الفرق بين الانزال والتنزيل

السؤال :

ما هو الفرق بين الانزال والتنزيل الوارد في القران الكريم؟ وماهي الاراء الوارده في ذلك؟



الجواب :

إن النزول على ضربين:

أولاً: النزول على النحو التجافي: كالتعامل مع العلوّ والسفل على نحو مكاني، بحيث يكون الشيء في مكان ولا يكون في مكان آخر. ومثاله: نقل الكتاب من مكان عالٍ إلى مكان دانٍ، فحركة الانتقال من العلوّ إلى السفل يُطلق عليها الإنزال على نحو التجافي، فعندما كان الكتاب في الموضع العالي كان السفل خالياً منه، وعندما صار إلى الموضع السافل صار العلوّ خالياً منه.

إلى هذا الاستعمال يشير قوله تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) (السجدة: 16) فعندما ينهض هؤلاء لا تبقى جنوبهم في المضجع، بل تتجافى عنه وتتباعد.

ثانياً: النزول على نحو التجلي: أبرز خصوصية له أنّ الشيء إذا تنزّل لا يفقد وجوده في العلوّ ولا يفقد مرتبته الحضورية فيه. ويمكن تقريب الحالة بمثال من النشاط العلمي للإنسان، فإذا ما كانت عند الإنسان فكرة في ذهنه، ثمّ عمد إلى كتابتها على الورق، فإنّ هذه الفكرة تكون قد تنزّلت من مرتبة العقل وصارت في مرتبة الورق، والعقل مرتبة من الوجود والورق مرتبة أخرى منه. بيدَ أنّ الفكرة هذه عندما نزلت من الذهن على الورق لم يفقد الإنسان علمه بها، بل هي ما تزال تحافظ على وجودها في الذهن، غاية ما هناك أنّها ظهرت في مرتبة أخرى من مراتب الوجود لكن من دون أن تفقد مرتبتها السابقة.

طبيعي أنّ للفكرة في مرتبتها الوجودية أحكامها الخاصّة بها، فهي في الذهن وجود مجرّد غير قابل للنقل والسرقة، لكنّها وهي على الورق تنطبق عليها أحكام المادّة، فتكون قابلة للانتقال والسرقة مثلاً. والفكرة هي هي، وهي غيرها. فهي هي لأنّ المضمون واحد، فما هو موجود في الذهن وما هو على الورق شيء واحد. وهي غيرها لأنّهما يختلفان في المرتبة الوجودية.

يعبّر القرآن الكريم عن هذا الضرب من النزول والتنزّل بـ(التجلّي) كما في قوله سبحانه: (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) (الأعراف: 143). وهذا المعنى ينطبق على استعمالات القرآن في إنزال الكتاب، إذ لا يعني هذا الإنزال أنّ الكتاب فقد موضعه الأعلى عندما نزل إلى هذه الدُّنيا، بل هو محافظ على موقعه ذاك في عين وجوده في عالمنا، لكن مع حفظ المرتبة الوجودية لكلا الموضعين.

وهذا الكلام ينطبق بحذافيره على تنزّل الأمر من العرش، ففي سياق هذا التنزّل لا تفقد الأمور موضعها في العرش، بل تبقى لها مرتبتها الوجودية هناك، وتبرز في الوقت ذاته في المواضع الأخرى بمرتبة وجودية أخرى.

وذهب بعض المفسرين إلى التفريق بينهما: بكون التنزيل هو النزول على نحو تدريجي، وأن الإنزال هو النزول على نحو دفعي.

 

 المجيب: موقع السيد كمال الحيدري


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=654