وكان السابق في علم الله المحتوم عنده إنه سليمان فأوحى الله تبارك وتعالى إلى داود أن لا تعجل دون أن يأتيك أمري فلم يلبث داود أن ورد عليه رجلان يختصمان في الغنم والكرم فأوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام أن اجمع ولدك فمن قضى بهذه القضية فأصاب فهو وصيك من بعدك فجمع داود عليه السلام ولده فلما أن قص الخصمان قال سليمان يا صاحب الكرم متى دخلت غنم هذا الرجل كرمك قال دخلته ليلا قال قد قضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك وأصوافها في عامك هذا ثم قال له داود عليه السلام فكيف لم تقض برقاب الغنم وقد قوم ذلك علماء بني إسرائيل فكان ثمن الكرم قيمة الغنم فقال سليمان إن الكرم لم يجتث من أصله وإنما أكل حمله وهو عايد في قابل فأوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام أن القضاء في هذه القضية ما قضى سليمان به يا داود أردت أمرا وأردنا أمرا غيره فدخل داود على إمرأته فقال أردنا أمرا

[ 349 ]

فأراد الله أمرا غيره ولم يكن إلا ما أراد الله فقد رضينا بأمر الله عز وجل وسلمنا وكذلك الأوصياء عليهم السلام ليس لهم أن يتعدوا بهذا الأمر فيجاوزون صاحبه إلى غيره. والقمي عنه عليه السلام قال كان في بني إسرائيل رجل وكان له كرم ونفشت فيه غنم لرجل بالليل وقصمته وأفسدته فجاء صاحب الكرم إلى داود فاستعدى على صاحب الغنم فقال داود عليه السلام إذهبا إلى سليمان ليحكم بينكما فذهبا إليه فقال سليمان إن كانت الغنم أكلت الأصل والفرع فعلى صاحب الغنم أن يدفع إلى صاحب الكرم الغنم وما في بطنها وإن كانت ذهبت بالفرع ولم تذهب بالأصل فإنه يدفع ولدها إلى صاحب الكرم وكان هذا حكم داود عليه السلام وإنما أراد أن يعرف بني إسرائيل أن سليمان وصيه بعده ولم يختلفا في الحكم ولو اختلف حكمهما لقال كنا لحكمهما شاهدين. وفي الفقيه عن الباقر عليه السلام قال لم يحكما إنما كانا يتناظران ففهمها سليمان وعن الكاظم عليه السلام كان حكم داود عليه السلام رقاب الغنم والذي فهم الله سليمان أن الحكم لصاحب الحرث باللبن والصوف ذلك العام كله. وفي المجمع عنهما عليهما السلام إنه كان كرما قد بدت عناقيده فحكم داود عليه السلام بالغنم لصاحب الكرم فقال سليمان غير هذا يا نبي الله أرفق قال وما ذاك قال تدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها حتى إذا عاد الكرم كما كان ثم دفع كل واحد منهما إلى صاحبه ماله. وعن النبي صلى الله عليه وآله إن سليمان قضى بحفظ المواشي على أربابها ليلا وقضى بحفظ الحرث على أربابه نهارا وسخرنا مع داود الجبال يسبحن يقدسن الله معه. وقيل يسرن من السباحة والطير. في الأكمال عن الصادق عليه السلام إن داود عليه السلام خرج يقرأ الزبور وكان إذا قرأ الزبور لا يبقى جبل ولا حجر ولا طائر إلا جاوبه.

[ 350 ]

وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام إن يهوديا قال له هذا داود عليه السلام بكى على خطيئته حتى سارت الجبال يسبحن معه لخوفه فقال انه صلى الله عليه وآله كان كذلك الحديث بطوله. وفي المناقب عن السجاد عليه السلام إنه صلى ركعتين فسبح في سجوده فلم يبق شجر ولامدر إلا سبحوا معه وكنا فاعلين لأمثاله فليس ببدع مناوإن كان عجيبا عندكم. (80) وعلمناه صنعة لبوس لكم عمل الدرع وهو في الأصل اللباس لتحصنكم من بأسكم وقرء بالتاء والنون فهل أنتم شاكرون ذلك. في الكافي عن الصادق عليه السلام إن أمير المؤمنين عليه السلام قال أوحى الله إلى داود عليه السلام إنك نعم العبد لولا إنك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا قال فبكى داود عليه السلام أربعين صباحا فأوحى الله إلى الحديد أن لن لعبدي داود فألان الله له الحديد فكان يعمل في كل يوم درعا فيبيعها بألف درهم فعمل ثلاثمأة وستين درعا فباعها بثلاث مأة وستين ألفا واستغنى من بيت المال. (81) ولسليمان وسخرنا له الريح عاصفة شديدة الهبوب يقطع مسافة كثيرة في مدة يسيرة كما قال غدوها شهر ورواحها شهر تجرى بأمره. القمي قال تجري من كل جانب إلى الارض التى باركنا فيها قال إلى بيت المقدس والشام وكنا بكل شئ عالمين فيجريه على ما يقتضيه الحكمة. (82) ومن الشياطين من يغوصون له في البحار ويخرجون نفايسه ويعملون عملا دون ذلك ويتجاوزون ذلك إلى أعمال اخر كبناء المدن والقصور وإختراع الصنايع الغريبة لقوله تعالى يعملون له ما يشآء من محاريب وتماثيل وكنا لهم حافظين عن أن يزيغوا عن أمرنا أو يفسدوا على ما هو مقتضى جبلتهم. (83) وأيوب إذ نادى ربه أنى مسنى الضر وهو بالفتح شايع في كل ضرر وبالضم خاص بما في النفس كمرض وهزال وأنت أرحم الرحمين وصف ربه

[ 351 ]

بغاية الرحمة بعد ما ذكر نفسه بما يوجبها اكتفى بذلك عن عرض المطلوب لطفا في السؤال قيل وكان روميا من ولد عيص بن إسحاق إستنبأه الله وكثر أهله وماله ثم ابتلاه الله بهلاك أولاده وذهاب أمواله والمرض في بدنه ويأتي ذكر قصته في سورة ص إن شاء الله تعالى. (84) فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر بالشفاء من مرضه وآتيانه أهله ومثلهم معهم. في الكافي عن الصادق عليه السلام إنه سئل كيف اوتي مثلهم معهم قال أحيى له من ولده الذين كانوا ماتوا قبل ذلك بآجالهم مثل الذين هلكوا يومئذ رحمة من عندنا عليه وذكرى وتذكرة للعابدين. في الخصال عنه عليه السلام قال ابتلى أيوب سبع سنين بلا ذنب. وفي العلل عنه عليه السلام قال إنما كانت بلية أيوب عليه السلام التي إبتلى بها في الدنيا لنعمة أنعم الله بها عليه فأدى شكرها الحديث ويأتي تمامه إن شاء الله في سورة ص. (85) وإسمعيل وإدريس وذا الكفل هو يوشع بن نون. رواه في العيون عن الرضا عن أمير المؤمنين عليه السلام في خبر الشامي كل كل هؤلاء من الصابرين على مشاق التكاليف وشدائد المصائب. (86) وأدخلناهم في رحمتنا النبوة في الدنيا والنعيم في الاخرة إنهم من الصالحين. (87) وذا النون وصاحب الحوت يونس بن متي إذ ذهب مغاضبا لقومه لما برم لطول دعوتهم وشدة شكيمتهم وتمادي إصرارهم مهاجرا عنهم قبل أن يؤمر به كما سبق قصته في سورته فظن أن لن نقدر عليه قيل أي لن نضيق عليه أو لن نقضي عليه بالعقوبة من القدر أو لن نعمل فيه قدرتنا وقيل هو تمثيل لحاله بحال من ظن أن لن نقدر عليه في مراغمة قومه من غير إنتظار لأمرنا أو خطرة شيطانية سبقت إلى وهمه فسمي ظنا للمبالغة فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من

[ 352 ]

الظالمين قيل أي لنفسي بالمبادرة إلى المهاجرة. وفي العيون عن الرضا عليه السلام إنه سئل عن هذه الاية فقال ذاك يونس بن متي ذهب مغاضبا لقومه فظن بمعنى استيقن أن لن نقدر عليه أي لن نضيق عليه رزقه ومنه قول الله عز وجل وأما إذا ما ابتليه فقدر عليه رزقه أي ضيق عليه وقتر فنادى في الظلمات ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت أن لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرغتني لها في بطن الحوت فاستجاب الله وقال عز وجل فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون. وفي رواية اخرى عنه عليه السلام بعد تفسير لن نقدر بما ذكر ولو ظن أن الله لا يقدر عليه لكان قد كفر. والقمي عن الباقر عليه السلام في قوله وذا النون إذ ذهب مغاضبا يقول من أعمال قومه فظن أن لن نقدر عليه يقول ظن أن لن نعاقب بما صنع. وعن الصادق عليه السلام إنه سئل ما كان سببه حتى ظن أن لن نقدر عليه قال وكله الله إلى نفسه طرفة عين. وعن النبي صلى الله علليه وآله إنما وكل الله يونس بن متي إلى نفسه طرفة عين فكان منه ما كان. وعن الصادق عليه السلام بعد ما ذكر من قصة يونس ما سبق في سورته قال فغضب يونس وفر على وجهه مغاضبا لله كما حكى الله عنه حتى إنتهى إلى ساحل البحر فإذا سفينة قد شحنت الحديث. ويأتي تمامه في سورة الصافات إن شاء الله ويذكر فيه ما دعاه إلى ندائه في الظلمات. (88) فاستجبنا له ونجيناه من الغم بأن قذفه الحوت إلى الساحل وأنبت الله عليه شجرة من يقطين وكذلك ننجي المؤمنين من عموم دعوا الله فيها بالأخلاص وقرء بنون واحدة وتشديد الجيم. في الفقيه والخصال عن الصادق عليه السلام عجبت لمن يفزع من أربع كيف

[ 353 ]

لا يفزع إلى أربع إلى قوله عليه السلام عجبت لمن اغتم كيف لا يفزع إلى قوله تعالى لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين فإني سمعت الله يقول بعقبها فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين وروي عن النبي صلى الله عليه وآله ما من مكروب يدعوا بهذا الدعاء إلا استجيب له. (89) وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا وحيدا بلا ولد يرثني وأنت خير الوارثين فإن لم ترزقني من يرثني فلا ابالي به. (90) فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه. القمي في روايته قال كانت لا تحيض فحاضت إنهم كانوا يسارعون في الخيرات يبادرون إلى أبواب الخير ويدعوننا رغبا ورهبا. القمي قال راغبين راهبين. أقول: لعل المراد الرغبة في الطاعة لا في الثواب والرهبة من المعصية لا من العقاب لارتفاع مقام الأنبياء عن ذلك. قال أمير المؤمنين عليه السلام إلهي ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك. وفي الخصال عن الصادق عليه السلام إن الناس يعبدون الله على ثلاثة أوجه فطبقة يعبدون الله رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهي الطمع وآخرون يعبدونه فزعا من النار فتلك عبادة العبيد وهي الرهبة ولكني أعبده حبا له فتلك عبادة الكرام وفي بعض الألفاظ الاجراء مكان الحرصاء ولك أن تقول إن أولياء الله قد يعملون بعض الأعمال للجنة وصرف النار لأن حبيبهم يحب ذلك هذا أمير المؤمنين سيد الأولياء قد كتب كتابا لبعض ما وقفه من أمواله فصدر كتابه بعد التسمية بهذا هذا ما أوصى به وقضى به في ماله عبد الله علي إبتغاء وجه الله ليولجني به الجنة ويصرفني به عن النار ويصرف النار عني يوم تبيض وجوه وتسود وجوه أو تقول إن جنة الأولياء لقاء الله وقربه ونارهم فراقه وبعده.

[ 354 ]

وفي الكافي عن الصادق الرغبة أن تستقبل ببطن كفيك إلى السماء والرهبة أن تجعل ظهر كفيك إلى السماء وكانوا لنا خاشعين مخبتين أو دائمي الوجل والمعنى أنهم نالوا من الله ما نالوا بهذه الخصال. (91) والتى أحصنت فرجها القمي قال مريم لم ينظر إليها شئ فنفخنا فيها من روحنا قد سبق تحقيق معنى الروح في سورة الحجر وجعلناها وابنها آية للعالمين فإن من تأمل حالهما تحقق كمال قدرة الصانع تعالى. (92) إن هذه أمتكم ملتكم وهي ملة الأسلام والتوحيد أمة وحدة غير مختلفة فيما بين الأنبياء وأنا ربكم لا إله لكم غيري فاعبدون لا غيري. (93) وتقطعوا أمرهم بينهم تفرقوا في الدين وجعلوا أمره قطعا موزعة كل من الفرق المتجزية إلينا راجعون فنجازيهم. (94) فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن بالله ورسله فلا كفران لسعيه فلا تضييع لسعيه استعير لمنع الثواب كما استعير الشكر لأعطائه وإنا له لسعيه كاتبون مثبتون في صحيفة عمله. (95) وحرام على قرية ممتنع على أهلها غير متصور منهم وقرئ حرم بكسر الحاء وسكون الراء أهلكناها أنهم لا يرجعون قيل أي حرام رجوعهم إلى الدنيا أو إلى التوبة ولا مزيدة وقيل أي حرام عدم رجوعهم للجزاء وهو مبتدأ وحرام خبره. في الفقيه في خطبة الجمعة لأمير المؤمنين عليه السلام ألم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون وإلى الخلف الباقين منكم لا يبقون قال الله تعالى وحرم على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون وهذا ناظر إلى المعنى الأول ويؤيده القراءة بالكسر في الشواذ كما أنها تؤيد المعنى الثاني أيضا والقراءة بالفتح المشهورة تؤيد المعنى الثالث. والقمي عنهما عليهما السلام قالا كل قرية أهلك الله عز وجل أهلها بالعذاب لا

[ 355 ]

يرجعون في الرجعة. وفي المجمع عن الباقر عليه السلام قال كل قرية أهلكها الله بعذاب فإنهم لا يرجعون. (96) حتى إذا فتحت وقرء بالتشديد يأجوج ومأجوج سدهما. القمي قال إذا كان في آخر الزمان خرج يأجوج ومأجوج إلى الدنيا ويأكلون الناس وهم من كل حدب نشز من الأرض ينسلون يسرعون. (97) واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا جواب الشرط وإذا للمفاجأة يا ويلنا مقدر بالقول قد كنا في غفلة من هذا لم نعلم أنه حق بل كنا ظالمين لأنفسنا بالأخلال بالنظر والأعتداد بالنذر. (98) إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم يرمى به إليها ويهيج به من حصبه يحصبه إذا رماه بالحصباء والقمي يقذفون فيها قذفا. وفي المجمع وقراءة علي حطب بالطاء أنتم لها واردون عوض اللام من على للأختصاص والدلالة على أن ورودهم لأجلها. (99) لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون لا خلاص لهم عنها. (100) لهم فيها زفير أنين وتنفس شديد وهم فيها لا يسمعون. في قرب الأسناد عن الصادق عن أبيه عليهما السلام إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال إن الله تبارك وتعالى يأتي يوم القيامة بكل شئ يعبد من دونه من شمس أو قمر أو غير ذلك ثم يسأل كل إنسان عما كان يعبد فيقول كل من عبد غير الله ربنا إنا كنا نعبدها لتقربنا إليك زلفي قال فيقول الله تبارك وتعالى للملائكة إذهبوا بهم وبما كانوا يعبدون إلى النار وما خلا من استثنيت فأولئك عنها مبعدون. وفي العلل عنه عليه السلام إذا كان يوم القيامة اتي بالشمس والقمر في صورة ثورين فيقذف بهما وبمن يعبدهما في النار وذلك إنهما عبدا فرضيا.

[ 356 ]

أقول ويأتي تأويل هذا الحديث في سورة الرحمن. والقمي عن الباقر عليه السلام لما نزلت هذه الاية وجد منها أهل مكة وجدا شديدا فدخل عليهم عبد الله بن الزبعرى وكفار قريش يخوضون في هذه الاية فقال ابن الزبعرى أتكلم محمد صلى الله عليه وآله بهذه الاية قالوا نعم قال ابن الزبعرى لئن إعترف بها لأخصمنه فجمع بينهما فقال يا محمد أرايت الاية التي قرأت آنفا فينا وفي آلهتنا خاصة أم في الامم وآلهتهم قال بلى فيكم وفي آلهتكم وفي الامم وآلهتهم إلا من استثنى الله فقال ابن الزبعرى خصمتك والله ألست تثني على عيسى عليه السلام خيرا وقد عرفت أن النصارى يعبدون عيسى وامه وأن طائفة من الناس يعبدون الملائكة أفليس هؤلاء مع الالهة في النار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا فضجت قريش وضحكوا قالت قريش خصمك ابن الزبعرى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله قلتم الباطل أما قلت إلا من استثنى الله وهو قوله إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون إلى قوله أنفسهم خلدون. (101) إن الذين سبقت لهم منا الحسنى الخصلة الحسنى أولئك عنها مبعدون. القمي يعني الملائكة وعيسى بن مريم عليه السلام. (102) لا يسمعون حسيسها صوتها الذي يحس به وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون. (103) لا يحزنهم الفزع الاكبر وتتلقيهم الملائكة هذا يومكم الذى كنتم توعدون في الدنيا. في المجالس عن النبي صلى الله عليه وآله إنه قال لعلي عليه السلام يا علي أنت وشيعتك على الحوض تسقون من أحببتم وتمنعون من كرهتم وأنتم الامنون يوم الفزع الأكبر في ظل العرش يفزع الناس ولا تفزعون ويحزن الناس ولا تحزنون وفيكم نزلت هذه الاية إن الذين سبقت لهم منا الحسنى الاية وفيكم نزلت لا يحزنهم الفزع الاكبر الاية.

[ 357 ]

وفي المحاسن عن الصادق عليه السلام قال إن الله يبعث شعيتنا يوم القيامة على ما فيهم من الذنوب وغيره مبيضة وجوههم مستورة عوراتهم آمنة روعتهم قد سهلت لهم الموارد وذهبت عنهم الشدائد يركبون نوقا من ياقوت فلا يزالون يدورون خلال الجنة عليهم شرك من نور يتلألؤ توضع لهم الموائد فلا يزالون يطعمون والناس في الحساب وهو قول الله تبارك وتعالى إن الذين سبقت لهم منا الحسنى الاية. (104) يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب قيل كطي الطومار لأجل الكتابة أو للمكتوب فيه وقرء على الجمع أي للمعاني الكثيرة المكتوبة فيه. والقمي قال السجل إسم الملك الذي يطوي الكتب ومعنى نطويها أي نفنيها فتحول دخانا والأرض نيرانا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا أي علينا إنجازه إنا كنا فاعلين ذلك لا محالة. في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله إنه قال يحشرون يوم القيامة عراة حفاة عزلا كما بدأنا أول خلق نعيده الاية. (105) ولقد كتبنا في الزبور في كتاب داود عليه السلام من بعد الذكر. القمي قال الكتب كلها ذكر أن الارض يرثها عبادي الصالحون قال قال القائم عليه السلام وأصحابه قال والزبور فيه ملاحم وتحميد وتمجيد ودعاء. وفي رواية اخرى وأنزل الله عليه يعني على داود الزبور فيه تحميد وتمجيد ودعاء وأخبار رسول الله وأمير المؤمنين والأئمة من ذريتهما عليهم السلام وأخبار الرجعة وذكر القائم عليه السلام. وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إنه سئل عن هذه الاية ما الزبور وما الذكر قال الذكر عند الله والزبور الذي أنزل على داود عليه السلام وكل كتاب نزل فهو عند أهل العلم ونحن هم. وفي المجمع عن الباقر عليه السلام في قوله أن الارض يرثها عبادي الصالحون قال هم أصحاب المهدي عليه السلام في آخر الزمان.

[ 358 ]

قال صاحب المجمع ويدل على ذلك ما رواه الخاص والعام عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من أهل بيتي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. (106) إن في هذا فيما ذكر من الأخبار والمواعظ لبلاغا لكفاية في البلوغ إلى البغية لقوم عابدين همهم العبادة دون العادة. (107) وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين لأن ما بعث به سبب لاسعادهم وموجب لصلاح معاشهم ومعادهم وكونه رحمة للكفار أمنهم به من الخسف والمسخ وعذاب الأستيصال. وفي الأحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث مجيبا لبعض الزنادقة وأما قوله لنبيه صلى الله عليه وآله وما أرسلنك إلا رحمة للعالمين وإنك ترى أهل الملل المخالفة للأيمان ومن يجري مجراهم من الكفار مقيمين على كفرهم إلى هذه الغاية وأنه لو كان رحمة عليهم لاهتدوا جميعا ونجوا من عذاب السعير فإن الله تبارك وتعالى اسمه إنما عنى بذلك إنه جعله سبيلا لأنذار أهل هذه الدار لأن الأنبياء قبله بعثوا بالتصريح لا بالتعريض وكان النبي صلى الله عليه وآله منهم إذا صدع بأمر الله وأجابه قومه سلموا وسلم أهل دارهم من سائر الخليقة وإن خالفوه هلكوا وهلك أهل دارهم بالافة التي كانت نبيهم يتوعدهم بها ويخوفهم حلولها ونزولها بساحتهم من خسف أو قذف أو رجف أو ريح أو زلزلة أو غير ذلك من أصناف العذاب الذي هلكت به الامم الخالية وأن الله علم من نبينا صلى الله عليه وآله ومن الحجج في الأرض الصبر على ما لم يطق من تقدمهم من الأنبياء الصبر على مثله فبعثه الله بالتعريض لا بالتصريح وأثبت حجة الله تعريضا لا تصريحا بقوله في وصيه من كنت مولاه فهذا علي مولاه وهو مني بمنزلة هرون من موسى إلا إنه لا نبي بعدي وليس من خليقة النبي صلى الله عليه وآله ولا من شيمته أن يقول قولا لا معنى له فلزم الامة أن تعلم أنه لما كانت النبوة والاخوة موجودتين في خلق هرون ومعدومتين فيمن جعله النبي صلى الله عليه وآله بمنزلته أنه قد إستخلفه على امته كما إستخلف موسى هرون عليه السلام حيث

[ 359 ]

قال له اخلفنى في قومي ولو قال لهم لا تقلدوا الأمامة إلا فلانا بعينه وإلا نزل بكم العذاب لأتاهم العذاب وزال باب الأنظار والأمهال. وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله إنه قال لجبرئيل لما نزلت هذه الاية هل أصابك من هذه الرحمة شئ قال نعم إني كنت أخشى عاقبة الامر فآمنت بك لما أثنى الله علي بقوله ذي قوة عند ذي العرش مكين. وفي العلل عن الباقر عليه السلام أما لو قد قام قائمنا ردت بالحميراء حتى يجلدها الحد وحتى ينتقم لأبنة محمد صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام منها قيل ولم يجلدها قال لفريتها على ام إبراهيم قيل فكيف أخره الله للقائم عليه السلام قال ان الله تبارك وتعالى بعث محمد صلى الله عليه وآله رحمة وبعث القائم عليه السلام نقمة. (108) قل إنما يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد ما يوحى إلي إلا أنه لا إله لكم إلا إله واحد وذلك لأن المقصود الأصلي من بعثته مقصور على التوحيد فهل أنتم مسلمون مخلصون العبادة لله على مقتضى الوحي. في المناقب عن الصادق عليه السلام فهل أنتم مسلمون الوصية لعلي بعدي نزلت مشددة. أقول: ومالهما واحد لأن مخالفة الوصية عبادة للهوى والشيطان. (109) فإن تولوا عن التوحيد أو الوصية فقل آذنتكم أعلمتكم ما أمرت به على سوآء عدل وإن أدري وما أدري أقريب أم بعيد ما توعدون لكنه كائن لا محالة. (110) إنه يعلم الجهر من القول ما تجاهرون به من الطعن في الأسلام ويعلم ما تكتمون من الاحن والاحقاد للمسلمين فيجازيكم عليه. (111) وإن أدري لعله فتنة لكم وما أدري لعل تأخير جزائكم استدراج لكم وزيادة في افتتانكم أو امتحان لينظر كيف تعملون ومتاع إلى حين تمتيع إلى أجل مقدر يقتضيه مشيته.

[ 360 ]

قال رب احكم بالحق. القمي قال معناه لا تدع للكفار والحق الأنتقام من الظالمين قال ومثله في سورة آل عمران ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون وقرئ قال على حكاية قول الرسول صلى الله عليه وآله وربنا الرحمن كثير الرحمة على خلقه المستعان المطلوب منه المعونة على ما يصفون من الحال بأن الشوكة تكون لهم وأن راية الأسلام تخفق أياما ثم تسكن وأن الموعد به لو كان حقا لنزل بهم فأجاب الله دعوة رسوله فخيب أمانيهم ونصر رسوله عليهم وقرء بالتاء. في ثواب الأعمال والمجمع عن الصادق عليه السلام من قرأ سورة الأنبياء حبا لها كان كمن رافق النبيين أجمعين في جنات النعيم وكان مهيبا في أعين الناس في حياة الدنيا.




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21336768

  • التاريخ : 29/03/2024 - 00:32

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net