الربا وعلّة تحريمه

السؤال :

{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [سورة البقرة: 275 - 279]

س: ما معنى الربا؟ ولماذا هو حرام وظاهره بيع وشراء وعلى أساس عقد وتراضي؟ وما هو ضرر الربا؟



الجواب :

معنى الربا لغةً: الزيادة. وشرعاً: الزيادة على رأس المال، من أحد المتساويين جنساً، ممّا يُكال أو يُوزن. والمراد بالجنس هنا هو الحقيقة النوعيّة. ويتحقّق ذلك بكون الأفراد يشملها اسم خاصّ لنوعه. والزيادة قد تكون عينيّة، وهو ظاهر، وحكميّة، كبيع أحد المتجانسين بمساويه قدراً نسيئة. والربا من الكبائر المتوعّد عليه بالنار [انظر: زبدة التفاسير، ج‏1، ص: 429]. وعن الإمام الصادق (عليه السّلام): «درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زنية كلّها بذات محرم في بيت الله الحرام». وعن أمير المؤمنين (عليه السّلام): «لعن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الربا خمسة: آكله، وموكله، وشاهديه، وكاتبه» [انظر: الكافي، الباب 51 باب الربا].

وأما السؤال: لماذا هو حرام وظاهره بيع وشراء وعلى أساس عقد وتراضي؟ وما هو ضرره؟

والجواب: قد يصرّح القرآن الكريم والروايات الشريفة بعلّة حكم معين وقد لا يكون ذلك، وكل هذا يتم طبقاً للمصلحة والحكمة الإلهية. ولكن المهم في الأمر هو تحديد الحكم للمكلّف، فقد دلّت الآيات والروايات الشريفة على حرمة الربا بشكل صريح، كما ذُكر في الآيات أعلاه، فخرج من المعاملات التجارية الجائزة، ولا يمكن التعامل به بأي وجه من الوجوه بعدما حرّمه الله ورسوله، ووعد عليه بالعذاب.

وقد ذكرت الروايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) طَرَفاً من هذا الأمر، فقد روى الشيخ الصدوق (ره) في علل الشرائع في باب (علة تحريم الربا):

عن هشام بن الحكم قال: "سألت أبا عبد الله (ع) عن علة تحريم الربا قال: إنه لو كان الربا حلالاً لترك الناس التجارات وما يحتاجون إليه فحرم الله الربا لنفر الناس عن الحرام إلى التجارات وإلى البيع والشراء فيفضل ذلك بينهم في القرض".

وعن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) قال: "إنما حرم الله عز وجل الربا لئلا تمتنعوا عن اصطناع المعروف".

وعن زرارة قال: قال أبو جعفر (ع): "إنما حرم الله الربا لئلا يذهب المعروف".

وعن محمد بن سنان "أن أبا الحسن علي بن موسى الرضا (ع) كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله علة تحريم الربا إنما نهى الله عز وجل عنه لما فيه من فساد الأموال لأن الإنسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهماً وثمن الآخر باطلاً فبيع الربا وشراؤه وكس على كل حال على المشتري وعلى البائع فحظر الله تبارك وتعالى على العباد الربا لعلة فساد الأموال كما حظر على السفيه أن يدفع إليه ماله لما يتخوف عليه من إفساده حتى يؤنس منه رشداً فلهذه العلة حرم الله الربا وبيع الدرهم بدرهمين يداً بيد وعلة تحريم الربا بعد البينة لما فيه من الاستخفاف بالحرام المحرم وهي كبيرة بعد البيان وتحريم الله تعالى لها ولم يكن ذلك منه إلا استخفافاً بالمحرم للحرام والاستخفاف بذلك دخول في الكفر وعلة تحريم الربا بالنسيئة لعلة ذهاب المعروف وتلف الأموال ورغبة الناس في الربح وتركهم القرض وصنائع المعروف ولما في ذلك من الفساد والظلم وفناء الأموال". [علل الشرائع، ج2، ص482-483]

والربا يعمل على زيادة الفواصل الطبقية ويركّز الثروة في أيدي فئة قليلة، ويسبّب فقر الأكثرية، والإنفاق سبب طهارة القلوب والنفوس واستقرار المجتمع، والربا سبب البخل والحقد والكراهية والدنس... يقول تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [سورة البقرة: 275]، (التخبّط من مادة «الخبط» هو فقدان توازن الجسم عند المشي أو القيام) ولعلّه إشارة إلى طريقة «سير المرابين الاجتماعي» في الدنيا على اعتبار أنّهم أشبه بالمجانين في أعمالهم، فهم يفتقرون إلى التفكير الاجتماعي السليم، بل أنّهم لا يشخّصون حتّى منافعهم الخاصّة، وأنّ مشاعر المواساة والعواطف الإنسانية وأمثالها لا مفهوم لها في عقولهم إذ أنّ عبادة المال تسيطر على عقولهم إلى درجة أنّها تعميهم عن إدراك ما ستؤدّي إليه أعمالهم الجشعة الاستغلالية من غرس روح الحقد في قلوب الطبقات المحرومة الكادحة وما سيعقب ذلك من ثورات وانفجارات اجتماعية تعرض أساس الملكية للخطر، وفي مثل هذا المجتمع سينعدم الأمن والاستقرار، وستصادر الراحة من جميع الناس بمن فيهم هذا المرابي، ولذلك فإنّه يجني على نفسه أيضا بعمله الجنوني هذا. ولكن بما أنّ وضع الإنسان في العالم الآخر تجسيد لأعماله في هذا العالم فيحتمل أن تكون الآية إشارة إلى المعنيين. أي أنّ الذين يقومون في الدنيا قياماً غير معتقّل وغير متوازن يخالطه اكتناز جنوني للثروة سسيحشرون يوم القيامة كالمجانين.

الطريف الروايات والأحاديث تشير إلى كلا المفهومين. ففي حديث عن‏ الإمام الصادق عليه السّلام في تفسير هذه الآية أنّه قال: «آكل الربا لا يخرج من الدنيا حتّى يتخبّطه الشيطان» [تفسير العياشي: ج 1 ص 152 ح 503]. وفي رواية أخرى عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بشأن تجسيد حال المرابين الذين لا يهمّهم غير مصالحهم الخاصّة، وما ستجرّه عليهم أموالهم المحرّمة قال: «لمّا أسري بي إلى السماء رأيت قوماً يريد أحدهم أن يقوم فلا يقدر أن يقوم من عظم بطنه، فقلت: من هؤلاء يا جبرائيل! قال: هؤلاء الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان من المس» [تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 291 ح 1157].

الحديث الأوّل يبيّن اضطراب الإنسان في هذه الدنيا، ويعكس الحديث الثاني حال المرابين في مشهد يوم القيامة، وكلاهما يرتبطان بحقيقة واحدة، فكما أنّ الإنسان المبطان الأكول يسمن بإفراط وبغير حساب، كذلك المرابون الذين يسمنون بالمال الحرام لهم حياة اقتصادية مريضة تكون وبالاً عليهم. [انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏2، ص336- 340]


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=948