ما المراد من قوله: {الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}؟ ومَن هُم هؤلاء الذين تعنيهم الآية أو تشملهم؟

السؤال :

ورد في سورة آل عمران قوله تعالى: {... وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ...} [آل عمران : 7]. ما المراد من قوله: {الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}؟ ومَن هُم هؤلاء الذين تعنيهم الآية أو تشملهم؟



الجواب :

الرسوخ ـ لغةً ـ بمعنى «الثبات» و«النفوذ»،  والمقصود من الآية الشريفة أنّ علم الإنسان ومعارفه لها أصالتها وجذورها، ولأجل هذا التناسب أطلق القرآن الكريم على بعض علماء اليهود ـ الذين يتحلّون بسعة من العلم والمعرفة في مجال الدين ـ وصف «الراسخون في العلم»، وقال تعالى في حقّهم: {.. لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 162]. ففي  هذه الآية أُطلق هذا الوصف على طائفة من بني إسرائيل الذين لهم معرفة واسعة وشاملة بالتوراة ويعلمون بالبشارة التي وردت فيها بحقّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وصفته التي ذكرها النبي موسى (عليه السلام) في توراته.
وهذا الاستعمال للآية في علماء بني إسرائيل يفيد بأنّ الآية ذات مفهوم واسع وشامل بحيث يشمل كلّ العلماء والمفكّرين الذين لهم قدم راسخة ومعرفة أصيلة وعميقة في العلم والمعرفة.
وإذا ما لاحظنا في بعض الروايات انّ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) قد وصفوا أنفسهم بصفة «الراسخون في العلم» ففي حقيقة الأمر إنّ ذلك من قبيل تطبيق المفهوم على المصداق  الأكمل والفرد الممتاز واللامع، إذ إنّ أهل البيت ـ وبلا ريب ـ هم أشهر وألمع الشخصيات الإسلامية في سماء العلم والمعرفة والفهم.
ونحن هنا نذكر كنموذج; رواية واحدة في هذا المجال، ومن أراد المزيد من الاطّلاع فعليه مراجعة المصادر التي نذكرها في الهامش. [الكافي:1/213; تفسير البرهان:1/270ـ 271; تفسير نور الثقلين:1/260ـ 265]
قال الإمام الصادق(عليه السلام) :>نحن الراسخون في العلم ونحن نعلم تأويله». [الكافي:1/ 213]
والذين يدركون منهج أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير آيات الذكر الحكيم، يعرفون جيداً أنّ منهجهم (عليهم السلام) هو تطبيق المفاهيم الكلّية على المصاديق الممتازة، أو المنسية والمهمولة، ومن الطبيعي أنّ هذا ليس من باب الحصر، بل من باب التطبيق على المصاديق الممتازة كما قلنا، ولذلك يمكن تطبيق تلك المفاهيم على مصاديق أُخرى تتحلّى بالوصف الذي يوجد في المفهوم الوارد في الآية. وإذا ما أدركنا حقيقة هذا المنهج وعرفنا المراد منه، فحينئذٍ سوف تحلّ عقدة الكثير من الآيات الواردة في هذا المجال والتي فسّرت في أهل البيت (عليهم السلام) .
وإنّ جهل بعض الكتّاب بمنهج أهل البيت (عليهم السلام)، في تفسير الآيات كان سبباً لطرح الروايات التي تطبق مفهوم «الراسخون في العلم» على أهل البيت (عليهم السلام). والحال أنّ هذه الروايات من الروايات التطبيقية ـ التطبيق على الفرد الأكمل ـ للمفاهيم على مصاديقها الكاملة وليست من قبيل المنهج الحصري.
نعم، هناك روايات يظهر منها الانحصار وأنّ مصداق الآية منحصر في أهل البيت (عليهم السلام) فقط، ولكن يمكن الإجابة عن هذه الطائفة من الروايات: بأنّها ناظرة إلى مرتبة العلم ودرجته القصوى التي يتحلّى بها أهل البيت (عليهم السلام) والتي لا يدانيهم فيها أحدٌ من الناس. وهذا الاستعمال والحصر ليس غريباً لمن له معرفة في القرآن الكريم، فعلى سبيل المثال: نجد الأنبياء مع عظمتهم ومنزلتهم في العلم والمعرفة التي حباهم الله بها، ولكنّهم حينما يقارنون بين علمهم وعلمه سبحانه الغير متناهي يذعنون لتلك الحقيقة، ويقولون كما قال سبحانه: {لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة: 109].
* المصدر: موقع مؤسسة الإمام الصادقم (عليه السلام) لآية الله الشيخ السبحاني.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=832