أهم ميزات التفسير المعاصر

السؤال :

ما هي قيمة وأهم ميزات التفسير المعاصر؟



الجواب :

تمتاز عملية التفسير المعاصر بميزات وخصائص لم تتوفر في التفاسير السابقة، نذكر منها:

1. الإجابة عن الشبهات ومعالجة القضايا المثارة على الساحة الفكرية

من القضايا التي حظيت باهتمام كبير في الوسط التفسيري المعاصر ونالت أولوية خاصّة في البحث التفسيري التركيز على إبراز الرؤية القرآنية قبال التغيرات الاجتماعية ومحاولة وضع معالجات عصرية للكثير من هذه الشبهات والاشكالات المثارة، تلك الشبهات التي طالما راودت ذهن الإنسان المعاصر والتي لم يعثر على الإجابة عنها لدى المدارس والاتجاهات غير الدينية مع عجز الأديان غير السماوية عن معالجتها، من قبيل: حقوق الإنسان، حرية الفكر والتعبير عن الرأي، حقوق المرأة، علاقة الدين والدولة والعلمنة، حقوق الأقليات الدينية والعلاقات الدولية و... والتي تقتضي كلُّ واحدة منها إجابة ومعالجة متميزة تتمكن من تسليط الأضواء على جميع زوايا القضايا التي يراد معالجتها ووضع الحلول الناجعة لها، وقد لعب المفسرون دوراً مهما في هذا المجال باعتبارهم المرجعيات الفكرية المتمكنة من رصد المعالجات القرآنية واستنباطها من خلال المتابعة الدقيقة للآيات وعرض بعضها على البعض الآخر.[1]

ويقع تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي في مقدمة الموسوعات التفسيرية التي اهتمت بهذه القضية، إلى جانب التفسير الأمثل لكتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، وتفسير الكاشف للشيخ محمد جواد مغنية؛ وأما التفاسير السنية فيمكن الاشارة إلى التفسير المنير لوهبة الزحيلي وتفسير الشعراوي لمحمد متولي الشعراوي والتفسير الحديث لعزة دروزة كنماذج تفسيرية توفرت على هذه الخصوصية.

2. المنهج العقلي في التفسير

اهتمت التفاسير المعاصرة بالمنهج العقلي والعقلانية مسلطة الأضواء على معنى العقل والعقلانية حيث طرحت الكثير من الابحاث والآراء المختلفة، من قبيل:

ألف. العقل البرهاني: الذي يعني معالجة القضايا التفسيرية والدينية معالجة عقلانية ويعتمد المنهج العقلي والبراهين المنطقية في إثباتها.[2] وكان السبب من وراء اعتماد المنهج العقلاني ما أثاره البعض من الباحثين من إشكالية خلو القرآن الكريم من النزعة العقلانية في الطرح؛ ويقع كلّ من تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي وتفسير تسنيم للشيخ جوادي آملي في مقدمة التفاسير ذات النزعة العقلية.

ب. العقل الفطري: بمعنى تطابق الرؤية القرآنية مع ما يدركه العقلاء في العالم. حيث يستعين الإنسان بالمنهج العقلي المسلَّم من قبل جميع العقلاء والقرائن الحافة وكلمات اللغويين ومعاني الألفاظ والجمل لفهم مراد الآيات ومقاصدها، فحينما يواجه الباحث الآية المباركة {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ‏}[3] يحكم العقل هنا  بأنّ هذا التعبير كناية عن أنّ بيعة النّبي هي بيعة اللّه، فكأنّ الله قد جعل يده على أيديهم فهم لا يبايعون النّبي فحسب، بل يبايعون الله، وليس المراد من اليد هنا العضو المعروف في البدن لأنّ الله تعالى منزه عقلاً عن الجسم والجسمانية، وأمثال هذه الكناية كثيرة في اللغة العربية.[4]

ومن هنا نرى الكثير من المفسرين المعاصرين عالجوا قضايا كلامية وفلسفية كثيرة من قبيل "مسألة الجبر" معالجة عقلية وذهبوا إلى إبطالها مستندين إلى القواعد العقلية؛ بل ذهب بعض المفسرين السنة المعاصرين أيضاً إلى تبني القول ببطلان استفادة الجبر من آيات الذكر الحكيم كالشعراوي والمراغي ووهبة الزحيلي و... رغم نزعتهم الأشعرية.

3. الاهتمام بالبعد التربوي والارشادي

لمّا كان القرآن الكريم {هُدًى لِلنَّاسِ}[5] وأنه {يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[6] فلا ريب يكون الهدف الإلهي من كتابه الكريم هداية البشرية وسوقها نحو التربية الصالحة والسعادة الحقة. ومن هنا بذل المفسرون المعاصرون جهوداً كبيرة  لتأمين الهدف الإلهي والغاية الربانية والأخذ بيد الانسان المعاصر نحو تلك الغاية من خلال رصد الخطط التربوية القرآنية وفتح نوافذ لرصد الأبعاد الروحية والعرفانية.

ويمكن الاشارة هنا إلى أنّ هذه القضية كانت منحصرة إلى حد ما في خصوص التفاسير العرفانية التي كانت سائدة في فترات زمنية قديمة، أما اليوم وبسبب التحديات والمشاكل البشرية فقد أخذت أكثر التفاسير المعاصرة تهتم بهذا البعد الإنساني وتسعى لتحقيق تلك الغاية القرآنية.[7]

ومن التفاسير التي عالجت القضية التربوية في الوسط التفسيري الشيعي كلّ من: تفسير الميزان؛ تفسير الأمثل؛ تفسير من هدي القرآن للسيد محمد تقي المدرسي؛ وتفسير روشن لحسن مصطفوي؛ وتفسير آسان = الميسر، لمحمد جواد النجفي، وتفسير من وحي القرآن للسيد محمد حسين فضل الله. أما التفاسير السنية التي اعتنت بهذا البعد التفسيري يقع في مقدمتها: التفسير المنير لوهبة الزحيلي وتفسير أيسر التفاسير لأبي بكر الجزائري وتفسير في ظلال القرآن.

4. الاهتمام بالبعد الاجتماعي

اهتم المفسرون بعد رصدهم للكثير من المتطلبات الاجتماعية، بتسليط الضوء على البعد الاجتماعي في القرآن الكريم ولم يكتفوا بنقل الروايات وحكايات السلف والمعاني اللغوية للكلمات؛ بل حاولوا الخوص في أعماق الآيات الكريمة ليستنبطوا منها الكثير من المفاهيم والمعالجات لمشاكل الإنسان المعاصر بطريقة تنسجم مع لغة العصر وطبيعة المخاطبين وبأسلوب جذاب.

وقد تمكن أصحاب هذا الاتجاه من إقصاء القضايا الخرافية والأوهام والتخيلات الزائفة عن الساحة التفسيرية واستبدالها بمعالجات واقعية عقلائية مؤكدين حقيقة كون القرآن صالحاً لمعالجة مشاكل البشرية في جميع العصور والأزمان ومع كلّ المتغيرات والتحولات البشرية.[8]

5. الاهتمام بجميع الأبعاد التفسيرية

ينبغي للمفسر أن لا يحصر نفسه في أطر وقيود محددة واعتماد أسلوب تفسيري واحد وحرمان نفسه من القرائن العقلية والنقلية، بل لابد من اعتماد أكثر من طريقة وانتهاج أكثر من أسلوب في تفسير الآيات مع ملاحظات القرائن الحافة (العقلية والنقلية والقرآنية)، وهذه الطريقة هي المعتمدة لدى كبار المفسرين المعاصرين.[9]

 ـــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]. علوي مهر، حسين، آشنايى با تاريخ تفسير ومفسران (=المدخل إلى تاريخ التفسير والمفسرين)، ص 357، قم، المركز العالمي للعلوم الإسلامية‏، الطبعة الأولى، 1384ش.

[2]. المصدر نفسه، ص358؛ جوادي آملي، عبد الله، تفسير تسنيم، تحقيق: إسلامي، علي، ج 1، ص 169- 170، الطبعة الثامنة، 1388ش.

[3]. الفتح، 10.

[4]. مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير بر رأي وهرج ومرج أدبي (=التفسير بالرأي والهرج والمرج الأدبي)‏، ص 38، قم، نسل جوان.

[5]. البقرة، 185.

[6]. الإسراء، 9.

[7]. آشنايي با تاريخ تفسير ومفسران، ص 360.

[8]. المصدر نفسه، ص361.

[9]. رضائي إصفهاني‏، محمد علي، در آمدى بر تفسير علمى قرآن (=مدخل إلى التفسير العلمي للقرآن)، ص 130، قم، أسوة‏، الطبعة الأولى، 1375ش.

 

* المصدر:  www.islamquest.net، بتصرّف.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=922