في إجبار المستضعفين وعدم معاجلة المستكبرين بالحساب

السؤال :

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة سبأ: 31- 33]

ثلاث آيات كريمة تتحدث عن المستكبرين والمستضعفين، والمستضعفون يحمّلون المستكبرين مسؤولية كفرهم.

1-هل المستضعفون يعتبرون مجبورين أو غير مجبورين على الكفر؟

2-واذا كانوا مجبورين، ما حسابهم يوم القيامة؟

3-لماذا لا يحاسب الله عز وجل المستكبرين بسرعة، ويتركهم يستمرّون في استضعاف قومهم؟

قوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [سورة القصص: 4]



الجواب :

تعبّر الآيات الكريمة عن حوار يدور بين فئتين من الكافرين في يوم القيامة: فيقول الذين استضعفوا (الأتباع) للمستكبرين من رؤسائهم: {لَوْلَا أَنْتُمْ} أي: لولا إضلالكم وصدكم إيانا عن الإيمان {لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} باتباع الرسول (صلّى الله عليه وآله).

فأجابهم الذين استضعفوا: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أي: ما كان الإجرام الصادّ عن الإيمان من جهتنا، بل من جهة مكركم ليلاً ونهاراً، حتى غلبتم على رأينا، إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً، دعوتمونا دائماً إلى أن نجعل له شركاء في العبادة، ونجحد وحدانيته.

{وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ} أي: أضمر الفريقان الندامة على الضلال والإضلال، وأخفاها كل عن صاحبه مخافة التعيير {وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا}...

فيتضح لنا من الآيات الكريمة أنها قسمت الكافرين إلى فئتين؛ فئة مستكبرة وفئة مستضعفة، وكلٌّ يلوم الآخر...

ومن خلال الندامة الحاصلة لكلا الفريقين، والعذاب الإلهي المتحقق لكل واحد منهما، نعرف أنهم كانوا مختارين لا مجبورين، لأنه لا تصحّ الندامة ولا يتحقق العقاب (والأغلال في أعناقهم) إلا على ذنب وتقصير. فكلاهما مسؤول عن الضلالة التي وقع فيها كلٌّ بنفسه، فالاختيار يعود ـ في النتيجة ـ إلى الشخص نفسه، وأمّا غيره فلا يملك إلا التسويل والدعوة إلى الطريق الذي يراه. وإلا فلا معنى للندامة ولا يمكن تصوّرها إلا في حال الاختيار.

وأما بشأن: لماذا لا يحاسب الله تعالى الكافرين بشكل فوري وآني؟

قال عز وجل: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} [سورة النحل، 61]، وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [سورة الرعد: 38]

فاقتضت الإرادة الإلهية أن الأمور (ومنها انزال العذاب) تجري طبقاً للحِكَم والعلل، وهو الخبير بعباده ولا أحد أخبر منه في كل شيء، فهو خالق الخلق والأعلم بما خلق {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [سورة الملك: 14]. وبخصوص ما نحن فيه: اقتضاء إمهال العباد وعدم معاجلتهم بالعقوبة دفعة واحدة، إلا ما اقتضته المصلحة أو الحكمة بمعاجلة انزال العذاب.

وبالتأكيد، ليس معنى تأجيل العقوبة في موارد دون أخرى، أن المجرمين مغفول عنهم، لا في الدنيا ولا في الآخرة، بل إنه تعالى العالم بالحِكَم وما تقتضيه المصالح، فإن أمهل فهو عن دراية وحكمة، ولكلّ أجل كتاب.

ودار الدنيا في الأصل دار عمل، لا دار حساب، وإنما الحساب يتجلّى بكلّيته في الدار الآخرة.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/question/index.php?id=1007