00989338131045
 
 
 
 
 
 

 سورة النساء : من آية 132 ـ آخر السورة 

القسم : تفسير القرآن الكريم   ||   الكتاب : تفسير الصافي ( الجزء الأول)   ||   تأليف : المولى محسن الملقب بـ « الفيض الكاشاني »

 (132) ولله ما في السموات وما في الأرض كل يدل بحاجته على غناه وبما فاض عليه من الوجود والكمال على كونه حميدا وكفى بالله وكيلا حافظا للجميع لا يعزب عنه مثقال ذرة فيهما وقيل راجع إلى قوله يغن الله كلا من سعته فانه يوكل بكفايتهما وما بينهما تقرير لذلك .
(133) إن يشأ يذهبكم يفنكم أيها الناس ويأت بآخرين ويوجد قوما آخرين مكانكم وكان الله على ذلك من الإعدام والإيجاد قديرا بليغ القدرة لا يعجزه مراد .
في المجمع ويروى أنه لما نزلت هذه الآية ضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يده على ظهر سلمان رضي الله عنه وقال هم قوم هذا يعني عجم الفرس .
(134) من كان يريد ثواب الدنيا كمن يجاهد للغنيمة فعند الله ثواب الدنيا والآخرة فليطلب الثوابين جميعا من عند الله وما باله يكتفي بأخسهما ويدع أشرفهما على أنه لو طلب الأشرف لم يخطئه الأخس .
في الكافي والخصال عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم قال كانت الحكماء والفقهاء إذا كاتب بعضهم بعضا كتبوا بثلاث ليس معهن رابعة من كانت الآخرة همته كفاه الله همته من الدنيا ومن أصلح سريرته أصلح الله علانيته ومن أصلح فيما بينه وبين الله أصلح الله فيما بينه وبين الناس .
وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام الدنيا طالبة ومطلوبة فمن طلب الدنيا طلبه
____________
(1) تواصى القوم أي أوصى بعضهم بعضا (ص) .

( 510 )

الموت حتى يخرجه منها ومن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى توفيه رزقه وكان الله سميعا بصيرا عالما بالأغراض فيجازي كلا بحسب قصده .
(135) يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط مواظبين على العدل مجتهدين في اقامته شهداء لله بالحق تقيمون شهاداتكم لوجه الله ولو على أنفسكم ولو كانت الشهادة على أنفسكم بأن تقروا عليها أو الوالدين والأقربين إن يكن المشهود عليه أو المشهود له غنيا أو فقيرا فلا تمتنعوا عن إقامة الشهادة للغني على الفقير لاستغناء المشهود له وفقر المشهود عليه ولا عن إقامة الشهادة للفقير الغني تهاونا بالفقير وتوقيرا للغني أو خشية منه أو حشمة له فالله أولى بهما بالغني والفقير وأنظر لهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا لأن تعدلوا عن الحق من العدول أو لأجل أن تعدلوا في الشهادة من العدل نهي عن متابعة الهوى في اقامتها كمراعاة صداقة أو عداوة أو وحشة أو عصبية أو غير ذلك وإن تلوا السنتكم عن شهادة الحق أو تعرضوا عن أدائها .
في المجمع عن الباقر عليه السلام أن تلووا (1) أي تبدلوا الشهادة أو تعرضوا أي تكتموها .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام أن تلووا الأمر أو تعرضوا عما أمرتم به وقرئ ان تلوا على معنى ان وليتم اقامة الشهادة فإن الله كان بما تعملون خبيرا فيجازيكم عليه .
(136) يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم وظاهرهم آمنوا بقلوبكم وباطنكم بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله يعني القرآن والكتاب الذي أنزل من قبل التوراة والإنجيل وغيرهما أريد به الجنس وقرئ على البناء للمفعول فيهما ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ومن يكفر بشيء من ذلك فقد ضل ضلالا بعيدا عن المقصد بحيث لا يكاد يعود الى طريقه .
(137) إن الذين آمنوا كاليهود آمنوا بموسى عليه السلام وكالمنافقين آمنوا بمحمد ثم كفروا ثم عبد اليهود العجل وارتد المنافقون ثم آمنوا عادوا إلى الإيمان ثم
____________
(1) لويت الحبل افتلته ولوى الرجل رأسه والوى برأسه أمال وأعرض ( صحاح ) .

( 511 )

كفروا كفر اليهود بعيسى وارتد المنافقون مرة اخرى ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وتمادوا (1) في الغي وأصروا عليه حتى ماتوا .
القمي نزلت في الذين آمنوا برسول الله اقرارا لا تصديقا ثم كفروا لما كتبوا الكتاب فيما بينهم أن لا يردوا الأمر في أهل بيته أبدا فلما نزلت الولاية وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الميثاق عليهم لأمير المؤمنين عليه السلام آمنوا اقرارا لا تصديقا فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفروا وازدادوا كفرا .
والعياشي عن الباقر عليه السلام قال هما والثالث والرابع وعبد الرحمن وطلحة وكانوا سبعة ( الحديث ) وذكر فيه مراتب ايمانهم وكفرهم .
وعن الصادق عليه السلام نزلت في فلان وفلان وفلان آمنوا برسول الله في أول الأمر ثم كفروا حين عرضت عليهم الولاية حيث قال من كنت مولاه فعليّ مولاه ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين عليه السلام حيث قالوا له بأمر الله وأمر رسوله فبايعوه ثم كفروا حيث مضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يقروا بالبيعة ثم ازدادوا كفرا بأخذهم من بايعوه بالبيعة لهم فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شيء ، وفي رواية أخرى عنهما عليهما السلام نزلت في عبد الله بن أبي سرح الذي بعثه عثمان إلى مصر قال وازدادوا كفرا حتى لم يبق فيه من الايمان شيء وفي أخرى من زعم أن الخمر حرام ثم شربها ومن زعم أن الزنا حرام ثم زنى ومن زعم أن الزكاة حق ولم يؤدها لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا إلى الجنة لأن بصائرهم عميت عن الحق فلا يتأتى منهم الرجوع إليه .
(138) بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما .
(139) الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة يتعززون بموالاتهم فإن العزة لله جميعا لا يتعزز إلا من أعزه الله وقد كتب العزة لأوليائه كما قال عز وجل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين .
____________
(1) تمادى في الذنوب إذا لج وداوم وتوسع فيها ومثله تمادى في الجهل وتمادى في غيه ( مجمع ) .

( 512 )

القمي نزلت في بني أمية حيث حالفوا على أن لا يردوا الأمر في بني هاشم .
(140) وقد نزل عليكم في الكتاب القرآن أن أنه إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزا بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره .
القمي آيات الله هم الأئمة عليهم السلام .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام والعياشي عن الرضا عليه السلام في تفسيرها إذا سمعت الرجل يجحد الحق ويكذب به ويقع (1) في أهله فقم من عنده ولا تقاعده .
وعن الصادق عليه السلام وفرض الله على السمع أن يتنزه عن الإستماع إلى ما حرم الله وأن يعرض عما لا يحل له مما نهى الله عنه والإصغاء إلى ما أسخط الله فقال في ذلك وقد نزل عليكم الآية قال ثم استثنى موضع النسيان فقال وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين إنكم إذا مثلهم في الكفر ان رضيتم به وإلا ففي الأثم لقدرتكم على الإنكار والإعراض إن الله جامع المنافقين والكافرين القاعدين والمقعود معهم في جهنم جميعا .
(141) الذين يتربصون بكم ينتظرون وقوع أمر بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم مظاهرين لكم فأسهموا لنا فيما غنمتم وإن كان للكافرين نصيب من الحرب قالوا للكافرين ألم نستحوذ عليكم ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم فأبقينا عليكم والإستحواذ الإستيلاء وكان القياس أن يقال ألم نستحذ فجاءت على الأصل ونمنعكم من المؤمنين بأن أخذلناهم عنكم بتخييل ما ضعفت به قلوبهم وتوانينا في مظاهرتهم وكنا عيونا لكم حتى انصرفوا عنكم وغلبتموهم فأشركونا فيما أصبتم قيل انما سمى ظفر المسلمين فتحا وظفر الكافرين نصيبا لخسة حظهم فانه مقصور على أمر دنيوي سريع الزوال فالله يحكم بينكم يوم القيامة يفصل بينكم بالحق ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا بالحجة ان جاز أن يغلبوهم بالقوة .
في العيون عن الرضا عليه السلام قيل له ان في سواد الكوفة قوما يزعمون أن
____________
(1) وقع في الناس وقيعة اغتابهم (م) .

( 513 )

النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقع عليه السهو فقال كذبو لعنهم الله ان الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلا هو قيل وفيهم قوم يزعمون أن الحسين بن علي صلوات الله عليهما لم يقتل وأنه القي شبهة على حنظلة بن سعد الشامي وأنه رفع إلى السماء كما رفع عيسى بن مريم عليه السلام ويحتجون بهذه الآية ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا فقال كذبوا عليهم غضب الله ولعنته وكفروا بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أخباره بأن الحسين عليه السلام سيقتل والله لقد قتل الحسين بن علي صلوات الله عليهما وقتل من كان خيرا من الحسين أمير المؤمنين والحسن بن علي عليهما السلام وما منا الا مقتول واني والله لمقتول باغتيال (1) من يغتالني أعرف ذلك بعهد معهود إليّ من رسول الله أخبره به جبرئيل عن رب العالمين فاما قوله عز وجل ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا فانه يقول لن يجعل الله لكافر على مؤمن حجة ولقد أخبر الله تعالى عن كفار قتلوا نبيين بغير حق ومع قتلهم إياهم لن يجعل الله لهم على أنبيائه سبيلا من طريق الحجة .
(142) إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم مضى تفسيره في أول سورة البقرة وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى متثاقلين كالمكره على الفعل وقرئ كسالى بالفتح يراؤون الناس ليخالوهم مؤمنين ولا يذكرون الله إلا قليلا إذ المرائي لا يفعل إلا بحضرة من يرائيه .
في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام من ذكر الله في السر فقد ذكر الله كثيرا ان المنافقين كانوا يذكرون الله علانية ولا يذكرونه في السر فقال الله عز وجل يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا .
(143) مذبذبين بين ذلك مرددين بين الإيمان والكفر من الذبذبة وهو جعل الشيء مضطربا وأصله الذب بمعنى الطرد وقرئ بكسر الذال بمعنى يذبذبون قلوبهم أو دينهم لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء لا يصيرون إلى المؤمنين بالكلية ولا إلى الكافرين كذلك يظهرون الإيمان كما يظهره المؤمنون ولكن لا يضمرونه كما يضمرون
____________
(1) غاله الشيء واغتاله إذا أخذه من حيث لم يدر إلى أن قال واغتاله قتله غيلة (ص) .

( 514 )

ويضمرون الكفر كما يضمره الكافرون ولكن لا يظهرونه كما يظهرون ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا طريقا ومذهبا نظيره قوله ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور .
(144) يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء (1) من دون المؤمنين فانه صنيع المنافقين وشعارهم أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا حجة بينة فان موالاة الكافرين دليل النفاق .
(145) إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار فان للنار دركات كما أن للجنة درجات سميت بهذا لأنها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض والأسفل منها هي التي في قعر جهنم ولن تجد لهم نصيرا يخرجهم منه .
(146) إلا الذين تابوا عن النفاق وأصلحوا ما افسدوا من اسرارهم واحوالهم في حال النفاق واعتصموا بالله ووثقوا به وتمسكوا بدينه وأخلصوا دينهم لله لا يريدون بطاعتهم الا وجهه فأولئك مع المؤمنين من عدادهم في الدارين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما فيساهمونهم فيه .
(147) ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم يتشفى به غيظا أو يدفع به ضرا أو يستجلب به نفعا سبحانه هو الغني المتعال عن النفع والضرر وانما يعاقب المصر على كفره لأن اصراره عليه كسوء مزاج يؤدي إلى مرض فإذا زال بالإيمان والشكر ونقى نفسه عنه تخلص من تبعته وانما قدم الشكر لأن الناظر يدرك النعمة أولا فيشكر شكرا مبهما ثم يمعن النظر حتى يعرف المنعم فيؤمن به كذا قيل وكان الله شاكرا مثيبا يقبل اليسير ويعطي على القليل الجزيل عليما بحق شكركم وايمانكم .
(148) لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم .
في المجمع عن الباقر عليه السلام لا يحب الله الشتم في الإنتصار إلا من ظلم فلا بأس له أن ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الإنتصار به في الدين وفيه ونظيره وانتصروا من بعد ما ظلموا .
____________
(1) قوله عز وجل من دون المؤمنين في المقام وغيره كالصفة الموضحة اشارة الى أن ولاية الفار لا يجتمع وصف الإيمان .

( 515 )

والقمي ما يقرب منه قال وفي حديث آخر في تفسيرها إن جاءك رجل وقال فيك ما ليس فيك من الخير والثناء والعمل الصالح فلا تقبله منه وكذبه فقد ظلمك .
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام أنه الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فلا جناح عليه أن يذكر سوء ما فعله .
والعياشي عنه عليه السلام في هذه الآية من أضاف قوما فأساء ضيافتهم فهو ممن ظلم فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه .
وعنه عليه السلام الجهر بالسوء من القول أن يذكر الرجل بما فيه وكان الله سميعا لما يجهر به من سوء القول عليما بصدق الصادق وكذب الكاذب فيجازي كلا بعمله .
(149) إن تبدوا خيرا تظهروا طاعة وبرا أو تخفوه أو تعفوا عن سوء مع قدرتكم على الانتقام من دون جهر بالسوء من القول وهو المقصود ذكره وما قبله تمهيد له ولذا رتب عليه قوله فإن الله كان عفوا قديرا لم يزل يكثر العفو عن العصاة مع كمال قدرته على الانتقام وهو حث للمظلوم على العفو بعد ما رخص له في الانتصار حملا على مكارم الأخلاق .
(150) إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله بأن يؤمنوا بالله ويكفروا برسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض نؤمن ببعض الانبياء ونكفر ببعض كما فعلته اليهود صدقوا موسى « ع » ومن تقدمه من الأنبياء وكذبوا عيسى ومحمدا « ع » وكما فعلت النصارى صدقوا عيسى ومن تقدمه وكذبوا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ويريدون أن يتخذوا بين ذلك بين الإيمان والكفر سبيلا طريقا الى الضلالة مع ان الإيمان بالله لا يتمّ إلا بالايمان برسله كلهم وتصديقهم فيما بلغوا عنه كله فالكافر ببعض ذلك كافر بالكل فماذا بعد الحق الا الضلال فانى تصرفون .
(151) أولئك هم الكافرون الكاملون في الكفر حقا تأكيد لئلا يتوهم ان قولهم نؤمن ببعض يخرجهم عن حيز الكفار وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا يهينهم ويذلهم .

( 516 )

القمي قال هم الذين أقروا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنكروا أمير المؤمنين عليه السلام .
(152) والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم بل آمنوا بجميعهم أولئك سوف نؤتيهم نعطيهم أجورهم الموعودة لهم سمي الثواب أجرا للدلالة على استحقاقهم لها والتصدير بسوف للدلالة على أنه كائن لا محالة وان تأخر وقرأ يؤتيهم بالياء وكان الله غفورا لم يزل يعفي ما فرط منهم من المعاصي رحيما يتفضل عليهم بأنواع الإنعام .
(153) يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء .
في المجمع روي أن كعب بن الأشرف وجماعة من اليهود قالوا يا محمد كنت نبيا فأتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى عليه السلام بالتوراة جملة فنزلت فقد سألوا موسى أكبر من ذلك أي لا يعظمن عليك سؤالهم إياك إنزال الكتاب من السماء فإنهم سألوا موسى أعظم من ذلك بعد ما أتاهم بالبيات الظاهرة والمعجزات الباهرة وهذا السؤال وان كان من آبائهم أسند إليهم لأنهم كانوا آخذين بمذهبهم تابعين لهم والغرض أن عرفهم (1) راسخ في ذلك وان ما اقترحوا عليك ليس بأول جهالاتهم فقالوا أرنا الله جهرة عيانا فأخذتهم الصاعقة بظلمهم بسبب ظلمهم وهو تعنتهم . وسؤالهم لما يستحيل ثم اتخذوا العجل عبدوه من بعد ما جاءتهم البينات المعجزات الباهرات فعفونا عن ذلك لسعة رحمتنا وآتينا موسى سلطانا مبينا حجة بينة تبين عن صدقه .
(154) ورفعنا فوقهم الطور الجبل بميثاقهم ليقبلوه وقلنا لهم على لسان موسى عليه السلام ادخلوا الباب باب حطة سجدا وقلنا لهم على لسان موسى وداود لا تعدوا في السبت لا تتجاوزوا في يوم السبت ما ابيح لكم إلى ما حرم عليكم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا على ذلك .
(155) فبما نقضهم ميثاقهم يعني فخالفوا ونقضوا ففعلنا بهم ما فعلنا بسبب
____________
(1) قوله عرقهم راسخ في ذلك أي اصلهم ثابت عليه وانطبع على قلوب هؤلاء حتى كأنهم ينشئون على الإبرام والمحاجة .

( 517 )

نقضهم وما مزيدة للتأكيد ويجوز أن يكون الباء متعلقة بحرمنا عليهم طيبات متقدمة عليه وكفرهم بآيات الله بحججه وأدلته وقتلهم الأنبياء بغير حق .
القمي قال هؤلاء لم يقتلوا الأنبياء وانما قتلهم أجدادهم فرضي هؤلاء بذلك فألزمهم الله القتل بفعل أجدادهم وكذلك من رضي بفعل فقد لزمه وان لم يفعله وقولهم قلوبنا غلف أوعية للعلوم أو في أكنة كما مر تفسيره بل طبع الله عليها بكفرهم فجعلها محجوبة عن العلم وخذلها ومنعها التوفيق للتدبر في الآيات والتذكر بالمواعظ فلا يؤمنون إلا قليلا منهم أو إيمانا قليلا لا عبرة به لنقصانه .
(156) وبكفرهم بعيسى عليه السلام وقولهم على مريم بهتانا عظيما يعني نسبتها إلى الزنا .
في المجالس عن الصادق عليه السلام ان رضى الناس لا يملك والسنتهم لا تضبط ألم ينسبوا مريم ابنة عمران إلى أنها حملت بعيسى عليه السلام من رجل نجار (1) اسمه يوسف .
(157) وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله يعني رسول الله بزعمه نظيره ان رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون وذلك لما رفعه الله إليه وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم قد مضى ذكر هذه القصة في سورة آل عمران عند قوله تعالى إذ قال الله يا عيسى انى متوفيك ورافعك إلي وقيل انما أذمهم الله بما دل عليه الكلام من جرأتهم على الله وقصدهم قتل نبيه المؤيد بالمعجزات القاهرة وبتجحجحهم (2) به لا لقولهم هذا على حسب حسبانهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه قيل لما وقعت تلك الواقعة اختلف الناس فقال بعض اليهود انه كان كاذبا فقتلناه حقا وتردد آخرون فقال بعضهم ان كان هذا عيسى عليه السلام فأين صاحبنا
____________
(1) وفي بعض النسخ المصححة بخار بتقديم الباء الموحدة على الخاء المعجمة أي بايع البخورات .
(2) الجحجح بتقديم الجيم المفتوحة ثم الحاء الساكنة ثم الجيم المفتوحة ثم الحاء وزان سلسل السيد وكسلسال أيضا (ج) كسلاسل وجبابرة وحواصيل وكهدهد الكبش العظيم والمراد هنا التسيد والافتخار واظهار القوة والشجاعة .


( 518 )

وقال بعضهم الوجه وجه عيسى عليه السلام والبدن بدن صاحبنا وقال من سمع منه ان الله يرفعني إلى السماء رفع إلى السماء وقال قوم صلب (1) الناسوت وصعد اللاهوت ما لهم به من علم إلا اتباع الظن ولكنهم يتبعون الظن وما قتلوه يقينا قتلا يقينا كما زعموه أو تأكيد لنفي القتل يعني حقا .
(158) بل رفعه الله إليه رد وانكار لقتله واثبات لرفعه .
في الفقيه عن السجاد عليه السلام ان لله بقاعا في سمواته فمن عرج به إلى بقعة منها فقد عرج به إليه ألا تسمع الله يقول في قصة عيسى بن مريم بل رفعه الله إليه .
القمي رفع وعليه مدرعة من صوف .
والعياشي عن الصادق عليه السلام قال رفع عيسى بن مريم بمدرعة صوف من غزل مريم ومن نسج مريم ومن خياطة مريم فلما انتهى إلى السماء نودي يا عيسى الق عنك زينة الدنيا .
وفي الإكمال عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن عيسى بن مريم أتى إلى بيت المقدس فمكث يدعوهم ويرغبهم فيما عند الله ثلاثة وثلاثين سنة حتى طلبته اليهود وادعت أنها عذبته ودفنته في الأرض حيا وادعى بعضهم أنهم قتلوه وصلبوه وما كان الله ليجعل لهم سلطانا عليه وإنما شبه لهم وما قدروا على عذابه ودفنه ولا على قتله وصلبه لأنهم لو قدروا على ذلك لكان تكذيبا لقوله ولكن رفعه الله إليه بعد أن توفاه وقد سبق صدر هذا الحديث في سورة آل عمران وكان الله عزيزا لا يغلب على ما يريده حكيما فيما دبر لعباده .
(159) وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته قيل يعني ما من اليهود والنصارى أحد إلا ليؤمنن بأن عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله قبل أن يموت ولو حين تزهق روحه ولا ينفعه ايمانه وبه رواية عنهم عليهم السلام ويوم القيامة يكون
____________
(1) قوله صلب الناسوت : يعني عالم الناسوت وصعد إلى عالم اللاهوت .

( 519 )


عليهم شهيدا فيشهد على اليهود بالتكذيب وعلى النصارى بأنهم دعوه ابن الله .
القمي عن شهر بن حوشب قال قال لي الحجاج يا شهر آية في كتاب الله قد أعيتني فقلت أيها الأمير أية آية هي فقال وان من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته والله لأني أمر باليهودي والنصراني فيضرب عنقه ثم أرمقه (1) بعيني فما آراه يحرك شفتيه حتى يخمد (2) فقلت أصلح الله الأمير ليس على ما تأولت قال كيف هو قلت إن عيسى عليه السلام ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى أهل ملة يهودي ولا غيره إلا آمن به قبل موته ويصلي خلف المهدي عليه السلام قال ويحك أنى لك هذا ومن أين جئت به فقلت حدثني به محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم فقال جئت بها من عين صافية .
قال القمي وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رجع آمن به الناس كلهم .
والعياشي عن الباقر عليه السلام في تفسيرها ليس من أحد من جميع الأديان يموت إلا رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين صلوات الله عليهم حقا من الأولين والآخرين .
وعن الصادق عليه السلام انما ايمان أهل الكتاب انما هو بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلم .
وفي المجمع في أحد معانيها ليؤمنن بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلم قبل موت الكتابي قال ورواه أصحابنا .
وفي الجوامع عنهما عليهما السلام حرام على روح أن تفارق جسدها حتى ترى محمدا وعليا والأخبار في هذا المعنى كثيرة (3) .
____________
(1) رمقه بعينه رمقا من باب قتل اطال النظر إليه ( مجمع ) .
(2) خمد المريض اغمي عليه أو مات (م) .
(3) منها ما رواه الامامية ان المحتضرين من جميع الأديان يرون رسول الله وخلفائه عند الموت ويروون في ذلك عن علي (ع) أنه قال للحارث الهمداني ( ياحار همدان من يمت يرني من مؤمن أو منافق قبلا ، يعرفني طرفه وأعرفه ، بعينه


والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال هذه نزلت فينا خاصة إنه ليس رجل من ولد فاطمة يموت ولا يخرج من الدنيا حتى يقر للامام وبامامته كما أقر ولد يعقوب ليوسف حين قالوا تالله لقد آثرك الله علينا .
أقول : يعني أن ولد فاطمة هم المعنيون بأهل الكتاب هنا وذلك لقوله سبحانه ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فانهم المرادون بالمصطفين هناك كما يأتي ذكره عنده تفسيره .
(160) فبظلم من الذين هادوا فبظلم عظيم منهم حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم قيل هي التي ذكرت في قوله سبحانه وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ( الآية ) .
وفي الكافي والعياشي والقمي عن الصادق عليه السلام من زرع حنطة في أرض ولم يزك زرعه فخرج زرعه كثير الشعير فبظلم عمله في ملك رقبة الأرض أو بظلم لمزارعيه واكرته (1) لأن الله يقول فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم يعني لحوم الإبل والبقر والغنم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا (2) .
(161) وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل بالرشوة وغيرها من الوجوه المحرمة وأعتدنا للكافرين منهم عذابا أليما دون من تاب وآمن .
(162) لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك والمقيمين الصلاة قيل يعني ويؤمنون بالمقيمين الصلاة يعني الأنبياء وقيل بل نصب على المدح وقرئ في الشواذ بالرفع والمؤتون الزكوة والمؤمنون بالله
____________
=
واسمه وما فعلا ، والمراد برؤيتهم في ذلك الحال العلم بثمرة ولايتهم وعداوتهم علم اليقين بعلامات يجدونها من نفوسهم ومشاهدة احوال يدركونها كما قد روي ان الإنسان إذا عاين الموت أري في تلك الحالة ما يدله على أنه من أهل الجنة أو من أهل النار .
(1) في الحديث ذكر الأكار بالفتح والتشديد وهو الزراع والأكرة بالضم الحفرة وبها سمي الأكار وأكرت النهر من باب ضرب شققته (م) .
(2) وبمنعهم عباد الله عن دينه وسبيله التي شرعها لعباده صدا كثيرا وكان صدهم عن سبيل الله بقولهم على الله الباطل وادعائهم ان ذلك على الله وتبديلهم كتاب الله وتحريفهم معانيه عن وجوهه واعظم من ذلك كله جحدهم نبوة محمد (ص) تركهم بيان ما عملوه من امره لمن جهله من الناس عن مجاهد وغيره ( مجمع البيان ) .


( 521 )


واليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما لجمعهم بين الإيمان الصحيح والعمل الصالح .
(163) إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده قيل هذا جواب لأهل الكتاب عن اقتراحهم أن ينزل عليهم كتابا من السماء واحتجاج عليهم بأن أمره في الوحي كسائر الأنبياء الذين تقدموه وأوحينا إلى إبراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا وقرئ بضم الزاي .
(416) ورسلا وأرسلنا رسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما قيل وهو منتهى مراتب الوحي خص به موسى من بينهم وقد فضل الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بأن أعطاه مثل ما أعطى كل واحد منهم .
العياشي عنهما عليهما السلام إني أوحيت إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده فجمع له كل وحي .
وفي الكافي (1) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعطيت السور الطوّل مكان التوراة وأعطيت المئين مكان الإنجيل وأعطيت المثاني مكان الزبور وفضلت بالمفصل ثمان وستون سورة .
وفيه وفي الإكمال والعياشي عن الباقر عليه السلام وكان بين آدم ونوح من الأنبياء مستخفين ومستعلنين ولذلك خفي ذكرهم في القرآن فلم يسموا كما سمي من استعلن من الأنبياء وهو قول الله عز وجل ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك يعني لم يسم المستخفين كما سمى المستعلنين من الأنبياء .
وفي الخصال عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الله ناجى موسى عليه السلام بمائة ألف كلمة وأربعة وعشرين ألف كلمة في ثلاثة أيام ولياليهن ما طعم فيها
____________
(1) قد تقدم في المقدمة الأولى شرح هذا الحديث من ( المصنف قدس سره ) فراجع .

( 522 )


موسى عليه السلام ولا شرب فيها فلما انصرف إلى بني إسرائيل وسمع كلامهم ومقتهم (1) لما كان وقع في مسامعه من حلاوة كلام الله عز وجل .
وفي التوحيد عن الكاظم عليه السلام في حديث فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى إلى الطور وسأل الله تعالى أن يكلمه ويسمعهم كلامه فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام ان الله عز وجل أحدثه في الشجرة ثم جعله منبعثا منها حتى يسمعوه من جميع الوجوه .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام كلم الله موسى تكليما بلا جوارح وأدوات وشفة ولا لهوات سبحانه وتعالى عن الصفات .
وعنه عليه السلام في حديث وقد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات وكلام الله ليس بنحو واحد منه ما كلم الله به الرسل ومنه ما قذفه في قلوبهم ومنه رؤيا يراها الرسل ومنه وحي وتنزيل يتلى ويقرأ فهو كلام الله فاكتف بما وصفت لك من كتاب الله فان معنى كلام الله ليس بنحو واحد فان منه ما تبلغ رسل السماء رسل الأرض .
وفي الاحتجاج في مكالمة اليهود النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قالوا موسى خير منك قال ولم قالوا لأن الله تعالى كلمه أربعة آلاف كلمة ولم يكلمك بشيء فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك قالوا وما ذاك قال قوله عز وجل سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ( الآية ) ويأتي تمام الحديث في سورة بني اسرائيل ان شاء الله .
(165) رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فيقولوا لولا أرسلت الينا رسولا فينبهنا ويعلمنا ما لم نكن نعلم وكان الله عزيزا لا يغلب فيما يريده حكيما فيما دبر .
(166) لكن الله يشهد بما أنزل إليك قيل لما نزلت إنا أوحينا اليك قالوا ما
____________
(1) مقته مقتا من باب قتل ابغضه أشد البغض عن أمر قبيح فهو مقيت وممقوت (م) .

( 523 )


نشهد لك بهذا فنزلت أنزله بعلمه بأنك مستأهل له والملائكة يشهدون أيضا وكفى بالله شهيدا وإن لم يشهد غيره .
القمي عن الصادق عليه السلام انما انزلت لكن الله يشهد بما أنزل اليك في علي في الآية .
(167) إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا لأنهم جمعوا بين الضلال والإضلال ولأن المضل يكون أغرق في الضلال وابعد من الإنقلاع عنه .
(168) إن الذين كفروا وظلموا جمعوا بينهما لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا .
(169) إلاَّ طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا .
في الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام قال نزل جبرئيل بهذه الآية هكذا ان الذين كفروا وظلموا آل محمد صلوات الله عليهم حقهم لم يكن الله ( الآية ) .
والقمي قرأ أبو عبد الله إن الذين كفروا وظلموا آل محمد حقهم ( الآية ) .
(170) يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيرا لكم ايمانا خيرا لكم أو آتوا أمرا خيرا لكم أو يكن الإيمان خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السموات والأرض وكان الله عليما حكيما .
في الكافي والعياشي عن الباقر عليه السلام قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم في ولاية علي فآمنوا خيراً لكم وان تكفروا بولاية علي ( الآية ) .
(171) يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غلت اليهود في حط عيسى عليه السلام حتى رموه بأنه ولد لغير رشده (1) والنصارى في رفعه حتى اتخذوه إلها ولا تقولوا على الله إلا الحق يعني تنزيهه عن الشريك والصاحبة والولد إنما المسيح
____________
(1) وهو لرشدة بكسر الراء والفتح لغة أي صحيح النسب ولغير رشدة بخلافه وعن الأزهري الفتح في لرشدة ولزينة أفصح من الكسر ( مجمع ) .

( 524 )


عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم أوصلها إليها وحصلها فيها وروح منه صدرت منه .
في الكافي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عنها قال هي روح مخلوقة خلقها الله في آدم وعيسى .
وفي التوحيد عن الباقر عليه السلام روحان مخلوقتان اختارهما واصطفاهما روح آدم وروح عيسى عليه السلام فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا الآلهة ثلاثة الله والمسيح ومريم كما يدل عليه قوله تعالى أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله انتهوا عن التثليث خيرا لكم مر نظيره إنما الله إله واحد وحدة حقيقية لا يتطرق إليها نحو من أنحاء الكثرة والتعدد أصلا سبحانه أن يكون له ولد سبحه تسبيحا من أن يكون له ولد كيف والولد لابد أن يكون مماثلا للوالد تعالى الله أن يكون له مماثل ومعادل له ما في السموات وما في الأرض ملكا وملكا وخلقا لا يماثله شيء من ذلك فيتخذه ولدا وكفى بالله وكيلا تنبيها على غناه عن الولد فان الحاجة إليه انما تكون ليكون وكيلا لأبيه والله سبحانه قائم بحفظ الأشياء كاف في ذلك مستغن عمن يخلفه أو يعينه .
(172) لن يستنكف المسيح لن يأنف (1) أن يكون عبدا لله لأن عبودية الله شرف يباهي به وانما المذلة والإستنكاف في عبودية غيره ، وروي أن وفد نجران قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم تعيب (2) صاحبنا قال ومن صاحبكم قالوا عيسى قال وأي شيء أقول قالوا تقول إنه عبد الله قال انه ليس بعار أن يكون عبدا لله قالوا بلى فنزلت ولا الملائكة المقربون ولا يستنكف الملائكة المقربون أن يكونوا عبيدا لله ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر ويترفع عنها والإستكبار دون الإستنكاف وانما يستعمل حيث لا استحقاق بخلاف التكبر فانه قد يكون باستحقاق كما هو في الله سبحانه فسيحشرهم إليه جميعا المستنكف والمستكبر والمقر بالعبودية فيجازيهم
____________
(1) أنف من الشيء يأنف أنفا أي استنكف واستكبر .
(2) عيبه أي نسبه إلى العيب وعيبه أيضا إذا جعله ذا عيب وتعيبه مثله ( مجمع ) .


( 525 )


على حسب أحوالهم .
(173) فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا ظاهر المعنى .
(174) يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا قيل البرهان رسول الله والنور القرآن وقيل البرهان المعجزات والنور القرآن أي جاءكم دلائل العقل وشواهد النقل ولم يبق لكم عذر ولا علة .
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام النور ولاية علي صلوات الله وسلامه عليه .
(175) فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه ثواب مستحق وفضل واحسان زائد عليه ويهديهم إليه أي إلى الله أو إلى الموعود من الرحمة والفضل صراطا مستقيما قد مضى تحقيق معنى الصراط في سورة الفاتحة .
العياشي عن الصادق عليه السلام البرهان محمد والنور علي والصراط المستقيم علي صلوات الله عليهما .
والقمي النور امامة أمير المؤمنين والإعتصام التمسك بولايته وولاية الأئمة بعده .
(176) يستفتونك أي في الكلالة كما يدل عليه الجواب ، روي أن جابر بن عبد الله كان مريضا فعاده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله ان لي لكلالة فكيف أصنع في مالي فنزلت قل الله يفتيكم في الكلالة قد مضى تفسيرها في أول السورة إن امرؤً هلك ليس له ولد وله أخت أي أخت لأم وأب أو أخت لأب كذا عن الصادق عليه السلام كما مر فلها نصف ما ترك وهو يرثها أي والمرء يرث أخته جميع مالها إن كانت الأخت هي الميتة إن لم يكن لها ولد ولا والد لأن الكلام في ميراث الكلالة ولأن السنة دلت على أن الأخوة لا يرثون مع الأب كما تواتر عن أهل البيت

( 526 )


عليهم السلام فإن كانتا اثنتين الضمير لمن يرث بالاخوة فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين .
القمي عن الباقر عليه السلام إذا مات الرجل وله أخت تأخذ نصف الميراث بالآية كما تأخذ البنت لو كانت والنصف الباقي يرد عليها بالرحم إذا لم يكن للميت وارث أقرب منها فان كان موضع الاخت أخ أخذ الميراث كله بالآية لقول الله وهو يرثها ان لم يكن لها ولد فان كانت اختين أخذتا الثلثين بالآية والثلث الباقي بالرحم وان كانوا اخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين وذلك كله إذا لم يكن للميت ولد وأبوان أو زوجة ومضمون هذا الخبر مروي في كثير من الأخبار المعصومية المروية في الكافي وغيره .
يبين الله لكم أن تضلوا قيل أي يبين لكم ضلالكم الذي من شأنكم إذا خليتم وطبائعكم لتحترزوا عنه وتتحروا خلافه أو يبين لكم الحق والصواب كراهة أن تضلوا أو لئلا تضلوا والله بكل شيء عليم فهو عالم بمصالح العباد والمحيا والممات قيل هي آخر آية نزلت في الأحكام .
في ثواب الأعمال والعياشي عن أمير المؤمنين عليه السلام من قرأ سورة النساء في كل جمعة آمن من ضغطة القبر إن شاء الله تعالى .




 
 

  أقسام المكتبة :
  • نصّ القرآن الكريم (1)
  • مؤلّفات وإصدارات الدار (21)
  • مؤلّفات المشرف العام للدار (11)
  • الرسم القرآني (14)
  • الحفظ (2)
  • التجويد (4)
  • الوقف والإبتداء (4)
  • القراءات (2)
  • الصوت والنغم (4)
  • علوم القرآن (14)
  • تفسير القرآن الكريم (108)
  • القصص القرآني (1)
  • أسئلة وأجوبة ومعلومات قرآنية (12)
  • العقائد في القرآن (5)
  • القرآن والتربية (2)
  • التدبر في القرآن (9)
  البحث في :



  إحصاءات المكتبة :
  • عدد الأقسام : 16

  • عدد الكتب : 214

  • عدد الأبواب : 96

  • عدد الفصول : 2011

  • تصفحات المكتبة : 21330202

  • التاريخ : 28/03/2024 - 08:55

  خدمات :
  • الصفحة الرئيسية للموقع
  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • المشاركة في سـجل الزوار
  • أضف موقع الدار للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • للإتصال بنا ، أرسل رسالة

 

تصميم وبرمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net

دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم : info@ruqayah.net  -  www.ruqayah.net