منشأ عصمة الأنبياء ؟

السؤال :

ما العلة في عصمة الأنبياء و هل هي مجرد موهبة إلهية خاصة أو أنّهم وصلوا الى هذه الحالة في ضوء أعمالهم؟



الجواب :

تنبع عصمة الأنبياء من كمالاتهم المعنوية و النفسية. مما لاشك فيه أنّ منشأ الأعمال الحسنة و القبيحة هي الحالات النفسية و المعنوية للانسان، تعتبر الحالات النفسية المقيتة و الشريرة كالجهل و عدم الاعتقاد بالمبدأ و المعاد و الطغيان و الرغبات الجامحة و نظائر ذلك منشأ للانحراف و الزيغ و الاذناب، كما يحول العلم و الايمان و استقامة الرغبات و الارادة الصلبة دون التلوث بالذنوب و يكون منشأ لسلسلة من الأعمال الصالحة و الانسانية.

كان الأنبياء يتمتعون بقوة لاتضاهى من الايمان و معين لاينضب من العلوم، و هذان العاملان الروحيان قوضا عوامل الإثم و الزيغ في وجودهم المقدس; عندما يكون الانسان عالماً بقبح الذنب و عواقبه الوخيمة بالنسبة الى سعادته الأبدية، و من جهة أخرى يمتلك قوة إيمان و ارادة بمقدار لاتتمكن معه العوامل الخارجية و الداخلية للإثم من التأثير في وجوده، يستحيل أن يقدم هذا الانسان على ارتكاب الذنب و المعصية في أعماله.

حينئذ يطرح سؤال آخر مفاده من أين و كيف وجدت هذه الحالات النفسية لدى النبي فأصبحت منشأ لعصمته؟

يجب الالتفات الى أنّ وجود هذه الكمالات النفسية معلول لعدة عوامل رئيسية هي:

 

1ـ الوراثة

ثبت في علم الأحياء أنّ الاستعداد النفسي لاكتساب الفضائل و الكمالات الانسانية بالاضافة الى جزء من نفس الصفات و الكمالات تنتقل عبر الوراثة من جيل الى جيل آخر، الأسر التي ولد فيها الأنبياء كانت أسراً طاهرة و أصيلة على العموم، فاجتمعت فيهم الكمالات و الفضائل النفسية المتميزة بمرور الزمن، و تناقلت بين الأجيال المختلفة طبقاً لقانون الوراثة; و قد أثبت التاريخ هذه الحقيقة في موارد كثيرة، فعلى سبيل المثال أسرة النبي محمد(صلى الله عليه وآله)، فقد أثبت التاريخ أنّه ولد في أكثر قبائل العرب أصالة (قريش)، و في أكثر طوائف قريش حسباً و نسباً أي بني هاشم; فقد عرفت هذه القبيلة و اشتهرت بالشجاعة و اكرام الضيف و الشهامة و العدل و العفة و الأمانة، لذا كانت هذه القبيلة تحظى باحترام خاص من بين قبائل العرب الأخرى. آباء النبي(صلى الله عليه وآله) بصورة عامة أفراد متميزون و شرفاء و مؤمنون.

بناءاً على هذا، هيأت مسألة «الوراثة» الأرضية و الاستعداد الخاص لاستقبال الكمالات النفسية لدى الأنبياء، و هذه المسألة من المسائل الجوهرية في هذا الموضوع، و بالحاق عوامل أخرى من قبيل «التربية النفسية السامية» يمكن تنشئة الفضائل الأخلاقية لدى هؤلاء الأفراد .

 

2ـ انتقال الفضائل و الكمالات النفسية عبر التربية

العامل الثاني في إيجاد الكمالات النفسية للأنبياء هو ما نعبر عنه بالتربية. هنالك كمالات وفضائل تتصف بها أسر الأنبياء تنتقل اليهم قسراً عن طريق التربية، و تعتبر مكملة للعامل الوراثي الذكور آنفاً، حيث ينشأ أفراد في هذه الأسر يتحلون بالايمان و الأمانة و الفطنة و الشجاعة و الكمال.

 

3ـ سلسلة من العلل المجهولة

يعتقد علم النفس و علم الأحياء لدى دراسة علل الشخصية النفسية للأفراد ـ غير الوراثة و التربية ـ بوجود سلسلة من العلل المجهولة، حيث تترك هذه العلل أحياناً تأثيراً خاصاً على أجزاء النطفة (الجينات) التي تكون الأفراد، و يفضي ذلك الى امتلاكهم حالات وقوى غير طبيعية; يعتقد بعض علماء النفس و الأحياء أنّ هذا العلل قفزات تحدث للنطفة تؤدي الى ايجاد حالات غريبة لدى بعض الأفراد، فتهب امتيازاً خاصاً لهم من الناحية النفسية.

 

4ـ الموهبة الالهية الخاصة

ثمة عامل مهم آخر غير تلك العوامل الثلاثة يتمثل بالفيض و الرعاية الالهية الخاصة بحق الأنبياء. تمنح تلك العوامل الشخص المعصوم لياقة و جاهزية ليكون مشمولا بالفيض و الاهتمام الالهي الخاص. في ضوء هذا الفيض الرباني يشتد تأثير القوى النفسية الموجودة لدى المعصوم. تعزز هذه الافاضة كمالاته الروحية و تهبه كمالات جديدة; يؤدي هذا اللطف الالهي الخاص الى ازدياد الايمان و العلم و البصيرة لدى شخص النبي، و هذان العاملان «الايمان القوي و العلم الوافر» يبعثان على انحسار عوامل المعصية في النبي، و يخلقان حالة متميزة لديه; بناءاً على كل ذلك، يصان النبي من الانحراف و المعصية بعد تكاتف تلك العوامل المتعددة. الطريف في المقام أنّ شخص المعصوم يتمتع بكامل الحرية و الارادة في تمام هذه المراحل، و عصمته اختيارية بتمام معنى الكلمة.

سوف تطالعون الشرح الوافي لهذا القسم في جواب السؤال التالي، و لا داعي للتذكير بأنّ ما قيل آنفاً يثبت للأئمة أيضاً لأنهم يماثلون النبي حذو القذة بالقذة.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=420