هل يوجد دليل قرآني على انسجام آيات القرآن؟

السؤال :

هل يوجد دليل قرآني على انسجام آيات القرآن؟ 



الجواب :

  إن لله سبحانه بيانان على انسجام كل آيات القرآن، أحدهما ناظر إلى عدم اختلاف آيات القرآن المجيد، و الآخر إلى انعطاف و ترابط آيات القرآن مع بعضها البعض؛ أما البيان الأول فمستفاد من الآية «أفلا يتدّبرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً»(1)؛ لأن نداء الآية المذكورة هو دعوة الجميع إلى التدبر التام في كل الكتاب الذي نزل متحداً و متناسقاً خلال ما يقرب من ربع قرن في ظروف صعبة و سهلة، و في الحرب و الصلح، و الغربة و القربة، و الأوج و الحضيض، و السرّاء و الضرّاء، و الهزيمة و العزيمة، و الانكسار و الانتصار و أخيراً في مختلف الأوضاع السياسية و العسكرية و الاجتماعية. فيتم بالاستمداد من العقل البرهاني الذي هو أحد المصادر الغنية و القوية لتفسير القرآن و الذي هو داخل في دائرة الدين، لا خارج عنها؛ كما سيأتي بيانه في فصل التفسير بالرأي، تحليل القياس الاستثنائي المستفاد من هذه الآية و تقرير التلازم بين المقدم و التالي، و تقريب بطلان التالي، و استنتاج بطلان المقدم لبطلان التالي. فالمقصود هو أن الآية المذكورة تدعو إلى التدبر في جميع القرآن، و تقدّم دعوى عدم الاختلاف على نحو السالبة الكلية، و تعتبر حصيلة ذلك التدبر الشامل دليل على صحة هذه الدعوى، و تُقرن الادّعاء المذكور بتلك البيّنة و ذلك الشاهد الصادق. و أما البيان الثاني لله فهو مستنبط من الآية «الله نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعرّ منه الجلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم و قلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء و من يضلل الله فما له من هاد»(2)؛ لأن محتوى الآية المذكورة هو أن كل آيات القرآن متشابهة و متحدة و متوازنة من جانب، و منثنية و منعطفة و مترابطة من جانب آخر. و معنى الانثناء و الانعطاف و الترابط بين مباحث كتاب علمي هو أن أي واحد من مباحثه يُبين أو يزداد بياناً و يتّضح أو يزداد وضوحاً بالآخر. فإن مثل هذا الكتاب المترابطة كل آياته بعضها مع بعض، لابدّ و أن يكون بعضه مفسراً و مبيناً للبعض الآخر، و شارحاً لنفسه من الداخل. إن دعوة التدبّر و ادّعاء النزاهة عن الاختلاف، كما أنه شاهد بيّن على عمومية فهم القرآن، هو خير شاهد على استقلال القرآن في الحجية و تبيين المعارف، و كذا على صحة و قوة أسلوب تفسير القرآن بالقرآن؛ إذ لو كانت آيات القرآن منفصلة عن البعض، و كلّ منها ناظر إلى مطلب خاص، و لم يكن فيما بينها روابط من قبيل الإطلاق و التقييد، و التعميم و التخصيص، و التأييد و التبيين، و الشرح و التفصيل، لما كانت أي واحدة من الآيات موافقة للأخرى أو مخالفة لها؛ إذ لا يوجد فيما بينهم قاسم مشترك و ترابط في الدلالة و الكلام، و إن الموافقة و المخالفة فرع الترابط و الانعطاف؛ و الحال أن ادّعاء الانسجام بين الآيات ينبأ عن الارتباط و الاتساق؛ كما أن دعوى عدم الاختلاف هو من سنخ عدم الملكة. إذن فلابد أن يكون بينها ترابط. و حينئذ يمكن القول: بأن مثل هذا الكتاب لو كان يحتاج في بيان مطالبه إلى غيره لكان استدلال و برهان هذه الآية الكريمة غير تام.

_______________________

 1- سورة النساء، الآية 82.

 2- سورة الزمر، الآية 23.

تسنيم (التسنيم)، ج 1، ص 66.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=583