ما هو المقصود من مفردة (الكرسي) في الآية (وَسِعَ كُرسِيُّهُ السَّمواتِ وَالأرْضِ)؟

السؤال :

ما هو المقصود من مفردة (الكرسي) في الآية (وَسِعَ كُرسِيُّهُ السَّمواتِ وَالأرْضِ)؟



الجواب :

(الكرسي) من «كرس» بوزن إرث، ومعناه أصل الشيء وأساسه، كما يطلق على كلّ شيء متجمّع ومترابط، ولهذا يطلق على المقعد الواطىء المتعارف عليه للجلوس، ويقابله «العرش» الذي يعني السقف، أو الشيء ذا السقف، أو الكرسي ذا القوائم المرتفعة، ولمّا كان الاُستاذ أو المعلّم يجلس أحياناً على كرسي أثناء التدريس، فقد انتقل اسم «الكرسي» ليدلّ على العلم، وقد يستعمل رمزاً للسلطة والسيطرة أو يكون كناية عن الحكومة والحكم.

في هذه الآية نقرأ عن كرسيّ الله أنّه يسع السماوات والأرض، وعليه فيمكن أن يكون للكرسيّ عدّة معان:

أ) منطقة نفوذ الحكم : أي أنّ حكم الله نافذ في السماوات والأرض وأنّ منطقة نفوذه تشمل كلّ مكان، أي أنّه يشمل عالم المادّة برمّته، بما فيه من أرض ونجوم ومجرّات وسُدُم.

وعلى هذا يكون «العرش» مرحلة أرفع وأعظم من عالمنا المادّي هذا، لأنّ العرش ـ كما قلنا ـ يعني السقف أو المسقّف أو مقعداً أعلى من الكرسي، وبهذا يشمل العرش عالم الأرواح والملائكة وما وراء الطبيعة، وهذا يكون بالطبع إذا وضع الكرسي في قبال العرش بحيث يعني الأوّل «عالم المادّة والطبيعة» ويعني الثاني «عالم ما وراء الطبيعة».

وللعرش معان اُخرى كما سيأتي في تفسير الآية 53 من سورة الأعراف، خاصّة إذا لم يذكر في قبال الكرسي، وعندئذ يمكن أن يكون بمعنى عالم الوجود كلّه.

ب) منطقة نفوذ العلم : أي أنّ علم الله يحيط جميع السماوات والأرض وأنّ ما من شيء يخرج عن منطقة نفوذ علمه، لأنّ الكرسي ـ كما قلنا ـ قد يكون كناية عن العلم، وهناك أحاديث كثيرة تعتمد هذا المعنى، ومن ذلك ما رواه حفص بن غياث عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه سأله عن معنى (وسع كرسيّه السماوات والأرض) قال: هو العلم(1).

ج) شيء أوسع من السماوات والأرض كلّها بحيث إنّه يحيط بها من كلّ جانب، وعلى هذا يكون معنى الآية: كرسيّ الله يضمّ جميع السماوات والأرض ويحيط بها.

وقد نقل هذا التفسير عن الإمام علي(عليه السلام) أنّه قال: «الكرسيُّ محيطٌ بالسماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى»(2).

بل يستفاد من بعض الروايات أنّ الكرسي أوسع بكثير من السماوات والأرض، فقد جاء عن الإمام الصادق(عليه السلام) قوله: «ما السماوات والأرض عند الكرسي إلاَّ كحلقة خاتم في فلاة، وما الكرسي عند العرش إلاَّ كحلقة في فلاة»(3).

المعنيان الأول والثاني مفهومان ، أمّا المعنى الثالث فأمر لم يتوصّل العلم البشري بَعدُ لمعرفته وكشف الستار عنه، فالعالم الذي يضمّ في زاوية منه السماوات والأرض لم يثبت وجوده بالطرق العلمية حتى الآن، كما أنّه ليس هناك أيّ دليل على عدم وجوده، فالعلماء يعترفون جميعاً بأنّ اتّساع السماء  والأرض يزداد بمرور الأيّام وبتقدّم وسائل المعرفة العلمية، وما من أحد يستطيع أن يزعم أنّ سعة عالم الوجود هو ما يعرفه العلم اليوم، ولا يُستبعد أن تكون هناك عوالم اُخرى لا تعدّ ولاتُحصى خارجة عن نطاق وسائل الأبصار عندنا اليوم.

نضيف هنا أنّ التفاسير الثلاثة المذكورة لا يتعارض بعضها مع بعض، وأنّ عبارة (وسع كرسيّه السماوات والأرض) يمكن أن تشير إلى حكومة الله المطلقة ونفوذ قدرته في السماوات والأرض، كما تشير في الوقت نفسه إلى علمه النافذ، وكذلك إلى عالم أوسع بكثير من عالمنا هذا، وهذه الآية تكمل الآيات السابقة عن سعة علم الله.

بعبارة موجزة أنّ عرش حكومة الله وقدرته يهيمن على السماوات والأرض جميعاً،وأنّ كرسيّ علمه يحيط بكلّ هذه العوالم، وما من شيء يخرج عن نطاق حكمه ونفوذ علمه.(4)

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ  تفسير نورالثقلين، ج 1، ص 259، ح 1036.

2. المصدر السابق، ص 260، ح 1042.

3. تفسير مجمع البيان، ج 1 و2، ص 362.

4.الأمثل، ج 2، ص 87.

 


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=404