ما معنى الحکمة في القرآن وفرقها عن العلم؟

السؤال :

ما معنى الحکمة في القرآن وفرقها عن العلم؟



الجواب :

(الحِكْمَةُ) في اللّغة هي: إصابة الحق بالعلم والعقل. [مفردات الراغب، ص249، مادة (حکم)]. وأمّا (العِلْمُ) فهو إدراك الشيء بحقيقته [المصدر نفسه، ص580، مادة (علم)].

تکرّرت صيغة (الحکمة) في القرآن إحدى وعشرين مرّة، وقد طرح المفسّرون عدّة آراء في تفسير الحکمة وبيان معانيها، ومن أهمّها:

1ـ أنّ المراد من الحکمة هي النبوة. [مجمع البيان، ج2، 151] کما جاء في الآية الشريفة في قوله تعالى: {وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْکَ وَالْحِکْمَةَ} [سورة البقرة، 251].

2ـ أنّ المقصود بالحکمة: التشريع وعلم الحلال والحرام[مجمع البيان، ج10، ص 298] وقد جاء في الآية الشريفة: {وَيعَلِّمُهُ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ}.[ سورة آل عمران، 48]

3ـ ذهب جمع من المفسّرين إلى أنّ الحکمة هي علوم القرآن ومعرفة الناسخ والمنسوخ، المحکم والمتشابه، والمقدّم والمؤخّر و... [مجمع البيان ج10، ص 194] وقد جاء في الآية الشريفة: {يؤْتِي الْحِکْمَةَ مَنْ يشَاءُ وَمَنْ يؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِي خَيراً کَثِيراً} [سورة البقرة، 269].

4ـ وعلى قول بعض المفسّرين أنّ المراد هو الوصول إلى حقيقة الخطاب الإلهي على مستوى القول والعمل. [مجمع البيان، ج 10 ص 194]

5ـ وقال عدّة عن المقصود بالحکمة هي علوم الدين الواسعة. [مجمع البيان، ج10، ص194]

6ـ وباعتقاد البعض أنّ مفهوم الحکمة هو الفهم الصحيح لمعنى الدين. [مجمع البيان، ج10ص194]

7ـ واعتقد عدد أنّ (الحکمة) هي العلم الذي يبني شخصية الإنسان ويقوّيها. [مجمع البيان، ج10ص194]

وفي نهاية المطاف فإنّ العلامة الطباطبائي يقول: الحكمة هي الصورة العلمية من حيث إحكامها وإتقانها. [تفسير الميزان، ج2، ص395] وهذا المعنى يمکن أن يکون جامعاً لکل الآراء، وفي الحقيقة فإنّ جميع الأقوال هي مصاديق لهذا المعنى لأنّ کلمة محکمة وحکمة وأمثالها، تعطي معنى الثبات والاستحکام، وعدم قابلية الزوال. [جوادي الآملي، تفسير موضوعى قرآن در قرآن "التفسير الموضوعي للقرآن في القرآن"، ج1، ص297]

ولهذا فقد سمى الله سبحانه القرآن الکريم بالکتاب الحکيم {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} [سورة يونس، 1؛ وسورة لقمان، 2]؛ لأنّ القرآن يضع الکلام في مواقعه، فهو کلام جيّد ومتقن يدعمه الدليل والبرهان، والکلام المجرّد عن الدليل لا يکون محکماً. [تفسير موضوعى قرآن در قرآن" التفسير الموضوعي للقرآن في القرآن"، ج1، ص297] وقد نسب إلى النبي الأكرم (ص) أنّه قال: >قلب ليس فيه شيء من الحکمة کبيت خرب، فتعلموا وعلموا وتفقهوا ولاتموتوا جهالاً<. [کنز العمال، ج10، ص147 ح28750، والشيخ المحمودي، نهج السعادة:ج7ص343، وميزان الحکمة، ج3، ص2063]

وأمّا کلمة (العلم) فقد وردت مئة وخمس مرّات في القرآن الکريم، ومن الطبيعي أنّ مشتقات الکلمة جاءت بکثرة في القرآن الکريم وقد وردت هذه الکلمة في القرآن على عدّة معانٍ؛ فتارةً بمعنى العلم بمعناه المعروف {قَدْ عَلِمَ کُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [سورة البقرة، 6]. وتارةً بمعنى الإظهار {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَي الْحِزْبَينِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً} [سورة الکهف، 12]. قال العلامة الطباطبائي في ذيل الآية: المراد هنا العلم الفعلي وهو ظهور الشيء وحضوره بوجوده الخاص عند الله [تفسير الميزان: ج13ص249]. و(العلم) بهذا المعنى استعمل کثيراً في القرآن الکريم. وتارةً يکون المراد هو الدليل والحجة. [ انظر: سورة الکهف، 4 و5]

وعلى العموم فإنّ بحث ودراسة استعمال هذه المادّة ومشتقّاتها في آيات القرآن الکريم يظهر أنّ تمام الموجودات تمتلك علماً. کما يقول العلامة الطباطبائي في تفسير الآية {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}: >إن جملة {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} هي أفضل دليل على أن تسبيح الموجودات ناشئ عن علم، وأنه بلسان المقال، فلو کان المراد هو لسان الموجودات ودلالته على وجود الصانع، فلا معنى لقوله: {وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}<. [انظر: تفسير الميزان، ج13ص109-115 وج19ص144]

وکذلك تدلّ آيات أخرى على هذا المعنى کمثل قوله تعالى في الإشارة إلى الأرض: {يوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّکَ أَوْحَى لَهَا} [سورة الزلزال، 5]، وکذلك الآيات التي تدلّ على أنّ أعضاء الإنسان تشهد عليه يوم القيامة وأنّها سوف تتحدّث وتسأل وتجيب. وجدير بالذکر هنا أنّ للعلم مراتب متعدّدة.

أمّا في الفرق بين الحکمة والعلم، فالحکمة من الإنسان معرفة الموجودات، وفعل الخيرات [مفردات الراغب، مادة (حکم)]. وبعبارة أخرى: هي معرفة القيم والمعايير التي يتمکّن الإنسان من خلالها من معرفة الحق وتشخيص الباطل ومعرفته في أيّ لباس کان، هذه هي الحکمة، ولذلك عبر بعض الفلاسفة عنها بأنها کمال القوة النظرية [تفسير الأمثل ج15ص399] فالحکيم ـ إذن ـ هو صاحب المعرفة والفهم العميق والعقل السليم، کما قال الإمام موسى بن جعفر(ع) لهشام بن الحکم: >الحکمة هي الفهم والعقل<. [تفسير نمونه "الأمثل" ج17، ص37]

والمحصلة هي أنّ (الحکمة) هي حالة وخاصية الإدراک والتشخيص الذي يتوقّف على العلم الذي حقيقته لله تعالى، هذه الحقيقة التي تلقّاها لقمان من الله سبحانه. [سورة لقمان، 12] وقد اعتقد جمع من الفلاسفة بأنّ المطالعة والتفكير لا توجد العلم، وإنّما تهيّئ روح الإنسان لقبول المعقولات، وعندما تکون النفس الإنسانية مهيّأة فإنّ العلم يُفاض عليها من قبل الخالق تعالى [الامثل، 16،ص349]. وعند ذلك تحصل لدى الإنسان في مرحلة العمل حالة التشخيص والإدراک.

إذن، فعمل الإنسان هو علّة لتهيئة الروح لتلقّي العلم، وتلقّي العلم وقبوله مقدّمة وعلّة لإيجاد حالة روحية تساعده على تشخيص الحق من الباطل، وإدراک المفاسد والحواجز.

وكما قلنا فإنّ للعلم مراتب، وحتى الموجودات من غير ذوي العقول فإنّها تمتلك قدراً من العلم ومن الممکن القول بوجود نسبة بين العلم وجميع الموجودات کل بما يتناسب مع ظرفه واستعداده الوجودي. خلافاً للحکمة فإنّها من مختصات ذوي العقول وصفاتها.

* المصدر: موقع http://www.islamquest.net ، بتصرّف.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=826