سورة آل عمران مدنية كلها وهي مائتا آية
بسم الله الرحمن الرحيم
(1) ألم قد مضى الكلام في تأويله في أول سورة البقرة .
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام في حديث واما ألم في آل عمران فمعناه انا الله المجيد .
(2) الله لا إله إلا هو الحي القيوم .
(3) نزل عليك الكتاب القرآن نجوما بالحق بالعدل والصدق والحجج المحققة انه من عند الله مصدقا لما بين يديه من الكتب وأنزل التوراة والإنجيل جملة على موسى وعيسى .
(4) من قبل من قبل تنزيل القرآن هدى للناس عامة وقومهما خاصة وأنزل الفرقان ما يفرق به بين الحق والباطل .
في الكافي عن الصادق عليه السلام القرآن جملة الكتاب والفرقان المحكم الواجب العمل به .
وفي الجوامع عنه عليه السلام الفرقان كل آية محكمة في الكتاب .
والقمي والعياشي عنه عليه السلام الفرقان هو كل أمر محكم والكتاب هو جملة القرآن الذي يصدق فيه من كان قبله من الأنبياء .
وفي العلل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمي القرآن فرقانا لأنه متفرق الآيات
( 316 ) والسور أنزلت في غير الألواح وغير الصحف والتوراة والانجيل والزبور أنزلت كلها جملة في الألواح والورق . إن الذين كفروا بآيات الله من كتبه المنزلة وغيرها لهم عذاب شديد بسبب كفرهم والله عزيز غالب لا يمنع من التعذيب ذو انتقام شديد لا يقدر على مثله منتقم .
(5) إن الله لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء عبر عن العالم بهما لأن الحس لا يتجاوزهما .
(6) هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء من الصور المختلفة من صبيح أو قبيح ذكر أو انثى فكيف يخفى عليه شيء .
في الفقيه عن الصادق عليه السلام ان الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق خلقا جمع كل صورة بينه وبين آدم ثم خلقه على صورة احداهن فلا يقولن احد لولده هذا لايشبهني ولايشبه شيئا من آبائي .
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام قال ان الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يخلق النطفة التي هي مما اخذ عليها الميثاق من صلب آدم أو ما يبدو له فيه ويجعلها في الرحم حرك الرجل للجماع وأوحى إلى الرحم ان افتحي بابك حتى يلج فيك خلقي وقضائي النافذ وقدري فتفتح الرحم بابها فتصل النطفة إلى الرحم فتردد فيه اربعين يوما ثم تصير فيه علقة اربعين يوما ثم تصير مضغة اربعين يوما ثم تصير لحما تجري فيه عروق مشتبكة ثم يبعث الله ملكين خلاقين يخلقان في الأرحام ما يشاء يقتحمان في بطن المرأة من فم المرأة فيصلان إلى الرحم وفيها الروح القديمة المنقولة مي أصلاب الرجال وأرحام النساء فينفخان فيها روح الحياة والبقاء ويشقان له السمع والبصر وجميع الجوارح وجميع ما في البطن باذن الله تعالى ثم يوحي الله إلى الملكين اكتبا عليه قضائي وقدري ونافذ أمري واشترطا لي البداء فيما تكتبان فيقولان يا رب ما نكتب قال فيوحي الله عز وجل إليهما ان ارفعا رؤوسكما إلى رأس أمّه فيرفعان رؤوسهما فإذا اللوح يقرع جبهة أمه فينظران فيه فيجدان في اللوح صورته وزينته وأجله وميثاقه شقيا أو سعيدا وجميع شأنه ، قال عليه السلام فيملي أحدهما على صاحبه فيكتبان جميع ما في اللوح ويشترطان البداء فيما يكتبان ثم يختمان الكتاب
( 317 ) ويجعلانه بين عينيه ثم يقيمانه قائما في بطن أمه قال فربما عتا فانقلب ولا يكون ذلك الا في كل عات أو مارد وإذا بلغ أوان خروج الولد تاما أو غير تام أوحى الله تعالى إلى الرحم ان افتحي بابك حتى يخرج خلقي إلى أرضي وينفذ فيه أمري فقد بلغ أوان خروجه قال فتفتح الرحم باب الولد فيبعث الله عز وجل إليه ملكا يقال له زاجر فيزجره زجرة فيفزع منها الولد فينقلب فيصير رجلاه فوق رأسه ورأسه في أسفل البطن ليسهل الله على المرأة وعلى الولد الخروج قال فإذا احتبس زجره الملك زجرة اخرى فيفزع منها فيسقط الولد إلى الأرض باكيا فزعا من الزجرة .
أقول : قوله ان يخلق النطفة اي يخلقها بشرا تاما وقوله وما يبدو له فيه اي ما يبدو له في خلقه فلا يتم خلقه بأن يجعله سقطا وقوله حرك الرجل يعني بالقاء الشهوة عليه وإيحاؤه سبحانه إلى الرحم كناية عن فطرة إياها على الاطاعة طبعا فتردد بحذف احدى التائين أي تتحول من حال إلى حال يقتحمان يدخلان بعنف والروح القديمة كناية عن النفس النباتية وفي عطف البقاء على الحياة دلالة على أن النفس الحيوانية مجردة عن المادة باقية في تلك النشأة وان النفس النباتية بمجرّدها لا تبقى وقد حققنا معنى البداء في كتابنا الموسوم « بالوافي » وقرع اللوح جبهة امه كأنه كناية عن ظهور أحوال امه وصفاتها واخلاقها من ناصيتها وصورتها التي خلقت عليها كأنها جميعا مكتوبة عليها وإنما يستنبط الأحوال التي ينبغي أن يكون الولد عليها من ناصية امه ويكتب ذلك على وفق ما ثمة للمناسبة التي تكون بينه وبينها وذلك لأن جوهر الروح إنما يفيض على البدن بحسب استعداده وقبوله اياه واستعداد البدن تابع لأحوال نفسي الأبوين وصفاتهما وأخلاقهما لا سيما الأم المربية له على وفق ما جاء به من ظهر ابيه فناصيتها مشتملة على أحواله الأبوية والأمية أعني ما يناسبهما بحسب مقتضى ذاته وجعل الكتاب المختوم بين عينيه كناية عن ظهور صفاته وأخلاقه من ناصيته وصورته التي خلق عليها وانه عالم بها وقتئذ بعلم بارئها بها لفنائه بعد وفناء صفاته في ربه لعدم دخوله بعد في عالم الأسباب والصفات المستعارة والأختيار المجازي ولكنه لا يشعر بعلمه فان الشعور بالشيء أمر والشعور بالشعور أمر آخر والعتو الاستكبار ومجاوزة الحد ويقرب منه المرود لا إله إلا هو إذ لا يعلم غيره جملة ما يعلمه ولا يقدر على مثل ما يفعله العزيز في جلاله الحكيم في أفعاله .
( 318 )
(7) هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات احكمت عباراتها بأن حفظت من الاجمال هن أم الكتاب أصله يرد إليها غيرها وأخر متشابهات محتملات لا يتضح مقصودها الا بالفحص والنظر ليظهر فيها فضل العلماء الربانيين في استنباط معانيها وردها إلى المحكمات وليتوصلوا بها إلى معرفة الله تعالى وتوحيده .
العياشي عن الصادق عليه السلام انه سئل عن المحكم والمتشابه فقال المحكم ما يعمل به والمتشابه ما اشتبه على جاهله وقد سبقت اخبار اخر في تفسيرهما في المقدمة الرابعة .
وفي الكافي والعياشي عنه عليه السلام في تأويله أن المحكمات أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام والمتشابهات فلان وفلان .
فأما الذين في قلوبهم زيغ ميل عن الحق كالمبتدعة فيتبعون ما تشابه منه فيتعلمون بظاهره أو بتأويل باطل ابتغاء الفتنة طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك والتلبيس ومناقضة المحكم بالمتشابه .
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام ان الفتنة هنا الكفر وابتغاء تأويله وطلب أن يأولوه على ما يشتهونه وما يعلم تأويله الذي يجب أن يحمل عليه إلا الله والرسخون في العلم الذين تثبتوا وتمكنوا فيه .
العياشي عن الباقر عليه السلام يعني تأويل القرآن كله .
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله وفي رواية فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الراسخين في العلم قد علمه الله عز وجل جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلّمه تأويله وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله .
وفي الاحتجاج عن امير المؤمنين عليه السلام في حديث قال ثم ان الله جل ذكره بسعة رحمته ورأفته بخلقه وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كلامه قسم كلامه ثلاثة أقسام فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل وقسما لا يعرفه الا من صفا ذهنه ولطف حسه
( 319 ) وصح تميزه ممن شرح الله صدره للاسلام وقسما لا يعرفه الا الله وأنبياؤه والراسخون في العلم وإنما فعل ذلك لئلا يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من علم الكتاب ما لم يجعله لهم وليقودهم الاضطرار إلى الايتمار بمن ولاه أمرهم فاستكبروا عن طاعته تعززا وافتراء على الله عز وجل واغترارا بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند الله جل اسمه ورسوله .
يقولون آمنا به هؤلاء الراسخون العالمون بالتأويل يقولون آمنا بالمتشابه كل من المحكم والمتشابه عند ربنا من عند الله الحكيم الذي لا يتناقض كلامه وما يذكر إلا أولوا الألباب مدح للراسخين بجودة الذهن وحسن التدبر وإشارة إلى ما استعدوا به للاهتداء إلى تأويله وهو تجرد العقل عن غواشي الحس .
في التوحيد والعياشي عن امير المؤمنين عليه السلام قال اعلم ان الراسخين في العلم هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام في السدد المضروبة دون الغيوب فلزموا الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فقالوا آمنا به كل من عند ربنا فمدح الله عز وجل اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما وسمي تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عنه منهم رسوخا فاقتصر على ذلك ولا تقدر عظمة الله على قدر عقلك فتكون من الهالكين .
وفي العيون عن الرضا عليه السلام قال من رد متشابه القرآن إلى محكمه هدي إلى صراط مستقيم ثم قال عليه السلام ان في اخبارنا متشابها كمتشابه القرآن ومحكما كمحكم القرآن فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا .
(8) ربنا لا تزغ قلوبنا عن نهج الحق إلى اتباع المتشابه بتأويل لا ترتضيه وإنما اضيف الزيغ إلى الله لأنه مسبب عن امتحانه وخذلانه بعد إذ هديتنا إلى الحق وهب لنا من لدنك رحمة بالتوفيق والمعونة إنك أنت الوهاب لكل سؤال ، في الكافي عن الكاظم عليه السلام في حديث هشام يا هشام ان الله قد حكى عن قوم صالحين انهم قالوا ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك انت الوهاب حين علموا ان القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها انه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ومن لم يعقل عن الله لم يعقد
( 320 ) قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه ولا يكون احد كذلك الا من كان قوله لفعله مصدقا وسره لعلانيته موافقا لأن الله تعالى لم يدل على الباطل الخفي من العقل الا بظاهر منه وناطق عنه .
والعياشي عن الصادق عليه السلام اكثروا من أن تقولوا ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ولا تأمنوا الزيغ .
(9) ربنا إنك جامع الناس ليوم لحساب يوم وجزائه لا ريب فيه في وقوعه إن الله لا يخلف الميعاد الموعد لأن الالهية تنافيه .
(10) إن الذين كفروا لن تغني عنهم أمولهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار .
(11) كدأب آل فرعون كشأنهم وأصل الدأب الكدح (1) والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب تهويل للمؤاخذة وزيادة تخويف للكفرة .
(12) قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد وقرئ بالياء فيهما .
في المجمع نسب إلى رواية أصحابنا أنه لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قريشا ببدر وقدم المدينة جمع اليهود في سوق قينقاع فقال : يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر وأسلموا قبل ان ينزل بكم ما نزل بهم فقد عرفتم اني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم فقالوا يا محمد لا يغرنك انك لقيت قوما اغمارا (2) لا علم لهم بالحرب فاصبت منهم فرصة اما والله لو قاتلتنا لعرفت انا نحن الناس فانزل الله هذه الآية وقد فعل الله ذلك وصدق وعده بقتل بني قريظة واجلاء بني النضير وفتح خيبر ووضع الجزية على من بقي منهم وغلب المشركون وهو من دلائل النبوة . ____________
(1) كدح في العمل كمنع سعى لنفسه خيرا أو شرا والكدح بفتح العمل والسعي في الكسب لآخرة ودنيا .
(2) رجل غمر : لم يجرب الأمور « ص » .
(13) قد كان لكم آية دلالة معجزة على صدق محمد صلى الله عليه وآله وسلم في فئتين التقتا يوم بدر فئة تقاتل في سبيل الله في دينه وطاعته وهم الرسول وأصحابه وفرقة أخرى كافرة وهم مشركوا مكة يرونهم مثليهم يرى المشركون المسلمين مثلي عدد المشركين وكانوا قريب الف أو مثلي عدد المسلمين وكانوا ثلاثماءة وبضع عشر وكان ذلك بعد ما قللهم في أعينهم حتى غلبوا مددا من الله للمؤمنين لو يرى المؤمنون المشركين مثلي المؤمنين وكانوا ثلاثة أمثالهم ليثبتوا لهم بالنصر الذي وعدهم الله به في قوله وان يكن منكم ماءة صابرة يغلبوا ماءتين ويؤيده قراءة التاء كذا قيل وإنما يصح التأييد إذا كان الخطاب للمؤمنين دون المشركين رأي العين رؤية ظاهرة معاينة والله يؤيد بنصره من يشاء كما أيد أهل بدر إن في ذلك في التقليل والتكثير وغلبة القليل على الكثير لعبرة لأولي الأبصار لعظة لذوي البصائر .
(14) زين للناس حب الشهوات أي المشتهيات سماها شهوات مبالغة وإيماء إلى أنهم انهمكوا في محبتها حتى احبوا شهواتها كقوله تعالى حكاية من سليمان اني أحببت حب الخير من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة القنطار ملأ مسك ثور ذهبا كذا في المجمع عنهما ، والمقنطرة مأخوذة منه للتأكيد كقولهم الف مؤلف والخيل المسومة المعلمة أو المرعية والأنعام الابل والبقر والغنم والحرث ذلك متاع الحيات الدنيا والله عنده حسن المئاب المرجع وهو تحريض على استبدال ما عنده من اللذات الحقيقية الأبدية بالشهوات المخدجة (1) الفانية .
(15) قل أؤنبئكم بخير من ذلكم يريد به تقرير ان ثواب الله خير من مستلذات الدنيا للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة مما يستقذر من النساء ورضوان من الله والله بصير بالعباد بأعمالهم فيثيب المحسن ويعاقب المسيء على قدر استحقاقهم .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام ما تلذذ الناس في الدنيا والآخرة بلذة أكبر لهم من لذة النساء وهو قول الله تعالى زين للناس حب ____________
(1) أخدجت : قلّ مطرها ، والناقة بولد ناقص وإن كانت تامة فهي محدج « ق » .
( 322 )
الشهوات من النساء والبنين إلى آخر الآية ، ثم قال وان اهل الجنة ما يتلذذون بشيء من الجنة أشهى عندهم من النكاح لا طعام ولا شراب قيل قد نبه بهذه الآية على مراتب نعمه فأدناها متاع الدنيا واعلاها رضوان الله لقوله ورضوان من الله أكبر وأوسطهما الجنة ونعيمها .
(16) الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار .
(17) الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار المصلين في وقت السحر كذا في المجمع عن الصادق عليه السلام قال من استغفر سبعين مرة في وقت السحر فهو من أهل هذه الآية .
وفي الفقيه والخصال عنه عليه السلام من قال في وتره إذا أوتر استغفر الله واتوب إليه سبعين مرة وهو قائم فواظب على ذلك حتى تمضي له سنة كتبه الله عنده من المستغفرين بالأسحار ووجبت له المغفرة من الله تعالى ، قيل تخصيص الأسحار لأن الدعاء فيها أقرب إلى الاجابة لأن العبادة حينئذ اشق والنفس أصفى والروع أجمع سيما للمتهجدين .
(18) شهد الله أنه لا إله إلا هو بين وحدانيته لقوم بظهوره في كل شيء وتعرفه ذاته في كل نور وفيء ولقوم بنصب الدلائل الدالة عليها ولقوم بانزال الآيات الناطقة بها والملائكة بالاقرار ذاتا لقوم وفعلا لقوم وقولا لقوم وأولوا العلم بالايمان والعيان والبيان شبه الظهور والاظهار في الانكشاف والكشف بشهادة الشاهد قائما بالقسط مقيما للعدل .
العياشي عن الباقر عليه السلام ان أولي العلم الأنبياء والأوصياء وهم قيام بالقسط والقسط هو العدل لا إله إلا هو تأكيد وتمهيد لقوله العزيز الحكيم .
(19) إن الدين عند الله الإسلام لا دين مرضي عند الله سوى دين الاسلام وهو التوحيد والتدرع بالشرع الذي جاء به محمد .
في الكافي عن الصادق عليه السلام ان الاسلام قبل الايمان وعليه يتوارثون ويتناكحون والايمان عليه يثابون .
وما اختلف الذين أوتوا الكتاب في الاسلام الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم
( 323 )
حسدا وطلبا للرئاسة لا لشبهة فيه ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب وعيد لمن كفر منهم .
(20) فإن حاجوك في الدين وجادلوك فيه بعدما أقمت لهم الحجج فقل أسلمت وجهي لله أخلصت نفسي وجملتي له لا أشرك فيها غيره ، قيل عبر عن النفس بالوجه لأنه أشرف الأعضاء الظاهرة ومظهر القوى والحواس ومن اتبعن واسلم من اتبعني وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين الذين لا كتاب لهم كمشركي العرب أسلمتم كما أسلمت لما أوضحت لكم الحجة ام انتم بعد على كفركم ونظيره قوله فهل انتم منتهون فإن أسلموا فقد اهتدوا فقد نفعوا أنفسهم بأن أخرجوها من الضلال وإن تولوا فإنما عليك البلاغ فلم يضروك إذ ما عليك الا أن تبلغ وقد بلغت والله بصير بالعباد وعد ووعيد .
(21) إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم قيل هم أهل الكتاب الذين في عصره صلى الله عليه وآله قتل أوائلهم الأنبياء ومتابعيهم من عباد بني اسرائيل ، وهم رضوا به وقصدوا قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين ولكن الله عصمهم وقد سبق مثله في سورة البقرة وقرئ يقاتلون الذين .
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه سئل أي الناس اشد عذابا يوم القيامة قال رجل قتل نبيا أو رجلا أمر بمعروف أو نهى عن منكر ثم قرأ ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس ثم قال قتلت بنوا اسرائيل ثلاثة واربعين نبيا من أول النهار في ساعة واحدة فقام ماءة رجل واثنا عشر رجلا من عباد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا من آخر النهار في ذلك اليوم وهو الذي ذكره الله تعالى .
(22) أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة إذ لم ينالوا بها المدح والثناء ولم تحقن دماؤهم وأموالهم ولم يستحقوا بها الأجر والثواب وما لهم من ناصرين يدفعون عنهم العذاب .
(23) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب قيل يريد به احبار اليهود اعطوا حظا
( 324 )
وافرا من التوراة أو من جنس الكتب المنزلة يدعون إلى كتاب الله وهو التوراة ليحكم بينهم قيل يعني في نبوة نبينا وقيل ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل مدارسهم فدعاهم فقال له بعضهم على أي دين انت قال ملة إبراهيم عليه السلام فقالوا ان ابراهيم كان يهوديا فقال ان بيننا وبينكم التوراة فأبوا وقيل نزلت في الرجم وقد اختلفوا فيه وله قصة يأتي ذكرها عند تفسير قوله سبحانه يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب من سورة المائدة ثم يتولى فريق منهم استبعاد لتوليهم مع علمهم بأن الرجوع إلى كتاب الله واجب وهم معرضون عن اتباع الحق .
(24) ذلك التولي والاعراض بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات بسبب تسهيلهم العقاب على أنفسهم وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون من أن النار لن تمسهم الا أياما قلائل أو ان آباءهم الأنبياء يشفعون لهم أو انه تعالى وعد يعقوب ان لا يعذب أولاده الا تحلة القسم يعني قوله عز وجل لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وما اشير إليه بقوله ( سبحانه وان منكم الا واردها ) .
(25) فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه استعظام لما يحيق بهم في الآخرة وتكذيب لقولهم لن تمسنا النار الا أياما روي ان أول راية ترفع يوم القيامة من رايات الكفر راية اليهود فيفضحهم الله على رؤوس الأشهاد ثم يأمرهم إلى النار ووفيت كل نفس ما كسبت جزاء ما كسبت وهم لا يظلمون .
(26) قل اللهم الميم فيه عوض من ياء ولذلك لا يجتمعان مالك الملك اي يملك جنس الملك يتصرف فيه تصرف الملاك فيما يملكونه تؤتي الملك تعطي ما تشاء من الملك من تشاء وتنزع الملك تسترد ما تشاء منه ممن تشاء فالملك الأول عام والآخران خاصان بعضان من الكل وتعز من تشاء في الدنيا والدين وتذل من تشاء بيدك الخير تؤتيه أولياءك على رغم من أعدائك إنك على كل شيء قدير .
(27) تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل أن تنقص من الليل وتجعل ذلك النقصان زيادة في النهار وتنقص من النهار وتجعل ذلك النقصان زيادة في الليل وتخرج الحي من الميت المؤمن من الكافر وتخرج الميت من الحي الكافر من المؤمن كذا في
( 325 )
المجمع عن الباقر والصادق عليهما السلام .
وفي المعاني : عن الصادق عليه السلام ان المؤمن إذا مات لم يكن ميتا وان الميت هو الكافر ثم فسر الآية بما ذكر . وترزق من تشاء بغير حساب بلا تقتير ولا مخافة نقصان .
(28) لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء نهوا عن موالاتهم لقرابة أو صداقة جاهلية أو نحوهما حتى لا يكون حبهم وبغضهم الا في الله وقد كرر ذلك في القرآن لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر الآية والحب في الله والبغض في الله اصل كبير من اصول الايمان من دون المؤمنين المعنى أن لهم في موالاة المؤمنين مندوحة عن موالاة الكافرين فلايؤثروهم عليهم ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء أي ليس من ولاية الله في شيء يعني أنه منسلخ عن ولاية الله رأسا وهذا امر معقول لأن مصادقة الصديق ومصادقة عدوه منافيان كما قيل :
تود عدوي ثم تزعم أنني * صديقك ان الرأي منك لعازب
إلا أن تتقوا منهم تقاة الا أن تخافوا من جهتهم خوفا أو أمراً يجب أن يخاف منه وقرئ تقية منع من موالاتهم ظاهراً وباطنا في الأوقات كلها الا وقت المخافة فان اظهار الموالاة حينئذ جائز بالمخالفة كما قيل كن وسطا وامش جانبا .
في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث وامرك أن تستعمل التقية في دينك فان الله يقول لا يتخذ المؤمنون الآية قال وإياك ثم إياك أن تتعرض للهلاك وأن تترك التقية التي امرتك بها فانك شائط بدمك ودماء اخوانك معرض لزوال نعمك ونعمهم مذلهم في أيدي اعداء دين الله وقد أمرك الله تعالى باعزازهم .
والعياشي عن الصادق عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا إيمان لمن لا تقية له ويقول قال الله الا أن تتقوا منهم تقاة .
وفي الكافي عنه عليه السلام قال التقية ترس الله بينه وبين خلقه .
وعن الباقر عليه السلام قال التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم وقد أحل الله له . والأخبار في ذلك مما لا تحصى .
( 326 )
ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير فلا تتعرضوا لسخطه بمخالفة أحكامه وموالاة أعدائه وهذا تهديد عظيم ووعيد شديد .
(29) قل إن تخفوا ما في صدوركم من ولاية الكفار وغيرها أو تبدوه يعلمه الله لم يخف عليه ويعلم ما في السماوات وما في الأرض فيعلم سركم وعلنكم والله على كل شيء قدير فيقدر على عقوبتكم ان لم تنتهوا عما نهيتم عنه ، قيل الآية بيان لقوله تعالى ( ويحذركم الله نفسه ) فكأنه قال ويحذركم نفسه لأنها متصفة بعلم ذاتي يحيط بالمعلومات كلها وقدرة ذاتية تعم المقدورات بأسرها فلا تجسروا على عصيانه إذ ما من معصية الا وهو مطلع عليها قادر على العقاب بها .
(30) يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا .
يوم ظرف لتود اي تتمنى كل نفس يوم تجد صحائف أعمالها أو جزاء أعمالها من الخير والشر حاضرة لو أن بينها وبين ذلك اليوم وهو له امدا بعيدا أو المضمر نحو اذكر وتوّد حال من الضمير في عملت من سوء أو خبر لما عملت من سوء وتجد مقصورة على ما عملت من خير ويحذركم الله نفسه كرر للتأكيد والتذكير والله رؤوف بالعباد اشارة إلى أنه تعالى انما نهاهم وحذرهم رأفة بهم ومراعاة لصلاحهم وانه لذو مغفرة وذو عقاب يرجى رحمته ويخشى عذابه .
(31) قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام هل الدين الا الحب ثم تلا هذه الآية .
أقول : المحبة من العبد ميل النفس إلى الشيء لكمال أدركته فيه بحيث يحملها على ما يقرّبها إليه ومن الله رضاه على العبد وكشف الحجاب عن قلبه والعبد إذا علم ان الكمال الحقيقي ليس الا لله وان كل ما يراه كمالا من نفسه أو غيره فهو من الله وبالله وإلى الله لم يكن حبه الا لله وفي الله وذلك يقتضي إرادة طاعته والرغبة فيما يقر به إليه فعلامة المحبة
( 327 )
ارادة الطاعة والعبادة والاجتهاد البليغ في اتباع من كان وسيلة له إلى معرفة الله تعالى ومحبته ممن كان عارفا بالله محبا إياه محبوبا له فان من هذه صفاته إنما نال هذه الصفات بالطاعة على الوجه المخصوص وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن يحذو حذوه فمن أحب الله لا بد له من اتباع الرسول في عبادته وسيرته وأخلاقه وأحواله حتى يحبه الله فان بذلك يحصل التقرب إلى الله وبالتقرب يحصل محبة الله تعالى إياه كما قال تعالى وإن العبد ليتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه وايضا لما كان الرسول حبيب الله فكل من يدعي محبة الله لزمه محبة الرسول لأن محبوب المحبوب محبوب ومحبة الرسول إنما تكون بمتابعته وسلوك سبيله قولا وعملا وخلقا وحالا وسيرة وعقيدة ولا يتمشى دعوى محبة الله الا بهذا فانه قطب المحبة ومظهرها فمن لم يكن له من متابعته نصيب لم يكن له من المحبة نصيب ومن تابعه حق المتابعة ناسب باطنه وسره وقلبه ونفسه باطن الرسول وسره وقلبه ونفسه وهو مظهر محبة الله فلزم بهذه المناسبة أن يكون لهذا التابع قسط من محبة الله بقدر نصيبه من المتابعة فيلقي الله محبته عليه ويسري من باطن الرسول نور تلك المحبة إليه فيكون محبوبا لله محبا له ومن لم يتابعه يخالف باطنه باطن الرسول فبعد عن وصف المحبوبية وزوال المحبة عن قلبه أسرع ما يكون إذ لو لم يحبه الله لم يكن محبا له وفي حكم الرسول من أمر الله والرسول بحبه واتباعه وهم الأئمة والأوصياء عليهم السلام .
في الكافي عن الصادق عليه السلام في حديث من سره أن يعلم أن الله يحبه فليعمل بطاعته وليتبعنا ألم تسمع قول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم : ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) والله لا يطيع الله عبد ابدا الا ادخل الله عليه في طاعته اتباعنا ولا والله يتبعنا عبد ابدا الا أحبه الله ولا والله لا يدع احد اتباعنا ابدا الا أبغضنا ولا والله لا يبغضنا احد أبدا الا عصى الله ومن مات عاصيا لله أخزاه الله واكبه على وجهه في النار .
ويغفر لكم ذنوبكم بالتجاوز عما فرط منكم والله غفور رحيم لمن تحبب إليه بطاعته واتباع من أمر الله ونبيه باتباعه ، وروي انها نزلت لما قالت اليهود نحن ابناء الله واحباؤه وقيل نزلت في وفد نجران لما قالوا انما نعبد المسيح حبا لله وقيل في أقوام زعموا على عهده صلى الله عليه وآله وسلم انهم يحبون الله
( 328 )
فأمروا أن يجعلوا لقولهم تصديقا من العمل .
(32) قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا يحتمل المضي والمضارعة بمعنى فان تتولوا فإن الله لا يحب الكافرين لا يرضى عنهم ولا يثني عليهم قيل إنما لم يقل ولا يحبهم لقصد العموم والدلالة على أن التولي كفر وانه بهذه الحيثية ينفي محبة الله تعالى وان محبته مخصوصة بالمؤمنين .
(33) إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين بالرسالة والخصائص الروحانية والفضائل الجسمانية ولذلك قووا على ما لم يقو عليه غيرهم لما أوجب طاعة الرسل وبين انها الجالبة لمحبة الله ، عقب ذلك ببيان مناقبهم تحريضا عليها وبه استدل على فضلهم على الملائكة وآل إبراهيم اسماعيل واسحاق وأولادهما وآل عمران : موسى وهارون ابنا عمران بن يصهر ابن فاهث ابن لاوي بن يعقوب وعيسى وامه مريم عليها السلام بنت عمران بن ماثان وماثان ينتهي بسبعة وعشرين ابا إلى يهود بن يعقوب وبين العمرانين ألف وثمانماءة سنة كذا قيل .
أقول : وقد دخل في آل إبراهيم نبينا واهل بيته عليهم السلام .
العياشي عن الباقر عليه السلام انه تلا هذه الآية فقال نحن منهم ونحن بقية تلك العترة .
وفي المجالس عن الصادق عليه السلام قال قال محمد بن اشعث بن قيس الكندي لعنة الله عليه : للحسين عليه السلام يا حسين بن فاطمة صلوات الله عليهما اية حرمة لك من رسول الله صلى الله عليه وآله ليست لغيرك فتلا الحسين عليه السلام هذه الآية ( ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض ) الآية ثم قال والله إن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم لمن آل ابراهيم وان العترة الهادية لمن آل محمد صلوات الله عليهم .
وفي العيون : في حديث الفرق بين العترة والأمة فقال المأمون هل فضّل
( 329 )
الله العترة على سائر الناس فقال أبو الحسن عليه السلام ان الله تعالى ابان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه فقال له المأمون أين ذلك من كتاب الله فقال له الرضا عليه السلام في قوله تعالى ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين .
والقمي قال العالم عليه السلام نزل وآل ابراهيم وآل عمران وآل محمد صلوات الله عليهم على العالمين فاسقطوا آل محمد عليهم السلام من الكتاب .
والعياشي عن الصادق عليه السلام قال وآل محمد كانت فمحوها .
وفي المجمع وفي قراءة اهل البيت وآل محمد صلوات الله عليهم على العالمين وقالوا ايضا ان آل ابراهيم عليهم السلام هم آل محمد صلوات الله عليهم الذين هم أهله ويجب أن يكون الذين اصطفاهم الله تعالى مطهرين معصومين منزهين عن القبائح لأنه سبحانه لا يختار ولا يصطفي الا من كان كذلك انتهى كلامه .
أقول : وعلى هذه القراءة يكون من قبيل عطف الخاص على العام كعطف آل عمران بكلا معنييه على آل ابراهيم عليهم السلام .
وفي المعاني عن الصادق عليه السلام انه سئل عن معنى آل محمد عليهم السلام فقال آل محمد صلوات الله عليهم من حرم الله عز وجل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم نكاحه .
وعنه عليه السلام ان آل محمد صلوات الله عليهم ذريته وأهل بيته الأئمة الأوصياء وعترته أصحاب العباء وامته المؤمنون الذين صدقوا بما جاء به من عند الله المتمسكون بالثقلين الذين امروا بالتمسك بهما كتاب الله وعترته أهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وهم الخليفتان على الأمة بعده .
(34) ذرية بعضها من بعض الذرية يقع على الواحد والجمع يعني انهم ذرية واحدة متسلسلة بعضها متشعبة من بعض .
( 330 )
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام في بيانه ان الذين اصطفاهم الله بعضهم من نسل بعض .
والعياشي عنه عليه السلام انه قيل له ما الحجة في كتاب الله ان آل محمد هم أهل بيته صلوات الله عليهم ؟ قال قول الله عز وجل ( ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران وآل محمد هكذا نزلت على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ) قال ولا يكون الذرية من القوم الا نسلهم من اصلابهم .
والله سميع بأقوال الناس عليم بأعمالهم فيصطفي من كان مستقيم القول والعمل .
(35) إذ قالت اذكر إذ قالت أو سميع بقول امرأة عمران عليم بنيتها إذ قالت امرأت عمران هي امرأة عمران بن ماثان ام مريم البتول جدة عيسى بنت قافوذا والمشهور ان اسمها حنة كما يأتي عن الصادق عليه السلام .
وفي الكافي عن الكاظم عليه السلام انه قال لنصراني اما ام مريم فاسمها مرثار وهي وهيبة بالعربية .
رب إني نذرت لك ما في بطني محررا معتقا لخدمة بيت المقدس لا أشغله بشيء فتقبل مني ما نذرته إنك أنت السميع لقولي العليم بنيتي .
(36) فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت اعتراض وهو قول الله وليس الذكر كالأنثى من تتمة كلام امرأة عمران ، وقرئ بما وضعت على انه من كلامها تسلية لنفسها أي ولعل لله فيه سرا أو الانثى كان خيرا .
ورواها في المجمع عن علي عليه السلام في الكافي والقمي عن الصادق عليه السلام قال ان الله أوحى إلى عمران اني واهب لك ذكرا سويا مباركا يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى باذن الله وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل فحدث
( 331 )
عمران امرأته حنة بذلك وهي ام مريم فلما حملت بها كان حملها عند نفسها غلاما فلما وضعتها قالت رب اني وضعتها انثى وليس الذكر كالأنثى لا تكون البنت رسولا يقول الله تعالى : ( والله اعلم بما وضعت ) فلما وهب الله لمريم عيسى عليه السلام كان هو الذي بشر به عمران ووعده إياه فإذا قلنا في الرجل منا شيئا وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك .
والعياشي عن الباقر عليه السلام ما يقرب منه .
وعن الصادق صلوات الله عليه ان المحرر يكون في الكنيسة لا يخرج منها فلما وضعتها قالت رب اني وضعتها انثى وليس الذكر كالأنثى ان الانثى تحيض فتخرج من المسجد والمحرر لا يخرج من المسجد ، وعن أحدهما عليهما السلام نذرت ما في بطنها للكنيسة ان يخدم العباد وليس الذكر كالانثى في الخدمة قال نشبت (1) وكانت تخدمهم وتناوئهم حتى بلغت فأمر زكريا ان يتخذ لها حجابا دون العباد .
وإني سميتها مريم انه قلت ذلك تقربا إلى الله وطلبا لأن يعصمها ويصلحها حتى يكون فعلها مطابقا لاسمها فان مريم في لغتهم بمعنى العابدة وإني أعيذها بك وذريتها أجيرها بحفظك من الشيطان الرجيم المطرود واصل الرجم الرمي بالحجارة .
في المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما من مولود يولد الا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مسه الا مريم وابنها ، قيل معناه ان الشيطان يطمع في اغواء كل مولود بحيث يتأثر من طمعه فيه الا مريم وابنها فان الله عصمهما ببركة هذه الاستعاذة .
(37) فتقبلها ربها فرضي بها في النذر مكان الذكر بقبول حسن بوجه حسن يقبل به النذائر وهو اقامتها مقام الذكر وتسلمها عقيب ولادتها قبل أن تكبر وتصلح ____________
(1) نشب في الشيء إذا وقع فيما لا مخلص له ونشب الشيء في الشيء من باب تعب نشوبا علق به فهو ناشب « مجمع » .
( 332 )
للسدانة ، روي ان حنة لما ولدتها لفتها في خرقة وحملتها إلى المسجد ووضعت عند الأحبار وقالت دونكم هذه النذرة فتنافسوا فيها لأنها كانت بنت امامهم وصاحب قربانهم فان بني ماثان كانت رؤوس بني إسرائيل وملوكهم فقال زكريا انا أحق بها عندي خالتها فأبوا الا القرعة وكانوا سبعة وعشرين فانطلقوا إلى نهر فألقوا فيه أقلامهم فطفا قلم زكريا ورسبت اقلامهم فتكفلها .
أقول : وفي رواية أصحابنا أن زوجة زكريا كانت أختها لا خالتها .
رواه القمي والعياشي عن الباقر عليه السلام ويأتي من تفسير الامام ايضا ما يدل عليه .
وأنبتها نباتا حسنا مجاز عن تربيتها بما يصلحها في جميع احوالها وكفلها وقرئ بالتشديد اي الله زكريا وقرئ بالقصر حيث وقع كلما دخل عليها زكريا المحراب أي الغرفة التي بنيت لها أو المسجد أو اشرف مواضعه ومقدّمها سمي به لأنه محلّ محاربة الشيطان كأنها وضعت في اشرف موضع من بيت المقدس وجد عندها رزقا جواب كلما روي انه كان لا يدخل عليها غيره وإذا خرج اغلق عليها سبعة ابواب وكان يجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وبالعكس .
أقول : ويأتي مثله في رواية أصحابنا قال يا مريم أنى لك هذا من أين لك هذا الرزق الآتي في غير أوانه والأبواب مغلقة عليك قالت هو من عند الله فلا تستبعد إن الله يرزق من يشاء بغير حساب العياشي عن الباقر عليه السلام قال ان فاطمة ضمنت لعلي عليه السلام عمل البيت والعجن والخبز وقمّ البيت وضمن لها علي عليه الصلاة والسلام ما كان خلف الباب من نقل الحطب وأن يجيء بالطعام فقال لها يوما يا فاطمة هل عندك شيء قالت لا والذي عظّم حقّك ما كان عندنا منذ ثلاثة أيام شيء نقريك به قال أفلا أخبرتني قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاني ان اسألك شيئا فقال لا تسألي ابن عمّك شيئا ان جاءك بشيء عفو والا فلا تسأليه قال فخرج علي عليه السلام فلقي رجلا فاستقرض منه دينارا ثم أقبل به وقد أمسى فلقي مقداد بن الأسود فقال للمقداد ما
( 333 )
أخرجك في هذه الساعة قال الجوع والذي عظّم حقّك يا امير المؤمنين قال فهو أخرجني وقد استقرضت دينارا وسأوثرك به فدفعه إليه فأقبل فوجد رسول الله جالسا وفاطمة تصلي وبينهما شيء مغطى فلما فرغت اختبرت ذلك فإذا جفنة من خبز ولحم قال يا فاطمة انّى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الا أحدثك بمثلك ومثلها قال بلى قال : مثل زكريا إذ دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا قال يا مريم انّى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب فأكلوا منها شهرا وهي الجفنة التي يأكل منها القائم وهي عندنا .
وفي الكافي أورد هذا الخبر بنحو آخر من طريق العامة بنحو ثالث اوردها الزمخشري والبيضاوي وغيرهما في تفاسيرهم .
(38) هنالك في ذلك المكان أو الوقت دعا زكريا ربه لما رأى كرامة مريم ومنزلتها من الله . العياشي عن الباقر عليه السلام انها كانت أجمل النساء وكانت تصلي فيضيء المحراب لنورها فدخل عليها زكريا فإذا عندها فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء فقال انّى لك هذا قالت هو من عند الله هنالك دعا زكريا ربه .
وفي تفسير الامام في سورة البقرة ان زكريا عليه السلام قال في نفسه ان الذي يقدر ان يأتي مريم بفاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء لقادر ان يهب لي ولدا وإن كنت شيخا وكانت امرأتي عاقرا فهنالك دعا زكريا ربه .
قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة ولدا مباركا كما وهبتها لحنة قيل كانت عنده ايشاع بنت عمران بن ماثان اخت حنة فرغب أن يكون له ولد منها مثل ولد اختها حنة في الكرامة على الله إنك سميع الدعاء .
(39) فنادته وقرئ فناداه بالتذكير الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله وقرئ بكسر الهمزة يبشرك وقرئ بفتح الياء وضم الشين وكذا فيما يأتي
( 334 )
بيحيى مصدقا بكلمة من الله يعني بعيسى كما يأتي عن قريب وسيدا يسود قومهم ويفوقهم وكان فائقا للناس كلهم في أنه ما هم بمعصية .
وفي تفسير الامام عليه السلام يعني رئيسا في طاعة الله على اهل طاعته .
وحصورا مبالغا في حصر النفس عن الشهوات والملاهي ، روي انه مر في صباه بصبيان فدعوه إلى اللعب فقال ما للعب خلقت .
وعن الصادق عليه السلام هو الذي لا يأتي النساء ويأتي ذكر الروايتين في سورة مريم انشاء الله
ونبيا من الصالحين كائنا من عدادهم أو ناشئا منهم .
في تفسير الامام عند قوله واستشهدوا شهيدين من رجالكم ما الحق الله صبيانا برجال كاملي العقول الا هؤلاء الأربعة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام ثم ذكر قصتهم ثم قال وكان اول تصديق يحيى بعيسى ان زكريا كان لا يصعد إلى مريم في تلك الصومعة غيره يصعد إليها بسلم فإذا نزل اقفل عليها ثم فتح لها من فوق الباب كوة صغيرة يدخل عليها منها الريح فلما وجد مريم وقد حبلت ساءه ذلك وقال في نفسه ما كان يصعد إلى هذه أحد غيري وقد حبلت والآن أفتضح في بني اسرائيل لا يشكون اني احبلتها فجاء إلى امرأته وقال لها ذلك فقالت يا زكريا لا تخف فان الله لن يصنع بك الا خيرا فأتني بمريم انظر إليها واسألها عن حالها فجاء بها زكريا إلى امرأته فكفى الله مريم مؤنة الجواب عن السؤال ولما دخلت إلى أختها وهي الكبرى ومريم الصغرى لم تقم إليها امرأة زكريا فاذن الله تعالى ليحيى وهو في بطن امه فنخس بيده في بطنها وازعجها وناداها يا امّة تدخل اليك سيدة نساء العالمين مشتملة على سيدة رجال العالمين فلا تقومين لها فانزعجت وقامت إليها وسجد يحيى وهو في بطن امه لعيسى بن مريم فذلك كان اول تصديقه له فذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحسن والحسين عليهما السلام انهما سيدا شباب أهل الجنة الا ما كان من ابني الخالة عيسى ويحيى .
(40) قال رب أنى يكون لي غلام استبعاد عادي واستفهام وقد بلغني الكبر اثر في السن واضعفني وامرأتي عاقر لا تلد من العقر بمعنى القطع قال كذلك مثل خلق الولد من الشيخ الفاني والعجوز العاقر الله يفعل ما يشاء من العجائب الخارقة للعادة .
(41) قال رب اجعل لي آية علامة اعرف بها الحمل لاستقبله بالشكر قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام ان لا تقدر على تكليم الناس ثلاثا قيل وإنما حبس لسانه عن مكالمتهم خاصة ليخلص المدة لذكر الله وشكره قضاء لحق النعمة وكأنه قال آيتك أن تحبس لسانك الا عن الشكر .
العياشي عن الصادق عليه السلام قال ان زكريا لما دعا ربه ان يهب له ولدا فنادته الملائكة بما نادته به احب أن يعلم ان ذلك الصوت من الله فأوحى إليه ان آية ذلك ان يمسك لسانه عن الكلام ثلاثة ايام فلما امسك لسانه ولم يتكلم علم انه لا يقدر على ذلك الا الله وذلك قول الله رب اجعل لي آية .
إلا رمزا اشارة ، العياشي عن احدهما عليهما السلام فكان يؤمي برأسه واذكر ربك كثيرا قيل يعني في أيام العجز عن تكلم الناس وهو مؤكد لما قبله مبين للغرض منه وسبح بالعشي من الزوال أو العصر إلى الغروب والإبكار من طلوع الفجر إلى الضحى .
(42) وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين كلموها شفاها لأنها كانت محدثة تحدثهم ويحدثونها قيل الاصطفاء الأول تقبلها من امها ولم تقبل قبلها انثى وتفريغها للعبادة واغناؤها برزق الجنة عن الكسب وتطهيرها عما يستقذر من النساء والثاني هدايتها وارسال الملائكة إليها وتخصيصها بالكرامات السنية كالولد من غير أب وتبرأتها عما قذفته اليهود بانطاق الطفل وجعلها وابنها آية للعالمين .
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام معنى الآية اصطفاك من ذرية الأنبياء وطهرك من السفاح واصطفاك لولادة عيسى من غير فحل .
( 336 )
(43) يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين في جماعتهم أو كوني في عدادهم امرت بالصلاة بذكر أركانها .
القمي إنما هو اركعي واسجدي وعده مما وقع فيه التقديم والتأخير من القرآن .
وفي العلل عن الصادق عليه السلام قال سميت فاطمة محدثة لأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران فتقول يا فاطمة ان الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين يا فاطمة اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين فتحدثهم ويحدثونها فقالت لهم ذات ليلة أليست المفضلة على نساء العالمين مريم بنت عمران فقالوا ان مريم كانت سيدة نساء عالمها وان الله عز جلاله جعلك سيدة نساء عالمك وعالمها وسيدة نساء الأولين والآخرين .
(44) ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم العياشي عن الباقر عليه السلام يقرعون بها حين ايتمت من ابيها وما كنت لديهم إذ يختصمون تنافسا في كفالتها .
(45) إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح قيل أصله بالعبرية مشيحا ومعناه المبارك عيسى بن مريم قيل هو معرب ايشوع وجيها القمي ذو وجه وجاه في الدنيا بالنبوة والرسالة وفي الآخرة بالشفاعة وعلو الرتبة ومن المقربين من الله برفعه إلى السماء وصحبة الملائكة وعلو درجته في الجنة .
(46) ويكلم الناس كلام الانبياء في المهد حال كونه طفلا وكهلا من غير تفاوت قيل فيه دليل على نزوله لأنه رفع قبل أن يكتهل ومن الصالحين قيل ذكر أحواله المختلفة المتنافية ارشاد إلى أنه بمعزل عن الألوهية .
(47) قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله
( 337 )
يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون .
كما يقدر ان يخلق الأشياء مدرجا بأسباب ومواد يقدر أن يخلقها دفعة من غير ذلك .
(48) ويعلمه الكتاب وقرئ بالنون الكتبة أو جنس الكتب المنزلة والحكمة والتوراة والإنجيل خص الكتابان لفضلهما .
(49) ورسولا ويرسله رسولا إلى بني إسرائيل ، في الاكمال عن الباقر عليه السلام انه ارسل إلى بني اسرائيل خاصة وكانت نبوته ببيت المقدس أني قد جئتكم بآية من ربكم حجة شاهدة على صحة نبوتي أني أخلق لكم اقدر واصور شيئا وقرئ إني بالكسر من الطين كهيئة الطير مثل صورته فأنفخ فيه فيكون طيرا حياً طيارا بإذن الله بأمره نبه على أن إحياءه من الله لا منه ، وقرئ طائرا وأبرئ الأكمه الأعمى والأبرص وأحي الموتى بإذن الله كرر باذن الله دفعا لوهم الألوهية فان الأحياء ليس من جنس الأفعال البشرية وأنبئكم بما تأكلون ما تدخرون في بيوتكم بالمغيبات من أحوالكم التي لا تشكون فيها إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين مصدقين غير معاندين .
القمي عن الباقر عليه السلام ان عيسى عليه السلام كان يقول لبني اسرائيل اني رسول الله اليكم واني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيرا باذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص والأكمه هو الأعمى قالوا ما نرى الذي تصنع الا سحرا فأرنا آية نعلم انك صادق قال أرأيتكم ان اخبرتكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم قبل أن تخرجوا وما ادخرتم بالليل تعلمون اني صادق قالوا نعم وكان يقول انت اكلت كذا وكذا وشربت كذا وكذا ورفعت كذا وكذا فمنهم من يقبل منه فيؤمن ومنهم من يكفر وكان لهم في ذلك آية ان كانوا مؤمنين .
والعياشي مقطوعا قال فمكث عيسى حتى بلغ سبع سنين أو ثمان سنين فجعل يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم فأقام بين أظهرهم يحيي
( 338 )
الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ويعلمهم التوراة وانزل الله عليه الانجيل لما أراد الله عليهم حجة ومرفوعا قال ان اصحاب عيسى سألوه أن يحيي لهم ميتا فأتى بهم إلى قبر سام بن نوح فقال له قم باذن الله يا سام بن نوح قال فانشق القبر ثم اعاد الكلام فتحرك ثم اعاد الكلام فخرج سام بن نوح فقال له عيسى ايهما احب اليك تبقى أو تعود قال فقال يا روح الله بل أعود اني لأجد حرقة الموت أو قال لذعة الموت في جوفي إلى يومي هذا .
وفي الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام انه سئل هل كان عيسى بن مريم احيى احدا بعد موته حتى كان له أكل ورزق ومدة وولد فقال نعم انه كان له صديق مواخ له في الله تعالى وكان عيسى عليه السلام يمر به وينزل عليه وان عيسى غاب عنه حينا ثم مر به ليسلم عليه فخرجت إليه امه فسألها عنه فقالت مات يا رسول الله قال افتحبين ان تريه قالت نعم فقال لها فإذا كان غدا فآتيك حتى أحييه لك بإذن الله تعالى فلما كان من الغد أتاها فقال لها انطلقي معي إلى قبره فانطلقا حتى اتيا قبره فوقف عيسى ثم دعا الله تعالى فانفرج القبر وخرج ابنها حيا فلما رأته امه وراءها بكيا فرحمهما عيسى فقال اتحب ان تبقى مع امك في الدنيا فقال يا نبي الله بأكل ورزق ومدة ام بغير اكل ولا رزق ولا مدة فقال له عيسى بأكل ورزق ومدة تعمر عشرين سنة وتزوج ويولد لك قال نعم إذا فدفعه عيسى إلى امه فعاش عشرين سنة وولد له .
أقول : وقد صدر عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم امثال ما صدر عن عيسى وأكثر منها واعجب كما رواه في الاحتجاج عن الحسين بن علي عليهما السلام .
وفي التوحيد عن الرضا عليه السلام في حديث له طويل لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألوه أن يحيي لهم موتاهم فوجه معهم علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له اذهب إلى الجبانة فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك يا فلان ويا فلان ويا فلان
( 339 )
يقول لكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم قوموا بإذن الله تعالى فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم واقبلت قريش تسألهم عن أمورهم ثم أخبروهم ان محمدا صلى الله عليه وآله وسلم قد بعث نبيا وقالوا وددنا ان كنا ادركناه فنؤمن به قال عليه السلام ولقد ابرأ الأكمه والأبرص والمجانين وكلمه البهائم والطير والجن والشياطين .
(50) ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم في شريعة موسى عليه السلام كالشحوم والثروب (1) والسمك ولحوم الابل والعمل بالسبت كذا قيل .
والعياشي عن الصادق عليه السلام قال كان بين داود وعيسى بن مريم عليهم السلام اربعماءة سنة وكانت شريعة عيسى عليه السلام انه بعث بالتوحيد والأخلاص وبما أوصى به نوح وابراهيم وموسى عليهم السلام وانزل عليه الانجيل وأخذ عليه الميثاق الذي أخذ على النبيين وشرع له في الكتاب اقام الصلاة مع الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحريم الحرام وتحليل الحلال وانزل عليه في الانجيل مواعظ وامثال وليس فيها قصاص ولا أحكام حدود ولا فرض مواريث وانزل عليه تخفيف ما كان على موسى عليه السلام في التوراة وهو قول الله عز وجل في الذي قال عيسى بن مريم لبني اسرائيل ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ، وامر عيسى عليه السلام من معه ممن اتبعه من المؤمنين أن يؤمنوا بشريعة التوراة والانجيل .
أقول : نسخ بعض احكام التوراة لا ينافي تصديقه كما لا يعود نسخ القرآن بعضه ببعض عليه بتناقض وذلك لأن النسخ في الحقيقة بيان لانتهاء مدة الحكم وتخصيص في الأزمان .
وجئتكم بآية من ربكم لعله كرر هذا القول لأن الأول كان تمهيدا للحجة والثاني تقريبا للحكم ولهذا رتب عليه ما بعده بالفاء . وقيل بل المراد قد جئتكم ____________
(1) الثرب شحم رقيق يغشى الكرش والامعاء « منه » .
( 340 )
بحجة أخرى شاهدة على صحة نبوتي وهي قوله ان الله ربي وربكم فانه دعوة الحق المجمع عليها بين الرسل الفارق بين النبي والساحر وما بينهما اعتراض فاتقوا الله وأطيعون فاتقوا الله في المخالفة واطيعوني فيما ادعوكم إليه .
(51) إن الله ربي وربكم اشارة إلى استكمال العلم بالاعتقاد الحق الذي غايته التوحيد فاعبدوه اشارة الى استكمال العمل بملازمة الطاعة التي هي الاتيان بالأوامر والانتهاء عن النواهي هذا صراط مستقيم إشارة إلى أن الجمع بين الأمرين هو الطريق المشهود له بالاستقامة.
(52) فلما أحس عيسى منهم الكفر لما سمع ورأى انهم يكفرون كذا رواه القمي عن الصادق عليه السلام قال من أنصاري إلى الله من أعواني إلى سبيله قال الحواريون حواري الرجل خالصته من الحور وهو البياض الخالص .
في العيون عن الرضا عليه السلام انه سئل لم سمي الحواريون الحواريين قال اما عند الناس فانهم سموا حواريين لأنهم كانوا قصارين يخلصون الثياب من الوسخ بالغسل وهواسم مشتق من الخبز الحوار واما عندنا فسمي الحواريون الحواريين لأنهم كانوا مخلصين في أنفسهم ومخلصين غيرهم من أوساخ الذنوب بالوعظ والتذكير .
وفي التوحيد عنه عليه السلام انهم كانوا اثني عشر رجلا وكان افضلهم واعلمهم الوقا .
نحن أنصار الله انصار دينه آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون كن شهيدا لنا عند الله يوم القيامة حين يشهد الرسل لقومهم وعليهم .
(53) ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين بوحدانيتك أو مع الشاهدين مع الناس ولهم .
(54) ومكروا اي الذين أحس عيسى منهم الكفر من اليهود بأن وكلوا عليه من يقتله غيلة ومكر الله حين رفع عيسى والقى شبهه على من قصد اغتياله حتى
( 341 )
قتل بدلا منه كما روته العامة .
ومضى عن تفسير الامام عليه السلام ايضا في سورة البقرة أو على احد من خواصه ليكون معه في درجته كما ذكره القمي ويأتي عن قريب والمكر من حيث انه في الأصل حيلة يجلب بها غيره إلى مضرة لا يسند إلى الله تعالى الا على سبيل المقابلة والازدواج أو بمعنى المجازاة كما مر عن الرضا عليه السلام والله خير الماكرين أقواهم مكرا وانفذهم كيدا وأقدرهم على العقاب من حيث لا يحتسب المعاقب .
(55) إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك متوفي أجلك ومؤخرك إلى أجلك المسمى عاصما اياك من قتلهم أو قابضك من الأرض من توفيت مالي أو مميتك عن الشهوات العائقة عن العروج إلى عالم الملكوت ورافعك إلي إلى محل كرامتي ومقر ملائكتي ومطهرك من الذين كفروا من سوء جوارهم وجاعل الذين اتبعوك من المسلمين والنصارى فوق الذين كفروا من اليهود والمكذبين إلى يوم القيامة يغلبونهم بالمحجة والسيف ثم إلي مرجعكم جميعاً فأحْكُمُ بينكم فيما كنتم فيه تختلفون من امر الدين .
(56) فأما الذين كفروا فاعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين .
(57) وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم تفسير للحكم وتفصيل له وقرئ فتوفاهم بالتاء والله لا يحب الظالمين في الاكمال عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث بعث الله عيسى بن مريم واستودعه النور والعلم والحكم وجميع علوم الانبياء قبله وزاده الأنجيل وبعثه الى بيت المقدس إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى كتابه وحكمته وإلى الايمان بالله ورسوله فأبى أكثرهم الا طغيانا وكفرا فلما لم يؤمنوا دعا ربه وعزم عليه فمسخ منهم شياطين ليريهم آية فيعتبروا فلم يزدهم ذلك الا طغيانا وكفرا فأتى بيت المقدس فكان يدعوهم ويرغبهم فيما عند الله ثلاثة وثلاثين سنة حتى طلبته اليهود وادعت انها
( 342 )
عذبته ودفنته في الأرض حيا وادعى بعضهم انهم قتلوه وصلبوه وما كان الله ليجعل لهم سلطانا عليه وإنما شبه لهم وما قدروا على عذابه ودفنه ولا على قتله وصلبه لأنهم لوقدروا على ذلك لكان تكذيبا لقوله ولكن رفعه الله بعد ان توفاه .
والقمي عن الباقر عليه السلام قال ان عيسى عليه السلام وعد اصحابه ليلة رفعه الله إليه فاجتمعوا إليه عند المساء وهم اثنا عشر رجلا فأدخلهم بيتا ثم خرج من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء فقال ان الله اوحى إلي أنه رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود فأيكم يلقى عليه شبحي فيقتل ويصلب فيكون فيها معي في درجتي فقال شاب منهم انا يا روح الله قال فأنت هوذا فقال لهم عيسى عليه السلام اما ان منكم من يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة فقال له رجل منهم انا هو يا نبي الله فقال عيسى اتحس بذلك في نفسك فلتكن هو ثم قال لهم عيسى اما انكم ستفترقون بعدي على ثلاث فرق فرقتين مفتريتين على الله في النار وفرقة تتبع شمعون صادقة على الله في الجنة ثم رفع الله عيسى عليه السلام إليه من زاوية البيت وهم ينظرون إليه ثم قال ان اليهود جاءت في طلب عيسى من ليلتهم فأخذوا الرجل الذي قال له عيسى ان منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة وأخذوا الشاب الذي القي عليه شبح عيسى عليه السلام فقتل وصلب وكفر الذي قال له عيسى عليه السلام يكفر قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة .
(58) ذلك اشارة إلى ما سبق من نبأ عيسى وغيره نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم المشتمل على الحكم أو المحكم الممنوع من تطرق الخلل إليه يريد به القرآن أو اللوح المحفوظ .
(59) إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم أي شأنه الغريب كشأن آدم خلقه من تراب جملة مفسرة للتمثيل مبينة لما له الشبه وهو انه خلق بلا أب كما خلق آدم من التراب بلا اب وام شبّه حاله بما هو أقرب افحاما للخصم وقطعا لمواد الشبه والمعنى خلق قالبه من التراب ثم قال له كن أي أنشأ بشرا كقوله ثم انشأناه خلقا آخر وقدر
( 343 )
تكوينه من التراب ثم كوّنه فيكون أي فكان في الحال .
(60) الحق هو الحق من ربك فلا تكن من الممترين .
(61) فمن حاجك من النصارى فيه في عيسى عليه السلام من بعد ما جاءك من العلم من البينات الموجبة للعلم فقل تعالوا هلموا بالرأي والعزم ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم أي يدع كل منا ومنكم نفسه واعزة اهله والصقهم بقلبه إلى المباهلة ويحمل عليها وإنما قدمهم على النفس لأن الرجل يخاطر بنفسه لهم ويحارب دونهم ثم نبتهل أي نتباهل بأن نلعن الكاذب منا والبهلة بالضم والفتح اللعنة واصله الترك من قولهم بهلت الناقة إذا تركتها بلا صرار والصرار خيط يشد فوق الخلف لئلا يرضعها ولدها فنجعل لعنت الله على الكاذبين عطف فيه بيان ، روي انهم لما دعوا إلى المباهلة قالوا حتى ننظر فلما تخالوا قالوا للعاقب وكان ذا رأيهم وما ترى فقال والله لقد عرفتم نبوته ولقد جاءكم بالفصل في أمر صاحبكم والله ما باهل قوم نبيا الا هلكوا فان أبيتم الا ألف دينكم فوادعوا الرجل وانصرفوا فآتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد غدا محتضنا الحسين عليه الصلاة والسلام آخذا بيد الحسن وفاطمة عليهم السلام تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول إذا انا دعوت فإمنوا فقال اسقفهم (2) : يا معشر النصارى اني لأرى وجوها لو سألوا الله ان يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تباهلوا فتهلكوا فاذعنوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبذلوا له الجزية الفي حلة حمراء وثلاثين درعا من حديد فقال والذي نفسي بيده لو تباهلوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي نارا ولاستأصل الله نجران واهله حتى الطير على الشجر كذا روته العامة وهو دليل على نبوته وفضل من اتى بهم من اهل بيته وشرفهم شرفا لا يسبقهم إليه خلق إذ جعل نفس علي عليه السلام كنفسه .
وفي العيون عن الكاظم عليه الصلاة والسلام لم يدع احدا انه ادخله النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت الكساء عند المباهلة للنصارى الا علي بن ابي طالب عليه السلام وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فكان تأويل قوله عز وجل ابناءنا
( 344 )
الحسن والحسين ونساءنا فاطمة وانفسنا علي بن أبي طالب عليهم صلوات الله .
والقمي عن الصادق عليه السلام ان نصارى نجران لما وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان سيدهم الأهتم والعاقب والسيد وحضرت صلاتهم فأقبلوا يضربون بالناقوس وصلوا فقال اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا رسول الله هذا في مسجدك فقال دعوهم فلما فرغوا دنوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا له إلى ما تدعو ؟ فقال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وان عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث قالوا فمن ابوه فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : قل لهم ما تقولون في آدم أكان عبدا مخلوقا يأكل ويشرب ويحدث وينكح فسألهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا نعم قال فمن أبوه فبهتوا فأنزل الله ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب الآية وقوله فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم إلى قوله فنجعل لعنة الله على الكاذبين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فباهلوني فان كنت صادقا انزلت اللعنة عليكم وان كنت كاذبا انزلت علي فقالوا أنصفت فتواعدوا للمباهلة فلما رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم السيد والعاقب والأهتم ان باهلنا بقومه باهلناه فانه ليس نبيا وان باهلنا بأهل بيته خاصة فلا نباهله فانه لا يقدم إلى اهل بيته الا وهو صادق فلما أصبحوا جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه امير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم فقال النصارى من هؤلاء فقيل لهم ان هذا ابن عمه ووصيه وختنه علي بن ابي طالب وهذه بنته فاطمة وهذان ابناه الحسن والحسين صلوات الله عليهم ففرقوا وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعطيك الرضا فاعفنا من المباهلة فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الجزية وانصرفوا .
وفي العلل عن الجواد عليه السلام ولو قال تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم لم يكونوا يجيبون للمباهلة وقد عرف الله ان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم مؤدي عنه رسالته وما هو من الكاذبين وكذلك عرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه صادق فيما يقول ولكن احب ان ينصف من نفسه .
(62) إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله .
( 345 )
أتى بمن الزائدة للاستغراق تأكيدا للرد على النصارى في تثليثهم وإن الله لهو العزيز الحكيم لا احد سواه يساويه في القدرة التامة والحكمة البالغة ليشاركه في الألوهية .
(63) فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين وعيد لهم وضع المظهر موضع المضمر ليدل على أن التولي عن الحجج والاعراض عن التوحيد افساد للدين ويؤدي إلى افساد النفس بل وإلى افساد العالم .
(64) قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ان نوحده بالعبادة ونخلص فيها ولا نشرك به شيئا ولا نجعل غيره شريكا له في العبادة ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ولا نقول عزير ابن الله ولا المسيح ابن الله ولا نطيع الأحبار فيما احدثوا من التحريم والتحليل لأن كلا منهم بشر مثلنا .
في المجمع روي انهم لما نزلت اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله قال عدي بن حاتم ما كنا نعبدهم يا رسول الله قال أليس كانوا يحلون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم قال نعم قال هو ذاك فإن تولوا عن التوحيد فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون اي لزمتكم الحجة فاعترفوا بأنا مسلمون دونكم قيل انظر إلى ما راعى في هذه القصة من المبالغة في الارشاد وحسن التدرج في الحجاج بين اولا احوال عيسى وما تعاور عليه من الأطوار المنافية للالهية ثم ذكر ما يحل عقدتهم ويزيح شبهتهم فلما رأى عنادهم ولجاجهم دعاهم إلى المباهلة بنوع من الاعجاز ثم لما اعرضوا عنها وانقادوا بعض الانقياد عاد عليهم بالارشاد وسلك طريقا اسهل وألزم بأن دعاهم إلى ما وافق عليه عيسى والانجيل وسائر الانبياء والكتب ثم لما لم يجد ذلك ايضا عليهم وعلم ان الآيات والنذر لا تغني عنهم اعرض عن ذلك وقال اشهدوا بأنا مسلمون .
(65) يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده قيل تنازعت اليهود والنصارى في ابراهيم وزعم كل فريق انه منهم فترافعوا
( 346 )
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت والمعنى أن اليهودية والنصرانية حدثت بنزول التوراة والانجيل على موسى وعيسى وكان ابراهيم قبل موسى بألف سنة وعيسى بألفين سنة فكيف يكون عليهما أفلا تعقلون فتدعون المحال .
(66) ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم نبهوا بحرف التنبيه عن حالهم التي غفلوا عنها اي انتم هؤلاء الحمقى وبيان حماقتكم انكم جادلتم فيما لكم به علم مما وجدتموه في التوراة والانجيل عناداً او تدعون وروده فيه فلم تجادلون فيما لا علم لكم به ولا ذكر له في كتابكم من دين ابراهيم وقيل هؤلاء بمعنى الذين وقيل عطف بيان لأنتم والله يعلم ما حاججتم فيه من شأن ابراهيم ودينه وأنتم لا تعلمون فلا تتكلموا فيه .
(67) ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا تصريح بمقتضى ما قرره ولكن كان حنيفا مائلا عن العقائد الزائفة مسلما منقادا لله تعالى وليس المراد انه كان على ملة الاسلام والا لاشترك الالزام .
في الكافي عن الصادق عليه السلام خالصا مخلصا ليس فيه شيء من عبادة الأوثان .
والعياشي عنه عليه السلام قال قال امير المؤمنين عليه السلام لا يهوديا يصلي إلى المغرب ولا نصرانيا يصلي إلى المشرق ولكن كان حنيفا مسلما على دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
أقول : يعني كان يصلي إلى الكعبة ما بين المشرق والمغرب وكان دينه موافقا لدين محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وما كان من المشركين تعريض بأنهم مشركون لاشراكهم به عزيرا والمسيح ورد لادعاء المشركين انهم على ملة ابراهيم .
(68) إن أولى الناس بإبراهيم ان اخصهم به واقربهم منه من الولي وهو القرب للذين اتبعوه من امته وهذا النبي خصوصا والذين آمنوا من امته لموافقتهم له في أكثر
( 347 )
ما شرع لهم على الاصالة .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام هم الأئمة ومن اتبعهم .
والقمي والعياشي عن عمر بن يزيد عنه عليه السلام قال انتم والله من آل محمد فقلت جعلت من انفسهم جعلت فداك قال نعم والله من انفسهم ثلاثا ثم نظر إلي ونظرت إليه فقال يا عمر ان الله تعالى يقول في كتابه : ( ان اولى الناس ) الآية .
وفي المجمع قال قال امير المؤمنين عليه السلام ان اولى الناس بالأنبياء اعلمهم بما جاؤوا به ثم تلا هذه الآية قال ان ولي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من اطاع الله وان بعدت لحمته وان عدو محمد صلى الله عليه وآله وسلم من عصى الله وان قربت قرابته والله ولي المؤمنين يتولى نصرتهم .
(69) ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم قيل نزلت في اليهود لما دعوا حذيفة وعمارا ومعاذا إلى اليهودية وما يضلون إلا أنفسهم وما يتخطئهم الا ضلال ولا يعود وباله الا عليهم إذ يضاعف به عذابهم أو ما يضلون الا أمثالهم وما يشعرون وزره واختصاص ضرره بهم .
(70) يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله بما نطقت من التوراة والانجيل ودلت على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأنتم تشهدون انها آيات الله أو بما يتلى عليكم من القرآن وانتم تشهدون نعته في الكتابين أو تعلمون بالمعجزات انه حق أو بالمعجزات وانتم تشهدون ان ظهور المعجزات يدل على صدق الرسالة .
(71) يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل بالتحريف وابراز الباطل في صورته أو بالتقصير في المميز بينهما وتكتمون الحق نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونعته وأنتم تعلمون عالمون بما تكتمونه .
(72) وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار أي اظهروا الايمان بالقرآن اول النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون يشكون في دينهم ظنا بأنكم قد رجعتم لخلل ظهر لكم .
( 348 )
والقمي عن الباقر عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم المدينة وهو يصلي نحو بيت المقدس أعجب ذلك القوم فلما صرفه الله عن بيت المقدس إلى بيت الله الحرام وجدت اليهود من ذلك وكان صرف القبلة صلاة الظهر ، فقالوا صلى محمد الغداة واستقبل قبلتنا فآمنوا بالذي انزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وجه النهار واكفروا آخره يعنون القبلة حين استقبل رسول الله المسجد الحرام لعلهم يرجعون إلى قبلتنا .
(73) ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قيل هذا من تتمة كلام اليهود أي لا تصدقوا ولا تقروا بأن يؤتى احد مثل ما أوتيتم الا لأهل دينكم قل إن الهدى هدى الله اعتراض بين المفعول وفعله من كلام الله تعالى ومعناه ان الدين دين الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يعني من العلم والحكمة والكتاب والحجة والمن والسلوى والفضائل والكرامات وقرئ ان يؤتى بالمد على الاستفهام (1) أو يحاجوكم عند ربكم عطف على قوله ان يؤتى احد والواو ضمير احد لأنه في معنى الجمع والمعنى ولا تؤمنوا بأن يحاجوكم عند ربكم لأنكم انصح دينا منهم فلا تكون لهم الحجة عليكم . وفي الآية وجوه أخر وهي من المتشابهات التي لم يصل الينا عن اهل البيت شيء قل إن الفضل بيد الله اي الهداية والتوفيق منه يؤتيه من يشاء والله واسع عليم .
(74) يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
(75) ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا مادمت عليه قائما إلا مدة دوامك على رأسه تطالبه بالعنف ذلك يعني ترك الأداء بأنهم قالوا بسبب قولهم ليس علينا في الأمين سبيل أي ليس علينا في شأن من ليسوا من أهل الكتاب ولم يكونوا على ديننا عقاب وذم ويقولون على الله الكذب بادعائهم ذلك وهم يعلمون أنهم كاذبون وذلك لأنهم استحلوا ظلم من خالفهم وقالوا لم يجعل لهم في التوراة حرمة . ____________
(1) وقيل : أن يؤتى متعلق بمحذوف أي دبرتم ذلك وقلتم أن يوتى أحد ، والمعنى أن الحسد حملكم على ذلك وقراءة أن يؤتى على الاستفهام للتفريع يؤيد هذا التفسير وقيل أن يؤتى خبر ان على ان هدى الله بدل عن الهدى فيكون معنى أو يحاجوكم حتى يحاجوكم فيدحض حجتكم وقيل فيه أقوال والعلم عند الله ( منه قده )
وفي المجمع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قرأ هذه الآية قال كذب اعداء الله ما من شيء كان في الجاهلية الا وهو تحت قدمي الا الأمانة فانها مؤدات إلى البر والفاجر .
(76) بلى اثبات لما نفوه اي بلى عليهم سبيل من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين استئناف اي كل من أوفى بما عاهد عليه اي عهد كان واتقى الله في ترك الخيانة والغدر فان الله يحبه في وضع الظاهر موضع المضمر اشعار بأن التقوى ملاك الأمر .
(77) إن الذين يشترون يستبدلون بعهد الله بما عاهدوا عليه من الإيمان بالرسول والوفاء بالأمانات وأيمانهم وبما حلفوا به ثمنا قليلا متاع الدنيا من الرياسة وأخذ الرشوة والذهاب بمال أخيهم المسلم ونحو ذلك أولئك لا خلاق لهم لا نصيب لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة كناية عن سخطه عليهم واستهانته بهم .
وفي التوحيد عن امير المؤمنين صلوات الله عليه يعني لا يصيبهم بخير قال وقد تقول العرب والله ما ينظر الينا فلان وإنما يعنون بذلك انه لا يصيبنا منه بخير ولا يزكيهم قيل ولا يثني عليهم .
وفي تفسير الامام ولا يزكيهم من ذنوبهم كما مر .
ولهم عذاب أليم في الأمالي قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حلف على يمين يقطع بها مال أخيه لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان فأنزل الله تصديقه في كتابه ان الذين يشترون الآية .
(78) وإن منهم لفريقا يَلْوون ألسنتهم بالكتاب يفتلونها بقراءته فيميلونها عن المنزل إلى المحرف لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله تأكيد وزيادة تشنيع عليهم ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون تأكيد وتسجيل عليهم بالكذب على الله والتعمد فيه .
( 350 )
القمي مقطوعا قال كان اليهود يفترون شيئا ليس في التوراة ويقولون هو في التوراة فكذبهم الله .
(79) ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله في المجمع قيل أن أبا رافع القرظي والسيد النجراني قالا يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك ربا فقال معاذ الله ان يعبد غير الله وان نأمر بغير عبادة الله فما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني فنزلت ولكن كونوا ربانيين ولكن يقول كونوا ربانيين والرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون وهو الكامل في العلم والعمل .
والقمي اي ان عيسى لم يقل للناس إني خلقتكم وكونوا عبادا لي من دون الله ولكن قال لهم كونوا ربانيين اي علماء .
بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون بسبب كونكم معلمين الكتاب ودارسين له فان فائدة التعليم والتعلم معرفة الحق والخير للاعتقاد والعمل ، وقرئ بالتخفيف اي بسبب كونكم عالمين .
في العيون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا ترفعوني فوق حقي فان الله تعالى اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا ثم تلا هذه الآية .
وعن أمير المؤمنين يهلك فيّ اثنان ولا ذنب لي محب مفرط ومبغض مفرط وانا لبراء إلى الله تعالى ممن يغلو فينا فيرفعنا فوق حدنا كبراءة عيسى بن مريم من النصارى .
(80) ولا يأمركم وقرئ بنصب الراء أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون القمي كان قوم يعبدون الملائكة وقوم من النصارى زعموا ان عيسى رب واليهود قالوا عزير ابن الله فقال الله ولا يأمركم الآية .
(81) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم وقرئ بكسر اللام وآتيناكم من كتاب
( 351 )
وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه في الجوامع والمجمع عن الصادق عليه السلام وإذا أخذ الله ميثاق امم النبيين كل امة بتصديق نبيها والعمل بما جاءهم به فما وفوا به وتركوا كثيرا من شرائعهم وحرفوا كثيرا منها .
والعياشي عن الباقر عليه السلام ما في معناه مبسوطا وقال هكذا انزلها الله يعني طرح منها .
وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام ان الله تعالى اخذ الميثاق على الأنبياء قبل نبينا ان يخبروا اممهم بمبعثه ونعته ويبشروهم به ويأمروهم بتصديقه .
وعنه عليه السلام انه قال لم يبعث الله نبيا آدم ومن بعده الا أخذ عليه العهد لئن بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وامره ان يأخذ العهد بذلك على قومه .
والقمي والعياشي عن الصادق عليه السلام ما بعث الله نبيا من لدن آدم فهلم جرا الا ويرجع إلى الدنيا وينصر امير المؤمنين وهو قوله لتؤمنن به يعني رسول الله ولتنصرنه يعني امير المؤمنين عليه السلام .
وفي كتاب الواحدة عن الباقر عليه السلام قال قال امير المؤمنين عليه السلام ان الله تعالى احد واحد تفرد في وحدانيته تعالى ثم تكلم بكلمة فصارت نورا ثم خلق من ذلك النور محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وخلقني وذريتي ثم تكلم بكلمة فصارت روحا فأسكنه الله في ذلك النور واسكنه في ابداننا فنحن روح الله وكلماته فبنا احتجب على خلقه فما زلنا في ظلة خضراء لا شمس ولا قمر ولا ليل ولا نهار ولا عين تطرف نعبده ونقدسه ونسبحه وذلك قبل أن يخلق خلقه واخذ ميثاق الأنبياء بالأيمان والنصرة لنا وذلك قوله عز وجل ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه ) يعني لتؤمنن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ولتنصرن
( 352 )
وصيه وسينصرونه جميعا وان الله اخذ ميثاقي مع ميثاق محمد صلى الله عليه وآله وسلم بنصرة بعضنا لبعض فقد نصرت محمدا وجاهدت بين يديه وقتلت عدوه ووفيت لله بما أخذ عليّ من الميثاق والعهد والنصرة لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينصرني احد من انبياء الله ورسله وذلك لما قبضهم الله إليه وسوف ينصروني ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها وليبعثهم الله أحياء من آدم إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم كل نبي مرسل يضربون بين يدي بالسيف هام الأموات والأحياء والثقلين جميعا فيا عجبا وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء يلبون زمرة زمرة بالتلبية لبيك لبيك يا داعي الله قد اظلوا بسكك الكوفة قد شهروا سيوفهم على عواتقهم يضربون بها هام الكفرة وجبابرتهم واتباعهم من جبابرة الأولين والآخرين حتى ينجز الله ما وعدهم في قوله عز وجل ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ) اي يعبدونني آمنين لا يخافون احدا في عبادتي ليس عندهم تقية وإن لي الكرة بعد الكرة والرجعة بعد الرجعة وأنا صاحب الرجعات والكرات وصاحب الصولات والنقمات والدولات العجيبات وانا قرن من حديد . الحديث (1) بطوله .
قال أقررتم وأخذتم على ذلكم إصري اي عهدي قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين القمي عن الصادق عليه السلام قال لهم في الذر أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري اي عهدي قالوا أقررنا قال الله للملائكة فاشهدوا .
وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام قال أقررتم وأخذتم العهد بذلك على اممكم قالوا اي قال الأنبياء واممهم اقررنا بما أمرتنا بالاقرار به قال ____________
(1) القمي هذه الآية مع الآية التي في سورة الأحزاب وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح والآية التي في سورة الأعراف وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وقد كتب هذه الثلاث آيات في ثلاث سور ( منه قدس سره ) .
( 353 )
الله فاشهدوا بذلك على اممكم وانا معكم من الشاهدين عليكم وعلى اممكم .
(82) فمن تولى بعد ذلك الميثاق والتوكيد فأولئك هم الفاسقون المتمردون من الكفار .
(83) أفغير دين الله يبغون وقرئ بالتاء وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها .
في التوحيد والعياشي عن الصادق عليه السلام وهو توحيدهم لله عز وجل .
وفي المجمع عنه عليه السلام ان معناه اكره اقوام على الاسلام وجاء اقوام طائعين قال كرها اي فرقا من السيف .
أقول : لعل المراد ان ذلك في زمان القائم عليه السلام كما رواه العياشي عنه عليه السلام انها نزلت في القائم عليه السلام .
وفي رواية تلاها فقال إذا قام القائم عليه الصلاة والسلام لا تبقى ارض الا نودي فيها شهادة ان لا إله الا الله وان محمدا رسول الله .
وإليه ترجعون وقرئ بالياء .
(84) قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبرهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم أمر الرسول بأن يخبر عن نفسه ومتابعيه بالايمان لا نفرق بين أحد منهم بالتصديق والتكذيب ونحن له مسلمون منقادون مخلصون في عبادته .
(85) ومن يبتغ غير الإسلام دينا اي غير التوحيد والانقياد لحكم الله تعالى فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين بابطاله الفطرة السليمة التي فطر الناس عليها .
(86) كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق
( 354 )
وجاءتهم البينات استبعاد لأن يهديهم الله فان الحائد عن الحق بعدما وضح له منهمك في الضلال بعيد عن الرشاد وشهدوا عطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل أو حال باضمار قد والله لا يهدي القوم الظالمين .
(87) أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .
(88) خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون .
(89) إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور يقبل توبتهم رحيم يتفضل عليهم .
في المجمع عن الصادق عليه السلام نزلت الآيات في رجل من الأنصار يقال له الحارث ابن سويد بن الصامت وكان قتل المحذر بن زياد البلوي غدرا وهرب وارتد عن الاسلام ولحق بمكة فندم فأرسل إلى قومه ان اسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل لي من توبة فسألوا فنزلت فحملها رجل من قومه إليه فقال اني لأعلم انك لصدوق وان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصدق منك وان الله تعالى اصدق الثلاثة ورجع إلى المدينة وتاب وحسن اسلامه .
(90) إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا كاليهود كفروا بعيسى والأنجيل بعد الايمان بموسى والتوراة ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن أو كفروا بمحمد بعدما آمنوا به قبل مبعثه ثم ازدادوا كفرا بالاصرار والعناد والطعن فيه والصد عن الايمان ونقض الميثاق وكقوم ارتدوا ولحقوا بمكة ثم ازدادوا كفرا بقولهم نتربص بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ريب المنون أو نرجع إليه وننافقه باظهار التوبة لن تقبل توبتهم لأنها لا تكون عن الاخلاص أو لأنها لا تكون الا عند اليأس ومعاينة الموت واولئك هم الضالون الثابتون على الضلال .
(91) إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ما يملؤا الأرض من الذهب ولو افتدى به نفسه من العذاب قيل تقديره فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا ويحتمل أن يكون المراد فلن
( 355 )
يقبل من أحدهم انفاقه في سبيل الله بملء الأرض ذهبا في الدنيا ولو كان على وجه الافتداء من عذاب الآخرة من دون توقع ثواب آخر اولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين .
(92) لن تنالوا البر لن تبلغوا حقيقته ولا تكونوا ابرارا حتى تنفقوا مما تحبون من المال والجاه والمهجة وغيرها في طاعة الله .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام لن تنالوا البر حتى تنفقوا ما تحبون قال هكذا فاقرأها .
وفي المجمع اشترى علي صلوات الله وسلامه عليه ثوبا فأعجبه فتصدق به وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من آثر على نفسه آثره الله يوم القيامة بالجنة ومن أحب شيئا فجعله لله قال الله يوم القيامة قد كان العباد يكافئون فيما بينهم بالمعروف وانا أكافيك اليوم بالجنة .
وعن الحسين بن علي والصادق صلوات الله عليهم انهما كانا يتصدقان بالسكر ويقولان انه احب الأشياء الينا وقد قال الله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء محبوب أو غيره فإن الله به عليم فيجازيكم بحسبه .
(93) كل الطعام اي المطعومّات كان حِلا لبني إسرائيل كان اكلها حلالالهم والحل مصدر نعت به إلا ما حرم إسرائيل يعقوب على نفسه من قبل أن تنزل التوراة .
في الكافي والعياشي : عن الصادق عليه السلام ان اسرائيل كان إذا أكل من لحم الابل هّيج عليه وجع الخاصرة فحرم على نفسه لحم الابل وذلك قبل أن تنزل التوراة فلما نزلت التوراة لم يحرمه ولم يأكله .
أقول : يعني لم يحرّمه موسى ولم يأكله أو لم تحرمه التوراة ولم تؤكله اي اهمل ولم يندب إلى أكله من التأكيل .
( 356 )
والقمي ان يعقوب كان يصيبه عرق النساء فحرم على نفسه لحم الجمل فقالت اليهود الجمل محرم في التوراة فقال الله عز وجل لهم قل فأتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين إنما حرم هذا اسرائيل على نفسه ولم يحرمه على الناس . ومحصّل المعنى أن المطاعم كلها لم تزل حلالا لبني اسرائيل من قبل انزال التوراة وتحريم ما حرم عليهم منها لظلمهم وبغيهم لم يحرم منها شيء قبل ذلك غير المطعوم الذي حرمه اسرائيل على نفسه وهذا رد على اليهود حيث أرادوا براءة ساحتهم مما نطق به القرآن من تحريم الطيبات عليهم لبغيهم وظلمهم في قوله ذلك جزيناهم ببغيهم . وقوله فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم فقالوا لسنا بأول من حرمت عليه وقد كانت محرمة على نوح وابراهيم ومن بعده من بني اسرائيل إلى ان انتهى التحريم الينا فكذبهم الله . قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين أمر بمحاجتهم بكتابهم وتبكيتهم بما فيه حتى يتبين أنه تحريم حادث بسبب ظلمهم وبغيهم لا تحريم قديم كما زعموا فلم يجسروا على اخراج التوراة فبهتوا .
(94) فمن افترى على الله الكذب بزعمه أن ذلك كان محرما على الانبياء وعلى بني اسرائيل قبل انزال التوراة من بعد ذلك من بعد ما لزمهم الحجة فأولئك هم الظالمون لأنفسهم لمكابرتهم الحق من بعد وضوحه .
(95) قل صدق الله تعريض بكذبهم أي ثبت أن الله صادق فيما أنزله وانتم الكاذبون فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وهي ملة الاسلام التي عليها محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن آمن معه ثم برأ سبحانه ابراهيم مما كان ينسبه اليهود والمشركون إليه من كونه على دينهم فقال وما كان من المشركين .
(96) إن أول بيت وضع للناس ليكون متعبدا لهم للذي ببكة البيت الذي ببكة وهو الكعبة .
في الكافي عنهما عليهما السلام . وفي الفقيه والعياشي عن الباقر عليه السلام قال لما أراد الله تعالى أن يخلق الأرض أمر الرياح فضربن متن الماء حتى
( 357 )
صار موجا ثم ازبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت ثم جعله جبلا من زبد ثم دحى الأرض من تحته وهو قول الله تعالى ان أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وزاد في الفقيه فأول بقعة خلقت من الأرض الكعبة ثم مدّت الأرض منها .
وفيه أن الله اختار من كل شيء شيئا اختار من الأرض موضع الكعبة .
وفي العلل عن الصادق عليه السلام انما سميت مكة بكة لأن الناس يبكون فيها يعني يزدحمون .
وفي رواية اخرى لبكاء الناس حولها وفيها وقيل لأنها تبك أعناق الجبابرة يعني تدقها .
وعنه عليه السلام موضع البيت بكة والقرية مكة .
وعن الباقر عليه السلام انما سميت مكة بكة لأنه يبك بها الرجال والنساء والمرئة تصلي بين يديك وعن يمينك وعن شمالك وعن يسارك ومعك ولا بأس بذلك لأنه انما يكره في ساير البلدان .
وفي الخصال عن الصادق عليه السلام اسماء مكة خمسة أم القرى ومكة وبكة والبساسة (1) إذا ظلموا بها بستهم أي أخرجتهم وأهلكتهم وام رحم كانوا إذا لزموها رحموا ، ومثله في الفقيه مرسلا .
وفيه عن الصادق عليه السلام قال ان الله عز وجل انزله لآدم من الجنة وكانت درة بيضاء فرفعه الله إلى السماء وبقي اسه وهو بحيال هذا البيت يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يرجعون إليه أبدا فأمر الله عز وجل ابراهيم واسماعيل لبنيان البيت على القواعد . ____________
(1) وفي رواية الكافي كانت تسمى بكة لأنها تبك أعناق الباغين إذا بغوا فيها ، والعياشي عن الصادق (ع) سميت بكة لأن الناس يبك بعضهم بعضا بالأيدي . وعن الباقر (ع) أن بكة موضع البيت ومكة جميع ما اكتنفه الحرم والبس بالموحدة الطم وبالنون الطرد ، ويروى بهما ، والرحم بالضم الرحمة قال الله تعالى : ( وأقرب رحما ) وربما يحرك ( منه ره ) .
( 358 )
وفي الكافي عنه عليه السلام قال كان موضع الكعبة ربوة من الأرض بيضاء تضيء كضوء الشمس والقمر حتى قتل ابنا آدم احدهما صاحبه فاسودت فلما نزل آدم رفع الله تعالى له الأرض كلها حتى رآها ثم قال هذه لك كلها قال يا رب ما هذه الأرض البيضاء المنيرة قال هي حرمي في أرضي وقد جعلت عليك أن تطوف بها في كل يوم سبعماءة طواف .
وفي الفقيه عنه عليه السلام قال وجد في حجر اني انا الله ذو بكة صنعتها يوم خلقت السموات والأرض ويوم خلقت الشمس والقمر وحففتها بسبعة أملاك حفا مباركا لأهلها في الماء واللبن يأتيها رزقها من ثلاثة سبل من أعلاها وأسفلها والثنية بعده مباركا كثير الخير والنفع لمن حجه واعتمره واعتكف عنده وطاف حوله وقصد نحوه من مضاعفة الثواب وتكفير الذنوب ونفي الفقر وكثرة الرزق وهدى للعالمين لأنه قبلتهم ومتعبدهم .
(97) فيه آيات بينات (1) كقهره لمن تعرض له من الجبابرة بسوء كأصحاب الفيل وغير ذلك مقام إبراهيم أي منها مقام ابراهيم .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه سئل ما هذه الآيات البينات قال مقام ابراهيم حيث قام على الحجر فأثرت فيه قدماه والحجر الأسود ومنزل اسماعيل .
أقول : أما كون المقام آية فلما ذكر ولارتفاعه بابراهيم عليه السلام حتى كان أطول من الجبال كما يأتي ذكره في سورة الحج إن شاء الله . وأما كون الحجر الأسود آية فلما ظهر منه للأنبياء والأوصياء من العجائب إذ كان جوهرة جعله الله مع آدم في الجنة وإذ كان ملكا من عظماء الملائكة القمه الله الميثاق وأودعه عنده ويأتي يوم القيامة وله لسان ناطق وعينان يعرفه الخلق يشهد لمن ____________
(1) عن ابن عباس انه قرء آية بينة مقام ابراهيم فجعل مقام ابراهيم وحده هو الآية وقال أثر قدميه في المقام آية بينة كذا في المجمع ، وقيل المشاعر كلها آيات بينات لازدحام الناس عليها وتعظيمهم لها ويحكى أن الطواف بالبيت لا ينقطع ابدا ولانحراف الطير عن موازاة البيت ومخالطة الصيود في الحرم لضواري السباع واستيناسها بالناس ولانمحاق الجمار على كثرة الرماة فلولا أنه ترفع لكان يجتمع هناك من الحجارة مثل الجبال إلى غير ذلك ( منه ) .
( 359 )
وافاه بالموافاة ولمن أدى إليه الميثاق بالأداء وعلى من جحده بالانكار إلى غير ذلك كما ورد في الأخبار عن الأئمة الأطهار ولما ظهر لطائفة من تنطّقه لبعض المعصومين كالسجاد حيث نازعه عمه محمد بن الحنفية في أمر الإمامة كما ورد في الروايات ومن عدم طاعته لغير المعصوم في نصبه في موضعه كما جرب غير مرة ، وأما كون منزل اسماعيل آية فلانة أنزل به من غير ماء فنبع له الماء ، وانما خص المقام بالذكر في القرآن وطوى ذكر غيره لأنه أظهر آياتة اليوم للنّاس ، قيل سبب هذا الأثر أنه لما ارتفع بنيان الكعبة قام على هذا الحجر ليتمكن من رفع الحجارة فغاضت فيه قدماه ، وقيل أنه لما جاء زائرا من الشام إلى مكة فقالت له إمرأة اسماعيل انزل حتى نغسل رأسك فلم ينزل فجاءته بهذا الحجر فوضعته على شقه الأيمن فوضع قدمه عليه حتى غسلت شق رأسه ثم حولته إلى شقه الأيسر حتى غسلت الشق الآخر فبقي أثر قدميه عليه .
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام وكان موضع المقام الذي وضعه ابراهيم عليه السلام عند جدار البيت فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم فلما فتح النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكة رده إلى الموضع الذي وضعه ابراهيم عليه السلام فلم يزل هناك إلى أن وليَّ عمر بن الخطاب فسأل الناس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام فقال رجل أنا قد أخذت مقداره بنسع (1) فهو عندي فقال تأتيني به فآتاه به فقاسه ثم رده إلى ذلك المكان ومن دخله كان آمنا .
في العلل عن الصادق عليه السلام أنه قال لأبي حنيفة أخبرني عن قول الله عز وجل ومن دخله كان آمنا أين ذلك من الأرض قال الكعبة قال افتعلم ان الحجاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله كان آمنا فيها قال فسكت فسئله عن الجواب فقال من بايع قائمنا ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقدة أصحابه كان آمنا . ____________
(1) النسع بالكسر : سير ينسج عريضا ويشد به الرحال ( منه قده ) .
( 360 )
والعياشي عنه عليه السلام من دخله وهو عارف بحقنا كما هو عارف به خرج من ذنوبه وكُفِيَ هم الدنيا والآخرة .
وفي الكافي والعياشي عنه عليه السلام قال من أم هذا البيت وهو يعلم أنه البيت الذي أمره الله عز وجل به وعرفنا أهل البيت حق معرفتنا كان آمنا في الدنيا والآخرة .
وفي المجمع عن الباقر عليه السلام أن من دخله عارفا بجميع ما أوجبه الله عليه كان آمنا في الآخرة من العذاب الدائم .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام في أدعية دخول البيت اللهم انك قلت ومن دخله كان آمنا فامّني من عذاب النار .
وفيه والعياشي عنه عليه السلام قال من دخل الحرم من الناس مستجيرا به فهو آمن به من سخط الله ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا أن يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم .
وعنه عليه السلام قال إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية ثم فر إلى الحرم لم يسع لأحد أن يأخذه في الحرم ولكن يمنع من السوق ولا يباع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم فانه إذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج فيؤخذ وإذا جنى في الحرم جناية اقيم عليه الحد في الحرم .
وزاد في الكافي لأنه لم يرع للحرم حرمته .
وفي رواية إن سرق سارق بغير مكة أو جنى جناية على نفسه ففر إلى الحرم لم يؤخذ ما دام في الحرم حتى يخرج منه ولكن يمنع من السوق فلا يباع ولا يجالس حتى يخرج منه فيؤخذ وان أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه .
وفي الكافي عنه عليه السلام وقد سأله سماعة عن رجل لي عليه مال فغاب عني بزمان فرأيته يطوف حول الكعبة أفأتقاضاه مالي قال لا لا تسلم عليه
( 361 )
ولا تروعه حتى يخرج من الحرم .
وعنه من دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر من بر الناس وفاجرهم .
وفي الفقيه من مات في أحد الحرمين بعثه الله من الآمنين ومن مات بين الحرمين لم ينشر له ديوان ومن دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر ولله على الناس حج البيت وقرئ بكسر الحاء يعني قصده للمناسك المخصوصة .
في الكافي عن الصادق عليه السلام يعني به الحج والعمرة جميعا لأنهما مفروضان من استطاع إليه سبيلا .
العياشي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال الصحة في بدنه والقدرة في ماله .
وفي الكافي والعياشي عنه عليه السلام أنه سئل ما السبيل قال أن يكون له ما يحج قال قلت من عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك أهو ممن يستطيع إليه سبيلا قال نعم ما شأنه يستحيي ولو يحج على حمار أجدع ابتر فان كان يطيق أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليحج . وفي رواية يخرج ويمشي ان لم يكن عنده ، قيل لا يقدر على المشي قال يمشي ويركب قيل لا يقدر على ذلك قال يخدم القوم ويخرج معهم . وفي رواية أنه سئل عن هذه الآية فقال من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه وله زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج أو قال ممن كان له مال . وفي رواية أنه عليه السلام سئل عن هذه الآية فقال ما يقول الناس فقيل الزاد والراحلة فقال قد سئل أبو جعفر عليه السلام عن هذا فقال هلك الناس إذاً لئن كان من كان له زاد وراحلة قدر ما يقوت به عياله ويستغني به عن الناس ينطلق إليهم فيسألهم اياه لقد هلكوا فقيل له وما السبيل قال فقال السعة في المال إذا كان يحج ببعض ويبقي بعضا يقوت به عياله أليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلا على من يملك ماءتي درهم .
أقول : معنى الحديث لئن كان من كان له قدر ما يقوت به عياله فحسب وجب عليه أن ينفق ذلك في الزاد والراحلة ثم ينطلق إلى الناس يسألهم قوت
( 362 )
عياله لهلك الناس إذاً وينبغي أن يحمل اختلاف الروايات على اختلاف الناس في جهات الاستطاعة ودرجات التوكل ومراتب القوة والضعف بل الانسان على نفسه بصيرة ومن كفر فإن الله غني عن العالمين قيل وضع كفر موضع من لم يحج تأكيدا لوجوبه وتغليظا على تاركه .
وفي الفقيه وفي وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام يا علي تارك الحج وهو مستطيع كافر قال الله تعالى ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فان الله غني عن العالمين ) يا علي من سوف الحج حتى يموت بعثه الله يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا .
وفي الكافي والتهذيب عن الصادق عليه السلام من مات ولم يحج حجة الإسلام ولم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا .
وفي التهذيب عنه عليه السلام في قوله تعالى ومن كفر قال يعني من ترك .
وعن الكاظم عليه السلام وقد سأله أخوه علي من لم يحج منا فقد كفر قال لا ولكن من قال ليس هذا هكذا فقد كفر .
أقول : وذلك لأن الكفر يرجع إلى الإعتقاد دون العمل فقوله تعالى ومن كفر أي ومن لم يعتقد فرضه أو لم يبال بتركه فان عدم المبالاة يرجع إلى عدم الإعتقاد .
والعياشي عنه عليه السلام قال هو كفر (1) النعم وقال يعني من ترك ، وروي انه لما نزل صدر الآية جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرباب الملل فخطبهم وقال ان الله كتب عليكم الحج فحجوا فآمنت به ملة واحدة وكفرت خمس ملل فنزلت ومن كفر قيل وقد أكد أمر الحج في هذه الآية من وجوه الدلالة على وجوبه بصيغة الخبر وإبرازه في صورة الاسمية وايراده على ____________
(1) لأن امتثال امر الله شكر لنعمته وترك المأمور به كفر لنعمته ( مجمع ) .
( 363 )
وجه يفيد أنه حق واجب لله تعالى في رقاب الناس وتعميم الحكم أولا وتخصيصه فانه كإيضاح بعد ابهام وتثنيته وتكرير للمراد وتسمية ترك الحج كفرا من حيث أنه فعل الكفرة وذلك الاستغناء في هذا الموضع مما يدل على المقت والخذلان وقوله على العالمين بدل عنه لما فيه من مبالغة التعميم والدلالة على الاستغناء عنه بالبرهان والإشعار بعظم السخط لأنه تكليف شاق جامع بين كسر النفس واتعاب البدن وصرف المال والتجرد عن الشهوات والإقبال على الله تعالى .
(98) قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله أي بآياته السمعية والعقلية الدالة على صدق محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيما يدعيه من وجوب الحج وغيره وتخصيص أهل الكتاب بالخطاب دليل على أن كفرهم أقبح وانهم وإن زعموا أنهم مؤمنون بالتوراة والإنجيل فهم كافرون بهما والله شهيد على ما تعلمون والحال أنه شهيد مطلع على أعمالكم فيجازيكم عليها لاينفعكم التحريف والإستستار (1) .
(99) قُل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن كرر الخطاب والإستفهام مبالغة في التقريع ونفي العذر لهم واشعارا بأن كل واحد من الأمرين مستقبح في نفسه مستقل باستجلاب العقاب وسبيل الله دينه الحق المأمور بسلوكه وهو الإسلام ، قيل كانوا يفتنون المؤمنين ويحرّشون (2) بينهم حتى أتوا الأوس والخزرج فذكروهم ما بينهم في الجاهلية من التعادي والتحارب ليعودوا لمثله ويحتالون لصدهم عنه تبغونها عوجا طالبين لها اعوجاجا بأن تلبسوا على الناس وتوهّمُوا أن فيه عوجا عن الحق بمنع النسخ وتغيير صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحوهما أو بأن يحرشوا بين المؤمنين ليختلف كلمتهم ويختل أمر دينهم وأنتم شهداء أنها سبيل الله تعالى والصد عنها ضلال واضلال أو أنتم عدول عند أهل ملتكم يثقون بأقوالكم ويستشهدونكم في القضايا وما الله ____________
(1) استستر : استتر (ق) .
(2) التحريش الإغراء بين القوم والكلاب وتهييج بعضها على بعض (م) .
( 364 )
بغافل عما تعملون وعيد لهم ولما كان المنكر في الآية الأولى كفرهم وهم يجهرون به ختمها بقوله والله شهيد ولما كان في هذه الآية صدهم المؤمنين عن الإسلام وكانوا يخفونه ويحتالون فيه قال وما الله بغافل عما تعملون .
(100) يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين قيل نزلت في نفر من الأوس والخزرج كانوا جلوسا يتحدثون فمر بهم شاس بن قيس اليهودي فغاظه تألفهم واجتماعهم فأمر شابا من اليهود أن يجلس إليهم ويذكرهم يوم بغاث (1) وينشدهم بعض ما قيل فيه وكان الظفر في ذلك اليوم للأوس ففعل فتنازع القوم وتفاخروا وتغاضبوا وقالوا السلاح السلاح واجتمع من القبيلتين خلق عظيم فتوجه إليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه فقال أتدّعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ اكرمكم الله بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بينكم فعلموا أنها نزغة (2) من الشيطان وكيد من عدوهم فالقوا السلاح واستغفروا وعانق بعضهم بعضا وانصرفوا مع الرسول وانما خاطبهم الله بنفسه بعدما أمر الرسول بأن يخاطب أهل الكتاب اظهارا لجلالة قدرهم واشعارا بأنهم هم الأحقاء بأن يخاطبهم الله ويكلمهم .
(101) وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله انكار وتعجب لكفرهم في حال اجتمع لهم الأسباب الداعية إلى الايمان الصارفة عن الكفر ومن يعتصم بالله ومن يستمسك بدينه أو يلتجئ إليه في مجامع أموره فقد هدي إلى صراط مستقيم فقد اهتدى لا محالة .
(102) يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته حق تقواه وما يجب منها وهو استفراغ الوسع في القيام بالواجب والإجتناب عن المحارم .
في المعاني والعياشي سئل الصادق عليه السلام عن هذه الآية قال يطاع ولا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر ولا يكفر . ____________
(1) بغاث : بالعين وبالغين ويثلث : موضع بقرب المدينة ويومه معروف (ق) .
(2) فاما ينزغنك من الشيطان نزغ ، النزغ : شبيه النخس وكان الشيطان ينخس الإنسان أي يحركه ويبعثه على بعض المعاصي ولا يكون النزغ الا في الشر « مجمع » .
( 365 )
والعياشي عنه عليه السلام أنه سئل عنها قال منسوخة قيل وما نسخها قال قول الله اتقوا الله ما استطعتم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ولا تكونن على حال سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت .
وفي المجمع عن الصادق عليه السلام وأنتم مسلّمون بالتشديد ومعناه مستسلمون لما أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم به منقادون له .
والعياشي عن الكاظم عليه السلام أنه قال لبعض أصحابه كيف تقرأ هذه الآية يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم ماذا قال مسلمون فقال سبحان الله يوقع عليهم الايمان فيسميهم مؤمنين ثم يسألهم الإسلام والإيمان فوق الإسلام قال هكذا يقرأ في قراءة زيد قال انما هي في قراءة علي صلوات الله عليه وهو التنزيل الذي نزل به جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم الا وأنتم مسلّمون لرسول الله ثم الإمام من بعده .
(103) واعتصموا بحبل الله قيل بدينه الإسلام أو بكتابه لقوله القرآن حبل الله المتين استعار له الحبل والموثوق به الإعتصام من حيث أن التمسك به بسبب النجاة عن الردى كما أن التمسك بالحبل الموثوق به سبب السلامة عن التردّي .
والقمي : الحبل التوحيد والولاية .
والعياشي عن الباقر عليه السلام آل محمد صلوات الله عليهم هم حبل الله المتين الذي أمر بالإعتصام به فقال واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا .
وعن الكاظم عليه السلام علي بن أبي طالب عليه السلام حبل الله المتين .
وفي المعاني عن السجاد قال الإمام منا لا يكون إلا معصوما وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ولذلك لا يكون إلا منصوصا فقيل له يابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما معنى المعصوم فقال هو المعتصم بحبل
( 366 )
الله وحبل الله هو القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام وذلك قول الله عز وجل ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم .
أقول : ومآل الكل واحد يفسره قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبلين ممدودين طرف منهما بيد الله وطرف بأيديكم وانهما لن يفترقا جميعا مجتمعين عليه ولا تفرقوا ولا تتفرقوا عن الحق بإيقاع الإختلاف بينكم .
والقمي عن الباقر عليه السلام ان الله تبارك وتعالى علم أنهم سيفترقون بعد نبيهم فيختلفون فنهاهم عن التفرق كما نهى من كان قبلهم فأمرهم أن يجتمعوا على ولاية آل محمد صلوات الله عليهم ولا يتفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء في الجاهلية متقاتلين فألّف بين قلوبكم بالإسلام فأصبحتم بنعمته إخوانا متحابين مجتمعين على الاخوة في الله تعالى قيل كان الأوس والخزرج أخوين لأبوين فوقع بين أولادهما العداوة وتطاولت الحروب مائة وعشرين سنة حتى أطفأها الله تعالى بالإسلام وألف بينهم برسوله وكنتم على شفا حفرة من النار مشرفين على الوقوع في نار جهنم لكفركم إذ لو أدرككم الموت في تلك الحالة لوقعتم في النار فأنقذكم منها .
في الكافي عن الصادق عليه السلام قال فانقذكم منها بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم هكذا والله أنزل بها جبرئيل على محمد كذلك مثل ذلك التبيين يبين الله آياته لعلكم تهتدون ارادة ثباتكم على الهدى وازديادكم فيه .
(104) ولتكن منكم بعضكم أُمَة في المجمع قرأ الصادق عليه السلام أئمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
في الكافي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أواجب هو على الأمة جميعا فقال لا فقيل ولم قال انما هو على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا على الضعفة الذين لا يهتدون سبيلا أي من أي يقول إلى الحق من الباطل والدليل على ذلك كتاب الله تعالى قوله ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن
( 367 )
المنكر فهذا خاص غير عام كما قال الله تعالى ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ولم يقل على أمة موسى ولا على كل قوم وهم يومئذ أمم مختلفة والأمة واحد فصاعدا كما قال الله سبحانه إن ابراهيم كان أمة قانتا لله يقول مطيعا لله وليس على من يعلم ذلك في هذه الهدنة من حرج إذا كان لا قوة له ولا عدد ولا طاعة ، وسئل عن الحديث الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر ما معناه قال هذا على أن يأمره بعد معرفته وهو مع ذلك يقبل منه وإلا فلا .
وعنه عليه السلام انما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر مؤمن فيتعظ أو جاهل فيتعلم فاما صاحب سيف أو سوط فلا .
والقمي عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال فهذه لآل محمد صلوات الله عليهم ومن تابعهم يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .
وفي نهج البلاغة قال وانهوا عن المنكر وتناهوا عنه فإنما أمرتم بالنهي بعد التناهي وقال لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له والناهين عن المنكر العاملين به وأولئك هم المفلحون المخصوصون بكمال الفلاح الأحقاء به .
في الكافي عن الصادق عليه السلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله تعالى فمن نصرهما أعزه الله ومن خذلهما خذله الله .
وفي التهذيب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لا يزال الناس بخير ما امروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء .
وفيهما عن الباقر عليه السلام قال يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون يتقرؤون (1) ويتنسكون حدثاء سفهاء لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا ____________
(1) تقرء : تعبد وتنسك من النسك مثلثة وبضمتين العبادة وكل حق لله عز وجل وحد ثاء جمع حديث كسفهاء
( 368 )
عن منكر إلا إذا أمنوا الضرر ويطلبون لأنفسهم الرخص (1) والمعاذير يتبعون زلات العلماء وفساد علمهم يقبلون على الصلاة والصيام وما لا يكلمهم (2) في نفس ولا مال ولو أضرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم وابدانهم لرفضوها كما رفضوا اسمى الفرائض وأشرفها ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض هنالك يتم غضب الله عليهم فيعمهم بعقابه فيهلك الأبرار في دار الفجار والصغار في دار الكبار ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصالحين فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر فانكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم وصكوا بها جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائم فإن اتعظوا أو إلى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم انما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم هنالك فجاهدوهم بأبدانكم وابغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطانا ولا باغين مالا ولا مريدين بالظلم ظفرا حتى يفيئوا إلى أمر الله ويمضوا على طاعته ، قال أبو جعفر عليه السلام وأوصى الله إلى شعيب النبي عليه السلام اني معذب من قومك مائة الف وأربعين الفا من شرارهم وستين الفا من خيارهم فقال يا رب هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار فأوحى الله عز وجل إليه أنهم داهنوا اهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي .
(105) ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا كاليهود والنصارى اختلفوا في التوحيد والتنزيه وأحوال الآخرة من بعد ما جاءتهم البينات الآيات والحجج المبينة للحق الموجبة للاتفاق عليه وأولئك لهم عذاب عظيم وعيد للذين تفرقوا وتهديد على التشبه بهم .
(106) يوم تبيض وجوه وتسود وجوه كنايتان عن ظهور بهجة السرور وكآبة ____________ = أي جدد وكان المراد أن طريقتهم حادثة مستحدثة ليست طريقة قدماء أصحابهم أو سبكهم سبك ما كان حدث السن لا سبك الكهول .
(1) الرخص بالضم ضدالغلاء وقد رخص ككرم وبالفتح الشيء الناعم ، والرخصة بالضم التسهيل والرخيص الناعم من الثياب (ق) ولعل الغرض أنهم يطلبون سهل الأمور ويعتذرون عن صعبها باصطناع المعاذير .
(2) قوله ولا يكلمهم أي لا يجرحهم فيهما أي لا يضرهم في أنفسهم ولا في أموالهم .
( 369 )
الخوف فيه وقيل يوسم أهل الحق ببياض الوجه والصحيفة واشراق البشرة وسعي النور بين يديه وبيمينه وأهل الباطل بأضداد ذلك فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم على ارادة القول أي فيقال لهم أكفرتم والهمزة للتوبيخ والتعجب من حالهم .
في المجمع عن أمير المؤمنين عليه السلام هم أهل البدع والأهواء والآراء الباطلة من هذه الأمة .
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال والذي نفسي بيده ليردن عليّ الحوض ممن صحبني حتى إذا رأيتهم اختلجوا دوني فلأقولن أصحابي أصحابي فيقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك انهم ارتدوا على أعقابهم القهقرى ذكره الثعلبي في تفسيره فذوقوا العذاب أمر اهانة بما كنتم تكفرون بسبب كفركم .
(107) وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله يعني الجنة أو الثواب المخلد عبر عن ذلك بالرحمة تنبيها على أن المؤمن وان استغرق عمره في طاعة الله لا يدخل الجنة إلا برحمته وفضله وقيل كان حق الترتيب أن يقدم ذكرهم ولكن قصد أن يكون مطلع الكلام ومقطعه حلية المؤمنين وثوابهم هم فيها خالدون أخرجه مخرج الاستيناف للتأكيد كأنه قيل كيف يكونون فيها فقال هم فيها خالدون .
والقمي عن أبي ذر قال لما نزلت هذه الآية يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرد عليّ أمتي يوم القيامة على خمس رايات فراية من عجل هذه الأمة فاسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر فحرّفناه ونبذناه وراء ظهورنا وأما الأصغر فعاديناه وابغضناه وظلمناه فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم ثم يرد عليّ راية مع فرعون هذه الأمة فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر فحرّفناه ومزّقناه وخالفناه ، وأما الأصغر فعاديناه وقاتلناه فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم ، ثم يرد عليّ راية مع سامري هذه الأمة فأقول ما فعلتم
( 370 )
بالثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر فعصيناه وتركناه وأما الأصغر فخذلناه وضيعناه فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم ثم يرد عليّ راية ذي الثدية مع أول الخوارج وآخرهم فاسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر فمزقناه وبرئنا منه وأما الأصغر فقاتلناه وقتلناه فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم ، ثم يرد عليّ راية إمام المتقين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين ووصي رسول رب العالمين فأقول لهم ماذا فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر فاتبعناه واطعناه وأما الأصغر فأحببناه وواليناه ونصرناه حتى اهرقت فيه دماؤنا فأقول ردوا الجنة رواء مرويين مبيضة وجوهكم ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم تبيض وجوه إلى قوله خالدون .
(108) تلك آيات الله الواردة في وعده ووعيده نتلوها عليك بالحق متلبسة بالحق لا شبهة فيها وما الله يريد ظلما للعالمين إذ يستحيل الظلم منه إذ فاعل الظلم اما جاهل بقبحه أو محتاج إلى فعله وتعالى الله عن الجهل والحاجة .
(109) ولله ما في السماوات وما في الأرض مَلِكاً ومُلْكاً وخلقا وإلى الله ترجع الأمور فيجازي كلا بما وعده وأوعده .
(110) كنتم خير أمة الكون فيها يعم الأزمنة غير متخصص بالماضي كقوله تعالى وكان الله غفورا رحيما أخرجت أظهرت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر استيناف بين به كونهم خير أمة أو خبر ثان لكنتم وتؤمنون بالله يتضمن الإيمان بكل ما يجب أن يؤمن به لأن الإيمان به انما يحق ويعتد به إذا حصل الإيمان بكل ما أمر أن يؤمن به وانما أخره وحقه أن يقدم لأنه قصد بذكره الدلالة على أنهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ايمانا بالله ويصديقا به واظهارا لدينه .
القمي عن الصادق عليه السلام أنه قرأ عليه كنتم خير امة فقال خير أمة يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين ابني علي صلوات الله وسلامه عليهم فقال القارئ جعلت فداك كيف نزلت ؟ فقال نزلت كنتم خير أئمة أخرجت للناس
( 371 )
ألا ترى مدح الله لهم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله .
والعياشي عنه عليه السلام قال في قراءة عليّ كنتم خير أئمة أخرجت للناس قال هم آل محمد .
وعنه عليه السلام انما نزلت هذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيه وفي الأوصياء خاصة فقال انتم خير أئمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر هكذا والله نزل بها جبرئيل وما عنى بها إلا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وأوصيائه عليهم السلام .
وعنه عليه السلام في هذه الآية قال يعني الأمة التي وجبت لها دعوة ابراهيم فهم الأمة التي بعث الله فيها ومنها وإليها وهم الأمة الوسطى وهم خير أمة اخرجت للناس .
وفي المناقب عن الباقر عليه السلام أنتم خير أمة بالألف نزل بها جبرئيل وما عنى بها إلا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وعليا والأوصياء من ولده عليهم السلام ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون كعبد الله بن سلام وأصحابه وأكثرهم الفاسقون المتمردون في الكفر .
(111) لن يضروكم إلا أذى ضررا يسيرا كطعن وتهديد وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار وينهزموا ولا يضروكم بقتل وأسر ثم لا ينصرون ثم لا يكون أحد ينصرهم عليكم أو يدفع بأسكم عنهم وكان الأمر كذلك .
(112) ضربت عليهم الذلة فهي محيطة بهم احاطة البيت المضروب على أهله والذلة هدر النفس والمال والأهل أو ذلة التمسك بالباطل والجزية أين ما ثقفوا وجدوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس .
العياشي عن الصادق عليه السلام قال الحبل من الله كتاب الله والحبل من الناس علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وباءوا بغضب من الله رجعوا به مستوجبين له .
( 372 )
وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام والله ما قتلوهم بأيديهم ولا ضربوهم بأسيافهم ولكنهم سمعوا أحاديثهم فأذاعوها (1) فاخذوا عليها وقتلوا فصار قتلا واعتداءً ومعصية قيل التقييد بغير حق مع أنه كذلك في نفس الأمر للدلالة على أنه لم يكن حقا بحسب اعتقادهم أيضا .
(113) ليسوا يعني أهل الكتاب سواء في دينهم من أهل الكتاب أمة قائمة على الحق وهم الذين أسلموا منهم يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يعني يتلونها في تهجدهم .
(114) يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وصفهم بصفات ليس في اليهود فانهم منحرفون عن الحق غير متعبدين بالليل مشركون بالله ملحدون في صفاته واصفون اليوم الآخر بخلاف صفته مداهنون في الاحتساب متباطئون عن الخيرات وأولئك من الصالحين .
(115) وما تفعلوا من خير فلن يكفروه فلن يضيع ولا ينقص ثوابه وقرئ بالياء فيهما سمي ذلك كفرانا كما سمي توفية الثواب شكرا .
في العلل عن الصادق عليه السلام إن المؤمن مكفّر وذلك أن معروفه يصعد إلى الله فلا ينتشر في الناس والكافر مشكور وذلك أن معروفه للناس ينتشر في الناس ولا يصعد إلى السماء والله عليم بالمتقين بشارة لهم واشعار بأن التقوى مبدء الخير وحسن العمل .
(116) إن الذين كفروا لن تغني عنهم أمولهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . ____________
(1) ذاع الحديث ذيعا إذا انتشر وظهر وأذاعه غيره أفشاه واظهره ، ومنه الحديث من اذاع علينا حديثنا سلبه الله الايمان أي من افشاه واظهره للعدو ( مجمع )
|