المراد بآيات الأحكام

السؤال :

ما المراد بآيات الأحكام؟



الجواب :

«آيات الأحكام» هي الآيات التي تُبيّن الأحكام الفقهية وتدلّ عليها بصريح النص، أو باستنباط المجتهد لها. وأوّل من صنّف في «آيات الأحكام» هو محمد بن السائب الكلبي (م146هـ)، وهو من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام). وأمّا عددها، فالمعروف بين الفقهاء قديماً وحديثاً أنها في حدود الخمسمئة آية.

ومن آيات الأحكام:

1- آية وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر

 {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأوْلَئكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} آل عمران: 105.

وهي من «آيات الأحكام» التي تبيّن حكماً فقهياً هو وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

(ولتكنْ) أمر، لأن لام الإضافة لا تسكن، وتسكين اللام يؤذن أنه للجزم.

(منكم) من للتبعيض عند أكثر المفسرين.

(أمة) كلّ جماعة يجمعهم أمر جامع إما دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد.

(المعروف) هو كلّ ما يُعرف وهو مشتق من عرف، و (المنكر) كلّ ما يُنكر وهو مشتق من الإنكار.

واختلفت آراء العلماء حول جملة «منكم أمة»، فذهب فريق إلى أن الظاهر منها هو جماعة من المسلمين لا كافة المسلمين، وبهذا لا يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً عامّاً، بل وظيفة دينية تختص بفريق من المسلمين. وذهب فريق آخر إلى أن «مِنْ» دخلت هنا ليحضّ المخاطبين والتقدير وليكن جميعكم، مثلما يستفاد من قوله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}. وبذلك يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً عينياً لا يسقط بقيام جماعة به، إلا أنه بالإمعان في هاتين الآيتين وغيرها من الآيات يتوضّح لنا أن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مرحلتين: «المرحلة الفردية» التي يجب على كلّ واحد القيام بها بمفرده، إذ يجب عليه أن يراقب تصرفات الآخرين، وهي تتحدّد بمقدار إمكانات الفرد وقدراته، و«المرحلة الجماعية» وهي من مسؤولية الأمة بما هي أمة، حيث يجب عليها أن تقوم بمعالجة كلّ اعوجاج وانحراف اجتماعي، وتضع حدّاً له. وحدودها تتّسع، ولهذا يكون من واجبات الحكومة الإسلامية، وشؤونها بطبيعة الحال. وهنا يكون واجباً كفائياً.

2- آية الجهاد

قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

هذه الآية من الآيات التي ورد فيها حكم شرعي هو وجوب القتال والجهاد.

(كتب) إشارة إلى حتميّة هذا الأمر الإلهي وقطعيته.

(كُرْه) يعنى مكروه، أي أن قتال الأعداء في سبيل الله أمر مكروه لدى عامة الناس، لأنها تقترن بتلف الأموال والنفوس وأنواع المصائب والمشقّات.

وهذه الآية الكريمة تشير إلى مبدأ أساس حاكم في القوانين التكوينية والتشريعية الإلهية فتقول: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ}.

فكما أن الإنسان لم يدرك شيئاً من أسرار الخلقة في القوانين التكوينية الإلهية، كذلك لا يعلم بكثير من المصالح والمفاسد في القوانين التشريعية، وقد يكره شيئاً في حين أن سعادته تكون فيه، أو أنه يفرح لشيء ويطلبه في حين أنه يستبطن شقاوته. وهذا المبدأ يعمق في الإنسان روح الانضباط والتسليم أمام القوانين الإلهيّة.

والآيات الواردة في الجهاد كثيرة:

ـ فمنها ما شرّعت الجهاد كقوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ...} [الحج: 39 ـ 40].

ـ ومنها ما تحرّض على القتال والجهاد بالمال والنفس بعد توفّر الأسباب كقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111]، و {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]، وغيرها من الآيات.

ـ ومنها ما حدّدت الأسباب الموجبة للقتال كقوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75]، و {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]، وغيرها من الآيات.

والجهاد من الفرائض الإلهية العظيمة التي حثّ عليه الإسلام كثيراً، ووردت نصوص كثيرة تؤكد على عظيم منزلته، فقد جاء في خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام): «أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنّته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذلّ وشمله البلاء...» [نهج البلاغة، الخطبة 27].

 

 

(*) موقع جمعية الذكر الحكيم لعلوم القرآن، قاسم حاجي. بتصرّف. 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=902