خلق الرسول الكريم وسيرته المالية

السؤال :

﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [سورة الأعراف: ١٨٨].

قد فسروا الخير في الآية بالمال والسوء بالفقر.. فهل كان (صلّى الله عليه وآله) يرغب بكثرة المال ولا يرغب بالفقر؟ توجد روايات تقول بأنه لو اختار أن تكون رمال الصحراء ذهباً لصارت فرفض وقال: آكل يوماً وأصوم يوماً.. فكيف نفهم الواقع؟



الجواب :

يتضح ذلك بمطالعة سبب نزول الآية الكريمة حيث روي أنها نزلت جواباً لمشركي أهل مكة حينما قالوا لرسول الله (صلّى الله عليه وآله):  يا محمد ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فتشتريه فتربح فيه وبالأرض التي تريد أن تجدب فنرتحل منها إلى أرض قد أخصبت؟ فأنزل الله هذه الآية.

وورد في تفسيرها: أني لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضرّاً إلا ما شاء الله، فأملكه بتمليكه إياي، ولا أعلم الغيب إلا ما شاء الله أن يعلمنيه‏ ولو كنت أعلم الغيب لادّخرت من السنة المخصبة للسنة المجدبة، ولاشتريت وقت الرخص لأيام الغلاء {وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} أي: وما أصابني الضر والفقر. [انظر: مجمع البيان في تفسير القرآن، ج‏4، ص: 779].

فالآية هي في صدد جواب مشركي قومه (صلّى الله عليه وآله) وأنّ كلّ شيء هو بمشيئة الله تعالى، وليست الآية في صدد بيان أنّه (صلّى الله عليه وآله) يطلب الأموال.

مع أن المال ليس مذموماً بشكل مطلق، فيمكن من خلاله الإحسان إلى ذوي الأرحام والفقراء والمساكين وسائر الناس بالبذل والصلة، وإعطاء الحقوق الشرعية، والدفاع عن الدين وعن النفس والعرض، وغيرها من الأمور ذات الصبغة الأخروية.

وينبغي الاشارة هنا إلى أن طلب الأموال والمجوهرات ليست من شأن وديدن الرسل والأولياء والصالحين، وذلك لأنّ همّتهم منصرفة عن ذلك إلى ما عند الله تبارك وتعالى ورضوانه {وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 72].

وكما شاهدنا ذلك مراراً في سيرة الرسول الأكرم محمّد (صلّى الله عليه وآله) بإغداقه الأموال تلو الأموال على الفقراء والمساكين وفي سبيل الله، فكان متواضعاً في أكله، ويؤاكل المساكين ويجالس الفقراء، ويكرم أهل الفضل، حتى وصفه الله تعالى بالخُلق العظيم، وندب إلى نهجه المبارك بقوله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]، وسار على نهجه المبارك هذا أهل بيته الأطهار فكانوا {يُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 8-9]، فأصبحوا من بعده (صلّى الله عليه وآله) الأسوة الحسنة لكل مؤمن ومؤمنة إلى قيام يوم الدين.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=1010