استثناء إبليس المخلَصين من عباد الله

السؤال :

س: لماذا استثنى إبليس من عباد الله (الْمُخْلَصِينَ)؟ {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: 40].

س: كيف عرف إبليس (الْمُخْلَصِينَ)؟ هذه تزكية لعباد الله ولله التزكية {وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ}  [النور: 21]



الجواب :

إن المخلصين هم الذين أخلصهم الله لنفسه بعد ما أخلصوا أنفسهم لله فليس لغيره سبحانه فيهم شركة ولا في قلوبهم محل فلا يشتغلون بغيره تعالى فما ألقاه إليهم الشيطان من حبائله وتزييناته عادَ ذكراً لله مقرباً إليه... ويستفاد من استثناء العباد ثم تفسيره بالمخلصين: أن حق العبودية إنما هو بأن يخلص الله العبد لنفسه أي: أن لا يملكه إلا هو ويرجع إلى أن لا يرى الإنسان لنفسه ملكاً وأنه لا يملك نفسه ولا شيئاً من صفات نفسه وآثارها وأعمالها وأن الملك- بكسر الميم وضمها- لله وحده. [انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج‏12، ص: 165، وانظر أيضاً: مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏6، ص: 519]

وأما كيف عرف إبليس (الْمُخْلَصِينَ) هذه تزكية لعباد الله ولله التزكية؟

فإبليس مع أنه كان من المنحرفين العاصين، إلا انه كان على علم بأن الله تعالى حينما يعصم جَمعاً من عباده بسبب إخلاصهم لله عز وجل، فمن الطبيعي أن يعلن إبليس عن عجزه أمام هؤلاء، لأنه يعرف قدرة الله تعالى ولا زال لم ينكر ذلك. ثم إنه كان أيضاً على علم واطلاع سابق بقضية خلق آدم وبقول الله تعالى للملائكة بأنه {جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً...} [سورة البقرة: 30] - إلى قوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة : 38] فعرف أن هذا المخلوق الإنسي واقع تحت طائلة الامتحان والاختبار، فإن اتبع هدى الله تعالى فلا سلطان لأحد عليه حينئذٍ بعدما أخلص نفسه لله تعالى فأخلصه الله لنفسه {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر : 42]. فقد يزين لهم، لكنه يعجز عن إغوائهم بما حملوه من صفات أهلتهم إلى أن يكونوا كذلك.

ثم إن إبليس هنا ليس في مقام تزكية المخلَصين من عباد الله أو عدمها حتى نقول: كيف يزكي عباد الله ولله التزكية؟ بل إنه في مقام الإخبار عن عجزه أمام هؤلاء (بسبب إخلاصهم لله تعالى والامتناع عن الاصغاء إلى الشيطان نفسه)- وكما تقدم أعلاه.

وأما الآية الكريمة (النور: 21) {... وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ...} فهي تتحدث عن التطهير (من الذنوب) وليست التزكية هنا بمعنى المدح، حيث ورد في تفسيرها أنها بمعنى: التطهير من الذنوب بالحمل على التوبة وقبولها. [انظر: زبدة التفاسير، ج‏4، ص: 488]


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=946