كيف تناولت الروايات الشريفة مسألة تحديد آخر سورة وآخر آية نزلت من القرآن الكريم؟ وما هو طريق الجمع بينها؟

السؤال :

كيف تناولت الروايات الشريفة مسألة تحديد آخر سورة وآخر آية نزلت من القرآن الكريم؟ وما هو طريق الجمع بينها؟



الجواب :

جاء في رواياتنا أنَّ آخِر ما نزل هي سورة النصر، روي أنّها لمّا نزلت وقرأها (صلّى الله عليه وآله) على أصحابه فرحوا واستبشروا، سوى العباس بن عبد المطلب فإنَّه بكى، قال (صلّى الله عليه وآله): >ما يبكيك يا عمّ؟ قال: أظنُّ أنَّه قد نُعيت إليك نفسك يا رسول الله، فقال: إنَّه لَكما تقول<، فعاش (صلّى الله عليه وآله) بعدها سنتين [مجمع البيان للطبرسي: ج10، ص554].
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: >وآخِر سورة نزلت: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ}< [تفسير البرهان للبحراني: ج1، ص29].
وأخرج مسلم عن ابن عبّاس، قال آخِر سورة نزلت: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ} [الإتقان: ج1، ص27].
وروي أنّ آخِر سورة نزلت براءة، نزلت في السنة التاسعة بعد عام الفتْح، عند رجوعه (صلّى الله عليه وآله) من غزوة تبوك، نزلت آيات من أوّلها، فبعث بها النبي مع عليّ (عليهما السلام)؛ ليقرأها على مَلأ من المشركين [تفسير الصافي للفيض: ج1، ص680].
وروي أنّ آخِر آية نزلت: {وَاتّقُوْا يَوْمَاً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمّ تُوَفّى‏ كُلّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281]، نزل بها جبرائيل، وقال: >ضعْها في رأس المئتين والثمانين من سورة البقرة<، وعاش الرسول (صلّى الله عليه وآله) بعدها أحداً وعشرين يوماً، وقيل: سبعة أيّام [تفسير شبّر: ص83].
قال ابن واضح اليعقوبي: وقد قيل: إنَّ آخِر ما نزل عليه (صلّى الله عليه وآله): {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة: 3] قال: وهي الرواية الصحيحة الثابتة الصريحة، وكان نزولها يوم النصّ على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه بغدير خمّ [تاريخ اليعقوبي: ج2، ص35].
قال الشيخ معرفة (ره) معقّباً على ذلك:
فطريق الجمْع بين هذه الروايات: أنَّ آخِر سورة نزلت كاملة هي سورة النصر، فقال (صلّى الله عليه وآله): >أمَا إنَّ نفسي نُعيَت إليَّ< [مجمع البيان: ج2، ص394]، وآخِر سورة نزلت باعتبار مفتتحها هي سورة براءة.
وأمّا آية: {وَاتّقُوْا يَوْمَاً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ} فإن صحَّ أنّها نزلت بمِنى يوم النحْر في حجَّة الوداع، كما جاء في رواية الماوردي [البرهان للزركشي: ج1، ص187]، فآخِر آية نزلت هي: آية الإكمال، كما ذكرها اليعقوبي؛ لأنَّها نزلت في مرجعه (صلّى الله عليه وآله) من حجَّة الوداع ثامن عشر ذي الحجّة، وإلاّ فلو صحَّ أنَّ النبي (صلّى الله عليه وآله) عاش بعد آية (وَاتّقُوْا..) أحداً وعشرين يوماً، أو سبعة، أو تسعة أيام، فهذه هي آخر آية نزلت عليه (صلّى الله عليه وآله).
ثم قال (ره): والأرجح عندنا: هو ما ذهب إليه اليعقوبي؛ نظراً لأنَّها آية الإعلام بكمال الدِين، فكان إنذاراً بانتهاء الوحي عليه (صلّى الله عليه وآله) بالبلاغ والأداء، فلعلَّ تلك الآية كانت آخِر آيات الأحكام، وهذه آخر آيات الوحي إطلاقاً. وهناك أقوال وآراء أُخر لا قيمة لها، إنَّها غير مستندة إلى نصّ معصوم. قال القاضي أبو بكر - في الانتصار -: وهذه الأقوال ليس في شيء منها ما رُفع إلى النبي (صلّى الله عليه وآله)، ويجوز أن يكون قاله قائلُه بضربٍ من الاجتهاد وتغليب الظنّ، وليس العلم بذلك من فرائض الدين؛ حتَّى يلزم ما طعن به الطاعنون من عدم الضبط، ويُحتمل أنَّ كُلاًّ منهم أخبر عن آخِر ما سمعه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وغيره سمِع منه بعد ذلك. ويحتمل أيضاً أن تنزل الآية التي هي آخِر آية تلاها الرسول (صلّى الله عليه وآله) مع آيات نزلت معها، فيؤمَر برسم ما نزل معها، وتلاوتها عليهم بعد رسم ما نزل آخراً وتلاوته، فيظنّ سامع ذلك أنَّه آخِر ما نزل في الترتيب [البرهان للزركشي: ج1، ص210]. [انظر: تلخيص التمهيد، ج1، ص80-81]


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=860