• الموقع : دار السيدة رقية (ع) للقرآن الكريم .
        • القسم الرئيسي : المقالات القرآنية التخصصية .
              • القسم الفرعي : العقائد في القرآن .
                    • الموضوع : فلسفة الكوارث والابتلاءات (*) .

فلسفة الكوارث والابتلاءات (*)

آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم شيرازي

منذ القِدم كان فريق من عديمي البصيرة والوعي يعترضون على عدالة الله، ويذكرون بعض الحالات ظناً منهم بانها لا تنسجم مع عدالة الله، بل أنَّهم لم يكتفوا بنفي عدالة اللّه حتى اتخذوها ذريعة للدلالة على عدم وجود الله ذاته!

ومن تلك الحالات التي يستدلون بها على ذلك هي «العواصف المدمرة» و«الزلازل» والكوارث الطبيعية الاخرى‌. وكذلك «الاختلافات» الموجودة بين بنى البشر، ووجود الآفات التي تصيب الانسان والنبات وسائر الكائنات في عالم الوجود.

وهذا البحث قد يرد ضمن موضوع معرفة الله في الرد على الماديين، وقد يرد في بحث وجود الله عموماً، وأحياناً في موضوع العدل الالهي، ولكي تعرف مدى خطل تلك الشبهات عند التّحليل الدّقيق، لا بدّ أنْ يكون لنا بحث مسهب بهذا الشأن وأن ندرس الامور التالية بدقّة:

1- الأحكام النّسبية وقلّة المعرفة

إنَّنا نستند عادة في اصدار احكامنا وتمييز المصاديق على مدى ارتباطنا بالأشياء، كقولنا أنَّ الشيء الفلاني قريب أو بعيد، بالنسبة لموقعنا نحن، أو نقول أنَّ فلاناً ضعيف أو قوي بالقياس الى حالتنا النفسية او الجسمية. كذلك هي حال أغلب الناس عند اصدار احكامهم على القضايا الخاصة بالخير والشر والكوارث والبلايا.

فمثلاً: إذا نزل المطر في منطقة، فليس يعنينا تأثيره في المجموع العام، ولا تتعدى نظرتنا محيط حياتنا وبيتنا ومزرعتنا أو مدينتنا في الحدّ الاقصى، فاذا كان لهذا المطر تأثير ايجابي قلنا إنَّه نعمة من الله، وإذا كان تأثيره سلبياً، أطلقنا عليه اسم «البلاء».

وعندما يهدمون عمارة توشك على الانهيار وذلك لإعادة بنائها، ويكون نصيبنا من ذلك الغبار اثناء مرورنا بالمكان، نقول: ما أسوا هذا! على الرّغم من أننا سوف نشهد في المستقبل القريب بناء مستشفى حديث على أنقاض العمارة التي تم تخريبها يستفيد منه الناس، أو أنّ له ـ طول المطر في المثال السابق ـ تأثيراً مفيداً من حيث المجموع.

إنَّنا في أحكامنا السطحية المألوفة نعتبر لسعة الحيّة شرّاً، بغير أنَّ نعلم أنَّ هذه اللسعة وما فيها من سم إنَّما هي وسيلة دفاع يستفيد منها هذا الحيوان، وإنَّ هذا السم نفسه يصنع منه دواء شاف قد ينقذ حياة الآلاف من بني البشر.

وعليه، إذا أردنا توخي الدّقة وعدم الوقوع في شراك الخطأ فعلينا أنْ نلقي نظرة على معلوماتنا المحدودة لكيلا نقيم أحكامنا على مجرد العلاقات التي تربط الاشياء بنا، وينبغي أنْ ننظر الى الأمر من جميع الجوانب بحيث تكون أحكامنا جامعة شاملة.

إنَّ جميع حوادث العالم، من حيث الاساس، أشبه بسلسلة مترابطة الحلقات.

إنَّ العاصفة التي تهبّ اليوم في مدينتنا، والامطار الغزيرة التي تهطل، ما هي الا حلقات في السلسلة المديدة التي ترتبط بحوادث تجري في مناطق اخرى‌، وكذلك ترتبط بحوادث جرت في «الماضي» واخرى‌ سوف تجرى في «المستقبل».

وعليه، فإنَّ النظر الى نقطة صغيرة واصدار حكم حاسم بشأنها بعيد عن العقل والمنطق.

إن بعض أفعال الناس يمكن اعتبارها «شرّاً مُطلقاً» ولكن إذا كان الامر من جهة خيراً ومن جهة شرّاً مع الغلبة للخير كالعملية الجراحية المؤلمة من جهة والمفيدة من جهات اخرى‌- يعتبر خيراً نسبياً.

وللتوضيح نعود الى مثال الزلزلة: صحيح أنَّها تؤدي الى الدمار في مكان معين، ولكننا إذا أخذنا بنظر الاعتبار علاقات هذه الظاهرة المتسلسلة بأُمور اخرى‌ في الطبيعة لَتغيّر حكمنا.

هل إن الزلزلة ترتبط بحرارة باطن الارض والابخرة المتكونة فيه؟ أم أنَّها ترتبط بقوة جاذبية القمر التي تجذب ما على الارض من جمادات نحوها؟ أم أنها ترتبط بكليهما؟ إنَّ للعلماء نظريات مختلفة بهذا الخصوص.

ولكن مهما كان السبب، فلا بدّ لنا أنَّ ننظر الى الآثار الاخرى‌ لهذه الظاهرة.

من ذلك، مثلاً، يجب أنْ نعرف تأثير حرارة باطن الارض في تكوين منابع النفط التي تعتبر من أهم مصادر الطاقة في عصرنا، وكذلك في تكوين الفحم الحجري وأمثالهما. وعليه فإنَّ حرارة باطن الارض خير نسبي.

كذلك الامر بالنسبة للمد والجزر الحاصلين بتأثير جاذبية القمر لمياه البحار، إذ إنَّ لهما أهمية كبرى في حركة مياه البحار والابقاء على حياة الكائنات البحرية، وكذلك في ارواء السواحل الجافة في المناطق التي تصب فيها المياه العذبة في البحر. هذا أيضاً خير نسبي.

من هذا ندرك أنَّ أحكامنا النسبية ومعلوماتنا المحدودة هي التي تظهر أمثال هذه الحوادث بصورة نقاط مظلمة على صفحة الخليقة. وكلما تعمقنا في التأمل والتفكير في العلائق التي تربط هذه الحوادث ببعض أدركنا أهميتها.

يقول لنا القرآن المجيد: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾. [سورة الاسراء، الآية 85]

فلا ينبغي لنا بعلمنا القليل هذا أنْ نتعجل في اصدار الاحكام.

2- الحوادث السيئة والانذار

إنَّنا جميعاً نعرف أشخاصاً عندما غمرتهم النعم، أصابهم «الغرور» و«حبّ الذات» فنسوا- وهم في هذه الحالة- الكثير من واجباتهم الانسانية.

كما إننا جميعاً نعرف أشخاصاً إذا كانوا متنعمين بالرّاحة والدّعة وسارت‌ بهم الامور على وتيرة واحدة من الهدوء والاستقرار، انتابتهم حالة من «السبات والغفلة»، وهي حالة اذا دامت عندهم أدّت الى تعاستهم وشقائهم ولا شك أنَّ بعض الحوادث المنغصة هدفها وضع حد لتلك الحالة من الغرور وايقاظ الانسان من سبات الغفلة.

ولابدّ أنَّكم سمعتم بأنَّ سائقي السيارات المحترفين يشكون من الطرق الممهدة المعبدة الخالية من الانعطافات حيث يرون أنَّ هذه الطرق خطرة، وذلك لأنَّ رتابتها تحمل السائق على الشعور بالنعاس وفي هذه الحالة يكمن الخطر.

ولذلك نجد هذه الطرق في بعض البلدان قد اصطنعوا لها الانحناءات والمرتفعات والمنخفضات للحيلولة دون وقوع السّواق في مثل تلك الحالات.

إن خطر مسار الحياة لا يختلف عن ذلك. فاذا خلت الحياة من المنعطفات والالتواءات والمنخفضات، واذا لم يعتورها أحياناً بعض المنغصات، استولت على الانسان تلك الحالة من نسيان الله والغفلة عن ذكره وعن القيام بالواجبات الملقاة على عاتقه.

ولا نقول طبعاً إنَّ على الانسان أن يصطنع لنفسه الحوادث المنغصة وأنَّ يبحث عن الاحزان، وذلك لأنَّ أمثال هذه الحوادث موجودة دائماً في حياة الانسان. ولكننا نريد التذكير بأن الحكمة في هذه الحوادث أحياناً هي الوقوف بوجه الغرور والغفلة والنسيان المعادية لسعادة الانسان. نكرر القول بأنَّ هذه هي الحكمة من بعض تلك الحوادث، لا كلّها، إذ إنَّ هناك حوادث اخرى‌ سوف نتحدث عنها إنْ شاء الله.

يقول كتابنا السماوي العظيم: ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾. [سورة الانعام، الآية 42]

3- الانسان ينمو في أحضان المشكلات‌

نكرر مرّة اخرى‌ أنَّ الانسان ينبغي ألا يخلق بيده المشاكل والمصائب لنفسه. ولكن كثيراً ما يحدث أنْ تكون الحوادث الصعبة والمأساوية سبباً في تقوية إرادتنا وزيادة قدرتنا على التحمل، كالفولاذ الذي يدخلونه النّار الحامية فيزداد قوّة وصلابة.

إنَّنا ندخل أتون هذه الحوادث لنخرج أكثر تجربة وأصلب عوداً.

فالحرب حدث سيئ ولكن رُبّ حرب ضروس طويلة الامد كشفت عن مواهب الشعب الكامنة، وأبدلت تشتته وحدة، وأسرعت في جبران نواقصه.

يقول أحد المؤرخين الغربيين المعروفين: «إنَّ كلّ حضارة لامعة ظهرت على امتداد التاريخ في مكان ما ظهرت بسبب تعرض ذلك الشعب لهجوم دولة عظمى خارجية، فأيقظت قواه الكامنة وحشّدتها».

بديهي أن تأثر جميع الاشخاص والمجتمعات بحوادث الحياة المرّة ليس بمستوى واحد، فالبعض ينتابهم اليأس ويستولي عليهم الضعف والتشاؤم، فيكون تأثرهم سلبياً، والبعض الآخر يملكون الاستعداد والاهلية ليتفاعلوا مع تلك الحوادث تفاعلاً إيجابياً، فيكون ذلك سبباً في تنمية مواهبهم ومؤهلاتهم فتتفجر وتتفتق قابلياتهم وتسرع لاصلاح نقاط ضعفهم.

ولكن بما أنَّ معظم الناس يصدرون أحكاماً سطحية في مثل هذه الحالات، فانهم يرون المنغصات ويتذوقون مرارتها، دون الالتفات الى آثارها الايجابية البنّاءة.

إنَّنا لا ندّعي بأن جميع الحوادث المرّة لها مثل هذه التأثيرات على الانسان، ولكن قسماً منها، على الاقل، له مثل هذه التأثيرات.

ولو إنّك درست سيرة نوابغ العالم لرأيت أنَّهم في الاغلب قد كبروا وترعرعوا في خضم المشكلات والمصاعب. وقلّما تجد بين المتنعمين‌ المرفهين من أظهر شيئاً من النبوغ في حياته ووصل الى مراكز رفيعة.

إنَّ القادة العسكريين العظام هم اولئك الذين شهدوا ابتلاءات وحروباً طويلة صعبة في سوح القتال. والعقول الاقتصادية المتفكرة هي التي ابتلت بمشاكل الاسواق واللازمات الاقتصادية في العالم. والسياسيون العظام الاقوياء هم الذين استطاعوا منازلة الأزمات السياسية العويصة. وباختصار، فان المشكلات والآلام هي التي تربى الانسان في أحضانها. نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾. [سورة النساء، الآية 19]

4- المشاكل تسبب العودة الى الله‌

إنَّ لكل جزء من أجزاء وجودنا هدفاً معيناً؛ فالعين خلقت لهدف، والاذن خلقت لهدف آخر، وكذلك القلب والدّماغ والاعصاب خلقت كل منها لهدف، وحتى بصمات الأصابع في خلقها هدف وحكمة.

إذن، كيف يمكن أنْ يكون كلّ وجودنا بدون هدف وحكمة؟!

كما أنَّ الهدف ليس سوى بلوغ الانسان التكامل من جميع الوجوه، فلا شك أنَّ الوصول الى هذا التكامل يتطلب برامج تعليمية وتربوية عميقة تستغرق كل كيان الانسان. ومن أجل ذلك فإنَّ الله سبحانه وتعالى، فضلاً عن‌ كونه قد وهب الانسان فطرته التوحيدية الطاهرة، ارسل الانبياء العظام والكتب السماوية للاضطلاع بمهمة قيادة الانسان في مسيرته التكاملية.

في غضون ذلك، يريه الله أحياناً انعكاسات ذنوبه ويواجهه ببعض المشكلات والآلام في حياته، للوصول به الى التكامل عن طريق انكشاف عواقب أعماله القبيحة المشؤومة، فيندم ويعود بتوجهه الى الله. وفي هذه الحالة تكون بعض المشكلات والحوادث المؤلمة رحمة من الله ونعمة. وفي هذا يقول القرآن الكريم: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾. [سورة الرّوم، الآية 41]

وبهذا فان نظرتنا الى الحوادث المؤلمة على اساس أنَّها «شرّ وبلاء» وأنَّها تخالف العدالة الالهية، تعتبر نظرة بعيدة كل البعد عن المنطق والدّليل العقلي، إذ إنَّنا كلما ازددنا تعمقاً في هذا الموضوع ازداد أمامنا وضوح ما فيه من حكمة وما وراءه من فلسفة.

5- إقبال الحياة وادبارها والمشكلات تهب الحياة روحاً وحيوية

لعل من الصعب على الكثيرين إدراك أنَّ النّعم والعطايا إذا استمرت على وتيرة واحدة تفقد قيمتها وأهميتها.

فلقد ثبت اليوم علمياً إنَّنا إذا وضعنا جسماً في حجرة مدورة ملساء تماماً وسلطنا عليه نوراً قوياً من جميع الجهات لما امكنت رؤية ذلك الجسم؛ لأنّ وجود الظل الممتد من الجسم بسبب الضوء هو الذي يعين لنا أبعاد الجسم ويميزه عمّا يحيط به، وعندئذ نستطيع أنْ نراه.

كذلك هي حال عطاءات الحياة، فلا يمكن رؤيتها بغير الظلال الخفيفة والثقيلة، ولو لا المرض في بعض فترات الحياة لما عرفنا لذّة السّلامة. إنَّنا على‌ أثر ليلة من الحمى الشديدة والصداع القاتل الاليم، نشعر صباحاً بعد انقطاع الحمى وزوال الصداع باللذة والحلاوة في العافية بحيث إنَّنا كلّما تذكرنا تلك اللّيلة العصيبة أدركنا قيمة السّلامة والعافية عندنا.

إنَّ الحياة نفسها، حتى المسرفة في الرفاهية والرخاء، تكون مملة وعديمة الروح وقاتلة لو أنَّها مضت على وتيرة واحدة. وكثيراً ما لوحظ أن بعض النّاس يعانون الألم والعذاب بسبب رتابة حياتهم المرفهة الخالية من كل منغص وقلق الى درجة أن بعضهم يقدم على الانتحار، أو لا يكف عن الشكوى من حياته.

إنّك لن تجد مهندساً معمارياً يملك ذوقاً يبني جدران غرفة الاستقبال رتيبة مسطحة مثلما يبنى جدران السجن، بل أنَّه يضيف عليها من الانعطافات والانحناءات المناسبة ليخرجها من الرتابة.

لماذا يتميز عالم الطبيعة بكل هذا الجمال؟

لماذا تثير فينا الغابات على سفوح الجبال، والانهار المنسابة بين الاشجار وهي تلتوي في المنعطفات كالأفعى، هذا الشعور بالبهجة؟

إنَّ أحد الأجوبة هو: أنَّها ليست رتيبة.

إنَّ من أهم آثار نظام «النّور» و«الظّلام»، وتعاقب الليل والنهار الذي‌ يشير اليه القرآن في عدد من آياته، كسر رتابة الحياة الانسانية، إذ لو ظلّت الشّمس تطلع من مكان واحد في السماء على الكرة الأرضية، بغير أنْ تغير موضعاً ولا أنْ تترك مكانها الى الليل لكي يسدل أستاره، ويصرف النظر عن المشكلات الاخرى، لانتاب البشر التعب والملل.

فعلى هذا الاعتبار لا مندوحة لنا من الاعتراف بأنَّ قسماً، على الاقل- من حوادث الحياة المؤلمة لها تأثيرها في اضفاء الحيوية على الحياة، فتجعلها حلوة يمكن تحملها، وتبرز نعمها وقيمها، وتتيح للإنسان الفرصة لكي يستفيد ممّا وهبه الله بأقصى ما يستطيع.

6- المشكلات المختلفة

النّقطة الاخرى‌ التي نرى من الضرورة الاشارة إليها في ختام هذا البحث هو أنَّ كثيراً من الناس يخطؤون في معرفة علل هذه الحوادث المنغصة والبلاءات النازلة، فيضعون الظلم الذي يرتكبه الظالمون في حساب ظلم الطبيعة.

يقولون مثلاً: لماذا تكثر الاحجار في طريق الأعرج؟ لماذا تكون ضحايا الزلازل في المدن أقل من القرى‌ والارياف؟ فأي عدالة هذه؟ إذا كان لا بدّ من توزيع كارثة ما على الناس، فلماذا لا تتوزع بالتساوي؟ لماذا يتوجه نصل الحوادث المؤلمة الى المستضعفين دائماً؟ لماذا تنتشر الامراض المسرية والفتاكة بين هؤلاء أكثر من انتشارها بين غيرهم؟

هؤلاء لا يدركون أنَّ هذه الامور لا علاقة لها بالطبيعة ولا بعدالة الله، بل هي من نتائج ظلم الانسان لأخيه الانسان واستعماره واستغلاله.

لو لم يكن اهل القرى‌ يعيشون في الفقر والحرمان بسبب ظلم سكان المدن، بل كانوا قادرين على تشييد دورهم بالمتانة التي يشيد بها اهل المدن دورهم في المدينة، لما وقعت اكثرية ضحايا الزلازل في القرية.

ولكن عندما لا يكون بمقدورهم أنْ يبنوا دورهم، إلا من الطين أو الحجر والاخشاب، دون استعمال الاسمنت والحديد، بل يضعون كتل الطين أو الحجر وبدون تخطيط بعضاً فوق بعض، فلا شك أنَّها ستكون عرضة للانهيار عند هبوب أية ريح أو وقوع زلزلة خفيفة. وفي هذه الحالة لا يمكن أنْ نتوقع لهم مصيراً أفضل. ولكن ما علاقة هذا بعدالة الله؟

إنَّنا لا يجوز لنا أنْ نعترض قائلين: إنَّ الله قد أعطى بعض الناس مائة نعمة ونعمة، وأجلس آخرين على تراب الذلة، فذلك يسكن في قصر منيف، وهذا في كوخ ضعيف!

هذه الانتقادات ينبغي أنْ توجه الى الوضع الاجتماعي الذي فقد توازنه واختل نظامه وسار في اتجاه خاطئ. يجب النهوض لوضع حد للظلم الاجتماعي وفقدان العدالة في المجتمع، وللقضاء على الفقر والحرمان، ولإعادة حقوق المستضعفين لأصحابها، لكي لا تحدث هذه الظواهر.

ولو أنَّ جميع طبقات الشعب نالوا الغذاء، الكافي والعلاج الطبي اللازم، لاستطاعوا جميعاً ضمان صحتهم ومقاومة الامراض.

ولكن عندما تكون الحالة الاجتماعية في نظام اجتماعي متدنّية، والحكومة توفّر لطبقة من الطبقات كلّ الامكانات بحيث أنَّ كلابها وقططها تحظى بالعناية الطّبية وبالعلاج والدواء، بينما لا يتوفر لطبقة أخرى‌ حتى الحدّ الادنى البدائي من‌ العناية الصّحية للاهتمام بمواليدها الجدد، فان نسبة الوفيات بين أفرادها ستكون حتماً مرتفعة ويرى الانسان الكثير من تلك المشاهد المؤلمة.

ففي أمثال هذه الحالات، بدلاً من توجيه النقد الى أفعال الله، علينا أنْ نوجهه الى أفعالنا.

علينا أنْ نقول للظالم: لا تظلم:

وعلينا أنْ نقول للمظلوم: لا تخضع للظلم!

وعلينا أنْ نسعى لكي ينال جميع أفراد المجتمع الحد الادنى، من العناية الصّحية والعلاجية والغذائية والسكنية والثقافة والتعليم والتربية.

لذلك ليس لنا أنْ نلقي بتبعة ذنوبنا وآثامنا على عاتق نظام الخليقة. متى فرض الله تعالى علينا حياة كهذه؟ متى‌ امرنا بمثل هذا النظام؟

صحيح أنَّ الله قد خلقنا أحراراً. لانّ الحرية هي أساس التكامل والتقدم، ولكننا نحن الذين نسي‌ء استغلال هذه الحرية ونستسيغ انزال الظلم بالآخرين.

فتظهر نتائج هذا الظلم بصورة اضطرابات اجتماعية.

ولكن الذي يؤسف له أنْ يسود هذا الخطأ فيسيطر على جموع كثيرة من الناس، حتى شوهدت آثار ذلك في شعر بعض الشعراء المعروفين.

يقول الله في كتابه المجيد: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾. [سورة يونس، الآية 44]

وهكذا نصل الى نهاية بحثنا في فلسفة البلاء والكوارث. على الرّغم من‌ الكثير الذي يمكن أنْ يقال في هذا الموضوع، إلا أنَّ الذي قلناه يكفي لهذا البحث المختصر والمفيد ان شاء الله.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) سلسلة دروس في العقائد الإسلامية، الشيخ ناصر مكارم شيرازي، ج1، ص:79 - 96، عن موقع مكتبة مدرسة الفقاهة www.eShia.ir ، بتصرّف يسير.


  • المصدر : http://www.ruqayah.net/subject.php?id=2318
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 12 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 20