أليست الرواية تتعارض مع مسلمات الإمامية، من أن الباري عز وجل لا يحدّه حد؟

السؤال : لدي سؤال طالما كان يجول في خاطري يتعلق بالمقام الذي وصل إليه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) من قاب قوسين أو أدنى ومضمون الرواية التي تتكلم عن هذا الحدث وعن حديث الرسول مع جبرئيل، وقول جبرئيل: لو تقدمت قيد أنملة لاحترقت، نعم هذا المضمون يدل على أن المقام كان مقاماً مادياً وأن العروج في هذا الموقع كان عروجاً مادياً. وسؤالي هنا : أليست الرواية تتعارض مع مسلمات الإمامية، من أن الباري عز وجل لا يحدّه حد؟ إذ إن القرب هنا ـ حسب الظاهر ـ يتحدث عن القرب المكاني للرسول من الله جل وعز فبذلك تكون الآية قد حددت الباري تبارك وتعالى.

الجواب : بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.. إن النبي (صلى الله عليه وآله) حين عرج به في السماوات، وبلغ تلك الدرجات، فإنما بلغها بما منَّ الله به عليه وأهَّله له، من رقي روحي، ومن سمو في حقيقة ذاته، ومن عمق معرفة بالله سبحانه، وبأسرار هذا الخلق والخليقة، وقد مكنته هذه المعرفة، وهيأ له ذلك السمو القدرة على التصرف المأذون له فيه، واستحق أن يسري به الله سبحانه في السماوات، حتى بلغ سدرة المنتهى ليريه من آياته الكبرى.. ولكن جبرئيل عليه السلام، لم يكن له من ذلك كله، ما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله، لأنه لم يكن له علمه، ولا مقامه، بل هو كان يتشرف بخدمته، ويستفيد من علمه، ويكتسب المقامات من خلاله صلى الله عليه وآله..فكان من الطبيعي أن لا يتمكن من الوصول إلا إلى المواقع التي أهلته إلى الوصول إليها ملكاته، وقدراته، وميزاته، وصفاته.. ولم يكن قادراً على ما هو أسمى، وأبعد من ذلك، ولا يطيق تحمل مسؤولياته، ولا أن يقوم بمهماته، فلو أنه اقتحم تلك المواقع العظيمة، فإنه سوف يواجه السقوط والتلاشي أمام عظمة ما يتصدى له من مهمات، وشدة ما يواجهه من مسؤوليات، تحتاج إلى نوع ومستوى أعلى وأعظم من الطاقات والملكات والقدرات.. ولأجل ذلك.. كان لا بد لجبرئيل من أن يقف عند حده الذي لو تجاوزه لاحترق وتلاشى، ثم يستمر رسول الله صلى الله عليه وآله في مسيرته التي هيأ لها زادها، وتوفرت لديه وسائلها، وأعد نفسه لتحملها، وأصبح قادراً على القيام بمسؤولياتها.. وهذا هو المراد بالقول: إن جبرئيل لو تقدم عن ذلك المقام لاحترق.. وليس المراد أن جبرئيل عليه السلام أو النبي صلى الله عليه وآله قد وصلا قريباً من الله تعالى، لكي يقال: كيف يصح ذلك؟ مع أن الله لا يحده مكان، ولا يحويه زمان؟!.. فالقرب من الله قرب معنوي وروحي، وليس قرباً مكانياً.. كما أن ما يقال من أنه صلى الله عليه وآله قد رأى الله في معراجه، فإنما يراد به أنه رآه بقلبه، ولم يره بعينه.. مع احتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وآله إنما رأى جبرئيل على صورته الحقيقية عند سدرة المنتهى: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [سورة النجم: 16]. والحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين.. *المصدر: كتاب (مختصر مفيد) للسيد جعفر مرتضى العاملي: ج8، ص30 -32، بتصرّف يسير.

  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=740