مسالة//قال تعالى({يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ }...

السؤال :

مسالة//قال تعالى({يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ }السجدة5)و قال سبحانه({تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ }المعارج4)،ارجو بيان تفسير هاتين الآيتين الشريفتين،يدبر الأمر،يعرج إليه و تعرج إليه،ألف سنة،خمسين ألف سنة،....؟



الجواب :

لقد أجاب آية الله العظمى السيد على السيستاني (دام ظله الوراف)، حيث قال:

هناك احتمالات عديدة للجمع بين الآيتين ذكرها المفسرون لعل أقربها ما في بعض الروايات من أن يوم القيامة يشتمل على خمسين موقفا كل موقف يعادل ألف سنة من سني الدنيا، ويأتي بعده احتمال أن لا يكون المراد بالعدد التحديد الكمي بل الإشارة إلى الفرق الشاسع بين اليوم واليوم، ولا بد أن يؤخذ بعين الاعتبار احتمال أن المراد باليوم ليس هو المعنى المتبادر بل مرحلة من مراحل التكوين كالأيام الستة التي خلق الله فيها السماوات والأرض أي جميع الكون . ثم أن آية سورة المعارج تصرح بأن المراد به يوم القيامة لما تليها من الآيات، وأما آية سورة السجدة فيحتمل أن يراد بها مرحلة عروج كل أمر إليه تعالى كما أن ضمير يعرج يعود إلى الأمر في سورة السجدة وضمير تعرج يعود إلى الملائكة والروح فيختلف اليومان بهذا الاعتبار أيضا والله العالم . [استفتاءات - السيد السيستاني - ص 73 – 74]

وجاء في بحار الأنوار للعلامة المجلسي (ج 7 - ص 122 – 123) ما نصه:

(وفي قوله تعالى : (يدبر الامر من السماء إلى الأرض) أي يدبر الأمور كلها ويقدرها على حسب إرادته فيما بين السماء والأرض، وينزله مع الملك إلى الأرض.

(ثم يعرج إليه) أي يصعد الملك إلى المكان الذي أمره الله تعالى أن يصعد إليه.

(في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) أي يوم يكون مقداره لو سار غير الملك ألف سنة مما يعده البشر : خمسمائة عام نزول، وخمسمائة عام صعود.

 والحاصل أنه ينزل الملك بالتدبير أو الوحي، ويصعد إلى السماء، فيقطع في يوم واحد من أيام الدنيا مسافة ألف سنة مما تعدونه أنتم، لان ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام لابن آدم). 

ثم قال: (وقيل : معناه أنه يدبر الله سبحانه ويقضي أمر كل شيء لألف سنة في يوم واحد، ثم يلقيه إلى ملائكته، فإذا مضى الألف سنة قضى لألف سنة أخرى، ثم كذلك أبدا.

 وقيل : معناه : يدبر أمر الدنيا فينزل القضاء والتدبير من السماء إلى الأرض مدة أيام الدنيا، ثم يرجع الامر ويعود التدبير إليه بعد انقضاء الدنيا وفنائها، حتى ينقطع أمر الامراء وحكم الحكام، وينفرد الله بالتدبير في يوم كان مقداره ألف سنة وهو يوم القيامة، فالمدة لمذكورة مدة يوم القيامة إلى أن يستقر الخلق في الدارين.

 فأما قوله : (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)  فإن المقامات في يوم القيامة مختلفة، وقيل : إن المراد بالأول أن مسافة الصعود والنزول إلى سماء الدنيا في يوم واحد للملك مقدار مسيرة ألف سنة لغير الملك من بني آدم، وإلى السماء السابعة مقدار خمسين ألف سنة .

وقيل : إن الألف سنة للنزول والعروج، والخمسين ألف سنة لدة القيامة .

وفي قوله سبحانه : (تعرج الملائكة والروح) الآية : اختلف في معناه فقيل : تعرج الملائكة إلى الموضع الذي يأمرهم الله به في يوم كان مقداره من عروج غيرهم خمسين ألف سنة، وذلك من أسفل الأرضين إلى فوق السماوات السبع.

 وقوله : (ألف سنة) هو لما بين السماء والأرض في الصعود والنزول.

 وقيل : إنه يعني يوم القيامة، وأنه يفعل فيه من الأمور ويقضي فيه الاحكام بين العباد ما لو فعل في الدنيا لكان مقدار خمسين ألف سنة .

 وروى أبو سعيد الخدري قال : قيل : يا رسول الله ما أطول هذا اليوم ؟ فقال : والذي نفس محمد بيده إنه ليخفف على المؤمن، حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا .

وقال القمي في تفسيره: (يدبر الامر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه) يعني الأمور التي يدبرها والامر والنهي الذي أمر به وأعمال العباد كل هذا يظهره يوم القيامة فيكون مقدار ذلك اليوم ألف سنة من سني الدنيا . "  تفسير القمي، ج2، ص168.

وجاء في الفصول المختارة للشريف المرتضى، ص 108، أنه قال:

 وقوله في موضع آخر : (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة * فاصبر صبرا جميلا)

 وقوله تعالى في موضع آخر (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون)

وما الوجه في هذه الآيات مع اختلاف ظواهرها ؟

فقال الشيخ أدام الله عز : أما معنى الأولى والثانية فإنه تحمل على التعظيم لأمر الآخرة والإخبار عن شدته وأهواله، فاليوم الواحد من أيامها على أهل العذاب كألف سنة من سني الدنيا لشدته وعظم بلائه وما يحل بالكافرين فيه من أنواع العذاب . واليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة فهو يوم المحشر وإنما طال على الكافرين حتى صار قدره عندهم ذلك لما يشاهدون فيه من شدة الحساب وعذاب جهنم وصعوبته، والممر على الصراط، والمعاينة للسعير وإسماعهم زفرات النار وصوت سلاسلها وأغلالها، وصياح خزنتها، ورؤيتهم لاستطارة شررها .

وجاء في تفسير الميزان - السيد الطباطبائي(ج 16 - ص 247 – 248) ما نصه:

قوله تعالى : (يدبر الامر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون)

تتميم لبيان أن تدبير أمر الموجودات قائم به سبحانه وهذا هو القرينة على أن المراد بالأمر في الآية الشأن دون الامر المقابل للنهي . والتدبير وضع الشيء في دابر الشيء والاتيان بالأمر بعد الامر فيرجع إلى اظهار وجود الحوادث واحدا بعد واحد كالسلسلة المتصلة بين السماء والأرض وقد قال تعالى : (وان من شيء الا عندنا خزائنه وما ننزله الا بقدر معلوم) الحجر : 21، وقال : (انا كل شيء خلقناه بقدر) القمر : 49 .

وقوله : (ثم يعرج إليه) بعد قوله : (يدبر الامر من السماء إلى الأرض) لا يخلو من اشعار بأن (يدبر) مضمن معنى التنزيل.

والمعنى : يدبر الامر منزلا أو ينزله مدبرا - من السماء إلى الأرض ولعله الامر الذي يشير إليه قوله : (فسواهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها) حم السجدة : 12 .

وفى قوله : (يعرج إليه) اشعار بأن المراد بالسماء مقام القرب الذي تنتهي إليه أزمة الأمور دون السماء بمعنى جهة العلو أو ناحية من نواحي العالم الجسماني فان الامر قد وصف قبل العروج بالنزول فظاهر العروج أنه صعود من الطريق التي نزل منها، ولم يذكر هناك الا علو هو السماء، وسفل هو الأرض ونزول وعروج فالنزول من السماء والعروج إلى الله يشعر بأن السماء هو مقام الحضور الذي يصدر منه تدبير  الامر أو أن موطن تدبير الامر الأرضي هو السماء والله المحيط بكل شيء ينزل التدبير الأرضي من هذا الموطن، ولعل هذا هو الأقرب إلى الفهم بالنظر إلى قوله : (وأوحى في كل سماء أمرها) .

وقوله : (في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) معناه على أي حال أنه في ظرف لو طبق على ما في الأرض من زمان الحوادث ومقدار حركتها انطبق على ألف سنة مما نعده فان من المسلم أن الزمان الذي يقدره ما نعده من الليل والنهار والشهور والسنين لا يتجاوز العالم الأرضي . وإذ كان المراد بالسماء هو عالم القرب والحضور وهو مما لا سبيل للزمان إليه كان المراد أنه وعاء لو طبق على مقدار حركة الحوادث في الأرض كان مقداره ألف سنة مما تعدون . وأما أن هذا المقدار هل هو مقدار النزول واللبث والعروج أو مقدار مجموع النزول والعروج دون اللبث أو مقدار كل واحد من النزول والعروج أو مقدار نفس العروج فقط بناء على أن (في يوم) قيد لقوله : (يعرج إليه) فقط كما وقع في قوله : (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) المعارج : 4 .

ثم على تقدير كون الظرف قيدا للعروج هل العروج مطلق عروج الحوادث إلى الله أو العروج يوم القيامة وهو مقدار يوم القيامة، وأما كونه خمسين ألف سنة فهو بالنسبة إلى الكافر من حيث الشقة أو أن الألف سنة مقدار مشهد من مشاهد يوم القيامة وهو خمسون موقفا كل موقف مقداره ألف سنة .

ثم المراد بقوله : (مقداره ألف سنة) هل هو التحديد حقيقة أو المراد مجرد التكثير كما في قوله : (يود أحدهم لو يعمر ألف سنة) البقرة : 96، أي يعمر عمرا طويلا جدا وان كان هذا الاحتمال بعيدا من السياق .

والآية - كما ترى - تحتمل الاحتمالات جميعا ولكل منها وجه والأقرب من بينها إلى الذهن كون (في يوم) قيدا لقوله : (ثم يعرج إليه) وكون المراد بيوم عروج الامر مشهدا من خمسين مشهدا من مشاهد يوم القيامة، والله أعلم .

اللجنة العلمية في دار السيدة رقية عليها السلام للقرآن الكريم


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=627