ما هي مصادر ومنابع فهم القرآن الكريم؟

السؤال :

ما هي مصادر ومنابع فهم القرآن الكريم؟



الجواب :

مصادر فهم القرآن ومنابعه هي خصوص الأدلة والمدارك المعتمدة في بيان المراد من النصّ القرآني المقروء قراءة تخصّصية، أو هي المادة الأولية لفهم النصّ، وهي كالتالي:
1- القرآن الكريم
إنَّ الحاجة للقرآن في فهمه معلومة ومعمول بها، بل يُعدّ ذلك من أفصل المصادر المعتمدة؛ وهو ما يُسمَّى بمنهج تفسير القرآن بالقرآن؛ ولعلَّ من أشهر بياناته الآيات المُحكمات التي تُقابلها الآيات المُتشابهات الحمالة وجوه، ولذلك فهي بحاجة إلى بيان المُحكمات، وهو قوله تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7]؛ حيث جرت القاعدة في عود المتشابه للمحكم في فهمه والعمل به.
2- الروايات
وهو ما صحّ لفظه أو معناه عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، سواء ما ورد في كتبنا الحديثية الأساسية والفرعية، أم ما ورد منها في صحاح مدرسة الخلفاء، وربما يُقال بأنَّ للروايات دورين مهمين، الأول لابدَّ منه، وهو الدور التطبيقي، والآخر تفسيري تعليقي، وذلك عند غياب المُبيِّن القرآني، وأنَّ لهذا الدور التفسيري التبييني وجهاً قرآنياً، وهو قوله تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44]، ولكنه دور تعليقي في صورة كون التبيين نبوياً خالصاً.
هكذا يرى جملة من أعلام التفسير، منهم السيد العلامة الطباطبائي وبتبعه أُستاذنا العلامة الحيدري، إلا أنَّ ذلك ليس صحيحاً، فالمنهج الروائي على حدٍّ سواء مع منهج تفسير القرآن بالقرآن، وليس مجرد أمر تطبيقي، حيث جريان نظرية الجري والتطبيق على النصوص الروائية المُفسِّرة للقرآن؛ وما قيل بأنَّ التفسير يتعاطى مع المفاهيم القرآنية، وأنَّ الروايات قد اقتصرت على الجوانب التطبيقية والمصداقية فلا تكون مُفسِّرة، فإنه قول مقبول في كبراه التي تقرن التفسير بالمفاهيم، ومرفوض في صغراه التي تنفي صفة المعالجات المفهومية عن الروايات؛ فذلك مناف لمقتضى التحقيق؛ فإنَّ الروايات منها ما جاءت لتحدِّد مصداقاً، ومنها ما جاءت لتشرح مفهوماً.
نعم، ينبغي الالتفات إلى الروايات الإسرائيلية، وهي صفة أُطلقت للتغليب، وذلك لأنَّ المعروف عن اليهود هو الدسّ والتزييف، وإلا فإنَّ هنالك وضَّاع حديث معروفين أُوسمت رواياتهم بالإسرائيليات أيضاً، قال أُستاذنا المُحقِّق معرفة: (التغليب للون اليهودي على غيره، لأنَّ غالب ما يُروى من هذه الخرافات والأباطيل مرجع في أصله إلى مصدر يهودي) [انظر: التفسير والمُفسِّرون في ثوبه القشيب، مصدر سابق 2: 80].
علماً بأنَّ صفة الإسرائيلية لا تصلح مناطاً لرفض الرواية، فللقبول والرفض مناطات أُخرى، منها: ما خالف منها القرآن أو السنة الصحيحة أو الضرورات الدينية أو البراهين العقلية يضرب بها عرض الجدار، وهذا ضابط عام تُقاس به الروايات الإسرائيلية وغيرها.
3- القرائن العقلية
فمن جملة أدوات الفهم الصحيح للنصّ القرآني تكمن في الوقوف على القرائن العقلية؛ ولعلَّ الكثير من السقطات التفسيرية كان منشأها عدم مُراعاة القرائن العقلية القطعية، كما هو الحال في تصوير الصفات الإلهية التي عُبِّر عنها قرآنياً بأُمور حسِّية، كاليد والوجه والعين، حيث نجد ذلك الركام الهائل من التشبيه المُفضي للشرك والكفر، وبالتالي فإنَّ الالتفات إلى القرائن العقلية يُشكّل عميلة وقائية لحفظ العملية التفسيرية من السقطات والتزييف، بل هي عملية وقائية تقي عقيدة المُفسّر والمُتابع له من الانحراف وتُجنّبهما من الضلال.
4- جملة من علوم القرآن
من قبيل الناسخ والمنسوخ والمكي والمدني، وأسباب النزول، وغير ذلك.
5- المعاجم اللغوية الموثوقة
6- العلوم الإنسانية
وأهمّها بالمعنى الأخصّ: الفلسفة والعرفان وعلم النفس والتأريخ والاجتماع والسياسة والقانون والإدارة والآثار والفنّ وبعض فروع الاقتصاد، وقد تُطلق العلوم الإنسانية ويُراد منها المعنى الأعمّ فتدخل علوم اللغة والأدب والطبّ، وغير ذلك ممَّا تتعلَّق بإبداع الإنسان وخلاَّقيته؛ ولا يخفى مدخلية جملة من العلوم الآنفة في فهم القرآن الكريم.
7- التجارب العلمية
حيث تكون الحاجة إليها في بيان الآيات ذات الإعجاز العلمي، فضلاً عن الحاجة إليها لمن نهج المنهج العلمي في التفسير.
8- القدرات الذاتية والمُكتسبة
ونعني بالقدرات الذاتية الخاصة بشخصية قارئ النصّ؛ أما القدرات الذاتية فهي: (الفطنة والذكاء؛ والموهبة الخلاَّقة، فإنَّ المُفسِّر يحتاج إلى مستوى من الموهبة والخلاَّقية يفوق ما يحتاجه أرباب الأدب والفنّ؛ وأيضاً سرعة البديهة وقوّة الاستيعاب؛ وقوَّة التصوّر والتخيل معاً، وذلك لأنَّ القرآن على مراتب، وهذه المراتب لا يُمكن تقصّيها بدون هاتين القوّتين؛ وحبّ الحقيقة والرغبة في التحصيل والتحقيق، ففي ذلك ضمانة بقاء الدافعية المستمرة، وضمانة الخروج من الأمَّعية والتقليد الأعمى؛ ومنها: الإخلاص والنقاء والطهارة، فذلك ركيزة أساسية في تقصّي الوجوه التأويلية.
وأما القدرات المكتسبة فمنها: المرتبة العلمية التي انتهى إليها المُفسّر، فجامع المنقول والمعقول عادة ما يفوق نتاجه التفسيري فاقد أحدهما، وجامع المنقول يفوق من توفّر على فنٍّ واحد من الفنون النقلية.
ومنها: المطالعة التأملية والمتابعة التحقيقية، فإنَّ معظم الأخطاء ناتجة عن قلّة المطالعة وضعف التأمل وندرة المتابعة والتحقيق.
ومنها أيضاً: الدقة وعمق التحليل، فذلك ما يُقرّبه من الأهداف البعيدة والقصوى من النصّ.
* انظر: دروس في علوم القرآن، الشيخ طلال الحسن، ص180-184.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=873