• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : السيرة والمناسبات الخاصة .
              • القسم الفرعي : نساء أهل البيت (ع) .
                    • الموضوع : هي أحمد الثاني .

هي أحمد الثاني

د. السيّد مهدي عيسى البطاط

هي أشبه النّاس برسول الله خَلقاً وخُلقاً وكلاماً وهدياً، فقد ورثت أباها، وما آتاه الله آتاها(1)، وقد قالت عنها أمّ سلمة: إنّها كانت أشبه الناس وجهاً وشبهاً برسول الله (صلّى الله عليه وآله)(2)، وما تخرم من مشية رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مشيتها(3).

هي الزهراء فاطمة، وكيف لا تكون أشبه الناس به وهي بضعته (صلّى الله عليه وآله)، أي: بعض منه، فقد تواتر النقل عنه (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: "إنّما فاطمة شجة مني، يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها"(4)، وقال (صلّى الله عليه وآله): "فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني ومن أحبّها فقد أحبّني"(5). وإذا كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لا يحبّ مَن يؤذي فاطمة ولو بكلمة واحدة، فلماذا يلام محبّو فاطمة على بغض قاتلها؟ وقال (صلّى الله عليه وآله): "فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبيّ"(6) فهي من روحه ومن جسده.

مشكاة نور الله جلّ جلاله                     زيتونة عمّ الورى بركاتها

هي قطب دائرة الوجود ونقطة                 لما تنزلت أكثرت كثراتها

هي أحمد الثاني وأحمد عصرها                  هي عنصر التوحيد في عرصاتها(7)

وكانت صفاتها من صفاته، فقد لُقبت بالصديقة مبالغة في صدقها وكان يلقّب أبوها الرسول بالصادق الأمين.

وعن عائشة قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة من فاطمة إلا أن يكون الذي ولدها(8).

ومن ألقابها: المباركة، فهي الخير الكثير الذي سمّاه القرآن بالكوثر، فمنها الأئمّة المعصومين والذرّية الطيّبة لرسول الله (صلّى الله عليه وآله)، تلك الذرّية التي بها حفظ دين المصطفى (صلّى الله عليه وآله).

ولقّبت بالطاهرة وكيف لا وقد طهّرها الله كما طهّر أباها (صلّى الله عليه وآله) من كل دنس بنصّ آية التطهير ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾(9) التي اتفق العامّة والخاصّة أن السيدة الزهراء داخلة فيها.(10)

وكنّاها رسول الله بأمّ أبيها تعظيماً لشأنها، إذ كانت توليه الحنان والعطف كما تفعل الأمّ مع ابنها، فعندها كانت تذهب آلامه(11)، وتسكن أوجاعه(12)، وهي ملجأهُ من جشوبة الناس وصعوبة الحياة.

فضلها في القرآن الكريم

وقد نطقت بفضلها آيات الذكر الحكيم فهي النموذج الكامل للمسلمين بنصّ آية المباهلة(13)، وهي معصومة من الذنب ومطهّرة من الرجس بنصّ آية التطهير(14)، وهي القدوة في التضحية والسخاء بنصّ آية الأبرار(15)، ولأنَّ حبّها وحبّ المعصومين من أهل بيتها وسيلة إلى مَن أراد أن يتّخذ إلى ربّه سبيلاً؛ لذلك وجبت مودّتها بنصّ آية مودّة القربى(16).

وربّما قدّم في آية المباهلة النساء والأبناء على الأنفس للإشارة إلى أنّ الأنفس فداها(17)، وهو (صلّى الله عليه وآله) قد قال: "فداها أبوها "(18).

من الجنّة أصلها

وقد نصّت الروايات على أنّ خلقتها كانت من ثمرة الجنّة؛ لذلك كان النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول: "كلّما اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت ابنتي فاطمة"(19)، فهي خير أهل الأرض عنصراً(20)، وأشرف بعد أبيها وبعلها مقاماً، وأكرم منزلاً.

ولمثلها يقوم خاتم الأنبياء (صلّى الله عليه وآله) إجلالاً ويقبّل يدها(21)، ولا يخرج من المدينة حتى تكون آخر من يودّعه، ولا يدخل حتى تكون هي أوّل من يسلّم عليها ويشمّها ويقبّلها(22).

وليس كل هذا باعتبار العاطفة الأبوية؛ بل لما تحمل من الفضائل النبوية والسمات العرشية. ولها من المناقب والفضائل ما لا يمكن للبشر أن يحصيها، وإذا كانت ضربة عليّ (عليه السلام) يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين أو أفضل، وفاطمة كفوٌ لعليّ (عليه السلام)، إذاً فلها ما لعليّ في كل شيء إلا الإمامة، كما كان لعليّ (عليه السلام) ما لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلا النبوّة(23).

قدوة الأسرة المسلمة

وقد روى الفريقان في حديث التزويج أنّ الله قد زوّجها من عليّ في السماوات قبل أن يتمّ الزواج في الأرضين، وثمّ أُمر النبي بأن يزوّج النور من النور(24)، فزوّجها رسول الله من أمير المؤمنين وكانت عشرتهما خير نموذج للمسلمين، وبيتهما أشرف بيت وأطهره، وحياتهما أزكى حياة وأنبلها، وإنّ بيتهما هو البيت الوحيد الذي يضم معصومَين منزَّهَين عن الذنوب والخطايا مطهَّرَين من الأدناس، فكان هذا العشّ الزوجي أروع أنموذج في الصفاء والإخلاص والمودّة والرحمة، تعاونا فيه بوئام وحنان وتشاركا على إدارته وإنجاز أعماله، وقد قضى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بخدمة فاطمة دون الباب، وقضى على عليّ (عليه السلام) بما خلفه. وقالت السيّدة الزهراء عن هذه القسمة: "فلا يعلم ما داخلني من السرور إلا الله، بكفايتي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تحمّل رقاب الرجال"(25).

إنّ الزهراء (عليها السلام) وهي العارفة بما يصلح شأن المرأة ويصونها وهي عارفة بالواجب الأهمّ الذي ألقي على عاتقها من تربية الأولاد وتهيئة البيت لسعادة العائلة؛ لذلك فرحت بقسمة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في ملازمتها لبيتها، فكانت السيّدة الزهراء نعم الزوجة ونعم الأمّ المجاهدة بحسن تبعّلها وببذل كلّ جهدها في إدارة البيت، حتى روي أنّها طحنت حتى مجِلَت يدها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها(26).

وفي المقابل كان أمير المؤمنين يحنُّ عليها ويرقّ لحالها وكان عوناً لها حتى في أعمال بيتها وشؤنه، وقد قال عن معاشرته معها: "فوالله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان(27).

فهذه هي العشرة والأخلاق الإسلامية بكلّ معانيها.

ولقد قالت له في آخر عمرها: يا ابن العمّ! ما عهدتني كاذبة ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني. فقال (عليه السلام): معاذ الله، أنت أعلم بالله وأبرّ وأتقى وأكرم وأشدّ خوفاً من الله... ثمّ قال بعد أن لمح فيها فراق الحياة: والله جددت عليّ مصيبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقد عظمت وفاتك وفقدك، فإنّا لله وإنا إليه راجعون"(28).

فلم تدُم تلك الأيّام السعيدة بينهما طويلاً حتى طالتها يد الجَور والنفاق ورحلت إلى ربّها شهيدة مظلومة.

موضع قبرها

ولهفي لها تدفن بالليل سراً بضعة المصطفى ويعفى ثراها، فقد أوصت أمير المؤمنين أن تدفن سرّاً وأن لا يُعلم أحداً بقبرها وأن لا يحضر أحد من القوم الذين آذوها جنازتها، ولعمري بها ظلامة لاندّ لها وأنّة مظلوم باقية إلى يوم الدين لا تهدأ بمرور الأيّام والسنين، ولهي شاهد حيّ على ظلم المتجاوزين لا تقبل القضية مداهنة ولا مساومة، وإلى اليوم فلا يعرف أحد قبرها إلا ابنها المنتقم لها ولظلامات آبائه الطاهرين، والمطهّر للأرض من دنس المجرمين والمعتدين.

وقد قالوا في مكان قبرها مواضع:

أوّلها: أنّها دفنت قُرب أبيها وبالتحديد بين روضته ومنبره الذي قال عنه (صلّى الله عليه وآله) إنّه روضة من رياض الجنة، وكلّ قبور الأئمّة روضات فردوسية، فكيف لا يكون قبر أمّهم الحوراء الإنسية، كذلك وهي خلقت من الجنة.

وقيل: إنّها دفنت في بيتها، كما جاء في الرواية عن الإمام الرضا (عليه السلام)(29) وذهب إلى ذلك السيّد ابن طاووس حيث قال: "والظاهر أنّ ضريحها المقدّس في بيتها المكلّل بالآيات والمعجزات، لأنّها أوصت أن تُدفن ليلاً ولا يصلّي عليها مَن كانت هاجرة لهم إلى حين الممات، وقد ذكر حديث دفنها وستره عن الصحابة، البخاري ومسلم فيما شهِدا أنّه من صحيح الروايات، ولو كان قد أخرجت جنازتها الطاهرة إلى بقيع الغرقد أو بين الروضة والمنبر في المسجد، ما كان يخفي آثار الحفر والعمارة عمّن كان قد أراد كشف ذلك بأدنى إشارة، فاستمرار ستر حال ضريحها الكريم يدلّ على أنّها ما أُخرجت من بيتها أو حجرة والدها الرؤوف الرحيم، ويقتضي أن يكون دفنها في البيت الموصوف بالتعظيم كما قدّمناه"(30).

وقيل: إنّها دُفنت في البقيع(31)، ولكن لا يُدرى في أيّ مكان منه. وكل هذه احتمالات من ديدن العلماء أن تخوض فيه ولكن اليقين أنّ لعلّة الإخفاء دلالة أخرى. ولأن كان لمراقد الأئمّة والصالحين الشامخة في البنيان دَور في نشر العلم والثقافة والإيمان، فإنّ لهذا القبر المخفي دَوراً في هداية الأمّة إلى الحقيقة المُغيَّبة أكثر من أيّ معلم شامخ آخر، فإنّ في الإخفاء دلالة صارخة على المظلومية الكبرى والظلامة العظمى، فكيف يكون خفاء قبرها وعدم تشييع المسلمين لها والصلاة عليها مع قرب رحيلها من رحلته (صلّى الله عليه وآله) وهي ابنته الوحيدة؛ بل أعزّ الناس عليه، فهذه علامة استفهام تدعو طلاّب الحقيقة إلى كشف اللّثام عن حقائق صدر الإسلام.

والسلام عليها حين وُلدت وحين استُشهدت وحين تُبعث إلى ربّها شاكية ممّا جرى عليها وعلى آل بيتها، وحشرنا الله في زمرتها ورزقنا دخول الجنّة بشفاعتها.

__________________

1  - محمد باقر الكجوري، الخصائص الفاطمية، ج1، ص260 مع الاختصار.

2  - كشف الغمّة للاربلي، ج1، ص463.

3  - القاضي النعماني، شرح الأخبار، ج3، ص34.

4  - مسند أحمد، ج4، ص323 و332.

5  - صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة.

6  - فرائد السمطين، ج2، ص66.

7  - للشيخ الكجوري.

8  - ذخائر العقبى، ص54

9  - الأحزاب، 33

10  - راجع تفسير الميزان ذيل الآية الشريفة.

11  - كما كانت تضمّد جراحاته في الحرب.

12  - كما يحدّثنا بذلك حديث الكساء.

13  - آل عمران، 61.

14  - الأحزاب، 33.

15  - الإنسان، 5.

16  - الشورى، 23.

17  - كما اشار إلى ذلك الزمخشري في تفسيره الكشاف، ج1، ص396.

18  - مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب، ج3، ص343.

19  - أمالي الصدوق، ص546؛ علل الشرائع، ج1، ص184.

20  - فرائد السمطين 2: 68

21  - القندوزي الحنفي، ينابيع المودة، ج2، ص60.

22  - أعلام الهداية، ج3، ص 44 وغيره.

23  - السيّد عادل العلوي، في مقدّمته على كتاب الأسرار الفاطمية للشيخ فاضل المسعودي.

24  - الخصائص الفاطمية للكجوري، ج1، ص244.

25  - بحار الأنوار، ج43، ص81.

26  - علل الشرائع لابن بابويه، ج2، ص366.

27  - بحار الأنوار، ج43، ص134.

28  - روضة الواعظين، ج1، ص151.

29  - أصول الكافي، ج1، ص524.

30  - السيّد ابن طاووس، الاقبال، ج3، ص

31  - العيني، عمدة القارئ، ج1، ص38؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، ج4، ص1885.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2446
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 01 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19